تحيّة إلى روح الزميل زهير منصورة

[fouadzadieke]

تحيّة إلى روح الزميل زهير منصورة

لقد شاءت الحياة وتقادير الزمن أن تجمعني والمرحوم الأخ الزميل (زهير كيراكوسيان) والذي كنا نعرفه ونناديه باسم زهير منصورة, هذا الرجل الطيّب والخالص النيّة والمحبّ, رجل النكتة المفيضة فرحاً وسروراً ومتعةً. نعم شاءت ظروف الحياة أن تجمعنا في أكثر من موقع ومن موضع.

في أواسط الخمسينات من القرن المنصرم جمعنا معاً لهو الشباب وبراءة الأطفال المبكّرة في ?ولات ديريك وبين كافاتها (كيفينها) كما ننطقها في لهجة آزخ الحبيبة والتي كان يتقنها مثلنا وأفضل, وكثيراً ما كنّا نلعب البرّه والتوش والكيلفرّه والطبّه والمزيعير وال?لل, ونتسابق في السّه ?افه (القفزة الثلاثيّة) ونجري بين دحلة المرحوم مراد لوزه وأخيه يعقوب لوزه, حيث كانت ترويها برك مائية تنشأ من ?مّ ديريك الفائض والذي كان غزيراً في تلك الأيام, والذي أقيم فيما بعد بالقرب منها دار ملكي زيرو ومدرسة ناظم الطبقجلي الإبتدائيّة.

كنّا نسبحُ في تلك البرك وفي ذلك ال?مّ (المجرى المائي) ونسترخي على جانبيه. إنّها كانت أيّاماً ممتعة حقّاً, إذ لم يكن يعكّر صفو ذلك اللهو اهتمام بالدرس أو بالمدرسة, وحيث كانت الشلّة من الأصدقاء والذين أذكر منهم المرحوم الشهيد أفريم مراد لوزه الذي سقط في الحرب العربيّة الإسرائيليّة في عام 1967 وهو رامي دبابة والزميل والصديق الياس صليبا سلطو جارنا والمرحوم كريم ?ا?و والأستاذ أديب جرجيس لولا والصديق ?برو ابراهيم بهنان والأخ جميل ابن يوسف القس وبطرس ابراهيم ابن بهيّة وحنا ابن ككّه بوصو وأخوه نعيم وغيرهم وغيرهم. وقد كنّا في تلك الأعوام مستأجرين في دار المرحوم مراد لوزه, ثمّ تشاء الصّدف بعد ذلك أن تكون لنا ماكينة لبيع الخرط )البشرة) والبوز وال?ازوز في وسط مدينة ديريك وسوقها الرئيسي ثمّ بعد ذلك دكّان لبيع المشروبات الروّحيّة (الكحوليّة) وحيث كانت أسرة المرحوم تسكن في تلك الحارة من الجهة التحتانيّة باتجاه معمل البوز ورحّان (طاحون) النّار.

تكرّر اللقاء بعد ذلك بيننا فيما تلا من المراحل الدراسيّة في إعداديّة يوسف العظمة في ديريك وحيث كان يكبرني في العمر بسنتين, ويسبقني بالطبع بصفّين دراسيّين. ثمّ تشاء تلك الصّدف مرّة أخرى أن تجمعنا معه فيما جمعنا من شباب ديريك في دار المعلّمين بالحسكة وكان ممّن كان معنا الزملاء: شكري مرقص والمرحوم حبيب إيشوع موسى والمرحوم أدور مراد (لم?كه) وأفرام عبد الأحد وأفرام ?وری وأخوه عيسى کوری أبو أحمد وصامو اسحق ?ورو ووديع ابن ?ولص العربان?ي وعيسى حدو وغيرهم لتكون تلك الفترة التي أمضيناها سويّاً في مدينة الحسكة من الأيام الجميلة فقد كنّا شلّة على الرغم من اختلاف انتماءاتنا السيّاسيّة في تلك الأيام, إلاّ أنّ تفاهماّ وتحابّاً وتضامناً كان يجمعنا ويقوم بيننا وفيما أذكر من الزميلات الزميلة سعاد يوسف ?یژو ونعیمة قریاقس.

ولم تکن تلك النهایة بل شاءت الظروف آن نلتقي مجدداً فی مهنة التعلیم فی دیریك الحبیبة وحیث کان المرحوم معلّماٌ ثم مدیراٌ ثم رئیس نقابة المعلّمین فی دیریك وبقی الاتصال بیننا بحکم الوظيفة والصداقة من جهة ومن جهة أخرى من خلال الأمسیات الشعریة التی کنت أقوم بإحیائها فی المرکز الثقافي فی دیریك.

شاءت الصّدفة والعناية الإلهية أن تجمعنا مرة أخرى في حارة واحدة في ديريك حيث كان كلّ منّا قد بنى بيتاً في الحارة المقابلة لكروم طريق الجسر باتجاه القامشلي حيث كان الملعب البلدي في فترة ما ومسبح لطيف غير بعيد عن الحارة, وقد ضمّت الحارة المذكورة بيوت كل من الأستاذ صبري حودلكو والمرحوم حبيب إيشوع وبيت المرحوم زهير والأستاذ أديب جرجيس لولا وبيتي هذا من جماعة المعلّمين.

ثمّ وبعد سنوات يتجدّد اللقاء مرة أخرى ولكن ليس على رقعة البلد أو الوطن الكبير بل في الغربة وحيث هاجرتُ وعائلتي إلى ألمانيا في العام 1986 ولحقنا بعد ذلك التاريخ المرحوم مع عائلته وسكن في الجمهورية ذاته من جمهوريات الإتحاد الألماني وهي منطقة بادن فوتمبرج وتكرّر الاتصال بيننا وكانت المراسلات بيننا دون انقطاع وفي مختلف المناسبات وأوقات الاشتياق وكان كلّ يبثّ لواعج حرمانه ومعاناته وكان المرحوم فناناً يرسم اللوحات المميّزة كما كانت له محاولات في نظم الشعر وقد أخبرتني أرملته بعد وفاته أنهم يسعون إلى تكليف الكاتب السوري السرياني والمقيم في المانيا منذ زمن طويل رفيق الشامي بأنه سيقوم بنشر أشعار المرحوم. وكان معجباً بأشعاري التي أنظمها في مختلف المناسبات التي كانت تجمعنا في ديريك.

قبل فترة وفاته انقطعت أخباره عني وأظن السبب في ذلك كان معاناته الشديدة في أواخر أيامه من مرض عضال كان ألمّ به نخر في لحمه البضّ وفي عظامه الطريّة فأتلفها وأنقص وزنه إلى أن صار لا يتجاوز الثلاثين أو الأربعين كيلو عراماً بعدما كان يزن أكثر من مائة وعشرة كيلو غرامات.

لقد تعثّرت أموره في الحصول على الإقامة هنا وهذا ما أحزنه وجعله يسهر الليالي الطويلة وزاد عبء الأيام وحزنها عليه ممّا سبّب له في ذلك المرض الذي نجم عن الحزن المتواصل والمرارة التي كان يحسّ بها لخيبة الأمل وطول المعاناة.

لقد كان المرحوم فناناً مرهف الحسّ رقيق الشعور كثير النكتة ظريف الظلّ. ومع جميع هذه الصفات الإنسانية التي كان يتمتّع بها فإن هذا المرض الخبيث لم يراع أية واحدة منها ولم يرحم وضعه العائلي ولا تيتّم أولاده وترمّل زوجته فأخذه بعد أن بات عاجزاً في آخر أيامه من القيام بأعماله الشخصية والتي يقوم بها كل منّا في أعمال الروتين اليومي, وكما أخذ المرض ذاته زهرة عمر أخي المرحوم جوزيف زاديكه فهو أخذ زهرة عمر زهير البطل وعلى أغلب الظنّ أن مرضه كما روت لي أرملته كان ناجماً عن هذه المعاناة الرهيبة التي كان يعاني منها وسبب تأثره الشديد في ذلك كان رقّة إحساسه وشعوره المرهف!

كان التحسّر والضغط الشديد الذي أثقل عليه حياته كالكابوس المرعب عليه, ولم تسعفه سهرات الليل الطويلة ولا نظم قصائد الشعر التي كان يرثي فيها وضعه ويترحّم على ماضيه بما كان فيه من براءة وانطلاق وعفوية. أصرّ بكلّ عنفوانه على الاستمرار وأرادها حرباً ضروساً بينه وبين هذا الوضع المتردّي, لكنه لم يفلح في المقاومة وتلف جسمه وضعفت حركته وخمل تفكيره وغابت أحلامه وأمانيه فكان ضمور في كلّ شيء في جسده وعواطفه ومجاري الدم المتحرّك فيه. وفور معرفتي بالخبر تلفنت لأرملته وكان حاضراً صهره أستاذي جميل ابن يعقوب ?بره زوج أخته الذي قدم من أمريكا ونظمت فيه هذه القصيدة التي كانت ابنة لحظتها الحزينة:

إبك يا ديريكُ عنّي

في رثاء الراحل الزميل زهير منصورة




إبك ِ يا ديريكُ عنّي ** فلقدْ جفّتْ دموعي

واعترى الوهنُ فؤادي ** واستوى بين ضلوعِي

غيّب الموتُ صديقاً ** كان في رأي الجميع

ِطيّباً في حسن خلْق ٍ ** يمرحُ بين الجموع ِ

مطلقاً نكتاً تنالُ ** من هوىً حسنَ الوقوع ِ

سامقاً دون اعتداد ٍ ** في تواضع مستطيع ِ

غيّب الموتُ زهيراً ** لا يُؤمّلُ في الرّجوع ِِ

غير أنّ الذّكر منه ** يبقى متّقد الشموع ِ.

إبك ِ يا ديريكُ عنّي ** في ابتهالات خشوع
ِ
وليكنْ منّا الترحّمُ ** في رجاء ٍمن يسوع ِ

أنْ يمنّ الصّبرَ والسّلْـــ ** ـــوانَ من لطف الشّفيع ِ.

أبدع المزح ال تّألّق ** يسمو في عشق رضيع ِ

إبك يا ديريك حزني ** فأنا أدري وقوعـِي

في متاهات التألّم ** والتوجّع والفظيـــــعِ

أنهك الحزنُ الحياةَ ** ومدى القهرِ المريــــع ِ.

كان لا يأتيه نومٌ ** يأبى أورام الخضــوع ِ

يهوى أشكال التمرّد ** لا احتمالات الرّكوع

ينظم شعراً ونثراً ** في أحاسيس الوجيــع ِ

حتّى أرداه صريعاً ** وهو في عمر الرّبيــع ِ

ذلك الحزن المعبّأ ** وعلى نحو سريـــــــع ِ.

أسرةٌ ذاقت وعانتْ ** في التغرّب والهجوع ِ

لن تموت الشّمس فهي ** تعشق فنّ السّطوع ِ

حتّى لو غاب ستبقى ** مبعث الدفء البديع ِ

أنت في الذكرى كديريك ** التي تهوى رجوعـــِـي

أنت في القلب تظلّ ** حيثُ أحزاني وجوعي

حيثُ أفراحي وشعري ** كلّما هاجت جموعـــِي.

* * * * * * * * *

فؤاد زاديكه ألمانيا 2005،02،15

[SamiraZadieke]

لقد ذكرتني بالمرحوم بل وذرفت الدمع حقا كان إنسانا محبا بكل معنى الكلمة ألف رحمة ونور لروح المرحوم زهير ولعائلته وأولاده الصبروالسلوان أسكنك الله فسيح جناته ياأستاذ زهير+++

[georgette]

الله يرحمو يا اخوي وما كتبت فيه يثير الحزن بالنفس والاسف على خسارته ولكن للقادر اسبابه وكلنا لها يوما ما
حلوة القصيدة ومحزنة يسلمو ايديك
جورجيت

[fouadzadieke]

شكراً للعزيزتين سميرة وجورجيت على المشاركة ودمتما

[ام كيرلس]

الله يرحمه

والقصيدة جميلة ومحزنة ....إنه جبروت الموت

[fouadzadieke]

شكراً لك يا أختنا الغالية أم كيرلس لقد نوّرت بطيب أرائك وحسن معرفتك وإني مدين لك بشكر كبير لهذا.

[الياس زاديكه]

نعم وألف نعم كلمة !! أنها أصعب كلمة أقولها على الإطلاق (رحمك الله) أيها الأستاذ القدير، والفكاهي الكبير، والمعطي بغزير .
بحرقة قلب أنطقها ، وداعا حبيب الجماهير التي تركت في أذهاننا ذكريات جميلة ومرحة .
نعم أخاطبك ولك أسأل : هل تذكرعندما كنت تقول لنا وبكل فرح وسرور (كيڤ?ال او كيڤ?ال كيڤ?الين )
(عقروق و عقروق عقروقين) ماأجملها من ذكريات وماأروعها من لحظات .
رحمك الله حبيبي وأسكنك جنان خلده

ألياس زاديكه

[fouadzadieke]

لك خالص المحبة والشكر يا حبيبنا أبو فرانس على تعليقك على نصوصنا ومرورك عليها