الِانْتِقَامُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ البَشَرِيَّةِ وَ القِيمِ الإِنْسَانِيَّةِ بقلم: فُ
الِانْتِقَامُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ البَشَرِيَّةِ وَ القِيمِ الإِنْسَانِيَّةِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِى
الِانْتِقَامُ هُوَ فِعْلٌ يُقَابِلُ العَفْوَ وَ المُسَامَحَةَ، وَ يَنْبُعُ مِنْ رَغْبَةٍ دَاخِلِيَّةٍ فِي الرَّدِّ عَلَى أَذًى أَو ضَرَرٍ أَحْدَثَهُ شَخْصٌ مَا فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ. وَ قَدْ يَرَى البَعْضُ أَنَّ الِانْتِقَامَ هُوَ سَبِيلٌ لِاسْتِرْجَاعِ الكَرَامَةِ أَو تَحْقِيقِ العَدَالَةِ، وَ لَكِنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ يَكْشِفُ عَنْ ضَعْفٍ نَفْسِيٍّ وَ قِلَّةِ قُدْرَةٍ عَلَى السَّيْطَرَةِ عَلَى المَشَاعِرِ وَ الغَضَبِ.
إِنَّ الطَّبِيعَةَ البَشَرِيَّةَ تَتَضَمَّنُ دَوَافِعَ غَرِيزِيَّةً كَالرَّغْبَةِ فِي الرَّدِّ، لَكِنَّ القِيَمَ الإِنْسَانِيَّةَ وَ التَّرْبِيَةَ الأَخْلَاقِيَّةَ تَفْرِضُ نَفْسَهَا عَلَى تِلْكَ الدَّوَافِعِ، فَتُحَوِّلُهَا إِلَى عَفْوٍ وَ تَجَاوُزٍ. الِانْتِقَامُ يُؤَدِّي فِي الغَالِبِ إِلَى دَائِرَةٍ مُغْلَقَةٍ مِنَ العُدْوَانِ وَ الحِقْدِ، فَلَا يَنْتَهِي الأَذَى بَلْ يَتَجَدَّدُ وَ يَتَفَاقَمُ.
وَ أَمَّا العَفْوُ، فَهُوَ قُوَّةٌ لا ضَعْفٌ، وَ فِيهِ سُمُوٌّ رُوحِيٌّ وَ أَخْلَاقِيٌّ، إِذْ يُسَاعِدُ الإِنْسَانَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الكَرَاهِيَةِ وَ الإِمْعَانِ فِي الرَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَ هُنَا نَتَذَكَّرُ القَوْلَ الكَرِيمَ: "وَ الكاظمِبنً الغَيظَ و العافينَ عَنِ النّاسِ" و قولَ السيّدِ المسيحِ: "مَنْ لَطَمَكَ على خَدِّكَ الايمنٍ، فَأدِرْ لهُ الآخرَ" هَذِهِ هِيَ القِيمَةُ الحَقِيقِيَّةُ، الَّتِي تُقَوِّي صَاحِبَهَا وَ لَا تُضْعِفُهُ.
لَا يُمْكِنُ لِلِانْتِقَامِ أَنْ يَكُونَ حَلًّا حَقِيقِيًّا لِخَطَأٍ ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ إِضَافَةٌ لِخَطَأٍ جَدِيدٍ عَلَى خَطَأٍ قَدِيمٍ. فَإِذَا جَاءَ الظُّلْمُ مِنْ غَيْرِكَ، فَلَا تَكُنْ أَنْتَ الظَّالِمَ فِي المُقَابِلِ. بَلْ كُنْ الكَرِيمَ، الَّذِي يَسْتَطِيعُ العَفْوَ، وَ لَيْسَ الضَّعِيفَ، الَّذِي يَنْتَقِمُ.
فِي خِتَامِ المَوْضُوعِ، نَقُولُ: إِنَّ الِانْتِقَامَ لَيْسَ حَلًّا، بَلْ هُوَ تَكْرِيسٌ لِثَقَافَةِ العُنْفِ وَ الحِقْدِ، وَ إِذَا أَرَدْنَا مُجْتَمَعًا سَلِيمًا وَ أَفْرَادًا مُتَّزِنِينَ، فَلْنُرَبِّ نُفُوسَنَا عَلَى العَفْوِ وَ التَّسَامُحِ، فَفِيهِمَا الحَلُّ وَ فِيهِمَا السَّعَادَةُ وَ الرَّاحَةُ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|