العِناقُ النَّازِفُ مِنْ جُرُوحِ الشَّهْوَةِ بقلم: فؤاد زاديكى عِنْدَما تَهْدَأُ ال
العِناقُ النَّازِفُ مِنْ جُرُوحِ الشَّهْوَةِ
بقلم: فؤاد زاديكى
عِنْدَما تَهْدَأُ العَاصِفَةُ الدَّاخِلِيَّةُ، وَ تَخْفُتُ أَنْفَاسُ الشَّوْقِ، تَنْبَجِسُ مَشَاعِرُ الرَّاحَةِ كَنَهْرٍ دَافِقٍ فِي صَحْرَاءِ الجَفَافِ، فَتَتَزَاحَمُ رَغَبَاتُ الاِلْتِحَامِ عَلَى بَوَّابَاتِ الأَجْسَادِ.
كَانَتْ هِيَ تُحَاوِلُ أَنْ تَخْفِيَ ذُبُولَ نَظَرَاتِهَا، وَ كَانَ هُوَ يُجَاهِدُ فِي أَسْرِ نَبْضِهِ، الَّذِي تَفَجَّرَ فِي عُرُوقِهِ كَبَرْقٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ كُلَّ مَا حَوْلَهُ.
قَالَتْ بِهَمْسٍ مُنْكَبٍّ عَلَى الأَمَلِ:
ـ "لَمْ أَعُدْ أَخْشَى أَنْ أَنْصَهِرَ فِيكَ، إِنْ كَانَ الاِلْتِصَاقُ بِكَ خَلَاصِي".
فَأَجَابَ وَ صَوْتُهُ مَخْمُورٌ بِالْحُمَّى:
ـ "لَنْ أَكُونَ إِلَّا مَنْفَذَ نَجَاتِكِ، وَ مَهْدَ وُجُودِنَا الْجَدِيدِ".
وَ هُنَا، تَعَانَقَتِ الرُّوحَانِ قَبْلَ أَنْ تَتَلَاحَمَ الأَجْسَادُ، فَذَابَتْ كُلُّ حُدُودٍ بَيْنَهُمَا، وَ تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الشَّهْوَةِ مِمَّا كَانَ مَخْفِيًّا فِي أَعْمَاقِهِمَا.
صَارَ لِلْمَسِّ نَغْمَةٌ، وَ لِلتَّنَفُّسِ وَقْعٌ، وَ لِلتَّنَاغُمِ صَوْتُ قِيثَارَةٍ تَغْرَقُ فِي خَمْرِ الرَّغْبَةِ.
وَ كَانَتِ الأَصَابِعُ تَكْتُبُ قَصِيدَةَ الشَّهْوَةِ عَلَى جُلُودٍ مُشْتَعِلَةٍ، وَوتَفُكُّ أَزْرَارَ الأَيَّامِ، الَّتِي حُبِسَتْ فِيهَا الأَحْلَامُ.
تَشَابَكَتِ الأَفْكَارُ، وَ تَنَاثَرَتِ اللَّحَظَاتُ كَأَنَّهَا نُجُومٌ سَقَطَتْ فِي لَيْلَةِ نُضْجٍ وَ احْتِرَاقٍ.
وَ قَالَتِ الرَّغْبَةُ لِلْحَيَاءِ: "ارْتَحْ، فَالاتِّصَالُ هُنَا قُدّاسٌ"، وَ قَالَ الشَّوْقُ لِلزَّمَنِ: "تَوَقَّفْ، فَهَذِهِ السَّاعَةُ لَا تُقَاسُ".
وَ فِي لَحْظَةٍ، سَقَطَتْ كُلُّ أَقْنِعَةِ الْخَوْفِ، وَ انْكَشَفَ الجَسَدُ كَمَطَرٍ يُقَبِّلُ أَرْضًا قَاحِلَةً، وَ يَزْرَعُ فِيهَا زُهُورَ النَّشْوَةِ.
وَ صَارَ الحُبُّ طَفْلًا يَضْحَكُ فِي أَحْضَانِ الشَّهْوَةِ، يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "إِنِّي وُلِدْتُ هُنَا، بَيْنَ عَيْنَيْهَا وَ رَعْشَةِ أَصَابِعِهِ".
لَمْ يَكُنِ الْجَسَدُ مَرْمًى لِلرَّغْبَةِ وَحْدَهَا، بَلْ جِسْرًا يَعْبُرُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ لِيَصِلَ إِلَى مَعْنًى أَعْمَقَ، وَ إِلَى وَعْدٍ بِالْبَقَاءِ.
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا هُوَ، وَ لَا هِيَ، بَلْ كَانَا "هُمَا" فِي كَوْنٍ مُشْتَرَكٍ مِنَ اللّهَبِ وَ الْخُلُودِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|