المقامةُ الغربيّة

[fouadzadieke]

المقامةُ الغربيّة


كما لنا في بلدان الشرق صرعاتْ في بعض التأويلات و التفسيراتْ وهنّاتٌ في كثير من الاشكالاتْ في توزيع التهم والاتهاماتْ على ما هو حاصلٌ وما فاتْ فإنه لدى الكثير من الأوربيين و الأوربياتْ ما يعادل هذه أو تلك من التصريحاتْ وما يواكبها من التصرّفاتْ في بعض حنق وحماقاتْ تصل إلى درجة الاستهجان والقباحاتْ.

فعندما إلى ألمانيا قدمنا وأرضها بأقدامنا وطئنا بكثير من المواجع والمتاعب صُدمنا، ليس من قبل الجميع بل من قبل من لم يستحل ِ هذا الصنيع إذ رآه ضرباً من فعل الشنيع. فأنت حين لا تشتغل وتعملْ تصير منبوذاً والناس عليك تنقم و تحملْ فتقذفك بسياط لسانها وتتبجّح بقذيع بيانها وتتشدّق بحرص الحفاظ على كيانها، لكي تُظهر للسامع ما في الأمر من خطورةْ وفي استمرار الحال على الصورة ما يدعو إلى التغيير كحاجة و ضرورة.

تُتّهمُ بالكسل والاتكالْ والتقاعس عن ممارسة الأعمالْ لتعيش تمدّ يداً إلى السوسيالْ من أجل تربية العيالْ، وهم لا يشتغلون جميع الأشغالْ بل في النظيف منها والمُطالْ لما لدى بعضهم من التعالي في هذا المجالْ وترفّع في مثل هذه الأحوالْ، ومثل هؤلاء مجلبة للوبالْ لهذا المجتمع المثالْ في الرقيّ وتحسّن الأحوالْ.

أمّا وعندما تجد في مكان ٍعملا وترغب في الحصول عليه أملا وتسعى إليه عجلا، تلمس في نظراتهم ثـقلا كمنْ عزيزاً لديهم قتلَ، فتنظر إليك العيون من كلّ مجنونة ومجنونْ ليتهموك من جديدْ بأكثر ممّا سبق ويزيدْ. يقولون إنك في حضنهم وقعتَ والرزقَ عن عيالهم قطعتَ وياليتك عنهم انقلعتَ، فأنت تأخذ منهم فرص العملْ وتقرّب منهم الأجلْ، وهم على أية حالْ لا يشتغلون كلّ الأشغال حتى ولو طالتْ عليهم الأحوال وتكاثرت الأهوالْ واعتمدوا في معيشتهم على الدولة والسوسيال. هم يريدون عملا نظيفا وشغلا قطيفا وتعباً خفيفا وأجراً مخيفا، ومتى عملتَ في الصّعب والقذر منها وهم تخلّوا عنها، قالوا: إنك لصٌ محترفْ ودخيلٌ منجرفْ. وإذا اشتريتَ في بلدانهم بيتاأو فتحتَ دكّانا، كأنّك شتمتَ لهم ميتا وهدمتَ بنيانا.

لا أريدُ إطلاقَ صفة التعميم ولا آتي على حسن ٍ لديهم التعتيم، لكنّه الوضعُ الأليم والحالُ السقيم. لا يحبّون استقبال الغرباء ويقابلونهم بالابتعاد لكأنّ فيهم الوباء، فيصير لدى الأجنبيّ الفتور في مواجهة مثل هذه الأمور لما فيها من انتهاك لحقهم ومن قصور. فيحتار فيما يفعل وهو من نظراتهم كلّ يوم ٍ يقتـلْ. فلا عيشٌ كريم ولا فوزٌ عظيم إلا باحتضان الوطن فهو الأمان من رياح المحنْ.

إنّ في الغربة العذابْ وفي الابتعاد و الاغترابْ مهالك جمّة وهول صعابْ وفصّ ركابْ والعضّ بالنّاب لشريان الرقابْ ومجمّع الأعصابْ، فهم يرون الغريب من فصيلة الخنازير أوجماعة الكلابْ. واقع تعيشه في حزن واكتئابْ ويمضي كما يمضي السّرابْ ويظلّ السؤالُ بلا جوابْ وهذه هي الحالُ بوجيز القول والاقتضابْ.

ألمانيا في 14/2/2005 م