الكَراهِيَةُ مَرَضُ القُلُوبِ وَ مَوْتُ القِيَمِ بِقَلَمِ: فُؤَاد زَادِيكِى
الكَراهِيَةُ مَرَضُ القُلُوبِ وَ مَوْتُ القِيَمِ
بِقَلَمِ: فُؤَاد زَادِيكِى
فِي زَمَنٍ بَاتَتْ فِيهِ القِيَمُ الإِنْسَانِيَّةُ تَتَآكَلُ، وَ تَنْهَارُ أَوَاصِرُ التَّفَاهُمِ وَ التَّعَايُشِ، تَطْفُو عَلَى السَّطْحِ مَشَاعِرُ الكَرَاهِيَةِ، الَّتِي تَنْخُرُ فِي جَسَدِ المُجْتَمَعَاتِ كَالسُّمِّ الزُّعَافِ. الكَرَاهِيَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ شُعُورٍ عَابِرٍ أَوِ انْفِعَالٍ لَحْظِيٍّ، بَلْ هِيَ حَالَةٌ مَرَضِيَّةٌ مُزْمِنَةٌ تُهَدِّدُ الأَمْنَ وَ السِّلْمَ، وَ تُفْسِدُ العَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ، أَفْرَادًا وَ جَمَاعَاتٍ. إِنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ صَاحِبَهَا قَبْلَ أَنْ تَمَسَّ غَيْرَهُ، وَ تُؤَسِّسُ لِحَيَاةٍ قِوَامُهَا الحِقْدُ وَ العُنْفُ، بَدَلَ المَحَبَّةِ وَ التَّسَامُحِ.
خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَ غَرَسَ فِيهِ قِيَمَ الخَيْرِ وَ المَحَبَّةِ، إِذْ هُوَ "مَحَبَّةٌ" كَمَا وَرَدَ فِي الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَ مِنْ مَحَبَّتِهِ أَوْجَدَ البَشَرَ لِيَعِيشُوا فِي وِئَامٍ، وَ يَتَعَاوَنُوا عَلَى إِعْمَارِ الأَرْضِ. فَكَيْفَ يَجْرُؤُ إِنْسَانٌ أَنْ يَكْرَهَ أَخَاهُ الإِنْسَانَ؟ هَلْ نُكَافِئُ اللهَ عَلَى نِعْمَتِهِ بِالبُغْضِ؟ وَ هَلْ نَرُدُّ عَلَى صُورَتِهِ فِي الآخَرِ بِالرَّفْضِ وَ العَدَاوَةِ؟
إِنَّ الكَرَاهِيَةَ لَا تَنْشَأُ مِنْ فَرَاغٍ، بَلْ تُزْرَعُ فِي العُقُولِ مُنْذُ الصِّغَرِ، عَبْرَ تَرْبِيَةٍ خَاطِئَةٍ أَوْ خِطَابٍ تَحْرِيضِيٍّ يَتَغَذَّى مِنَ التَّعَصُّبِ، وَ يَعْتَمِدُ عَلَى تَقْسِيمِ البَشَرِ إِلَى "نَحْنُ" وَ "هُمْ"، إِلَى "خَيْرٍ" وَ "شَرٍّ"، عَلَى أَسَاسِ الدِّينِ أَوِ العِرْقِ أَوِ اللَّوْنِ أَوْ حَتَّى الرَّأْيِ. وَ هَكَذَا تَتَحَوَّلُ المُجْتَمَعَاتُ إِلَى سَاحَاتِ صِرَاعٍ، يَتَرَبَّصُ فِيهَا كُلُّ طَرَفٍ بِالآخَرِ، وَ يُجَهِّزُ نَفْسَهُ لِلهُجُومِ أَوِ الدِّفَاعِ، بَدَلَ أَنْ يَبْنِيَ جُسُورَ المَحَبَّةِ وَ التَّعَاوُنِ.
عَلَيْنَا أَنْ نَعِيَ أَنَّ مَنْ نَكْرَهُ لَنْ يُحِبَّنَا، وَ مَنْ نُبْدِي لَهُ العَدَاءَ لَنْ يَرُدَّ عَلَيْنَا بِالمَوَدَّةِ، فَمَنْ يَزْرَعْ شَوْكًا لَا يَحْصُدْ وَرْدًا. لَا يُمْكِنُ أَنْ نَعِيشَ بِسَلَامٍ إِنْ كُنَّا نَضْمِرُ الشَّرَّ لِغَيْرِنَا، وَ نَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ التَّحْقِيرِ وَ التَّوَجُّسِ. إِنَّ الكَرَاهِيَةَ تُعْمِي القَلْبَ، وَ تَجْعَلُنَا نَرَى الآخَرِينَ مُجَرَّدَ أَعْدَاءٍ أَوْ تَهْدِيدَاتٍ، بَدَلَ أَنْ نَرَاهُمْ إِخْوَةً فِي الإِنْسَانِيَّةِ.
الكَرَاهِيَةُ تَسْلُبُ الإِنْسَانَ إِنْسَانِيَّتَهُ، وَ تُخْرِجُهُ مِنْ دَائِرَةِ الرَّحْمَةِ، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى أَدَاةٍ لِلدَّمَارِ، يُحَرِّكُهَا الحِقْدُ وَ يَقُودُهَا العَمَى الأَخْلَاقِيُّ. وَ بِالمُقَابِلِ، فَإِنَّ المَحَبَّةَ تَبْنِي وَ تُصْلِحُ، تُدَاوِي الجِرَاحَ وَ تُنعِشُ الأَرْوَاحَ. مِنْ هُنَا، فَإِنَّ مَسْؤُولِيَّتَنَا الأَخْلَاقِيَّةَ تُحَتِّمُ عَلَيْنَا الوُقُوفَ بِوَجْهِ كُلِّ خِطَابِ كَرَاهِيَةٍ، وَ تَرْبِيَةَ أَجْيَالٍ جَدِيدَةٍ عَلَى قِيَمِ التَّقَبُّلِ وَ الانْفِتَاحِ.
الحَيَاةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَزْدَهِرَ فِي بِيئَةٍ يَعُمُّهَا الحِقْدُ، فَالكَرَاهِيَةُ تَهْدِمُ الجُسُورَ، وَ تَبْنِي الجُدْرَانَ، وَ تُغْلِقُ القُلُوبَ. أَمَّا المَحَبَّةُ، فَهِيَ النُّورُ، الَّذِي يُضِيءُ الطَّرِيقَ نَحْوَ سَلَامٍ دَائِمٍ، وَ هِيَ السَّبِيلُ الوَحِيدُ لِإِنْقَاذِ البَشَرِيَّةِ مِنْ مُسْتَنْقَعِ الانْقِسَامِ وَ العُنْفِ.
فَلْنَرْفُضِ الكَرَاهِيَةَ، وَ لْنَزْرَعِ المَحَبَّةَ، فَبِهَا نَحْيَا، وَ بِهَا نَحْفَظُ كَرَامَتَنَا كَكَائِنَاتٍ خُلِقَتْ لِتُحِبَّ، لَا لِتَبْغَضَ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 18-05-2025 الساعة 11:13 PM
|