فقيه تحرَّش بشاعرة! صلاح الشهاوي العدد 55 - أيّار 2013 الفقيه هو شهاب الدين بن أحمد

[fouadzadieke]

فقيه تحرَّش بشاعرة!

صلاح الشهاوي

العدد 55 - أيّار 2013
الفقيه هو شهاب الدين بن أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري (نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب) (1301 - 1349م) قاضٍ فقيه إمام ومؤرّخ حجَّة في معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان، إمام في الترسّل والإنشاء، عارف بأخبار رجال عصره وتراجمهم، غزير المعرفة بالتاريخ ولا سيما تاريخ ملوك المغول من عهد جنكيزخان إلى عصره. أجلّ آثاره: «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» الذي قال فيه ابن شاكر: «كتاب حافل ما أعلم أن لأحد مثله». وله مؤلفات كثيرة منها: «مختصر قلائد العقيان» و«الشتويات» و«مجموع رسائل» و«النبذة الكافية في معرفة الكتابة والقافية» و«ممالك عبّاد الصليب» و«الدائرة بين مكة والبلاد» و«التعريف بالمصطلح الشريف» و«في مراسم الملك وما يتعلّق به» و«فواضل السمر في فضائل آل عمر» و«يقظة الساهر» و«نفحة الروض» و«دمعة الباكي» و«صبابة المشتاق في المدائح النبوية».
أما الشاعرة فهي فاطمة بنت الخشاب، وهي من شعراء القرن الثامن الهجري.
والقصة كما نقلها الصفدي من خط القاضي شهاب الدين بن فضل الله: «بلغني عنها، وقد سكنتْ قريباً مني، أنها تجيد النظم، فكتبتُ إليها لأمتحنها في شهر رجب سنة تسع عشرة وسبع مئة:
هل ينفعُ المشتاقَ قربُ الدارِ
والوصل ممتنعٌ على الزوَّارِ؟

فأجابت:
إن كان غرّكم جمالُ إزاري
فالقبح في تلك المحاسن واري».

والحقيقة أن امتحان ابن فضل الله العمري لفاطمة بنت الخشاب كان من باب المعاكسات أو ما يُطلق عليه اليوم اسم «التحرُّش». وإلا لِـمَ كتب إليها ليمتحنها؟ بل لِـمَ لَـمْ يمتحنها بمكاتبات العلماء أو بتهنئة في عيد أو بلغز كما كان يفعل مع أصدقائه؟ وهذا الامتحان هل يحتاج إلى 26 بيتاً من غزل، صحيح أنه ليس بمجون غزل عمر بن أبي ربيعة وبشار بن برد، ولكنه أيضاً ليس في عفَّة غزل الشعراء العذريين. كما أن قوله «بلغني عنها وقد سكنتْ قريباً مني» فيه التفاف ومداورة، فمن المؤكد أنه قد رآها وغلب جمالها وحسنها عقله ونفسه، فكتب إليها بحجة امتحانها قائلاً:
«هل ينفعُ المشتاقَ قربُ الدارِ
والوصل ممتنعٌ على الزوَّارِ؟
ميلوا إليَّ فللغصون تمايلٌ
حتى تُقبِّل أوجهَ الأنهارِ
واجلوا محاسنكم لأحظى بالذي
قد كنتُ أسمعه من الأخبارِ
لا تحسبوا أن السفورَ نقيصةٌ
أَوَ ما ترون مطالعَ الأقمارِ
أيجوز أن أظما وورد نداكم
صفوٌ من الأقذاء والأكدارِ
وأموت من دائي وفي أيديكم
طبِّي من الأسقام والأخطارِ
إني سمعتُ صفاتكمْ فسكرتُ من
طربي بغير مدامةٍ وخمارِ».

إذاً، الإمام الفقيه هنا يحاول إقناع الشاعرة بأن تكشف وجهها ليتملَّى جمالها الذي سمع به. أما فاطمة بنت الخشاب فكانت تعرف مكانة شهاب الدين بن أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري وقوته وقربه من ذوي السلطان، وتعلم كذلك أنها ليست نداً له، فأرسلت إليه سبعة أبيات؛ كل بيت منها بأربعة من أشعاره:
«إن كان غرّكمُ جمال إزاري
فالقبح في تلك المحاسن واري
لا تحسبوا أني أماثلُ شعركمْ
أنَّى تُقاسُ جداولٌ ببحارِ
لو عاصر الكنديُّ عصركمُ رمى
لكمُ عوالي راية الأشعارِ
أقصى اجتهادي فَهْمُ ظاهر نظمكمْ
لا أنني أدعى دعاء مجارِ
من قصَّرتْ عنه الفحولُ فحقُّهُ
أن ليس يـبلغه لحاق جواري
ولربما استحسنت غير حقيقةٍ
فإذا سفرتُ أشحتُ بالأبصارِ
لستُ الطموح إلى الصبا من بعدما
وضح المشيب بلمَّتي كنهاري».

إذاً، لم تُقرِّعه، ولم تُؤنِّبه، ولم تعاتبه لأنه يدعوها إلى السفور والوصل، ولم تُشهِّر به بين الناس، بل مدحته، ومدحت شعره. وفي قولها: «من قصَّرتْ عنه الفحول» أحد أمرين: إما أنها تجامله، وإما أنها جاهلة بالشعر والشعراء، فابن فضل الله العمري ليس بذي مكانة شعرية معتبرة، فهو فقيه وقاضٍ ومؤرّخ ولا يُعدُّ من الشعراء المجيدين. ولا نظنها إلا مجارية له حين تقول إن امرأ القيس (الكندي) لو عاصره لرمى له لواء الشعر والشعراء، وإذا قرأنا ما بين السطور نجد أن في قولها هذا إشارة إلى قول النبي محمد عن امرئ القيس: «يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار».

«الغاوون»، العدد 55، 1 أيار 2013


- See more at: http://www.alghawoon.com/article/147....R9seZtMB.dpuf