Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-04-2007, 08:44 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,164
افتراضي الشعر نشأته ولغته وحاجتنا إليه// بقلم : سعود الأسدي


بقلم : سعود الأسدي

من البديهي أن أيّ عمل فني من الفنون لا يقوم إلا بمادة معيّنة ، فالشعر يقوم باللغة ، والنحت بالحجر ، والرسم بالألوان ، والموسيقى بالأنغام . وفن الشعر من بين هذه الفنون هو الأغرب والأصعب والأكثر تعقيداً ، ذلك لأنّ لغة الشعر غير لغة النثر ، وغير لغة التفاهم التي يتعامل بها الناس في قضاء حاجاتهم اليومية ، وتبادل منافعهم المادية ، ثمّ أن لغة الشعر كما هو الحال في اللغة العربية لغتان : لغة فصحى معربة ، ولغة عاميّة ، أو محكية غير معربة ، وحتى هذه الأخيرة ليست لغة واحدة بل لغات أيضاً لتنوّع اللهجات في الإقليم العربي الواحد فضلاً عن الأقاليم المتعدّدة على امتداد العالم العربي في قارتي آسية وإفريقية .
وأول ما يلفت النظر في فن الشعر أنه فن هجين مولّد بفعل تداخل عنصرين : الأول عنصر اللغة ، والثاني عنصر الموسيقى ، وبتداخل هذين العنصرين تتولّد لغة خاصّة مغايرة غير لغة النثر المستعملة في تعليم مواضيع مثل المنطق والرياضيات والفلك والجغرافية والفيزياء وغيرها من العلوم . وبالطبع هي أيضاً غير لغة النثر الفني الذي كان منشأه متأخّراً عن منشأ الشعر ، وإن كان في بعض هذا النثر من خصائص قد ترتفع به إلى مستوى الشعر .
اعتمد الشعر أول ما اعتمد عليه على التأثير الصوتي كمادة للتوصيل ، لأنّ ما تحمله لغته من ذبذبات موسيقية متناغمة ، ونبرات أو مقاطع صوتية توافقية متساوية وقافية إيقاعية ضابطة تردّك إلى سابقتها كما هي الحال في الشعر العربي كان نتيجتها خلق تفاعيل بترتيبات متنوّعة نتجت عنها بحور الشعر المتعدّدة ، وهي الموازين التي اتبعها الشعراء كابرًا عن كابر ، وتعارف عليها الناس قبل أن يدرسها الخليل بن أحمد ويضع لها " علم العروض " الذي يبحث في بحور الشعر وأوزانه وقوافية وما يجوز فيها وما لا يجوز .
علاقة الشعر بالموسيقى
هناك من يقول بوجود تشابه بين شطري بيت الشعر والجمله الموسيقية Sentence ) ) ، والتي قوامها ثماني فواصل ( (Bars ، وتقسم إلى جزءين يكمّل أحدهما الآخر ، كما هي الحال في شطري بيت الشعر ، وأن طول بيت الشعر أو قصره جاء مطابقاً في تفاعيله للجمل الموسيقية الكاملة أو المجتزأة أو المضغوطة ، وهذا ما رآه الخليل بن أحمد وكان موسيقياً وله معرفة بالإيقاع والنغم بدليل كتابيه في هذا الموضوع . فقد قال بالمشابهة في الإيقاع الزمني بين الشعر والموسيقى ، وكذلك الجاحظ الذي قال بوضع الموزون على الموزون من شعر وموسيقى . ثم صفي الدين عبد المؤمن الأرموي البغدادي ( 1216 ـ 1294 ) الذي قال بتشابهه الفترات الزمنية الإيقاعية بين الشعر والموسيقى .
وهكذا باستجابة الشعر للمتطلّبات الإيقاعية الموسيقية ، ولكون الشعر والغناء في العصر الجاهلي متلازمين فقد كان الشاعر المغنّي يبتكر كلماته ويرتّبها بحيث تناسب القالب اللحني الذي يُتغنّى به . وما كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وهو الموسوعة الكبرى للشعر العربي المغنّى برموزه الموسيقيّة أمام كل قصيدة إلا شاهد كبير على موسيقية الشعر العربي وغنائيته منذ نشأته الأولى .
ألشعر ظاهرة طبيعية
إن الشعر ظاهرة طبيعية ، وليس ظاهرة فوق طبيعية كما كان ينظر إليه وإلى قائليه في بداية الحضارات ، وكأنه من مملكة سحرية أو عالم يكتنفه الضباب والغموض ، تُوحي به شياطين أو ربّات فنون إلى نفر قليل من الناس . فقد زعمت العرب في جاهليتها أن لكل شاعر شيطان يوحي إليه الشعر فيُحفظ في جنانه ، ثم يجري على لسانه . ولم تكن العرب بدعة في هذا الاعتقاد فقد كان اليونانيون يعتقدون أنّ ربّة الشعر الموساي ( Muse ) هي التي توحي إلى الشاعر شعره ، مما حدا بأفلاطون إلى أن يقول في الشاعرة اليونانية الغنائية سافو ( 610 ـ 580 ) :
يقولون إن ربّات الفنون تسع
ألا ما أشدّ غباءهم
فليعلموا أن سافو الليسبوسية
هي العاشرة !!
وإن أفلاطون هذا كان قد رأى في الشاعر " كائناً أثيريّا ًمقدّساً مجنّحاً لا يمكن أن يبتكر قبل أن يُلْهَم ، ويفقد بهذا الإلهام إحساسه وعقله ، والشعراء لا ينظمون عن فن ، ولكن عن موهبة إلهيّة ، وما تلهمهم إياه ربّة الشعر ، لذلك يفقدهم الإله شعورهم كي يتّخذهم وسطاء كالأنبياء والعرّافين " .
يقول هدسون مكسيم : " عندما تجرّأ بعضهم وسألوا عن ربّة الشعر ، وجاسوا خلال هيكله المقدّس متفحّصين جنباته بقنديل العلم باحثين عن ربّة الشعر المزعومة فلم يجدوها لم يكن فعلهم هذا بنظر الكثيرين تدنيساً لهيكل الشعر فحسب بل كفراً لا يقلّ عن كفر جاليلو لقوله بدوران الأرض حول الشمس ، أو داروين في زعمه بنشوء الإنسان والقرد من أصل واحد " .
ولما كان هدسون مكسيم يرى في الشعر علماً يختصّ الشاعر بمعرفة عناصره ، وتتجمّع فيه مقوماته ، لذا رأى أن الشاعر يصنع شعره بما هو من عنده ، وليس وحياً من غيره ، فالشعر بلغته الخاصة من أوزان وتشبيه واستعارة وكناية وتقابل وتناظر وتكرار ومبالغة وغير ذلك مما في الشعر إنما ينجم عن معرفة الشاعر ودرايته المختزنة في ذاته عن طريق حواسّه وحدسه بوعي منه أو بغير وعي مما يجب أن يلمّ به لصناعة الشعر ، وأن تلك المعرفة لا تختلف عن معرفة علم الرياضيات والفلك والملاحة وسائر العلوم الإنسانية . وقديماً رأى اليونانيون في الشاعر صانعاً ، وكذلك العرب عندما أخذوا بمنهج العلم بدليل " كتاب الصناعتين " .
وأنا أعتقد أن كلمة "شعر " في أساس وضعها في لغة العرب إنما تعني معرفة الشيء والعلم به ، وما كلمة " ليت شعري " التي تكرّرت على ألسنة الشعراء القدماء إلا لتمنّي حصول العلم بالشيء ، فتكون كلمة " شعري " بمعنى علمي هي اسم ليت وأمّا خبرها فمحذوف تقديره حاصل .
لقد حامت حول الشعر منذ بدايته أفكار غامضة ، وأحاط الناس الشاعر بهالة من الإجلال والإكبار والتقدير ، كما كانت الحال عند القبائل العربية إلى عهود قريبة ، فقد كانوا يفرحون لولد يولَد ، أو فرس تُنتج ، أو شاعر ينبغ لحاجتهم إلى الشعراء والفرسان للذود عن حياضهم والتصدّي لأعدائهم .
وبالرجوع إلى صلة الشعر بالغناء فقد دلّت آثار الحضارات القديمة السومرية والبابلية والفرعونية على الصلة الوشيجة بينهما ، وكذلك أشعار التوراة ( شعر دبورة والمزامير ونشيد الأنشاد ) . وإن الكنّارة البابلية كان مرافقة للشاعر ، ومثلها الآلة الفرعونية ، وآلة اللير ( Lyre ) اليونانية حتى أصبحت كلمة Lyrical تعني الشعر المغنّى قبل أن تنحو هذه اللفظة في معناها منحى الشعر الذاتي الوجداني الشخصي المعبر عن مكنونات صدر الشاعر في حالة رضاه أو غضبه أو فرحه أو حزنه أو تأمّله .
إن لفظة " شاعر " كانت تعني الذي يجمع بين صنعتي قول الشعر وغنائه ، ثم أصبحت في عهد متأخّر تعني مغني الشعر ، لذا كانت الأوساط البدوية في بلاد الشام حوران وسواها إلى زمن قريب تطلق لقب " شاعر " على مغنّي القصيد البدوي من شروقي وهجيني ومعنّى ، وكذلك الأوساط الشعبية في مصر فإنها كانت تُطلق على منشدي القصائد الملحميّة مثل سيرة عنترة وسيف بن ذي يزن وتغريبة بني هلال تسمية " شعراء السير الشعبية " .
ومن المعروف أن الموشّح في أصل نشأته شعر فصيح وضع للغناء ، بينما الزجل شعر عاميّ مغنّى ، ولا يزال الزجّال وهو القوّال أو صاحب الكار يقول زجله مغنّى ، وللزجل حضور بارز ، وله جمهور كبير ، يفوق بعدده جمهور الشعر الفصيح . ولذلك على ما أعتقد سببان : الأول لغته المحكية الأليفة لأسماع الناس ، والثاني غناؤه ، ولعل غناء الشعر هو الدفيئة التي تساعد على نموّه وانتشاره السريع خاصة بالوسائل السمعية المتيسّرة ، ومنها الأشرطة المسجّلة التي يقبل الناس على شرائها ، بينما لا يقبلون على شراء دواوين الشعر المقروء !
لقد كان الشعر في جميع فتراته فنًّا مسموعًا ، وجمهور الشعر المسموع واسع ، بينما قرّاء الشعر المكتوب قلّة وهم خاصّة أو خاصّة الخاصّة . فَلِكي نُعيد مجد الشعر ، وهو بالطبع ضرورة فنيّة إنسانية وحضارية أرى أن نرجع به إلى جمهوره أو نرجع بجمهوره إليه ، ولما أصبحت غالبية الناس مشاهدي تلفزيون ومستمعي إذاعات ومسجّلات صوتية فإنني أرى أن توسع هذه الوسائل المجال للشعراء ليعرضوا إبداعاتهم على الملأ .
أمتنا غير قارئة
أعتقد أن مقولة : العرب أمة شعر هي تهمة باطلة وغير صحيحة ، وليتها كانت صحيحة ، فلا يعود كبار شعراء أمتنا العربية يشكون من الفقر لقلة مبيعات دواوينهم التي يطبعونها بألف أو ألفي نسخة لتظل على رفوف المكتبات والأكشاك عرضة للشرد والبرد والغبار ، وهي تغطّ في سبات عميق ، فلا يوقظها منه أحد من تلك الأمة التي تربو في تعدادها علي مائتي مليون ما بين المحيط والخليج !

عن الوطن
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:06 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke