🎵 رَحِيلُ نَايٍ حَزِينٍ: زِيَادُ الرَّحْبَانِي إِلَى الأَخْدَارِ السَّمَاوِيَّةِ بِ
🎵 رَحِيلُ نَايٍ حَزِينٍ: زِيَادُ الرَّحْبَانِي إِلَى الأَخْدَارِ السَّمَاوِيَّةِ
بِقَلَمِ: فُؤَاد زَادِيكِي
اِنْتَقَلَ إِلَى الأَخْدَارِ السَّمَاوِيَّةِ الْمُوسِيقَارُ اللُّبْنَانِيُّ الْكَبِيرُ زِيَادُ الرَّحْبَانِي، صَبَاحَ الْيَوْمِ السَّبْتِ، عِنْدَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَبَاحًا، بَعْدَ أَزْمَةٍ قَلْبِيَّةٍ مُفَاجِئَةٍ أَلَمَّتْ بِهِ، نُقِلَ عَلَى إِثْرِهَا إِلَى أَحَدِ مُسْتَشْفَيَاتِ بَيْرُوتَ، حَيْثُ رَفَضَ الْخُضُوعَ لِلْعِلَاجِ أَوْ إِجْرَاءَ عَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ، فِي مَوْقِفٍ يُشْبِهُ تَمَرُّدَهُ الدَّائِمَ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ سَائِدٌ وَ مَأْلُوفٌ، مُفَضِّلًا الرَّحِيلَ بِصَمْتٍ كَمَا عَاشَ حُرًّا، عَنْ عُمْرٍ نَاهَزَ التِّسْعَةَ وَ السِّتِّينَ عَامًا.
بِرَحِيلِ زِيَادٍ، يَنْكَسِرُ وَتَرٌ مِنْ أَوْتَارِ الذَّاكِرَةِ الْمُوسِيقِيَّةِ اللُّبْنَانِيَّةِ وَ الْعَرَبِيَّةِ، وَ يَتَرَجَّلُ فَارِسُ الْكَلِمَةِ الْحُرَّةِ وَ اللَّحْنِ الْمُغَايِرِ، الَّذِي بَدَأَ رِحْلَتَهُ فِي عَالَمِ التَّأْلِيفِ الْمُوسِيقِيِّ مُنْذُ أَنْ كَانَ فِي السَّابِعَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ، حِينَ كَانَتْ قُلُوبُنَا تَتَعَرَّفُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَالِ أَنَامِلِهِ الْمُتَمَرِّدَةِ وَ عَقْلِهِ النَّيِّرِ، الَّذِي خَطَّ مَسَارَاتٍ مُوسِيقِيَّةً وَ أَدَبِيَّةً غَيْرَ مَأْلُوفَةٍ، صَنَعَتْ مِنْهُ حَالَةً فَرِيدَةً لَا تُشْبِهُ أَحَدًا.
كَانَ زِيَادٌ صَوْتًا نَاقِدًا، صَادِقًا، ثَائِرًا، لَا يَعْرِفُ التَّزْيِيفَ وَ لَا الْمُدَاهَنَةَ، عَبَّرَ عَنْ وَجَعِ النَّاسِ وَ مَوَاجِعِ الْوَطَنِ، بِرُوحِ فَنَّانٍ وَ مُثَقَّفٍ مُنْحَازٍ إِلَى قَضَايَا الإِنْسَانِ. عَبَرَ مِنْ خَشَبَةِ الْمَسْرَحِ إِلَى قُلُوبِ الْجَمَاهِيرِ بِذَكَائِهِ اللَّاذِعِ، وَ سُخْرِيَّتِهِ الْعَمِيقَةِ، وَ أَلْحَانِهِ، الَّتِي مَزَجَتْ بَيْنَ التُّرَاثِ وَ الْحَدَاثَةِ، بَيْنَ الشَّرْقِ الْحَزِينِ وَ الْغَرْبِ الْقَلِقِ.
فِي رَحِيلِهِ، نَشْعُرُ أَنَّ الصَّمْتَ صَارَ أَكْثَرَ ثِقَلًا، وَ أَنَّ بَيْرُوتَ فَقَدَتْ أَحَدَ أَبْنَائِهَا الْأَكْثَرِ صِدْقًا، وَ الْأَكْثَرِ وَجْعًا.
إِنَّنَا، إِذْ نُوَدِّعُ زِيَادًا، نَسْتَذْكِرُ صَوْتَهُ فِي مَسْرَحِيَّاتِهِ، وَ نَغَمَاتِهِ، الَّتِي حَفَرَتْ وُجْدَانَنَا، وَ كَلِمَاتِهِ، الَّتِي صَارَعَتِ الزَّمَنَ وَ الظُّلْمَ وَ الْقُبْحَ، وَ نُصَلِّي أَنْ يَتَقَبَّلَهُ اللهُ بَيْنَ الْقِدِّيسِينَ وَ الأَبْرَارِ فِي مَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ، وَ أَنْ يَجِدَ السَّلَامَ، الَّذِي طَالَمَا بَحَثَ عَنْهُ فِي زَمَنٍ لَمْ يُمْنَحْهُ سِوَى التَّنَاقُضَاتِ.
بِقُلُوبٍ يَعْتَصِرُهَا الأَلَمُ، نَتَقَدَّمُ بِأَحَرِّ التَّعَازِي مِنْ عَائِلَةِ الرَّحْبَانِي و الرّحَابِنةِ جَمِيعًا، هذه الأسرةِ الفَنيّة العريقَةِ الْكَرِيمَةِ العبقرِيّةِ، لَا سِيَّمَا مِنْ السَّيِّدَةِ الْعَظِيمَةِ فَيْرُوز، الَّتِي تُفْجَعُ الْيَوْمَ بِابْنِهَا، رَفِيقِ الدَّرْبِ وَ الصَّوْتِ، الَّذِي ظَلَّ وَفِيًّا لِفَنِّهَا، وَ ظَلَّتْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةً بِصَوْتِهَا الْأَبَدِيِّ.
لِرُوحِ زِيَادِ الرَّحْبَانِي السَّلَامُ، وَ لِذِكْرَاهُ الْخُلُودُ.
وَ لِلُّبْنَانِ، الصَّبْرُ فِي هَذَا الرَّحِيلِ الثَّقِيلِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|