![]() |
Arabic keyboard |
#1
|
|||
|
|||
![]() الفلامنكو رقصٌ منبعثٌ من تجلّياتِ الاشتعال في إحدى ليالي ستوكهولم الزَّاخرة بالرقص، فيما كنتُ أشاهد عرضاً لرقص الفلامنكو على مسرح دار الرّقص ضمن فعاليات ستوكهولم عندما كانت عاصمة أوربا للثقافة، برفقتي الشَّاعر السّعودي الرّائع أحمد كتّوعة، صاحب ديوان: كرة صوف لُفَّتْ على عجل، كنّا مشدودين إلى فتح السِّتار، بهدوء افتتح ستار المسرح على الرَّاقصة الغجرية كبرئيلة كَوتارة، يرافقها فرقة مصرية وهندية، وراقصة مصرية، كنتُ قد هيَّأت الصَّديق أحمد كتّوعة على أنه سيشاهد عرضاً للفلامنكو لن ينساه أبداً، عرضاً له علاقة بتجلِّيات الرُّوح وهي في أوجِ انتعاشاتها، بدأت كبرئيلة بالرّقص على إيقاعات الموسيقى، كان يذهلني كيفية لملمة فستانها المتدلّى خلفها ورفعه في الهواء بطريقة إيقاعية ترافق حركة الرّقص فتغدو كفراشة مبهرة منبعثة من كنفِ الغسق في صباح مكلَّل بأغاني فيروز، شعرتُ وكأنَّ رائحة البخور تعبق بالمكان، انتابنتي غيرة منها، غيرة ايجابية، أشبه ما تكون بغيرة ممزوجة بالمحبة والاعجاب العميق بما تقدِّمه من عروض رائعة، ترقى إلى مستوى الغيرة المحفّزة على تقديم أبهى ما لدى الإنسان من عطاء مكلَّلٍ بينابيع الصَّفاء! فيما كنتُ أشاهدها، اعتراني رغبة حلميّة أن أصعد إلى المسرح وأتحوّل بقدرةٍ ما إلى فراشة وأحطُّ على جبينها المرفرف فوقَ قممِ الجبال، حلمت في تلكَ اللَّحظات لو كنتُ راقصاً جامحاً أراقصها على إيقاع الفلامنكو لعلِّي أتطهّر قليلاً من التكلُّسات المتراكمة حول خاصرة الرُّوح، كبرئيلة كوتارة سوسنة معبّقة بشهوةِ المطر في صباحات نيسان، تشبه مرجاً مغطّى بأهزوجة الحلم الآتي، هطل الفرح علينا، غيمة ماطرة على مرافئ اللَّيل، أمسكت قلمي وبدأت أكتب شعراً من وحي تواصلي الاشتعالي مع بهاء الحضور، فجأة وجدت غمامة بيضاء تعانق بهجة المسرح، عبرتْ سارة كوتارة فضاء المسرح كأنها حمامة ترفرف حول وهجِ الانبهار، شقيقتان متعانقتان مع خمائل غيمة حبلى بدفءِ السّنين، التفتَ كتّوعة نحوي قائلاً، كنا مسترخين تحت تماوجاتِ رذاذات الحنين المتناثرة من أجنحة كبرئيلة فوقَ بسمة الليل، فدخلت سارة بعذوبةٍ معبّقة بالتين، رقصٌ متعانق مع دمعِ الليل، يطلقان صوتاً على ايقاع الرَّقص، رأسان شامخان مثل عنفوان الجبال، قفزت ذاكرتي إلى لقاءاتٍ سابقة حيث كنتُ قد التقيت مع كبرئيلة وأمها وأختيها، أتذكر كيف استرعى انتباههها عودي في إحدى لقاءاتنا فسألتني فيما إذا أعزف على العود، ما كنت آنذاك أعرفها جيداً، طلبت منّي في إحدى الاستراحات في مركز الفلامنكو أن أعزف لها بعض الأغاني التي أجيدها لعلَّها تجد ما يناسب ايقاع الفلامنكو الذي ترقص عليه، شعرت بالاحراج قليلاً ثم أردفتُ قائلاً: أنا مجرّد هاوٍ للموسيقى، أعزف وأغنّي بعض الأغاني الشعبية الفولكلورية الخفيفة، فقالت، أصلاً أنا أبحث عن هكذا نوع من الموسيقى والغناء، بعد دردشة هادئة، أمسكت عودي وبدأت أقدِّم لها مقاطع من بعض الأغاني التي أحبها، وفيما كنتُ في غمرة العزف والغناء، جنحتُ نحو الأغاني الغجرية القديمة التي تعلَّمتها من خلال تواصلي مع عوالم الغجر، سررت لهذا النزوع الغجري المستوحى من هناك، من أقصى الشمال الشرقي من خصوبةِ الروح، نعم غناء غجري ذات حميمية دافئة، يتميّز بالصخب وعلو الصوت وذات إيقاع راقص، والفلامنكو يرتكز أصلاً على الإيقاع الصاخب السريع، كانت تسمع بتركيز مرهف إلى موسيقاي وهي جالسة على كرسي، تدندن وتصفّق على الخفيف وتدقُّ أقدامها على الأرض برتم رائع ترافق موسيقاي، فجأة وجدتها تقف على قدميها تموج على إيقاعي مثل موجة بحرية هائجة، ما كانت ترتدي لباس الرقص ولا حذائها الخاص بالرقص، رافقتني بحدود خمس دقائق تقريباً، ثمَّ توقّفتْ حالما خرجتُ عمَّا كان يناسب إيقاعها، فتوقّفتُ أنا أيضاً ثم عانقتها، شعرت أنني أعانق نداوة الليل، ابتسمت لي موجات البحر، فرحٌ من نكهة النَّارنج غمر روحي، اقترحت عليّ أن أقدّم الاغنيتن اللتين رقصت على إيقاعهما في عرضها القادم، وقالت انّهما اغنيتان مناسبتان للفلامنكو وأستطيع أن أرقص على إيقاعهما فهل تريد أن ترافقني في الحفلة القادمة التي سأقدِّمها هنا في مركز تدريبي؟ وافقت من دون أي تردُّد لأنها أبهرتني، همستُ في سرّي، أنا عاشق الشِّعر إلى حدِّ الاشتعال، هل من المعقول أن أتحوّل إلى عازف عود ترافق موسيقاي ولو لخمس دقائق أول راقصة فلامنكو في اسكندنافية؟! انشغلت كبرئيلة مع بعض ضيوفها، تقدّمت أمّها نحوي وقالت لي إياك لو طلبتْ "كابي" منكَ أن تعزف لها في حفلتها القادمة ولا تأخذ حقّكَ منها بالكامل؟ فقلت لها أي حق؟! فقالت، حق عزفكَ؟ رفعت يدي وحرّكتها بطريقة، تعني اتركينا من الفلوس الآن؟ هزّت رأسها قائلة، أنتَ بحياتكَ لن تنجح كموسيقي، فقلت لها ومَن قال لكِ انني أفكِّر أو أحلم أن أكون موسيقياً ناجحاً، أنا شاعر وأريد أن أكون شاعراً، فقالت حتى في الشعر سوف لن تنجح كشاعر طالما تحمل هكذا تفكير، ضحكتُ وهززت رأسي، ابتسمت وهمست لي سرّاً يصب في مرافئ القصيدة، جاءت كبرئيلة وقالت عن ماذا تتحدّثان؟ فقالت أمها نتحدّث عنكِ وعن عروضكِ؟ فقالت، عن أي شيء تتحدثان بالضبط؟ عن الثمن الذي سيتقاضاه صبري لما سيقدِّمه في عرضكِ القادم، قالت كبرئيلة طيّب كم تريد أجر عزفك لمدة خمس دقائق؟ تمعّنتُ في بريق عينيها، قائلاً لها لا شيء يا عزيزتي، كفاني أن أتمتَّع في عرضكِ الجميل، نظرتْ إلى أمِّها، غمزتها، ثمَّ فتحت يديها وعانقتني عناقاً حميماً كأنّه منبعث من رحاب حنين بهجة الحرف، قبّلت خدّها الأيسر وأرجَح الظنّ قبَّلتُ جبينها المتماهي مع شموخ الجبال! همس كتّوعة إليّ وهو مذهول بما يراه، عرض رائع جدّاً، إيقاع منعش، كانت كبرئيلة تملأ المسرح فرحاً، شعرت أن قسطاً من أحزاني قد تبدَّدت وقسطاً من غربتي عبرَت شقوق الليل، وقسطاً من فشلي في الحياة قد انزاح جانباً وراودني أن صديقي أحمد كتّوعة ربّما يكتب نصَّاً من رحم تجلّياته الانتعاشية فيما يراه، سألته فيما إذا تستطيع كوتارة أن تسقط بحركة من حركات فستانها وهي تتراقص مثل فراشة عاشقة وزارة من وزاراتنا، ضحك قائلاً، قل وزارات بل حكومة برمَّتها! ضحكت أنا الآخر، وشعرت بفرحٍ عميق، هامساً لروحي المنتعشة من بهجة الحضور، هل من المعقول أن تكون هذه الراقصة الغجريّة المائجة أمامي الآن، كانت تتمايل أمامي منذ أسابيع، ترقص على تماوجاتِ إيقاعي الغجري؟! فرحٌ يزدادُ تلألؤاً في سماء الرُّوح! ستوكهولم: 27 ـ 11 ـ 2006 التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 30-11-2006 الساعة 03:53 AM |
#2
|
|||
|
|||
![]()
الأستاذ صبري
جميل رقص الفلامنكو . |
#3
|
|||
|
|||
![]() العزيز ملكي
الفلامنكو رقص على إيقاع بهجة الرُّوح هذه الصورة التي نشرتها يا عزيزي تشبه كبرئيلة كوتارة إلى حدٍّ بعيد ربّما هي نفسها! كل المودّة والاحترام صبري يوسف ـ ستوكهولم |
#4
|
|||
|
|||
![]() الأستاذ صبري
إنها Gabriela Gutarra بشحمها و لحمها لك تحياتي |
#5
|
|||
|
|||
![]() العزيز ملكي أحييك يا صديقي على نشر صورة كبرئيلة كوتارة اللقطة رائعة، رائعة للغاية هذه القطة كافية أن تفجر بي نصاً يشهق فرحاً كنتُ قد وعدتها أنني سأكتب شعراً من وحي رقصها، فقالت حالما تكتب شيئاً بلَغني وترجم لي ما معناه! أعمل حالياً مع جملة ما أعمل على نصٍّ يدور حول تجليات الرقص وما ينجم عنه من فرحٍ عميق سيكون لكبرئيلة قسطاً غير قليل من معالم النص .. مع خالص المودّة والإحترام
صبري يوسف التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 30-11-2006 الساعة 03:58 AM |
#6
|
|||
|
|||
![]()
جميل ماكتبته عن هذا الفن الرفيع
رقصة الفلامنكو علمها رقصة الكوفندة أخي صبري... |
#7
|
|||
|
|||
![]()
العزيزة أم نبيل
في احدى لقاءاتنا مع الفنانة المبدعة كبرئيلة كوتارة في مقر علمها، مركز الفلامنكو، عرضتُ عليها أن أعطيها دروة مكثفة لدبكة من دبكاتنا المشهورة فكان معي كاسيت يتضمن أغنية باكية، فوضعت الشريط في مسجلتها، سمعتْ الإيقاع ثم نظرت إلي مرة واحدة فقط وبدأتُ أشرح لها كيفية تفاصيل الدبكة، وإذ بها تصفر لاختها سارة بالاسبانية، جاءت سارة فأمسكت كبرئيلة بيدها وشرحت لها الحركات وبدأتا يرقصان باكية فأمسكت في وسطهما وكأنهما سريانيتان، آشوريتان يعرفان الدبكة منذ سنوات، جاءت أمّها مذهولة مما تشاهد، رقصنا إلى أن أنتهت الأغنية، أعدناها ثانية وتابعنا الرقص، وبعد أن انتهينا، ضحكت كبرئيلة وقالت هذه الدبكة ستعلمنا إياها في دورة مكثفة؟! هذه الدبكة هي عبارة عن بضعة حركات خفيفة، خفيفة للغاية، ثم أضافت لا يوجد أية دبكة أو رقصة إيقاعية على وجه الدنيا تأخذ من وقتي إلا دقائق مهما كانت معقدة وصعبة، لأن الفلامنكو رقص يعتمد على الايقاع والقدمين وهكذا دبكات تعتبران بمثابة أجزاء بسيطة من الفلامنكو! فلا تقلقي يا عزيزتي أم نبيل فقد سبق وعلمتها دبكة باكية بدلاَ عن الكوفندة، في زيارتي القادمة سأعلمها دبكة هلاية والشيخاني معاً! هاهاهاهاها لأنها فعلا تحب هكذا إيقاع! مع خالص المودّة صبري يوسف ـ ستوكهولم |
#8
|
|||
|
|||
![]()
أشكرك على ردك الجميل صدق أخ صبري أنت قدها
وقدود فدبكاتنا الشعبية رائعة لأنها رقصات جماعية وتعبر عن أحاسيسنا .. |
#9
|
||||
|
||||
![]()
تجليات شعرية عانقت كبرييلا على روائح العبق المنتشر من أساطير الغجر والمتشرب من مياه استوكهولم والمخزّن بهواء عبقرية الشمس المتوهجة وأمواج الحنين المتكسرة على خصر راقصتك الجميلة وقد تركتنا نثمل من عشق رؤيتها وتمنينا لو كنا واحدة من شعرات جسدك التي تراقصت معها ورقصت على أنغام الفلامنجو. شكرا لك يا فناننا المبدع بريشة القلم والصورة والوحي.
|
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|