ما هو الوطن؟

[fouadzadieke]

ما هو الوطن؟

إنّ أكثر ما يؤرّق جفن المهاجر أو المغترب و يتفاعل مع مشاعره - وهو في ديار غربته - بعيداً عن مواطن ذكرياته ومواقع ألفها لسنوات وسنوات هي تلك الأرض التي حملت بين أحضانها مواضع لهوه ومواطن ذكريات صباه وهو يجري هنا وهناك يدفعه تارة نزق الطفولة وطوراً لهو الشباب إنّها عبارات إطراء حسنة تتحدّث عن (حبّ الوطن من الإيمان) و(حبّ الوطن فرض علينا) و (ليس أغلى من الوطن) و (الشام جميلة ولكن الوطن أجمل) و (الحنين إلى الوطن) إنّ جميع هذه الكلمات لها تماسّ مباشر مع عواطف الانسان الجيّاشة وارتباط هذه العواطف بماضيه من الناس والأماكن والمواقف والأحداث، لكنّ السؤال هنا يبقى: ما هو الوطن؟ هل الوطن هو أكوام الحجارة المترامية هنا وهناك على امتداد رقعته؟ هل هو الأشجار والكروم والبساتين؟ هل هو الأبنية والمساكن والطرقات والشوارع والزقاقات؟ هل هو الناس التي تمّت معايشتها لبعض الوقت؟ أم أنّ الوطن هوغير ذلك؟ وهل الوطن يعيش فعلا خارج حدود الزمان والمكان وخارج حدود النفس البشرية؟ أم أنّ الوطن هو التزام روحي ووجداني من الناس تجاه ما كان لهم ذات يوم موطن ذكرى وموقع حنين وملتقى أصحاب وحياة مجموعة بشرية لها أحاسيسها وأحلامها وتصوراتها وآمالها وغير ذلك؟

هل الوطن يسكن فعلا في أعماق الانسان؟ أم أنّه حالةٌ آنيةٌ تنقضي بزوال مبرّرات وجوده؟ إني أرى الوطن أخذاً وعطاءً في آن معاً، ويمكن للمرء أن يجد موطناً له في أيّ مكان من العالم... يجد له مسكناً آخر في موضع آخر غير أنّ الوطن لا يمكن أنْ يكون بأية حال موطناً، الوطن حالةٌ شعوريّةٌ متفاعلةٌ تترفّع عن كلّ الماديات والأزمنة والأمكنة، إنّ الوطن هو حالة الأحساس بالأمن والراحة والاستقرار... حالة اليقظة المنفتحة على كلّ ما حولها من إنس وجماد، إنّ الوطن هو أكثر من حالة فورة عاطفيّة وشعور بالنقص إلى حاجة ما. قد يكون المرءُ مرتاحاً تماماً في موطنه الجديد الذي يسكنه، لكنّ إحساسه بالانتماء إليه لا يكون على مستوى الرغبة المطلوبة ولا يشعر بالارتباط الوثيق الذي يشعر به تجاه الوطن فالموطن غير الوطن والوطن أكبر من أنْ يكون موضعاً أو طبيعة أو نهراً أو مسكناً إنّه صلة ارتباط وثيقة لا يستطيع التحكّم فيها أو تغيير كينونتها، وكلّما زاد هذا الارتباط كلّما زادتْ عظمة محبة الوطن هذه. وهل حين يتغنّى الشعراء بالوطن أو يحنّ المتغربون عنه إليه يذكرون هذا الارتباط ويتحسسون مشاعره أم أنهم يستشعرون الثلج والمطر والشمس والبيوتات وغيرها من المكوّنات؟

ألمانيا في 21/5/2005 م