Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-02-2006, 03:10 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,164
افتراضي يعقوب الغافل

يعقوب الغافل

أغدقت الحياة على يعقوب من نعمها الشيء الكثير. فعاش في بحبوحةٍ قلّما يحصل عليها أقرانه, فتباهى بغناه وبعثر الكثير من أمواله منفقاً إيّاها في دهاليز القمار وخانات العربدة والسّكر وبيوت الدّعارة.
كان أهلُ بلدته ينادونه ب"يعقوب المدعوم" وربّما كانوا يقصدون بذلك أنه لم يكن يبخل على رجال الشرطة وعناصرالأمن بالمال الذي كان يشتري به ذممهم ويؤمّن من خلال ذلك دعمهم له ومساعدته متى اقترف إثماً أو تعدّى على الناس, أو حاول التعرّض لهم من دون أية أسباب. وكان هذا بالفعل ما كان يحصل في الغالب. فيعقوب بهذا الإنفاق السّخي من الأموال على هؤلاء المسؤولين والذين كانوا أمامه كالكلاب الذليلة يسوقها إلى حيث يشاء دون اعتراض أو تذمّر! لأنّه كان يملأ جيوبهم - وهم أصحاب الشأن والأمر والنهي في مجتمع لا يسود فيه القانون - يسدّ أفواههم ويكمّ ألسنتهم.

طال الأمر على هذه الحال وكان يعقوب يزداد كلّ يوم بلاهة وينغمس أكثر في ملذّاته دون أن يفكّر يوماً واحداً في مصيره عندما يأتي الحسابُ العسير الذي لا بدّ منه. وكما يقول المثلُ "مَنْ شبّ على شيء شاب عليه" فلم تكنْ فتوّة يعقوب إلاّ لتزداد قوّة وإقدامه يزداد بسالة وفعله يزداد شناعة.

أخذت يعقوبَ الغفلةُ من مطبّات الزمن ومستحقّات الدّفع, فظنّ أنّ الحياة خالدة خلود الأبد وأنّ أمواله لن تكون لها نهاية وأنّ السبيل الميسّرة له بهذا المال ستدوم وأن سلطته الماديّة ومقدرته الشخصيّة على العيش في هذه البحبوحة من رغد العيش, وفي الحصول على كلّ ما يتمنّاه ويشتهيه - وهذه الرغبة لم يكن لمدّها من حدود ولنهاية جشعها من أمد - سوف تستمرّ على ما هي عليه.

كان يعقوب ذات يوم مستلقياً في فراشه يسعى إلى استقدام النوم إلى عينيه بعد ليلة من الملذات كان طعمها لا يزال يقطر عسل شبق وفجور, وقد كان نهاراً حافلا بالطيّبات مملوءاً بالمستلذات. حاول جاهداً أن يستقدم النوم إلى ليله ولكن النوم كان واحداً من المتمرّدين الذين لم يخضعوا لسلطان مادته وقوّتها! وأبّى أن يحضر إليه, فهو ليس شرطيّاً أو رجل أمن يمكن كسر شهوته والتغلّب عليه ببعض الليرات المقدّمة إليه!

سمع يعقوب صوتاً صارخاً يتحدّث إليه منادياً إيّاه باسمه, فبهت واستغرب إذ كيف يمكن لمخلوق أي كان أن يدخل عليه دون استئذان ويقلق راحة ليله هذا وهو في سعي حثيث إلى الحصوب على النوم بعد تلك المغامرات التي دامت طوال النهار؟ مّنْ يمكن أن يكون هذا الشخص؟ وهل يكذبُ نفسه وهو يسمع ذلك بوضوح؟ بدأ شيء من الخوف يقرع باب قلبه المظلم وبدأت مشاعره تتأجّج وعواطفه تسبح بعيداً عنه في مهبّ ريح لا يريده لها. كان من الطبيعيّ أن تصطكّ ركب يعقوب لأنه لم يكن قويّاً إلاّ بشيء واحد ألا وهو المال. وهذا المال لا يوفّر له الشجاعة بينه وبين نفسه على خلاف ما كان يوفّرها له خلال تظاهره أمام الناس بالقوّة والعظمة. ازداد شعوره بالخوف أكثر عندما أحسّ بوقع خطى تقترب من سريره ففرك عينيه بيديه في عدّة مرّات متكرّرة وبشيء من العصبيّة والقلق والانفعال ليتأكد من أن ذلك حلم وليس واقع. لكنّ تمنياته كانت مجرّد أضغاث أحلام وآماله في أن لا يكون ذلك حقيقيّاً ذهبت أدراج الرياح, فهو بات يرى شخصاً حقيقيّاً صار على مقربة متر واحد منه واستطاع أن يميّز بوضوح الملاءة البيضاء التي كان يرتديها وأن يحسّ ذلك النّور الغريب الذي كان يشعّ من عينيه وهو على حال من الغضب مخيف ومفزع. لم يعلم كيف خرجت عبارةُ مَنْ أنت؟ من فمه. وهو يرتجف من شدّة الخوف كما ترتجفُ القصبة في متاهة اضطراب المياه. وحينما لم يسمع جواباً لسؤاله كرّر بشيء من الثقة المضطربة وهو يرفع صوته: مَنْ أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟ أين الخدم؟ أين الحارس؟
- لا الخدم ولا الحارس ولا أي إنسان يستطيع أن يمنع قدومي إليك أو إلى غيرك! فهل لم تعرفني بعد؟
- لا لا إني لا أعرفك! قل لي من أنت؟
- لطالما أنت مصرّ على معرفة من أنا. فإني سأقول لك من أنا يا سيّد يعقوب!
- زاد من خوف يعقوب ومن ارتباكه ولأول مرّة في حياته أحسّ برهبة غريبة من قوّة أعظم من ماله ومن شهواته ومن ميوله الطائشة فأجاب: قل لي بسرعة وخلّصني!
- فأجابه الشخص الماثلُ أمام عينيه بوضوح: سأقول لك ولكن لن أخلّصك, كما لن يستطيع أحدٌ أن يخلّصك منّي أيّها الإنسان الغافل والغارق في أوهام هذا العالم الذي لا تنتهي إغراءآته ومغرياته. هل سألت نفسك يوماً عن سبب وجودك في هذه الحياة؟ وما هي مهمّتك التي جئت من أجلها بشراً ضعيفاً لك إرادتك لكن ضمن حدود ما يمليه عليك ضمير الخير فيك؟ إنّك جئتَ مخلوقاً على إثر الخطيئة البشريّة الأولى التي ارتكبها جدّك الأكبر آدم, وعلى كل الجنس البشري أن يدفع ثمن هذه الخطيئة. لقد قدم الرب يسوع إلى هذا العام حملا وديعاً ليفدي بني جنسه. هل سمعتَ به؟ هل تعرف منْ هو هذا الرجل الذي كان في يوم من الأيام بشراً وهو ربّ الملائكة ليقوم بعمل عظيم؟ أعتقد أنّك لا تعرفه! فلو كنت تعرفه لأدركت مَن أنا؟ تابع الشخص قائلا: إنّي الملاك عزرائيل يا يعقوب! فهل تعرف ما هي مهمّتي؟ وهل سمعت باسمي؟
- أجاب يعقوب وهو يرتجف بشدّة ويلفظ كلمات متقطّعة لدى سماعه كلمة "عزرائيل": نعم نعم إنّه الملاك المكلّف بأخذ أرواح الناس!
- جميل جداً يا يعقوب: قال له عزرائيل. ثمّ تابع ليقول: وهل حضّرتَ نفسك لمثل هذا اليوم ولمثل هذه المقابلة؟
- أجاب يعقوب: لا يا سيّدي!
- قال له الملاك: والآن ماذا ترى؟
- رجا يعقوب الملاك عزرائيل وهو يبكي ويعده بأن يعود عن غيّه ويترك ضلاله ويحسّن سلوكه ويصبح إنساناً آخر وطلب منه أن يمهله بعض الوقت لأنّ مجيئه كان على عجل وهو لم يحتاط للأمر.
- سمع عزرائيل كلامه , وأراد أن يمنحه فرصة أخيرةً لكي ينقّي أفكاره من خبثها وينظّف نفسه من أدران خطاياها التي زادت عن كلّ الحدود, وقبل أن يغادره معلناً له عن قراره هذا قال له: كان حريّاً بك يا يعقوب أن تعرفني منذ زمن!... لا شكّ أنّ أهواء الحياة وملذاتها ألهتك عني وعن التفكير بآخرتك, وهذا دينٌ مستحقّ الدفع على كلّ أبناء الجنس البشري, وهو حقّي الذي جئتُ أمارسه في قبض روحك والذهاب بها بانتظار يوم المحاسبة ها إني مغادرتك اليوم وسأعطيك الفرصة لكي تحاول إصلاحَ كلّ شيء في حياتك. ثمّ ودّعه منذراً إيّاه ومؤكّداً له عودته مرّة أخرى ليتسلّم الأمانة في الوقت المناسب.

غادر الملاك عزرائيل ولم يتمكن يعقوب من النوم لحظة واحدةً بل بات يفكّر في الموضوع وعندما لاحت تباشير الصباح, نهض من فراشه وهو مهيض الجسم مكسّر الإرادة مهشّم الأطراف كأنّ أوصاله برمّتها قد دقّت في جرن دقّاً عنيفاً وكانت عيناه متورمتين, وما أن نزل إلى السوق والتقى بمن كان يلتقي بهم كلّ يوم حتى نسي قصّة الملاك عزرائيل ولم يعد يفكّر بزيارته ولا بتهديداته التي أطلقها قبل مغادرته ليعقوب, بل أكثر من ذلك فإن زملاءه الذين لاحظوه على غير عادته وما كان بادياً على وجهه وبدنه من شدّة الإعياء تقدّموا إليه سائلينه عن الأمر فأجاب قائلا ليس من أمر فقط كان لديّ البارحة بعض الأرق ولم أستطع النوم كما يجب!

مضت الأيام والأسابيع والشهور وسرعان ما "عادت حليمة إلى عادتها القديمة" وعاد يعقوب إلى ما كان عليه من فساد بل هو لم ينقطع عنه يوماً واحداً مذ كانت زيارة عزرائيل له.

غاب عن بال يعقوب أنه قبل ثلاثة أيام مات جاره أحمد وقبل يومين مات جاره الآخر علي وأنه وقبل يوم مات جاره عيسى واليوم مات جاره يوسف, جميع هؤلاء جيرانه من الباب إلى الباب ماتوا من دون أن يذكّره ذلك بأي شيء أو يخامره أي شعور في أنّ لتلك الموتات المتتابعة وفي حارته بالذات يمكن أن تكون لها دلائل أو مؤشرات له من نوع ما.

أخذت يعقوب غفلةُ الزمن وبدل أن يغيّر في سلوكيته ويحسّن من تصرفّات. زاد سوءاً وانجرافاً أكثر وراء المتع وأوهام الدنيا التي لا طائل منها, وفعلا وكما يقول المثل: "الرّائد لا يكذب أهله" ففي تمام السنة ظهر عزرائل مرة أخرى ليعقوب وهذه المرّة لم يتفاجأ يعقوب بها لأنها مرّت معه في السابق وبالتحديد قبل سنة من هذا التاريخ. فسلّم عليه عزرائيل قائلا: هل أنهيتَ التزاماتك كما وعدت يا سيّد يعقوب وها قد انقضى عام كامل, وأظنّ أنها مدّة كانت كافية لكي تثبت حسن نيّتك في التغيّير؟
- قال يعقوب: لا والله لم أفعل ذلك, وإنّك لم تخبرني عن موعد قدومك هذا! ولم أكن أعلم أنّك ستأتي بهذه السّرعة ودون علم مسبق!
- نظر إليه عزرائيل مبتسماً وهو يقول: خرّب الله بيتك! ألا تذكر أن جارك فلان مات وبعده جارك فلان مات ومن بعدهما مات جارك الثالث فلان ثمّ اليوم مات جارك الرابع على مدى أربعة أيام قبضتُ أرواح أربعة من جيرانك؟ ألم تكن هذه الإشارات كافية لك؟
- صار يعقوب يلطم على وجهه بندم شديد وألم وهو يقول: أي والله أعرف أن كلّ هؤلاء ماتوا في هذه الفترة المتقاربة وأنهم جيراني, لكنّي لم أفهم الرسالة التي أردت إيصالها إليّ!
- أجابه عزرائيل قائلا: يا عزيزي يعقوب لو بعثت لك بأية رسالة ومن أي نوع فهي ما كانت ستجدي معك لطالما خضعت بكلّ ضعف إلى سلطان المال الذي شلّ كلّ إرادة للخير لديك وجعلك تهمل واجباتك تجاه ربك ونفسك والمجتمع الذي تعيش فيه وتعبد ربّ الأرض. وإذا لم تكن اتّعظتَ من مجيئي الأول إليك ومن جيرانك الذين قبضت أرواحهم قبل أيام فإنك لن تتعظ من أي إنذار ومهما كان نوعه, لقد كانت الأيام الماضية أدوار غيرك من الناس واليوم دورك يا عزيزي وليس بإمكاني أن أمدّد ذلك أو أغيّر فيه, وأنت تتحمّل المسؤولية كاملة في عدم تحضير نفسك لهذا اليوم فأنت لم تفكر البتة في هذا اليوم على الرغم من جميع الرسائل الموجّهة إليك. إني لا أستطيع أن أعذرك فقبض روحه ومضى وبقي ماله في الأرض التي خضع لسلطان شهواتها ولم يستطع أن يحمل منه شيئاً معه إلى حيث ذهب!
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-02-2006, 04:04 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

قصة تجعل الإنسان ينبه نفسه ويحضرها لهذا اليوم *فلا تعرف متى يأتي اللص ليطرق بابك ؟؟ تشكر يافؤاد على تأليف قصصا كهذه والرب يوفقك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-02-2006, 04:18 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,164
افتراضي

شكراً لك يا سميرة وكنت قد ألفت هذه القصة بتاريخ 23/10/2002 وصارت اليوم فرصة لنشرها وتوجد لدي كما تعرفين قصص أخرى كثيرة وكلّها هادفة ولها أغراض إنسانيّة بعيدة المدى ونافعة سأنشرها بالتتابع في الأوقات المناسبة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:23 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke