Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-09-2005, 09:23 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي ذكريات متناثرة على خميلة الرُّوح ـ ج 3 ـ 1 ـ

ذكريات متناثرة على خميلة الرُّوح

أنشودة الحياة

[نصّ مفتوح]



إهداء:

إلى الصَّديق الحميم نعيم إيليا،

الصَّديق الفنّان جاك إيليا،

وإلى أزقّتي الطِّينية، المتاخمة لبيتي العتيق!



1
.... ... ...

احمرارٌ غارقٌ

في الحبِّ والأرقِ

احمرارٌ

مفروش



فوقَ وهجِ الصَّباحِ
فوقَ رعشةِ الشَّفقِ



ألوانٌ مكتنـزة

بعشبةِ المحبّة

مكسوّةٌ بِدمْعةِ الطُّفولةِ

بشوقِ الرُّوحِ

إلى الذَّاكرة الرَّحبةِ

في أزقّةِ ديريك

إلى مساحاتِ اللَّونِ



أزقّةٌ تحملُ بينَ جوانِحِهَا

نكهةَ الطِّينِ



نكهةٌ مسربلةٌ بالغمامِ

تندلقُ من ينابيعِ الأصالةِ

من سفوحِ الذَّاكرة

الهائجة بشلالاتِ الحنينِ



أزقّتي تبلسمُ ضجرَ الرُّوحِ

تفرشُ همومَهَا

فوقَ أجنحةِ الأصدقاءِ

متوغّلة في أوجاعِ نعيم إيليا

تنسابُ فوقَ خدودِ الغربةِ

دموعاً سخيّة

تنضحُ من المآقي ..



يذرفُ نعيمُ في سكونِ الليلِ

هموماً محفوفةً بالآهاتِ



يفورُ الحنينُ

من شواطئِ العزلةِ

شوقاً إلى أزقَّةِ العمرِ

إلى منعطفاتِ حبِّهِ الأوّلِ

إلى ملوحةِ البحرِ

إلى رحابِ الرَّحيلِ

رحيلُ إبنة من لونِ البهاءِ



آهٍ .. يا صديقي

تتبرعمُ الفارعة (ليال)

بكلِّ عذوبتها

مسترخيةٌ في أعماقِ الحلمِ

ترتسمُ بسمتها

فوقَ خدودِ الشَّوقِ

فوقَ خمائلِ الشَّفقِ

فتنسابُ دموعُ الأوجاعِ

طافحةً من معارجِ الغربةِ

غربةُ الرُّوحِ!



"غريبةٌ أنتِ يا روح

في دنيا من حجر!" ..



يرتعشُ نعيم حزناً

يخلخلُ سفوحَ الجبالِ

يتمتمُ

كيفَ عبَرَتْ (ليال)

وجنةَ الهلالِ

تاركةً خلفها

لهيبَ الحلمِ

مفروشاً

فوقَ نداوةِ الفجرِ!



بسمتُهَا محفورة

بين أحضانِ الرُّوحِ



تعالي يا (ليال)

يا برعم القلبِ

فراقُكِ يا ابنتي

كسرَ ظهري!



يا بلسم عمري

لا أتحمّلُ وداعَكِ الأبدي

يا ضوعَ الرَّبيعِ



زوريني في أعماقِ الحلمِ

هدهديني يا جميلتي

مثلَ طفلٍ فقدَ

أبهجَ ألعابِ العمرِ



زوريني كلّما تنسابُ دمعتي

دلّليني يا زهرة حلمي

امسحي عن جبيني

أوجاعَ الفراقِ



تعالي يا أنشودتي الأبديّة




عانقي لهفتي التائهة

فوقَ أمواجِ البحارِ



كم من الأوجاعِ

حتّى تشقَّقَتْ

خواصرُ الجبال!



أيَّتها الشَّهقة المنقوشة

فوقَ وجنةِ الرُّوحِ



كيفَ سأعيشُ شهقتي

وأنتِ غافيةٌ

بينَ أحضانِ اللَّيل؟



أيعقلُ يا (ليال)

أن يعانِقَكِ اللَّيلُ

عناقاً أبدياً

وأنا هنا وحيدٌ في غربتي

لا يعانقني سوى

وهج عينيكِ؟!



صوتُكِ لا يفارقُ شهيقي

صوتُكِ يرنُّ في قلبي

مبلسماً جراحي

مبدِّدَاً ضجرَ الصَّباحِ



قاسيةٌ أنتِ يا غربتي

ومسربلة

بملوحةِ الدُّموعِ

يا روحي



تشمخُ أحزاني

فوقَ خواصرِ الجبال

تنحني مثلَ السَّنابلِ



آهٍ ..

كيفَ سأعيشُ خشونةَ المساءاتِ

بعدَ فراقِ دُفءِ اللَّيالي؟!



يُتمتمُ نعيم فيما يحرّكُ

بيادقَ الشّطرنجِ

متوقِّدُ الذِّهنِ

في حصاراتِ الوزيرِ

وخلخلةِ أجنحةِ الملوكِ

فتعبُر (ليال) معابرَ الحنينِ

تداعبُ شعرَهُ

تزورُهُ

رغمَ أوجاعِ البحارِ

تزورُهُ على اِمتدادِ النَّهارِ

ثمَّ تغفو في أعماقِ الحلمِ



لا تتركُه عرضةً

لأوجاعِ الشَّوقِ

ولا تتركُهُ

مستسلماً

للضجرِ القابعِ

فوقَ لجينِ الهلاكِ

هلاكُ

تحليقات

جموحِ الذّهنِ

اشتعالُ هلالاتِ الخيالِ



انبثقتْ شهقةٌ مسربلة

بينبوعِ النّورِ

من موشورِ حنايا الحلمِ!

فيسبحُ نعيمُ في فضاءاتِ القلاعِ

ثمّ يفرشُ شوقَهُ

بين هلالاتِ القلمِ



آهٍ .. يا صديقي

تتناثرُ شظايا الحزنِ

فوقَ عباءةِ الليلِ

فتنهضُ صوراً من ذاكرتي

مزركشةً بالطِّينِ



يبدِّدُ الشُّوقُ رعونةَ الرِّيحِ

شتاءٌ قارسٌ

صوتُ جرّارٍ كبير يلعلعُ

في حديقةِ حوشِنَا العتيقِ



أحرّكُ ستارةَ العمرِ

دكنةُ اللَّيلِ تسربلُني

شهبُ الأطفالِ تندلعُ

نحوَ بوارجِ الفرحِ



أنظرُ ذاهلاً

يا إله الشَّوقِ ووهج الحنانِ

يقتحمُ نعيمُ أكوامَ الطِّينِ

لا يهابُ

من انزلاقاتِ

هذا الزَّمان!



لا يخشى

أن يعلقَ جرّارُهُ

في (التَقْنَةِ)

في تجاعيدِ الإنزلاقِ



يعبرُ كلَّ المعابرِ

كي يعانقَ ليلةً

أزهى من كلِّ اللَّيلاتِ

ليلةُ الميلادِ



يريدُ أن يطبعَ قبلةً

من لونِ الطُّفولةِ

فوقَ وجنةِ الأصدقاءِ



يعرفُ

كيفَ يطاوعُ

خشونةَ الشَّوقِ

تعاريجَ الحنانِ

ضروراتِ العناقِ!



ضحكةٌ مجلجلة يفرشُهَا

بعفويتِهِ الجامحة

فوقَ خميلةِ اللَّيلِ



يسألني

هل ما تزالُ تحلمُ بأنثى

من لونِ القمحِ

يا شاعر السَّنابلِ؟ ..



هل من شطحاتٍ (صابرية) جديدة؟



تغلغلَ الفرحُ

إلى جوانحِ الرُّوحِ

نبيذٌ مسكّرٌ تهاطلَ

من وجنةِ المساءِ



اخترقْتُ جدرانَ الأحزانِ

المتاخمة بوّاباتِ الرُّوحِ



تبلسمَتْ غربتي

وتبرعمَ في شهقةِ القلبِ وردةً

من نكهةِ الحلمِ



ضحكْنَا على طريقةِ الاقتحامِ

اقتحامُ سماكاتِ الحزنِ

المبعثرة فوقَ ليلي الطَّويلِ



كيفَ اقتحمْتَ

كلّ هذه الأكوام الطينيّة؟!



كما تقتحمُ فضاءات القصائدِ

كما تنثرُ رذاذات الحرفِ

فوقَ أجنحةِ الهداهدِ

هكذا أعبرُ بفرحٍ

أكوامَ الطِّينِ!



مطرٌ ناعمٌ

نعيم إيليا وأنا

ودكنةُ اللَّيلِ

أصدقاءٌ من نكهةِ العشبِ



انقشعَ ضجرٌ سميك

من فوق أغصانِ القلبِ

كؤوسُ العرقِ قامَتْ ركباً



استيقظَ والدي

من لجينِ الشَّخيرِ

عبرَ عالمنا ضاحكاً

شَعْرُ (القجِّ) هنا!



ضحكْنَا بكلِّ فرحٍ

على اصطلاحاتِ الوالدِ



جميلٌ عالمُ الفلاحةِ

عالُم الفدّانِ و(الجَرْجَرِ)



جميلٌ أنْ يكونَ لكَ

صديقاً (قجَّ) الشَّعْرِ

منفوشةٌ عفويته

فوقَ خدودِ المحبّة



جميلٌ أن نفرشَ ذاكرتنا

فوقَ

طشْتِ

العجينِ



من هنا أشتمُّ نكهةَ العنبِ

شارعُ المشوارِ يسطعُ

بين خيوطِ الشَّفقِ

فوقَ جبهةِ غربتي



نعبرُ المسافات

عبر بهجةِ الحلمِ

نزرعُ فوقَ ثغرِ الهلالِ بسمةً

ثمَّ نتوهُ بينَ الأزقّةِ

حتّى (أنصاصِ*) اللَّيالي

نحكي قصصاً عنِ العشقِ

ولا نتعبُ مِنَ التَّعبِ!



آهٍ .. يا غربةَ الرُّوح!

من هنا

من فوق بوّاباتِ المدائنِ

من أعماقِ غربتي المزنّرة بالشَّوقِ

أشتمُّ نكهةَ الحشيشِ



كم من السّنينِ

لملمَ والدي الحشيش

يحملُهُ تحتَ إبطِهِ

ثمَّ يعانقُهُ فوقَ الكتفِ



يصفصفُهُ بدقّةٍ مرهفة

كأنّهُ يبني عشّاً من الألقِ



يحوّلُ باقاتِ العشبِ

إلى (ريسيّاتٍ*) لغنمتهِ

يهدِّدُنا ما بين مزحٍ وجدٍّ

إيَّاكم أن تبعثروا حشيشي

أو تزعجوا غنمتي!



لن أنسى أبداً يومَ سطى والدي

على كرافيتتي

يمطّيها ..

مختبراً مرونةَ المدِّ

وفائدة العبورِ

بين أحشاءِ القنّباتِ



عبرْتُ ساحةَ العراكِ فجأةً

فَتَكَرْكَبَتْ عليهِ

كلّ المخطَّطاتِ



عبرْتُ عوالمَ حبالِهِ وقنَّباتِهِ

من غيرِ موعدٍ

نظرَ إليَّ مرتبكاً

فعرفتُ أنَّ مقلباً محرزاً

يخبِّئه بين ثنايا ضحكاته

المترقرقة

مثلَ خيوطِ الهلالِ



أرادَ أن يغريني

بصحنِ برغلٍ شهيٍّ

مع هبراتٍ من (قليّةٍ)

ولا كلَّ (القليّاتِ)!



تأكّدتُ أن وراءَ إغرائِهِ مقلب

ملوّنُ بالبهجةِ

بهجةُ الضِّحكِ

بهجةٌ

ولا كلَّ البهجاتِ



عبرْتُ مطبخي

أوهمتُهُ أنّي غائصٌ

في أكلِ البرغلِ

وأعطيتُهُ الأمانَ على آخرِهِ



عجباً أرى

هجمَ على قنّباتِهِ

يجدلُهَا بخفّةِ الحجلِ



تدلّتْ من تحتِ إبطِهِ كرافيتتي

وراحَ يحبسُهَا برشاقةٍ

بين أحشاءِ الحبلِ

فعرفْتُ أنَّ الوالدَ يريدُ

أن يدخّلَ (كولَهُ) عليَّ

بأقصى سرعةٍ

كي يطمسَ معالمَ الجِنحةِ

مركِّزاً على (كَركَونةٍ) لغنمتهِ

ولا كلَّ (الكَرْكَوناتِ)!



تركتُهُ يجدلُ حبلَهُ بكلِّ راحةٍ

ثمَّ فاجأتُهُ

قبلَ أنْ يصلَ نهايةَ العقدةِ



لملمَ ما تبقّى من النِّهاياتِ

تحتَ ابطِهِ

متسائلاً

هل شبعتَ من القليّةِ

ولذائذِ البرغلِ؟



أريدُ أنْ نآكلَ سويةً يا أبتي ..

هزَّ رأسَهُ معتذراً



تذكّرتُ أنّهُ يتدغدغ من إبطِهِ

فانتهزتُ الفرصةَ

مركِّزاً على نقطةِ ضعفِهِ

مدغدغاً إيّاهُ

من جانبيِّ الخاصرةِ

حتّى أطرافِ الآباطِ



رجاني أنْ أتوقّفَ عن دغدغتِهِ

لكنّي لم أصغِ إلى رجائِهِ

غمرَهُ الضُّحكَ

وتعالَتْ جناحاهُ

فسقطَ على فخذِهِ

ما تبقّى من الحبلِ



رأيتُ نهايات كرافيتتي

تنظرُ نحوي

تريدُ الخلاصَ

من هذا الانحباس



التحمَ والدي مراراً بالسَّنابلِ ..

بأعشابِ البرّيةِ

حاملاً بين جناحيهِ

نقاءَ الحياةِ



بساطةٌ من لونِ الفرحِ ..

قُشَعريرة منعشة غمرَتْ ليلي ..

تبدَّدَ فجأةً ضجري



عقاربُ السَّاعة اقتربَتْ

من انتصافِ الليلِ

مفرقعاتٌ تتدفّقُ

كشهبٍ نحو الذَّاكرة البعيدة



الشِّعرُ صديقُ غربتي

تاهوا أصدقائي

في صحارى المسافات



تبعثروا في همهماتِ الغربةِ

وجعٌ على اِمتدادِ الشَّفقِ

همومٌ تخشخشُ

بينَ رحابِ الحلمِ

شوقٌ حارقٌ ينمو

في أعناقِ البراعمِ

زهورٌ غافية بين ظلالِ الحنينِ



تشمخُ قاماتُ الأصدقاء

كسنابلِ خضراء

فوقَ وجنةِ البحارِ



*****

رسومُكَ يا جاك منبعثة

من وهجِ الرِّيفِ

من سفوحِ التِّلالِ الغافية

فوقَ هلالاتِ الحلمِ

من منحدراتِ دجلة الغارقة

في دهشةٍ أزليِّة



لونٌ متناثرٌ

من حفيفِ الرِّيحِ

هل تلتقطُ لونكَ

من موشورِ العمرِ

أم أنَّكَ تنسجُ لونَكَ

من نسغِ البحرِ؟



حلمٌ مخلخلُ الأطرافِ

آهاتٌ متهاطلة

فوقَ خصوبةِ اللَّيل



ألوانُكَ تخفِّفُ

من وهجِ الحنينِ



هل تمزجُ نقاوةَ ألوانِكَ

مع نداوةِ الحنطة

أم أنكَ تعشقُ

أنْ ترشرشَ ألوانَكَ

فوقَ وجنةِ اللَّوحاتِ

كما كانَ والدكَ ينثرُ

فوقَ السُّهولِ الفسيحةِ

حباتِ الحنطة؟!



هيكلٌ عظمي متوّجٌ بالتَّاجِ

تاجُ الفناءِ

رحلةٌ من سراب

في معابرِ الزَّوالِ

رحلةٌ متشظّية

بدهاليزِ العمرِ



تاجٌ من لونِ الفسادِ

من لونِ العظامِ

ينافسُ قتامةَ الموتِ

من لونِ غربةٍ

ولا كلَّ الغرباتِ!



أيّها الإنسان

"غريبٌ أنتَ في دنيا من حجر"



وجعٌ ينمو

في خاصرةِ الذَّاكرة



فرحٌ ينضحُ بكاءً

يتعانقُ لهيب الشَّوقِ

مع غاباتِ الفرحِ

فتهطلُ رذاذات الطلِّ

من أوداجِ الحنينِ



يتلألأ حبقُ الأزقَّة

معابرُ المدينة

أراجيحُ الطُّفولة

قُبُلات المحبِّين

فيهفو القلبُ أن يبني

هودجاً للعاشقين



رقصَ قلبي فرحاً

عندما رأى (سَرْدُوْرَ) بيتِنَا العتيقِ



لَقْطَةٌ مفهرسة بزنابقِ الرُّوحِ

زرقةٌ من لونِ السُّموِّ

تشمخُ في وجهِ نجمةِ الصَّباحِ



تتراءى خمائل الذَّاكرة أمامي

رغم غشاوة السديمِ



تنهضُ أسوارُ المدارس

يتواصلُ في أذني برتابةٍ موصولة

رنينُ الجرسِ

وتتبرعمُ مثلَ الزُّهورِ

قاماتُ طالباتي وطلابي



بكاءٌ

شوقٌ

ضجرٌ أكثرَ مرارةً

من الحنظلِ!



يرحلُ العمرُ سريعاً

متوغِّلاً دكنةَ اللَّيلِ

كيفَ سنرسمُ قبلةَ السَّلامِ

فوقَ جبينِ الهلالِ؟



متى ستغفو يا قلبي

بين خصوبةِ التلالِ؟



آهٍ .. اقتلعوا دالياتي

أشعلوا النارَ

في أكوامِ (الكَرْسَبَانِ)

أغصانُ دالياتي!



أريدُ أنْ أعبرَ المسافات

كي أحضنَ شهقةَ الأحبّةِ



أن تعبرَ المسافات

تاركاً خلفكَ

ذكريات ثلث قرن من الزَّمان

ذكريات لا تمحوها

زنابق اللونِ

ولا أبراج المدائنِ



ذكرياتٌ مزركشة بأصالةِ الطِّينِ

بعناقيدِ العنبِ



معبَّرٌ للغاية بابُكَ يا جاك

من هذا الباب

حلّّقَ النَّورسُ عالياً

عابراً ضباباً كثيفاً

تاركاً خلفه شبابيكاً

مشرعة للريحِ



تهذَّبتْ نتوءات العمرِ

بين وداعاتِ اللَّونِ

كم من الشَّهقاتِ

حتّى هاجَتْ أمواجُ البحارِ!



كرسيٌّ على مشارفِ الكهولةِ

كم من الأجسادِ ترامَت فوقه

من شدّةِ الارهاقِ!



تعبٌ كثيفُ الملوحةِ

ناغى خشونةَ الخشبِ



تناثرَتْ على جنباتِهِ

حُبيباتُ العرقِ

منبعثةً من جبينِ الفلاحةِ

من أوجاعِ الأرضِ



وجهٌ شامخٌ على اِمتدادِ العمرِ

ينقّي شوائب الحياةِ دونَ وجلٍ

كي يحفرَ اسْمَهُ

فوقَ أخاديدِ الزَّمنِ!



قريةٌ غافية

فوقَ هضابِ الذاكرة

مضمّخةٌ بزهورِ الختميةِ

وأريجِ النعناعِ



أشجارُ التُّوتِ تعلو

فوقَ أهازيجِ نقاوةِ النَّدى

ضفادعٌ خضراء

تتقافزُ كلّما يهلُّ عليها الرَّبيع



فراشاتٌ غافية على إيقاعاتِ

حفيفِ اللَّيلِ



حلمٌ يتطايرُ من زبدِ البحرِ

يتراءى

عندَ اِنبلاجِ الصَّباحِ



قبورٌ مكتظّةبالآهاتِ

بأوجاعٍ غائصة بالشَّوكِ



تنمو حولها الحسرات والغصّات

شاهداتٌ متشابهة

حولها حجارة صغيرة مبعثرة

حشائشٌ نديّة

زهورٌ برّية صغيرة ناعمة



تنامُ السَّحالي بأمانٍ

تحتَ ظلالِ النَّباتِ اليابسِ



كيفَ سأميّزُ

من بين مئاتِ القبورِ

قبرَ أمّي؟!



آهٍ .. آهٍ أمّي

قبلَ أنْ تودِّعي

جنون هذا الزَّمان

أحببْتِ أنْ تودِّعيني



تواصلٌ من لونِ السَّماءِ

من سماءِ ستوكهولم

في الطَّابقِ التَّاسعِ

من أوجاعِ الغربةِ

رأيتُ أمّي

أسمعُ صوتَهَا تناديني



من الطَّابقِ التَّاسعِ

نسجتُ خيوطَ أحزاني

رسمتُ جنازةَ أمّي

تواصلٌ أكثرَ صفاءً

من الماءِ الزُّلالِ



بكاءٌ على مساحاتِ الخيالِ

تناديني

لا تسلّمُ الرُّوحَ ..

تقاومُ عبورَ الغمامِ

لا ترغبُ الرُّوحُ

أنْ تعبرَ وجنةَ اللَّيلِ

تطلبُ حضوري

من خلفِ البحارِ



يرتعشُ قلبي

أكتبُ نصّاً

حولَ وداعِ أمّي



تتعانقُ روحينا

أحسُّ بغصّةٍ

تتغلغلُ في أعماقي



لا تسلِّمُ الرُّوحَ

تطلبني بإلحاحٍ

حيرةٌ كبرى تُسَربِلُ

أجواءَ المكانِ



يغارُ إخوتي منّي

يبكونَ وهم يردِّدون

أولادُكِ حولكِ

فلماذا تلحّين

على حضورِ أخينا التائهِ

من سماءِ الغربةِ ..

من أين سنحضرُ لكِ صبري؟



الأرضُ قاسيةٌ والسَّماءُ عاليةٌ

تحرّكُ سبابتَهَا دلالةَ الرفضِ



أحدُ اخوتي يتذكّرُ صورتي

تفضّلي هوذا صبري

بسمةٌ من بين تجاعيدِ الموتِ

ترتسمُ على محيّاها



تمسكُ صورتي

تقبّلني قبلةً واحدة

ثمَّ تعبرُ غمامَ الحياةِ ..



دمعتي لم تتوقفْ طوال اللَّيل

اتمتمُ وحدي معَ أوراقي

في الطَّابقِ التَّاسعِ

من تلالِ الفراقِ

فراقُ الرُّوحِ عن الرُّوحِ



دموعٌ ساخنة انسابَتْ

فوقَ خدودِ غربتي



انكسرَتْ شجرة من جذعِهَا

في ركنِ الحوشِ



تسارعَتْ خشونةُ الرِّيحِ



رذاذاتُ مطرٍ

تناثرَتْ فوقَ المآقي



من بعد آلافِ الأميالِ

طفرَتْ دمعتي

أبكي مثلَ طفلٍ فقَدَ

أبهجَ اللُّعَبِ



يرحلُ الإنسانُ

كأنَّهُ نسمة عابرة



ما هذه الصَّرخة يا صديقي؟

صرخةُ الغربةِ

صرخةُ الرَّحيلِ

أم صرخةُ الإنتصارِ!



لا إنتصار يلوحُ في الأفقِ

لدى الكائنِ الحيِّ

الإنسانُ رحلةٌ مكتنـزة بالهزائمِ

أجسادنُا تزولُ

كما تزولُ خصوبةُ المروجِ

كما تترهّلُ الأعشابُ البرّية



وحدُهُ الشِّعرُ يبقى شامخاً

مثل قبّةِ السَّماءِ

الكلمةُ لا تزولُ

تبقى ساطعةً فوقَ جدارِ الزَّمنِ

متلألئةً فوقَ شواطئِ الرُّوحِ



أتوقُ إلى أزقّتي الطِّينيّة

إلى جاك إيليا

إلى نعيم إيليا

أتوقُ إليكم ..

إلى تلكَ البراري

إلى ذاتي المفهرسة مع النَّسيمِ



أيّتها الذَّاتُ المنشطرة

كشهبٍ هائجةٍ

من وهجِ الصَّباحِ

المتعانقة بحبقِ العشقِ

معَ أغصانِ الكونِ!

... ... .... .... يُتْبَعْ!




ستوكهولم: 2003

صبري يوسف

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم


*أنشودة الحياة: نص مفتوح، قصيدة ملحميّة طويلة جدّاً، تتألّف من عدّة أجزاء، كلّ جزء هو بمثابة ديوان مستقل مرتبط مع الجزء الّذي يليه، وهذا النصّ مقاطع من الجزء الثالث، حمل عنواناً فرعياً:

(ذكريات متناثرة على خميلة الروح)

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 09-09-2005 الساعة 09:29 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-09-2005, 09:44 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

الأخ والصديق الحميم صبري:
تحية متجددة أريد أن أسأل قطار الزمن هل له وقفة مع جمال الأنثى التي تزيد الإبداع والتألق؟وتعيش مع المرأة في عشق متسربل يمتشق الخيال والوقت مايزال أمامه وهويعبره بكل خير يا شاعرنا الف تحية ومحبى.
ولك أصدق التمنيات القلبية.
أختك سميرة

التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 10-09-2005 الساعة 12:07 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-09-2005, 10:23 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

الأخ الغالي صبري:
كتبت لك قبل أن أقرأ قصيدتك المهداة إلى نعيم وجاك إيليا وعندما وصلت حول ماكتبته عن أمك فبكيت وبكيت ولازلت أبكي فقد مات أبي وبعدها ماتت أمي الله يرحم الجميع ويدخلهم في ملكوته ونحن في الغربة بكيناهم على التلفون أيوجد أصعب من هذا؟ وكم هو صعب موت الوالدين ولا أصدق حتى هذه اللحظة بأن والدي قد ماتا مع أن الموت حق علينا ولا اعتراض على حكمه فالغربة حقا صعبة ياأخي صبري إنك أججت أحزاني بقصيدتك الرائعة التي جسدت فيها الحقيقة الله يوفقك ويسلمو ايديك
أختك سميرة
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-09-2005, 10:43 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

المتابعة العزيزة سميرة أم نبيل

هل كنتِ قد قرأتِ قصة ترتيلة الرحيل، قصة تحمل بين جنباتها خصوبة الشعر، وفيها تطرقتُ إلى عوالم رحيل الأمّ!

أعتذر لأنني أججتُ مشاعركِ مما إنسابت دمعتكِ، وأشكركُ بنفس الوقت لأنّكِ تتوغلين عميقاً في رحاب القصائد! وأمّا موضوع المرأة فأهلاً بها على كلّ الجبهات، على جبهة الشِّعر والخيال والواقع! فهي مترعرعة بين حبقي منذ الأزل وهي صديقة روحي وفرحي وحزني وكينونتي!


قريباً سأنشر عبر منتدى الموقع الجزء السادس من أنشودة الحياة، حالة عشق مسربلة بالانتعاش، نصّ من وهج العشق، وحالياً أنشره على مراحل ومقاطع عبر بعض المواقع!

مودّة عميقة متجددة
صبري يوسف ـ ستوكهولم
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-09-2005, 10:52 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,949
افتراضي

لماذا يا معللتي ** أثرت ِ شجو صبرينا


(أخاف) أن غداً يأتي ** إلينا ما يهنّينا


بأنّ دفعك هذا ** إليه كان تمرينا


و قد يسعى لتطبيق ** ولا يأتي يسلّينا


هنيئاً إنْ هو فعل ** وإنْ لا زادنا ( برينا).

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-09-2005, 02:25 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

الصَّديق العزيز فؤاد زاديكه

أحييك على مرورِكَ الشَّفيف ونصّكَ الطَّريف ..

نصوص متهاطلة مثل رذاذات المطر، أهلاُ بكَ وبالزاديكيين جميعاً وبكلّ الأحبّة القرّاء والقارئات ..

مع خالص المودّة والإحترام
صبري يوسف ـ ستوكهولم
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:27 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke