Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-02-2007, 11:41 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي الغابة

بقلم: محمد عوض محمد *
رسـوم: ســــعاد الصـــانبي

قال صديقي يحدثني كعادته في أواخر المساء: هي حكاية حدثت في الغابة.. وليست مستمدة من "كليلة ودمنة".. تنهدت أستجدي محطة صبر في قطار القلق المتسارع.. وقلت دونما اكتراث، لزهدي في قصص الحيوانات: هات ما عندك واقتصد! تململ صديقي على كرسيه.. تنحنح يتلكأ بحثاً عن خيوط البداية.. وطفق يحكي في سرد متمهل:

كانت حيوانات الغابة تعمل متعاونة في نشاط ووئام.. تبتكر وتطور.. والأسد على مقربة منها.. يوسد رأسه الضخم بكفيه.. يلعق زوايا فمه بلسانه.. ويراقب الحيوانات في غبطة.. وبدا كأنه يبتسم ابتسامة جانبية راضية.. ..
كان هذا الوئام يسبب ضجراً وضيقاً للثعبان وهو يتكور في جحره المجاور للدوحة العتيقة.. أخرج الثعبان نصف جسمه.. رفع رأسه المدبب في خبث.. جال ببصره في أنحاء الغابة يستكشف.. انسل خارجاً من حفرته.. تلوى بحذر يزحف نحو الأسد.. كان الأسد في تلك اللحظة سارحاً في الأفق يشحذ ذهنه في مشروع تطوير الغابة.. أحس بجسم أملس ينزلق منساباً يلامس جسده ويروم الحديث معه بإلحاح سمج.. رمقه بنصف عين.. تثاءب في استرخاء لا مبال.. أدار لسانه في زوايا فمه يرطبه.. دهس ذبابة طنت ثم حطت في زاوية عينه الدامعة.. وأومأ إليه بالإذن.. مط الثعبان جسمه يتطاول.. وهمس في أُذن الأسد بكلمات.. كان وجه الأسد يتلون.. تتبدل سحنته مع كل فحيح ثعباني!

انســـحب الثعبان مبتعداً بعد أن أتم مهمته على الوجه الأكمل.. وبالطبع لم ينس تلميع ذاته أمام سيد الغابة.. عاد الثعبان إلى جحره بجوار الدوحة العتيقة.. أخرج رأسه وضيّق عينيه يسترق السمع..

زمجر الأسد زمجرات متواليات.. أعقب ذلك هدرة مقتضبة تنم عن غيظ مكظوم.. دخل على إثرها القرد يتقافز في جذل.. نهنه الغضنفر.. دار في مكانه عدة دورات.. وطلب مثول النمر للجلسة الطارئة - كان النمر قد عرض على الأسد خطة محكمة لتحديث الغابة - دخل النمر مهرولاً مغتبطاً مرفوع الذيل.. لكنه انكمش ممتعضاً وأرخى ذيله بعد نظرة عابرة على وجه الأسدالمكفهر. .كانت الغابة في تلك اللحظة الحاسمة كلها آذان صاغية.. زأر الهزبر وسط وجوم الترقب.. وأمر بإلغاء مشروع التطوير لأنه يماثل مشاريع غابية أخرى في البرية.. نهض النمر.. ارتفع ذيله.. حاول أن يدافع عن المشروع.. لكن الأسد رفع قبضته في حزم وأنهى الحوار!... في هذه اللحظة كان الثعبان يراقب من جحره المجاور للدوحة العتيقة ويحفر حفراً في كل الأمكنة... وكان المشهد يتكرر: (تدخل الحيوانات إلى عرين الأسد.. يومئ برأسه مستحسناً الفكرة.. تخرج تتقافز وتشرع في العمل.. يزحف الثعبان نحو الأسد.. يمط جسمه يتطاول.. يهمس في أذنه بكلمات.. يتلون وجه الأسد.. تتبدل سحنته.. يدعو الحيوانات إلى جلسة طارئة ويلغي المشروع)!...

وكانت الغابة يوماً بعد يوم تتدهور.. تتصارع حيواناتها بالأنياب والقرون والحوافر والأظلاف.. تكاد من فرط التنازع والفوضى أن تتلاشى من الوجود.

* * *

في الجانب الآخر.. كان الثعلب يراقب كل الأحداث.. وفي اجتماع "فوق العادة" مع الحيوانات.. عقد العزم على إسداء النصح الصادق.. اقتحم على الأسد خلوته وحركه من سباته وغفوته- في هذه اللحظة كان الثعبان في جحره المجاور للدوحة العتيقة في حالة سبات.. لأنه يعلم أن الأسد لا يستقبل الحيوانات في هذا الوقت بالذات- ..فرك الأسد عينه الدامعة بظهر كفه.. تثاءب في تراخ واثق.. حدج الثعلب بنظرة مستنكرة حملت معاني الغضب.. لكنه بالرغم من ذلـــك اعتــــدل جالساً يسمع.

قال الثعلب مستمداً من قاموس فصاحته ودهائه: ياسيدي الضرغام.. إن من ينقل لك الكلام ينقل عنك.. إن الذين لا يعملون يؤذيهم أن يعمل الآخرون.. إن الفاسق دائماً يأتي بالنبأ.. إن صاحب النفس القبيحة لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً.. إن النرجسي العاشق لذاته الخربة يلمعها بتشويه صور الآخرين.. ياسيدي الأسد.. النفوس المريضة الحاقدة تسعى للدمار والخراب.. تؤذيها الساحات الآمنة.. يعكر صفوها الوفاق فتنثر بذور الشتات في مجتمعات التآلف.. ياسيدي الأسد.. ليبارك اللّه في عملنا الجماعي.. نطلب منك أن تطرد الثعبان الخبيث من غابتنا الآمنة والمؤتلفة على قلب حيوان واحد.

* * *

برز الثعبان من جحره المجاور للدوحة العتيقة.. لمح الثعلب وهو يغادر عرين الأسد لكنه لم يسمع الحديث الذي دار.. جاء يزحف كالعادة.. كان الأسد في هذه المرة ينتظره في شوق.. وبحفاوة مفخخة استقبله.. هش الثعبان وبش منخدعاً بالظاهر.. وبدأ ينفث السم: ياسيدي الأسد لا يغرنك حديث الثعلب في شأن تطوير الغابة.. لأنه من أوله إلى منتهاه خطل في خطل!..
ابتسم الليث.. كان صدره يعلو ويهبط وجسمه يستطيل ويتمدد.. أشار إلى الثعبان- وكان لا يزال يبتسم- أن يقترب أكثر.. تقدم الثعبان حتى صار في متناول الليث المبتسم.. رفع الأسد قبضته فوق هامته مكورة في الهواء.. وبعنف رحابة صدر انقبض.. هوى بها على الرأس المدبب!

* * *

مع تباشير الصباح.. عادت الحياة بكل جمالها ورونقها إلى الغابة.. دب النشاط وساد الوئام.. كانت الأغصان تتمايل طرباً على أوتار هبات النسيم وايقاع زخات المطر المتساقط.. النمر الأرقط يهرول هنا وهناك مغتبطاً باعتماد خطته المحكمة في تطوير الغابة.. الغزالة تبادل الأغصان طرباً بطرب في رشاقة.. تهز رأسها يمنة ويسرة.. تنفض أذنيها لتخلصهما من حبات المطر المنثال.. الزرافة تطوح رقبتهاتمرح مثل طفلة ساذجة بصفاء.. والحُمر الوحشية مع الأهلية ترعى فوق الهضبة الخضراء.. والطاووس فرد جناحيه خيمة واندست تحتهما عصفورة بللها الماء..وبعد جفاف طال.. سال الوادي يعم الأرجاء.. وكان القرد يتقافز ويصيح.. يغرس فسائل الموز في حفر الثعبان.. والأسد رابض هناك.. يوسد رأسه الضخم بكفيه.. يلعق زوايا فمه بلسانه.. يراقب الحيوانات في غبطة.. طنت ذبابة تغازله.. جالت ثم حطت في زاوية عينه الدامعة.. نظر إليها بهدوء وأغمض عينه دون أن يدهسها بكفه.. وبدا كأنه يبتسم ابتسامة جانبية راضية!

* * *

استلقيت على قفاي من فرط الضحك بعد سماعي لأحداث الغابة.. حدق صديقي في وجهي بغيظ.. يستنكر هذري مع قصة يراها جادة تستحق أن يتأملها الإنسان.. قلت بعد أن استعدت توازني ووقاري: في محيطنا الإنساني حدثت نفس القصة.. كان "الثعبان" يهمس بكلمات في أُذن "كبير القرية" وكان مؤمناً كيّساً فطناً.. يمنح ثقته كاملة ويستردها كاملة أيضاً إذا لزم الأمر.. لقد قذف به خارج محيطنا الإنساني.. ولم يهو عليه بقبضته.. هذا هو الفارق الوحيد بين ما حدث في تلك الغابة وما حدث في قريتنا.. ونحن الآن نعيش في وئام ووفاق.. نعمل ونطور بعد أن خلت ساحتنا من الثعابين السامة.. ..

كان صديقي ينصت باهتمام.. متجاوباً مع ما حدث في محيطنا الإنساني.. ومتأثراً في نفس الوقت بأحداث الغابة.. التي لم يستمدها.. من حكايات ابن المقفع!!



* كاتب وصحفي سوداني
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-02-2007, 12:07 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,984
افتراضي

أعتقد أنّ للغابة هي الأخرى نظام حياة يسير على ما تهواه حيواناتها وهي مرتاحة أكثر من بني البشر فالمسيء والمذنب في مجتمع الغابة يعاقب بما يناسب جرمه أما في واقع حياتنا البشرية فإنّ المجرمين والمخربين والمفسدين يبقون أحراراً طلقاء لا تطالهم يد العدالة بكل أسف. قصة جميلة وما من قصة كتبها بشر إلا وأراد بها النقد والتلميح مخافة التصريح من أن يعلن "غضب الآلهة" عليه! شكرا لك يا سميرة لهذه القصة الطريفة والمفيدة بما تحمل من معاني سامية.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-02-2007, 12:07 AM
الصورة الرمزية georgette
georgette georgette غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: swizerland
المشاركات: 12,479
افتراضي

قصة رائعة ومعناها كبير
للاسف يا ام نبيل انها الحياة كما هي ،، فيها المذبذبين الذين لا يهنأ لهم بال ان لم يرشو سمومهم في كل زاوية وليست فقط الغابة وحيواناتها بل ايضا الحياة وناسها
اعجبتني القصة لانها تمثل الواقع كما هو بدون تكحيل وتزيين
يسلمو ايديك يا حبيبة قلبي على العبر التي تكتبينها دائما
محبتي
__________________
بشيم آبو و آبرو روحو حايو قاديشو حا دالوهو شاريرو آمين
im Namen des Vaters
und des Sohnes
und des Heiligengeistes amen
بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-02-2007, 12:39 AM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

مروركما وتعليقكما هما الأجمل الغاليين جورجيت وفؤاد
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-02-2007, 10:17 AM
الصورة الرمزية فريدة زاديكه
فريدة زاديكه فريدة زاديكه غير متواجد حالياً
Titanium Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 896
افتراضي

الحيوان له عالمه ونظامه الخاص به فهو يكره ويحب كقول الثعبان : إن النرجسي العاشق لذاته الخربة يلمعها بتشويه صور الآخرين.. إن صاحب النفس القبيحة لا يرى في الوجود شيئاً جميلا .
تخلص الأسد من عدوه وعاش جميع الحيوانات في وئام تام في الغابة .
يمكن القول أيضا أن القوي ياكل المستوي . إنها صورة طبق الأصل عن البشر.
قصة مرصعة بالكثير من الجواهر الثمينة
تحية وتقدير لمواضيعك الشيقة ياأختاه
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17-02-2007, 08:19 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

شكرا لمرورك الجميل ياأم فرانس وعلى إضافتك المفيدة ..
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:03 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke