Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الثقافي > المنبر الحر ومنبر الأقليات

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2006, 08:25 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,743
افتراضي لمحة موجزة عن الشعر الأرمني القديم هورى عزازيان

لمحة موجزة عن الشعر الأرمني القديم (العصور القديمة ـ القرن الثامن الميلادي) ـــ إعداد: هورى عزازيان

إنَّ الفترة التاريخيَّة المذكورة ليسَت بالقصيرة، كما أنَّ هذه اللمحة الموجزة ليسَت بدراسة شاملة عن تطوّر فَن الشعر الأرمني في هذه الفترة، ولكنّها أشبه ما تكون بالنافذة على الإبداع الأرمني في جنس أدبيّ متقدّم، تكشف الأسلوب الذي فكّر به الشعراء الأرمَن القدماء معبّرين فيه عَن أنفسهم ومجتمعهم ورؤيتهم.‏

والتنوّع الوارد في هذا الموضوع يعبّر عّن الطاقة الشعريَّة لديهم، وبأنَّهم لا يخضعون لقوانين مدرسة واحدة. لقد علّمتهم الطبيعة وجغرافية بلاد الأرمَن وتاريخهم وثقافتهم المميّزة الشيء الكثير، فضلاً عَن تأثير الثقافة الإنسانيَّة عليهم. فالنتاج الشعري القديم يعطي صورة صادقة عَن عاطفيّة ووطنيَّة جيّاشة وانتماء صادق للبيئة والعصر واتكاء ملحوظ على المثيولوجيا (علم الأساطير)، مما قَدْ يجد القارئ نفسه مألوفاً مع أبطال وحوادث هذه المختارات الشعريَّة، فأولئك الشعراء كانوا أكثر التصاقاً بواقع الشعب الأرمني وانتماءً لتاريخه وقيمه ومعاييره وأرضه، والذين رصعوا صفحات تاريخه الحافل بالمآثر والبطولات والمآسي.. بلآلئ كوّنتها الحروف وحفظتها الأيام.‏

مدخل‏

الشعب الأرمني هو من أقدم شعوب العالم وتعود جذور ثقافته الفكريَّة والروحيَّة إلى الأزمِنة الموغلة في القدم. ويشكّل الوطن الأمّ ـ أرمينيا، والتراث الشعبيّ أساس الأدب الأرمني بمجمله. في الواقع، يُعدّ التراث الشعبيّ في جوهره الأدب الأرمني غير المدوّن الذي يتميّز بمضمون قومي وإنساني، ويضمّ الأساطير والملاحم الشعريَّة والحكايات والأمثال والمعتقدات... أبدعها الأرمنَ قبل عدّة آلاف من السنوات مِن ابتداع الأبجديَّة الأرمنية مِن قبل (القدّيس ميسروب ماشدوتس)(1) في القرن الخامس للميلاد، سنة (406م).‏

تجدر الإشارة إلى دور المثيولوجيا الأرمنية في الأدب الأرمني غير المدوّن، نتاج فكر الأرمَن وخيالهم. ولمّا كانت ميثولوجيا كلّّ شعب مِن الشعوب تّتصف بصفات خاصّة بها تختلف عَن غيرها، فإنَّ الميثولوجيا الأرمنية تتميّز بخصوصيتها. ففي تلك الأزمِنة الغابرة، خضع الإنسان الأرمني بدوره إلى الطبيعة وخلق مِن عناصر قوّتها الخيّرة والشرّيرة آلهة عبدها.‏

ومع المثيولوجيا تتكوّن اللغة والشعر أيضاً، ذلك لأنّه في الأدب تظهر شخصيَّة الشعب وخصائصه. وبالرغم مِن أنَّ الميثولوجيا الأرمنية كانت غنيّة جداً، إلاَّ أنَّه لم تصل إلينا سوى مقتطفات شعريّة وردت في مؤلّفات المؤرّخين الأرمن القدماء، أمثال: (آكاتانكيغوس ـ AKATANKEGHOS) و(موسيس الخوريني ـ MOTSES KHORENATSY) و(بافسطوس البيزنطي ـ PAVESTOS PUYZANTATSY) و(غازار باربتسي ـ GHAZAR PARBETSY)، وتكشف عن تنوّع موضوعاتها وأشكالها وأساليبها الشعريَّة.‏

ويؤكّد بعض العلماء الأرمَن وجود أدب أرمني مدوّن في المعابد الوثنيَّة في أرمينيا وفي بلاط الملوك الأرمَن القدماء ولكن بلغات أُخرى غير الأرمنية، لربّما باللغة اليونانية، انتقلت أفكاره عبر العصور وتعبّر عن نظرة الشعب الأرمني ومشاعره وعاداته وتقاليده....‏

وينطلق الأدب الأرمني المدوّن بطابعه القوي ومضمونه العلماني مِن مختلف الإبداعات الشعبية. ومنذ أن ابتدع (القدّيس ميسروب ماشدوتس ـ ST. MESROB MASHDOTS) الأبجديّة الأرمنية، بدأ الشعب الأرمني يكدّس خبراته وتجاربه في لغته الخاصّة، التي تحمل حصيلة تفاعله مع الكون والطبيعة والأمم والأحداث، وهي تشكّل أهم مقوّمات شخصيتّه الثقافيّة التي تميزه من سواه. ففي نسيجها يتناقل خصوصيّته ويحميها، وفيها تلتقي شتاته، ومنها يقدّم شيئاً مِن ثقافته وأدبه وحضارته للشعوب الأخرى.‏

الشعر الأرمني القديم غير المدوّن‏

إنَّ أقدم ما وصل إلينا من الشعر الأرمني القديم هو مقاطع مِن الشعر الملحمي الخاص للإله (فاهاكن ـ VAHAKN).‏

يذكر المؤرخ الأرمني (موسيس الخوريني)(2) في القرن الخامس للميلاد في مؤلّفه "تاريخ الأرمن" ـ حيث اعتمد في تأليفه على الأساطير الأرمنية القديمة وكلمته غنية بالمدخلات الفنية ـ أنَّ القصيدة الشعرية: "كانت الأرض والسماء في المخاض..."، كانت منتشرة في القرن السادس قبل الميلاد، أيام الملك الأرمني (ديكران يروانتيان ـ DIKRAN YERVANTIAN)، تكريماً وتمجيداً لولي العهد الأمير (فاهاكن)، زوج الإلهة (آسدغيك ـ ASDGHIG)(3)، وهي تخبرنا عن ميلاد الإله (فاهاكن) وعن أعماله البطولية.‏

لقد سبق وذكر المؤرخ الأرمني (آكاتانكيغوس) في القرن الخامس للميلاد في مؤلفه "تاريخ الأرمن"، أنَّ الإله (فاهاكن) كان يهب البطولة والشجاعة للأرمن ولوطنهم. وتجدر الإشارة إلى أنَّه وردت في هذا المؤلف التاريخي، الذي يتميّز بقيمة تاريخية وفنيّة وأدبية كبيرة، براهين كثيرة عن الميثولوجيا الأرمنية، وأنَّ المؤرخ استند على الأساطير الأرمنية القديمة إلى حد بعيد.‏

فضلاً عن ذلك، يشرح (موسيس الخوريني) أنَّ الإله (فاهاكن) كان معروفاً بلقب "قاتل التنين"، لأنّه قاتلهم بشجاعة فائقة وانتصر عليهم. ويشهد بأنَّه سمع بنفسه مقطعاً مِن هذا الشعر كان الأرمن يغنونه بمرافقة آلة موسيقية تسمى "بانتير" (PANTER) (4).‏

لكنَّ كلّّّ هذا لا يعني أنَّ هذا الشعر الملحمي يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. فالتحليل العلمي الدقيق للغة وللنظام التصويري فيه، ثمّ المقارنة مع الرسوم التصويرية الواردة على الصخور في أرمينيا، يدلان على أنّه ظاهرة ثقافيّة وأدبية قديمة جداً.‏

كانت الأرض والسماء في مخاض‏

وكذلك البحر الأرجواني‏

وكانت تتمخضُّ في البحر‏

القصبة الحمراء‏

وكان ينطلق الدخان من القصبة،‏

ويرتفع اللهب منها،‏

ومن خلاله كان يركض‏

صبي أشقر‏

كان شعره من النار،‏

* * *‏

وذقنه من اللهب،‏

وكانت عيناه تسطعان مثل الشمس.‏

فالملاحم الشعرية الروائية التي تروي عن الإله (فاهاكن)، هي مِن أروع ما كان يتغّنى به الشعب الأرمني. كانت شخصيته رمز الخير والبطولة فقد حاربت القوى الشّريرة وأعداء الوطن، وأمّا هو فيُعدّ أقدم تعبير عن الشجاعة والنور والشمس والرعد والبرق. واحتفظ الإله (فاهاكن) بمكانته الخاصّة لدى الأرمَن وغدا فيما بعد رمز النهضة الوطنيّة وشارك مشاركة حيّة في مسيرة تاريخ الأرمَن إلى القرن السابع الميلادي، حين ذكره عالم الفلك الأرمني (آنانيا شيراكا تسي ـ ANANAIA SHIRAKATSY) في دراساته العلمية عن الكون.‏

وتتّفق المصادر الأرمنية كلها على أنَّ النموذج الآخر للشعر الأرمني القديم هو قصيدة (الولد فارتكيس ـ VARTKES DEGAH) فوفق (موسيس الخوريني) أُلّفت قصائد ملحميّة طويلة عن (الولد فارتكيس) لم تصل إلينا سوى خمسة أبيات منها فقط. وتقول الحكاية بأنَّ الأمير الأرمني (فارتكيس) ـ الملقّب بـ "الولد" بسبب قوته الخارقة وثقافته البليغة ـ ، قدم برفقة شعبه إلى ضفاف نهر (كاساغ ـ KASAGH) قرب مدينة (آردِميت ـ ARDIMED)، وتزوّج من الأميرة شقيقة الملك الأرمني.‏

وهذه القصيدة هي إحدى القصائد الروائية الأولى التي قطعت مسافة ألف سنة تقريباً ووصلت إلى القرن الخامس للميلاد، حيث دوّنها (موسيس الخوريني) لقيمتها الاجتماعية والفنية والأدبية وأنقذ صفحة قيّمة من أقدم صفحات التاريخ والأدب الأرمني.‏

ذهب الولد فارتكيس‏

من إقليم دوهاتس عبر نهر كاساغ‏

واستقرّ في هضبة شريش‏

قرب مدينة آردميت، وهو‏

ينوي أن يدقّ باب الملك الأرمني‏

كي يطلب يد شقيقته.‏

حافظ الشعب الأرمني على أساطيره وأغنياته وفنّه وأدبه، وعلى تراث الملوك والآلهة، وعلى التقاليد الشعبية التي ترتبط بالطبيعة الخلابة لبلاده وبنمط معيشته.‏

ولعل أجمل الأمثلة هي تلك الأغنيات التي وصلتنا مِن إقليم (كوغتان ـ KOGHTAN) الأرمني، الذي اشتهر بتراثه الغنائي الفريد. لقد كان الأرمن يعشقون القصائد الشعرية الغنائيّة التي كانت تروي الحكايات عن الملك الأرمني (أراداشيس الأول ـ ARADASHES I) (190 ق. م ـ 1م)، وعن الحوادث التي كانت تقع في البلاط الملكي.‏

يحدّد (موسيس الخوريني) بأنَّ المختارات الشعرية التي وصلتنا من هذا الأدب غير المدوّن التي تُدعى "أغنيات كوغتان"، تُعدّ صفحة أدبية حقيقية وتعبّر عن حقبة تاريخية معيّنة عاشها الشعب الأرمني.‏

"وامتطى الملك المقدام جواده الأسود الجميل..."‏

تظهر من البيت الأول شخصية الملك الأرمني البطولية، تغلب عليها مشاعر الوطنية وحب الوطن. فقد كان يعشق طبيعة أرمينيا والاحتفالات والتقاليد الشعبية الحافلة.‏

وتروي "أغنيات كوغتان" أنَّ الملك الأرمني حارب جيوش شعب (الآلان) (أو الأغوان) الذي كان يغزو أرمينيا بين حين وآخر ويخرّب قراها ومدنها العامرة. وفي إحدى المرّات جمع الملك (أرداشيس الأول) جيشه العرمرم والتقى بجيش الأعداء على ضفاف نهر (كورا آراكس ـ KURA ARAKS)، وانتصر عليه انتصاراً ساحقاً، وأسر الأمير ابن الملك. وطلب ملك الآلان عقد صلح يعده بدفع الجزية والابتعاد عن الأراضي الأرمنية. ولكنَّ الملك الأرمني رفض ذلك، عندئذ تقدّمت الأميرة الحسناء (ساتينيك ـ SATENIG) إلى ضفة النهر وخاطبت الملك قائلة....‏

أتوسّل إليك أيّها البطل أرداشيس‏

أنت الذي انتصرت على شعب الآلان الشجاع.‏

تعال واسمع كلام ابنة شعب الآلان ذات العيون الجميلة،‏

وافرج عن الصبي.‏

فليس للأبطال الأسطوريّين قانون،‏

يسمح بأسر سليل الأبطال الأسطوريين الآخرين‏

أو الاحتفاظ به كالخدم في عداد الأسرى،‏

وتثبيت العداء الأبدي‏

بين الشعبين الشجاعين‏

وتستمر الحكاية مؤكّدة أنَّ الملك الأرمني عشق الأميرة الحسناء إثر سماع أقوالها فقرر الاقتران بها وعقد الصلح مع الأعداء. إلاّ أنَّ أباها الملك أثارته الشكوك في عدم قدرة الملك الأرمني على دفع المهر المطلوب. فدفاعاً عن كرامته، خطف الملك الأرمني الأميرة الجميلة.‏

وامتطى الملك المقدام جواده الأسود الجميل‏

ورفع سوطه الذهبي الذي كان يشع نوراً ولهباً،‏

وعبر النهر كالنسر الجانح‏

ثمّ رفع السوط المتلألئ‏

ولفّ به خصر الأميرة الحسناء‏

التي شعرت بالألم،‏

وجاء بها طرف جيشه.‏

ويعبّر هذا المقطع الشعري عن شخصية الملك الأرمني التي تّتسمُ بالشهامة والإباء وحبّه للسلام. وأما حفلة العرس فكانت فخمة لا مثيل لها.‏

في عرس أرداشيس كان الذهب ينثر كالمطر الغزير،‏

وفي عرس ساتينيك كانت اللآلئ تمطر...‏

وتتميّز "أغنيات كوغتان" ببساطة اللغة وواقعية المشاهد التصويرية، على نحو يبرز براعة الشعراء وذوقهم الرفيع ومبادئهم الأدبية المميّزة.‏

وتبلغنا هذه الأغنيات ـ فضلاً عن أعمال الملك البطولية ـ عن مأساة الأسرة الملكية ورغبات الملكة (ساتينيك) التي لم تتزوّجه عن حُب، وعن أمنيات الملك الأخيرة وهو على فراش الموت.‏

من يستطيع أن يقدّم لي الدخان الأرجواني‏

وصباح يوم عيد النافاسارت (5)،‏

حيث تركض الوعلان‏

وتكردح الآيائل،‏

حيث كنّا نعزف البوق‏

وندق الطبل،‏

على عادة الملوك.‏

يُذكر بأنَّ ألحان هذه القصائد كانت رائعة أيضاً ويغنيها الأرمن بمختلف طبقاتهم لأنّها كانت تروي الحوادث التاريخية وقصص أبطالها بأمانة كبيرة.‏

الشعر الأرمني القديم المدوّن‏

مع إعلان المسيحية ديانة رسميّة في أرمينيا سنة (301م) من قبل الملك الأرمني (درطاد الثالث DERTAD III) ـ 252 ـ 330م)، وتنظيم الكنيسة الأرمنية الرسولية من قبل (القدّيس كريكور المنوِّر ـ KRIKOR LOUSAVORITCH (302 ـ 325م)، بدأت تتراجع مفاهيم الوثنية لتحلّ مكانها مفاهيم الدين الجديد، ثمّ فقدت أرمينيا مكانتها التاريخية وانقسمت سنة (387م) بين (بلاد الفرس) و(بيزنطة). وأثناء هذا المأزق السياسي الحرج، الذي كان يهدّد الهوية الأرمنية، ابتدع (القدّيس ميسروب ماشدوتس) الأبجدية الأرمنية سنة (406م)، تبعتها حركة الترجمة والتأليف وتأسيس المدارس في كلّّ أنحاء البلاد بقيادة الملك الأرمني (بهرام شابوه ـ VERAM SHBOUH) (392 ـ 414م) والكاثوليكوس (ساهاك بارثيف ـ SAHAG BARTHEV) (387 ـ 438م) و(القدّيس ميسروب ماشدوتس) ونخبة من طلابهم. فعمّت البلاد نهضة ثقافية وأدبية وروحية لم يسبق لها مثيل.‏

توازياً مع هذه المستجدّات، تطوّرت القداديس الكنسية بدورها، وظهرت مجموعة من الشعراء الذين كتبوا قصائد دينية ومدائح وترانيم روحية. وهكذا بدأ عهد الأدب الأرمني المدوّن وسميت هذه المرحلة بالأدب الروحي، وكان من رواده الكاثوليكوس (ساهاك بارثيف) و(القدّيس ميسروب ماشدوتس) والمؤرخ (موسيس الخوريني) والكاثوليكوس (أوهان مانتاكوني ـ HOVHAN MANTAGOUNY) (478 ـ 490م).‏

اتّصفت هذه النخبة من الأدباء بعبقرية الإبداع، وأفلحت في التوفيق بين مؤلفاتها ومتطلبات العهد الجديد، وسميت إبداعاتها الشعرية بـ "التراتيل". وهي قصائد شعرية ملحّنة، تستخدم في القداديس الكنسية المختلفة، وتتميّز بتنوّعها وبأنَّ المفاهيم الدينيّة فيها أكثر تطوراً من الكلمة الفنية والمشاهد التصويرية. أي أنَّها تتضّمن أفكاراً وأحاسيس علمانية ضمن نطاق المفاهيم الدينية على نحو لا يمكن الفصل بينهما إلاَّ بدراسة تاريخية وعلمية. أما من الناحية الفنية والأدبية، فإنّها تتّصف بلغتها البسيطة وأسلوبها المؤثر فضلاً عن ألحانها الشعبية الأصيلة.‏

ولابدّ أنْ ننوه بأنَّه توجد دراسات علمية تحليلية واسعة عن "التراتيل" تؤكّد بأنَّها لم تتخذ شكلها النهائي في القرن الخامس للميلاد بل مرّت بمراحل تطوّر في القرون التالية.‏

ويتّفق المؤرخون والنّقاد الأرمن بأنَّ الكاثوليكوس (أوهان مانتاكوني) كان رائد التيار المحافظ في الأدب الروحي الأرمني في القرن الخامس للميلاد.‏

فقد كان من أبرز الشخصيات الدينية والوطنية وقد تميّزت مؤلفاته الشعرية بالوطنية أيضاً فضلاً عن الطابع الديني ـ الأخلاقي. ومن المختارات الشعرية تلك المهداة إلى المترجمين الأرمن الأوائل الذين أضاؤوا أرمينيا بنور العلم والمعرفة، وتتألف من (24) فقرة.‏

فلتبتهج اليوم كلّّ الأمم والشعوب،‏

بأنّنا نحتفل بذكرى المعلمين القدّيسين،‏

الذين يشع منهم النور السماوي. (الفقرة 1)‏

إنَّهم بقوة الحكمة الإلهية‏

أسسوا كرسي القدّيس كريكور (6)‏

مع تفسير حروف الأبجدية،‏

فلتباركوا الله بأغنية عذبة رقيقة. (الفقرة 13).‏

ونؤكد هنا أنَّ ابتداع الأبجدية الأرمنية كان نقلة قومية فاصلة في تاريخ الشعب الأرمني، وقد غدا موضوع مؤلفات العديد من الأدباء والمفكرين في القرنين الخامس والسادس للميلاد بخاصّة.‏

كذلك، من أجمل مؤلفات الكاثوليكوس (أوهان مانتاكوني)، قصيدة شعرية تتألف من (12) فقرة، يمجّد فيها "العذارى هريبسيميانتس" (7) HRIPSIMYANTS) GOUYSER) ويعظّم روح التضحية لديهنّ.‏

بالدفاع عن القديسين‏

ضد أصنام العبادة‏

كان أولئك العذارى المنتصرات أبداً‏

يجدن السعادة في الكفاح،‏

لأنًّهن أحببن الله كثيراً‏

وباتباع مثال الربّ المتجسد؛‏

نلن إكليل الفخر. (الفقرة 2)‏

ثمّ مرت "التراتيل" بمراحل تطوّر تبلورت في القرن السابع للميلاد، حيث برز على مسرح الأدب الروحي الكاثوليكوس (كوميداس الأول ـ COMIDAS I) (615 ـ 628م)، وكان بعيد الشهرة بإنجازاته العمرانية والثقافية والأدبية. يُذكر بأنَّه فضلاً عن كونه شاعراً مبدعاً كان موسيقاراً فذَّاً، وأجمع العلماء الأرمن على أنَّه كان أبرز شعراء العصر.‏

من أشهر مؤلفاته قصيدة شعرية تتألف من (36) فقرة وتكاد تكون ملحمية، وصف فيها جمال "العذارى هريبسيمانتس" وإيمانهن وشجاعتهن. وتتميّز بلغتها السهلة المعبّرة والأوزان الشعرية المحددة والخصائص الفنية المتكاملة مع أسلوب موسيقي أخّاذ.‏

مكرّسات لمحبة المسيح،‏

شهيدات سماويات وعذارى حكيمات،‏

فخراً لكنّ، تحتفل الكنيسة الأم مع الملائكة‏

بعيدكنّ بابتهاج. (الفقرة 1)‏

ملأت الأصوات السماوية الأرض،‏

ولقد انتشرت رائحتكنّ الزكية قرب المسيح.‏

أنتن ضحيات الإيمان والخلاص،‏

وحملان طاهرة مهداة للرب. (الفقرة 2)‏

لقد لعب الوثنيون لعبتهم‏

على لؤلؤة كريمة،‏

فوصلن من الغرب إلى الشرق‏

ليعظن علناً عن منظره (المسيح) الرائع. (الفقرة 11)‏

في المرحلة الثانية بدأ المديح الديني بالانحسار تدريجياً ليحل مكانه المديح العلماني. ولمعت في القرن الثامن للميلاد شاعرتان هما: (خسروفيوخت كوغتناتسي ـ KHOSRIVITIOUKHD KOGHTNATSY) و(ساهاكتوخت سيونتسي ـ SAHAGTOUKHD SUYNETSY).‏

سارت الأولى على خطى الكاثوليكوس (أوهان مانتاكوني) والكاثوليكوس (كوميداس الأول)، وأغنت تراثها الشعري بقصيدة ممّيزة تتألف من خمس فقرات، ألّفتها في ذكرى استشهاد شقيقها الأمير (فاهان كوغتناتسي) سنة (737م). كانت القصيدة مديحاً تبنّتها الكنيسة الأرمنية وصنّفتها في عداد "التراتيل". تجدر الإشارة إلى أنَّ الشاعرة كانت بعيدة الشهرة في مجال التلحين أيضاً.‏

إنّ رنين أصوات رثائك‏

يبدو لي عجيباً‏

أكثر من الألحان الموسيقية،‏

أيها الطوباوي السيد فاهان،‏

يا مَنْ اختارك الرب. (الفقرة 1)‏

إنَّ نسككِ يبدو رهيباً‏

لطبيعة جسدي.‏

وأما أنت ففضّلت ذلك‏

أيها الطوباوي السيد فاهان،‏

يا مَنْ أحبّ الرب. (الفقرة 3)‏

بينما اختارت الثانية الأدب الروحي. إنَّها أخت الشاعر الأرمني (استيبان سيونتسي)، وكانت ملحّنة أيضاً، تنسّكت منذ نعومة أظفارها وألّفت قصائد شعرية روحية تركت أثراً ملموساً على مسيرة تطوّر "التراتيل".‏

من مختاراتها الشعرية، قصيدة تتألف من (10) فقرات تمدح فيها السيدة العذراء.‏

أيتها القديسة مريم، أنت كنيسة طاهرة‏

أنت أمٌ ووالدة خليقة حية،‏

مباركة أنت بين النساء،‏

أيتها العذراء وأم الرب البهيجة. (الفقرة1)‏

لقد ظهرت على هذه الأرض‏

مع أسمى الملائكة السماوية،‏

وحملت في حضنك‏

صاحب الجيوش السماوية.‏

مباركة أنت بين النساء،‏

أيتها العذراء وأم الرب البهيجة. (الفقرة 4)‏

لقد خلّف الشعراء الأرمن القدماء في الفترة التاريخيّة الممتدّة ما بين العصور القديمة والقرن الثامن للميلاد تراثاً أدبياً عريقاً، تميّز بقيمته الفنية والأدبية الأصيلة، فترعرع عليه العظماء من الشعراء الأرمن في القرون الوسطى، أمثال: (كريكور ناريكاتسي ـ KRIKOR NAREGATSY) و(نرسيس شنورهالي ـ NERSES SHNORHALY) وغيرهما، ولا يزال هؤلاء الشعراء الأوائل يلهمون الأجيال الجديدة بعبقرية وجمال إبداعاتهم الشعرية.‏

الحواشي‏

(1) يعدّ (القديس ميسروب ماشدوتس) من أهم شخصيات التاريخ الأرمني، إليه يعود الفضل في إرساء أُسُس النهضة الثقافية والدينية التي شهدتها أرمينيا في القرن الخامس للميلاد والذي سمي بحق بـ "العصر الذهبي".‏

(2) يُعدّ المؤرخ (موسيس الخوريني) من أعظم المؤرخين وأبا التاريخ الأرمني، كما يلقّب بـ "هيرودوت الأرمن".‏

(3) الإلهة (أسدغيك) كانت إلهة الجمال لدى الأرمن.‏

(4) بانتير: هي آلة موسيقية أرمنية وترية قديمة جداً.‏

(5) أعياد النافاسارت ـ NAVASART: كان الأرمن يحتفلون برأس السنة في موسم الخريف أي مع موسم الحصاد الأول من شهر (نافاسارت) ـ الموافق 11 من شهر (آب) من التقويم الحالي ـ ، وكانت تعدّ من أهم الأعياد الأرمنية الشعبية.‏

(6) يعني تأسيس الكرسي الكاثوليكوسي في أرمينيا، وكان أو ل الجثالقة الأرمن (القديس كريكور المنوِّر).‏

(7) "العذارى هريبسيميانتس": هي مجموعة من الفتيات المسيحيات كانت (هريبسيمة) أجملهن، قدمن من (روما) إلى أرمينيا هرباً من اضطهادات الإمبراطور الروماني (دقلديانس) 284 ـ 308م). لقد أراد الملك الأرمني درطاد الثالث أن يقترن بـ (هريبسيمة)، ولكنّ الفتاة رفضت الزواج من الملك الوثني، مما أثار غضبه، فَلَقَيْن الشهادة على يديه.‏

أهم المصادر والمراجع‏

1 ـ آبيغيان، مانوك، تصانيف (بالأرمنية)، المجلد الأول، منشورات أكاديمية العلوم في يريفان (أرمينيا)، يريفان ـ 1966.‏

2 ـ آكاتانكيغوس، تاريخ الأرمن (بالأرمنية)، الترجمة من اللغة الأدبية القديمة إلى اللغة الأرمنية الحديثة: آرام دير ـ غيفونتيان، منشورات جامعة يريفان، يريفان ـ 1983.‏

3 ـ بابايان، ليفون، مختارات من تاريخ العصر الإقطاعي المتقدّم في أرمينيا (القرن الرابع ـ القرن الثامن للميلاد) (بالأرمنية)، منشورات أكاديمية العلوم في يريفان، يريفان ـ 1981.‏

4 ـ خوكاسيان، أنترانيك، أساطير أرمنية (بالأرمنية)، منشورات دار النشر "لويس"، يريفان ـ 1985.‏

5 ـ سانطريان، فانيك، أبناء ماشدوتس (بالأرمنية)، منشورات دار النشر "الكاتب السوفيتي"، يريفان ـ 1985.‏

6 ـ سركيسيان، الأب كاركين، لاهوت الكنيسة الأرمنية وفق التراتيل الأرمنية (بالأرمنية)، كندا ـ 2003.‏

7 ـ مكرديجيان، آشود، الأدب الأرمني في القرن الخامس (بالأرمنية)، منشورات دار النشر "هايستان"، يريفان ـ 1985.‏

8 ـ موسيس الخوريني (خوريناتسي)، تاريخ الأرمن (بالأرمنية)، الترجمة من اللغة الأدبية القديمة إلى اللغة الأرمنية الحديثة والحواشي: استيبان ملخسيان، منشورات جامعة يريفان، يريفان ـ 1981.‏

9 ـ تاريخ الشعب الأرمني (بالأرمنية)، المجلد الأول، منشورات أكاديمية العلوم في يريفان، قسم التاريخ، يريفان ـ 1971.‏




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-02-2006, 10:00 PM
د.جان شمعون د.جان شمعون غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 51
افتراضي

استازنا الغالي فؤاد
انا وزوجتي الدكتورة نونا هاكوبيان نشكرك كل الشكر لعرضك هذا الموضوع الشيق عن الشعر الارمني القديم , ان ارمينيا عرفت بالقدم شعراء عظماء طافت اشعارهم على العالم في الشرق والغرب وعبقريتهم بالشعر اتت من خلال الظروف الصعبة التي عاشتها الشعوب الارمنية والطبيعة الجميلة الغناءة التي عاشتها ايضا وموقع ارمينيا التاريخي لذلك كان الشعر الارمني يتسم بالمصداقية والطابع العلماني القوي استمر للوقت الحالي وسيستمر وكلماته مزروعة في نفوس الاطفال يرددونها بين الحين والاخر وخلدت اسماء شعرائهم وخلدت كتاباتهم الشعرية , فقط اعطت الدولة الارمنية الاهتمام الكبير لكل الشعراء والكتاب العظام ووضعت لهم في كل انحاء ارمينيا النصب التزكارية من تماثيل ضخمة ومتاحف اثرية في كل حي ومنطقة تلفت نظر من يزور هذه المنطقة الجميلة .فهكذا عبروا الشعراء الارمن عن مصداقيتهم بالشعر وعن مواقفهم البطولية وعن تراثهم الحضاري العريق التي لن تشاهده اية شعوب اخرى لان الشعر كان يظهر شخصية هذه الشعوب وكان الدليل القوي في يدها

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-02-2006, 06:31 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,743
افتراضي

شكراً يا دكتور جان وللدكتور مروركما على النص وفعلا أنا أحب الشعب الأمني جداً وأحترم طاقاته الخلاقة وأتألم لما حصل له من مجازر. وقد وضعت في المواقع الأخرى هنا موقع أرمني لمن يريد المزيد من المعلومات عن الشعب الأرمني وتاريخه.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14-02-2006, 09:02 PM
د.جان شمعون د.جان شمعون غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 51
افتراضي

شكرا اخي فؤاد المواقع كلها حلوة وبالنسبة للموقع الارمني يعتبر كنز ثمين وضعته بين المواقع فنحن يوميا نتصفحه ونتطلع عليه مشكورة جهودكم الجبارة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:24 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke