الأسد وولاية الثعالب 6

[fouadzadieke]

الأسد وولاية الثعالب

القسم السادس
يشكّل لجنة من الثعالب تساعده في إدارة شؤون الولاية. استطاع الثعلب الماكر استقطاب ثلّة من الثعالب العقلاء إلى طرفه وكان يتظاهر بالغيرة والحرص على المصلحة العامة وهذا ما قوّى فكرة نجاح مقترحه ومسعاه لينال الموافقة بالإجماع من مجموعة الثعالب, وخاصة الفكرة التي وصلت بالنهاية إلى أحقيّة من يكون عهد ولايته أكثر نجاحا في أن يتولّى فيما بعد إدارة الولاية بشكل دائم أو ربما إلى الأبد على غرار ما كان يجري في المجتمعات الغارقة في قدم التاريخ والتخلف الفكري والتي لم تكن لتراعي منطق التحوّلات التاريخية المستحقّة أو هي تعير انتباهاً للتطورات التي كانت تتجه باتجاه آخر مغاير تماماً للمعادلة التي أرادها هذا الثعلب الجاسوس أن تكون.
كما قلنا فإن باطن هذه الدعوة من الثعلب كان خبيثاً وهذا ما لم يتمكّن الثعالب من فهمه أو الوقوف على حقيقة أمره, فانطلت عليهم الحيلة بسهولة لكون الظاهر العام الذي كانت تنادي به ظلّ مصحوباً ببارقة أمل في نجاح منشود, وكان هذا الثعلب الداهية قد تلقّن علوم الخبث والشيطنة إضافة إلى طباع الحيلة والمكر التي هي أصيلة فيه كثعلب. كيف يمكن لهذا الثعلب الجاسوس وبعد أن صار اقتراحه قراراً نافذاً أن يتراجع عن هذه الفكرة (وحيث هي فكرته) لكونه الأصغر بين مجموعة الثعالب وعلى ما تمّ الاتفاق عليه فإن دوره سيكون الأخير في تسلّمه لإدراة شؤون الولاية, وهذا الأمر أزعجه جداً فكيف له أن ينتظر كلّ هذه المدّة وقد تصل إلى سنة أو أكثر.

بدأ شيطان الخبث بالعمل في قلبه وضميره فقرّر أن يعمل شيئاً يعرقل هذا الاتفاق وإلاّ يكون قد خسر كلّ شيء وخاصة أن الملك لن يوافق على ما تمّ التوصّل إليه من اتفاق علماً أنّ الثعلب الجاسوس كان قد لعب دوراً بارعاً في التأثير على بقية الثعالب لجرّهم إلى طرف اقتراحه الذي نال قبولا.

كان الثعلب عقد عدة اجتماعات سرّية تحت جنح الظلام مع الثعلب الذي كان ينقل إليه كل ما يدور من نقاشات وأحاديث وما تمّ التوصّل إليه من اتفاقات وكان في كلّ مرّة يعود الثعلب وهو مزوّد بلائحة من التعليمات والقرارات التي لابدّ أن يتمّ تنفيذها عاجلا أم آجلا لكي ينهدم كيان ولاية الثعالب ولا تقوم لها قائمة إلى الأبد بل تعيش في تبعيّة مرهونة بالاستسلام وفرض الأمر الواقع.

تعهّد الثعلب الذي تمّ تنصيبه على أن يكون أميناً للولاية وللمبادىء التي سار عليها السلف من جملة الثعالب الذين حكموا الولاية وخاصة الثعلب الحكيم الذي ذهب مغدوراً به وعدّد مناقبه وأثنى على الأعمال الجليلة التي كان قام بها والتي رفعت من مستوى معيشة المواطن الثعلبي ومتّنت مجتمعهم فكان قويّا في سابقة غير معهودة من تاريخ ولاية الثعالب هذه.

كان القرار يدعو في باديء الأمر إلى أن تستمرّ ولاية كلّ منهم ستة أشهر لكن معارضات من هذا وذاك من بعض الثعالب جعل المدة المخصّصة لكل ولاية هي ثلاثة أشهر وهي كافية وخاصة أن الخلف سوف يسير على ما سار عليه السلف وسوف يتمّ احترام جميع الخطط المقرّرة والمضي في عملية تنفيذها, ولهذه الاعتبارات فإنه لن تكون هناك أية تغييرات جوهريّة في حكم الجديد تتعارض مع ما كان يحكم به السابق له من الولاة.

استمرّ الوضع في تطبيق الخطة المتفق عليها لعدة أيام فضاق الثعلب الجاسوس ذرعاً بالوضع وخاصة أن ضغوطاً كبيرة كانت تمارس عليه من قبل الأسد فقرّر خرق الاتفاق والخروج عنه بأسلوب آخر عندما عجز أسلوب الحوار والنقاش ووصل إلى طريق مسدود إذ قرّرت أغلبية الثعالب المضي في طريق تنفيذ الخطة كما اتفق عليها وبات يتحيّن الفرصة لتنفيذ ما يدور في خلده من أعمال هو ذاته لم يكن متأكداً من إمكانية نجاحها بيد أنّه استجاب لضغوط الأسد ولم يعد بقادر على تحمّلها إذ هدّده بالقتل إن لم يفعل ما يؤمر به وسيكون مصيره نفس مصير الثعلب الحكيم والذي كان الحكم عليه بالموت بطريقة بشعة. لقد أصبح هذا الثعلب الجاسوس بين فكّي كمّاشة ضغط الأسد عليه من جهة ووجوب التزامه بالمقترح الذي كان هو صاحبه من جهة أخرى فماذا يفعل؟ وكيف سيتمكن من الخروج من هذه الورطة الكبيرة التي حشر نفسه فيها وهو لم يكن يدرك مدى خطورة هذه الخطوة التي قادت إلى هذا الاتّفاق.
يتبع...