Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-07-2005, 11:51 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي ديريك يا شهقةَ الرُّوح ـ [نصّ]

ديريك يا شهقة الروح!

(في معراج الحنين)



طفرَتْ دموع ساخنة من عينيّ، وأنا ألقي نظرة على صورٍ من شوارعِ ديريك، بلدتي الّتي ترعرعتُ فيها، وتبيّن لي كم أنا قاسٍ على نفسي وأهلي وأصدقائي وشوارعي وأزقّتي الترابيّة التي تبرعمتُ فيها!، وكم تمنّيتُ لو كنتُ داخل كادر الصورة، وأنتم تلتقطون تلكَ الصور.

أتساءل باشتعال: هل نحنُ الّذينَ عبرنا المسافات على أجنحة الريح، وتركنا شوارعنا تصرخ في أعماق الليل، تمتَّعنا في ضجيج الغربة، ودهاليز الأقبية الغارقة في موجات الحزن، وسط جموح شوق الروح المنسابة في أعماق الحلم؟! هل ثمَّةَ أجمل من أن يحضنَ الإنسان معابر الصبا، ومخارج الفرح في واحات الطفولة التي احتضنته سنوات طوال، أين نسير يا قلبي، وهناكَ آلاف الصور في الذاكرة تبكي وتنوح من شدّةِ الشوق، أريدُ أن أبكي حتّى أتوازن مع شوقي العميق إلى سماء الأحبّة، كلّ الأحبّة! ..

عندما نظرتُ إلى شوارعي وأزقّتي ومعالم فرحي التي خبّأتها بين حنايا الروح، لم أستطِعْ أن أحبسَ دمعتي، فأنا لا أختلفُ عن أيِّ طفلٍ فقد ألعابه الحميمة، ويشتاقُ إليها كلّما هبَّ النسيم العليل من سماء المالكيّة وكرومها وسهولها الفسيحة، نظرتُ إلى المرآة للتأكّد من نقاوةِ دمعتي فوجدتها معفّرة بكلّ أنواع الغربة، وتأكّدتُ أنَّ الحصادَ الّذي حصدته في بحار غربتي، مكثّفٌ بالشوكِ والبربورِ والزؤانِ، ولم أعثر على أيّةِ معالم فرحٍ في تجاعيدِ غربتي سوى هذا الشوق المجنون إلى تلكَ التلالِ وخدودِ الأهل؛ وكلّما أحاولُ أن أعانقَ خلاني، أجدني محاصراً ببحيرات ستوكهولم من كلّ الجهات!.. أنا التائه في أعماق الحرف والبحار والحلم المشنفر بكلِّ أنواع العذاب، لا تصدّقوني يا أحبّائي إن قلتُ لكم أنني سعيدٌ في غربتي، ولا تصدّقوا حرفي عندما يلامس وجنةَ الشفقِ؛ فحرفي وإن علَت قامته، فإنّه يعلو فوق جبهة الروح، تاركاً قلبي يبكي ليل نهار شوقاً إلى ذواتٍ تائهة خلف البحار من الجهةِ الأخرى من جموحِ الروح، كنتُ أظنُّ أنَّ روحي ستهدأُ، لو لملمتُ ديريك حول خاصرة القلب، ديريك مسقط الرأس، تاجٌ من الذهب الصافي، أفرشه فوق روحي، فوق نداوة حرفي، فوق معابر الحنين، فوق طراوة الحلمِ، ديريك صديقتي الأبقى، حبيبة من لونِ البابونج، أوّل أنثى عانقتها من ديريك، أوّل قصّة كتبتها في ديريك، أوّل حرف نقشته في ديريك، أوّل دمعة ذرفتها في ديريك، أوّل حلم مسربل بالإبداع اندلع في ديريك، أوّل نجمة عشقتها، تلألأ وميضها في سماء ديريك، أوّل نورج ركبته في ديريك، وأوّل منجل حملته وحصدتُ فيه سنابل العشق في ديريك، أوّل بيدر فرشتُ فوقهُ أكوام الحنطة في ديريك، أوّل صديقة نبتتْ بين تجاعيد فرحي من ديريك، وأوّل صديق سطعَ فوق خميلةِ القلب من ديريك؛ أحمل ديريك فوق وجنةِ روحي، وأفرشها فوق شهقتي العميقة، أدلقها فوق نهدِ صديقة من نكهةِ الياسمين، أوّل مرّة أشعر بأهمية شوق والدي إلى "آزخ" أو "كوفخ" مسقط رأسهِ، ديريك هي وطني السرمدي الذي أشتاقُ إليه بطريقةٍ صارخة وحارقة، أشتاقُ أكثر ما اشتاقُ إلى أكوامِ الطيّنِ التي رافقتني ثلث قرن من الزمان! لا أنسى أبداً كرومها، أزقتها، أشجارها، ترابها، صيفها ونجومها التي تضحكُ في سمائها القمراء، ألعاب الطفولة تنفرش أمامي فأتذكّر لعبةَ (القتيلة والدامة، والباقوش، والمزعار، والطفش، والشميطونكة، والسيخ، والداربولكة، والكيبالة، والغلوغلو، والكارشو بشّّ، والاعتماد على (التسطو مسطو) قبل بداية كل لعبة، فيرتعش قلبي شوقاً إلى تلالِ الذاكرة البعيدة، فتقفز في أعماق الروح ألعاباً متلألئة بدموعِ الحنين، فأشتاق إلى لعبةِ (البرّي والتوش والبيبة والصلابة والتوش والبوكة والصنم والكيلافرّي والبرو برفانو برّي وا جاوايا)، ثمّ تأخذني الذاكرة إلى سهول القمح الفسيحة، عابراً البراري مع أحبّتي نبحث عن (الحرشف والحِمحِم والقيفارات والقولكات والبيشّكات وعين البقرة وزهور الختمية)، نلملم بمتعة باقات (القنجرّيه).. نقطِّعها ونخلطها مع الثوم والجبنة الناعمة كي نصنع منها (سيركة) للشتاء الطويل، وكم كنت أفرح عندما كنتُ أشاهد (زيغلانة) في أرضٍ خصبة، كنتُ أستأصلها من أعماق جذورها، وأقشّرها وآكلها بلذّة طيّبة، وكأنّها نبتة الحياة!



***

طفولة من لون النعناع البري، تتراءى أمامي شامخة مثل باقات النرجس البرّي عندما كنّا نقطفها من (كفري حارّو) ونحن صغار، ثم نأتي ونقدّمها لأساتذتنا، حيث يملأ أريجها معابر الصفوف، أشعر الآن وكأنني أشمّ عبق شذاها، فتخرّ دمعتي شوقاً إلى عوالمِ طفولتي الفسيحة المتلألئة مثل سنابل الروح، طفولة متناثرة فوق معابر أزقّتي البعيدة، مترامية حول ضفافِ الأنهار، نلمُّ باقات (القرّامِ) ونصنع منه (ريسيّات) كي نقطع مجرى النهر لإصطياد سمكِ الشبوطِ، أتذكّر كيف كنتُ أركض خلف الفراشات و(الجزجزوكات) والجراد وفرس الأمير، هسيس الحشرات يعبر مخابئ الحلم، نلملم باقات السنابل والحمّص الأخضر والعدس و(شولكة) العصفور وشولكة (الشايكْ)؛ إنّي أتوه شوقاً إلى هواءٍ عليل، إلى أزقّةٍ طينيّة غارقة في شهقات الحنين..

***

ما كنتُ أظنُّ أنّ لملمةَ شواطئ الذاكرة لا يروي غليل الحنين المحفور في جبهة الروح، هل نحن الذين نرسم أزقّتنا بلون المحبّة، وتهنا خلف البحار، وجدنا مخدّة مريحة أكثر راحة من مخدّة الأم؟، أين أنتِ يا أمّي، لتري كم مخدّتي قاسية وخشنة كأنها مصنوعة من بقايا التبنِ، لا راحة ولا فرح يلوحُ لي في الأفقِ. لماذا ابتعدتَ كثيراً عنّي يا أفقي، وهل ثمّةَ أفقٍ مريح لما أرنو إليه في سماءِ الغربةِ؟ هناكَ ألف سؤالٍ وسؤال يراودني، وكلّ سؤال يذبحني من الوريدِ إلى الوريدِ قبلَ أن أجيبَ عنه، فلا أجيب عن أسئلتي، وأهرب منها بإنهزاميّة قاتلة، ولا أجد سوى حرفي، فأدلقه بكلّ شهوة فوق نصاعةِ الورقِ، لعلّي أخفِّفُ قليلاً من وهجِ الشوق إلى سماءِ الطفولةِ آهٍ.. يا طفولتي البائسة، لماذا أشتاقُ إليكِ رغمَ بؤسكِ، ورغم كثافات الطين التي كانت تحيق بي حتّى ركبتي؟!

***

وجعٌ لا خلاص منه مرّةً، وأنا غائصٌ في أكوامكِ الطينيّة ومرة شوقاً إلى تلكَ الأكوامِ، معادلاتٌ لا أجدُ لها حلاً ولا توازناً، فلا أجدُ نفسي متوازناً مع نفسي، إلا عبر الحرفِ، وحده حرفي يعيد إليّ قليلاً من توازنات معالمِ تيهي المتطاير بين أجنحةِ الليل، ليل غربتي، لو تعلموا كم من الساعات بكيتُ في رحابِ غربتي، تسربلني كآبة الشتاءات الطويلة، أريد أن أفضحَ لكم هذا الذي يدعى (صبري)، هذا الّذي يفرشُ حرفه فوق لجين الغسقِ، غير آبهٍ لجمرةِ الشوقِ المتلألئِ في سماءِ الحلقِ، إلى متى ستكابر أيّها الكاتب (الخياليّ)، أيّها المجنّح في سماواتِ الحرفِ، أينَ المفرُّ من الحنانِ والشوقِ إلى أحضانِ الأحبّةِ وعظامِ الأهلِ؟



***

البارحة رأيتُ والدي في حلمي، رأيته يحلّقُ فوق البحار عابراً المسافات، بقامته القصيرة وعقاله و(شرواله)، رأيته واقفاً أمامي بهيكله العظميّ، وليس بهيئته الطبيعيّة، خرجَ من قبره غير مكترث بأبجديات الموتِ، جاء كي يعرّي خشونتي، وعدم اكتراثي لجمرةِ الشوقِ، زارني في الحلمِ كي (يشرشحني)، عبر غربتي وأنا غائصٌ في تضاريس الحلمِ، هزّني من كتفي، اندهشتُ من صلابة العجائزِ رغمَ ذوبانِ البدنِ: هيكلٌ عظميّ بكل عنفوانه، جاءني، كي يوقظني من نومي، ويحقِّقَ لي ولو قليلاُ لما تبقّى من خصوبةِ الحلمِ، احتنضتُ العظام الحنونة، فتراءت لي سهول القمح وكروم الفرحِ واخضرار الأيام والشهور والسنين التي عشتها بين أحضانِ الأسرةِ، حلمٌ من لون الادهاش والاندهاش، أسرة ملوّنة بكلّ أنواع الفرح والبكاء، ما يزال حنوناً حتّى بعدَ الموتِ وسيبقى إلى ما بعدَ الموت، استبدلَ مخدَّتي بوسادة من طراوةِ السنابل، وزيّن لحافي بعناقيدِ المحبّة والأبوّةِ، عبرتُ دهاليز أزقّتي، نهضتُ من نومي فجأةً وإذ بي أجدُ وسادتي مطرّزة بنداوةِ الدمعِ، شعرتُ بالإرتعاشِ والخوفِ من خشونةِ غربتي ومن وجعِ الشوقِ، ثمَّ ارتسمت أمامي مشاهدُ الوداع الأخير، وتراءت أمامي الأحبّة، ثمَّ تغلغلَ الحزن في أعماقِ الروح والبدنِ، وتساءلتُ:

ـ كيفَ عبر والدي كلّ هذه البحار؟ جاءني كي يبدّدَ آهاتي ويفجِّر بي وهجَ الحنان إلى العظامِ، عظام الّذين أنجبوني للحياةِ!.. هل ثمّةَ شيء في الدنيا أغلى من عظامِ الأمِّ، من عظامِ الوالدِ الحنونِ؟ عجباً أرى كيف تحمّلتُ كل هذه السنين، وأنا بعيد عن شهقةِ الأحبّة؟ هل أنا طبيعي ومن لحمٍ ودمّ؟ يراودني أنَّ قلبي تصلّبَ من خشونةِ المسافات، ربّما من شدّة الحزنِ أو من وطأةِ الشوقِ أو ربّما من وجعِ الحنين، لهذا تجاوزت كل أنواع الشوق، وتهتُ في عوالم ما بعدَ الشوق، لأنّ الشوقَ لم يعُدْ يبلسمُ خدّي، فما وجدتُ في سماء غربتي مَنْ يعانق وجع الشوق غير حرفي، اعذروني يا أحبّتي لو كنتُ قاسياً بحقّكم أكثر من حجرِ الصّوانِ فقد خلخلت الغربة أجنحتي فلم أجد نفسي إلا وأنا أندفع في رعونةِ الريحِ وغدرِ البحرِ، فتأكسدتْ لغة الشوق مع أحجار الصوان من شدّةِ حزني وألمي فلم أجد ما يسعفني سوى قلمي كي أكتبَ عن غزارةِ الدموع بعدَ هبوطِ الليلِ، وعن جمرةِ الشوقِ بعدَ أن حلّقت في أعماقِ السماء، لكنّي خبّأتُ كلّ تلاوين الحنان بين خميلةِ الروحِ، فلم أستطِعْ أن أفشي لكم بكلّ أسراري، كي لا تقلقوا على خشونة الانتظار، لكن آنَ الأوان أن أفضحَ لكم نفسي وأصارحكم وأنا بكاملِ قيافتي: أنَّ عينيَّ لم تذُق طعمَ الفرح منذ أن عبرتُ البحار، ومنذ أن تسلَّلتُ من بين أحضانكم الدافئة ولم أجد حضناً أدفأ من أحضانكم ومع كلّ هذا الإنشراخ، لا تقلقوا، فأنا لم ولن أنساكم يوماً واحداً، سأعود يوماً إلى مساحات طفولتي المتناثرة بين خدودكم الطافحة بالعذوبةِ، كي أفرشَ لهيبَ غربتي وشوقي فوقَ أحضانِكم الفسيحة، وأشهقُ بكلِّ فرحٍ شهقةً عبقة أكثر من بهجةِ الإنتشاء!



ستوكهولم: 1 . 9 . 2003 صياغة أولى
13 . 7 . 2004 صياغة أخيرة
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com


http://www.tirej.net/index.943.sebri.htm
خاص بـ تيريز. كوم

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 26-07-2005 الساعة 12:25 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-07-2005, 09:30 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,949
افتراضي ديريك يا شهقة الروح

أجلْ يا صديقي ومذ حطّتْ بنا رحالنا في عالم اليوم انسلخنا عن عوالم الأمس إنْ شئنا أم أبينا ولم يعد أمامنا من سبيل سوى أن نبلع دموعنا ونشربَ لوعتنا لينجبا لنا حسرة تلد حسرة ولوعة تعصف بأختها. ربّما تكون أوضاعنا أكثر راحة وحرّية وانطلاقاً وتمرّداً غير محظور أو مراقب أو مشوّه بيد أن الذي بداخلنا سيظلّ يعرج بنا إلى أن يضع الزمن رحاله على كتف النهاية وعندما تنهار أمواج تمرّدنا المجنون وهو يخال أن الدنيا ثابتة على كتفيه إن هو شاء حرّكها بإرادة ومتى رغب أقامها وأقعدها.
إنّه خالُ اليوم المقتدر والذي نخشى أن يصير بنا إلى ما لا نعرف نهايته!
أطربتنا بقيثارة ذكرياتك وأمتعتنا بهبوب نسيم عباراتك الرقيق ليداعب أماكن لهونا ومجتمع طيشنا ومهاوي حماقتنا إنها شوارع ديريك الحزينة القابعة في حنايا صدورنا والمتسكعة على بسطات ملكي وردوك ورزقو نرمو وسلو فقّة وقهوة أبو عيد ويعقوب زيزو إلى حارة الدشدتير والقشلة وجم كرزرك إلى كروم دير مر يعقوب وبيعة برا بيصا وديركة العتيقة إلى دكان صليبا الصولكرين وإيشوع موسى إلى صوت المرحوم سعيد الأعمي وهو يجنجل وكأنك تحسبه موّالا لمحمد عارف أو حسو كورو إلى كازية كبرو شرفو ومسلخ ديركة العتيقة إلى بيادر الحنطة على تريق كهنيا نعمة وسد وانيك إلى سماء الكروم وخضرة الجولات إلى كل شيء جميل.
كانت كلّ الأشياء جميلة فهل لازالت يا صديقي مثلما تركناها؟
صديقك الحميم فؤاد
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-07-2005, 12:24 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

الصَّديق العزيز فؤاد زاديكه

لا تبقى الأشياء مثلما تركناها، ربما تندثر وربما تزدهر، وسواء اندثرت أو ازدهرت فإنها متلألئة في جوانح الذاكرة، وحدها الكتابة تلملم حميمياتنا وتفرشها حول شواطئ الروح وتبقى يانعة ناصعة بعيداً عن رطوبة هذا الزمان، الذاكرة البعيدة بعيدة، لكنها تبقى رحيق الحرف وينبوع الكتابة الذي لا يجفُّ قراره، نحن يا صديقي أشبه ما نكون نباتات برّية لا نملك سوى أقلامنا وذاكرتنا المشتعلة بالقصائد، لا يهمني كثيراً ما حصل ويحصل ببيتي العتيق أو بكروم المالكية التي طحنتها أكوام الاسمنت وأغنام الغجر، لكن الذي يهمُّني هو كيف ألملم كروم المالكية وسهولها الفسيحة وأفرشها فوق شهقة الحرف وبساتين الروح! الكتابة يا صديقي أعمق وأنقى من المكان والزمان لأنّها تتجاوز المكان والزمان معاً لأنها تعبر خصوبة الروح والقلب وتمنح القارئ ألقاً من وهج النجوم! فلا تقلق عمّا تبقّى من الماضي، الأزقة أزقّتنا والكروم كرومنا وسهول القمح مليئة بسنابلنا وهواء المالكية العليل حنيننا وكيفما تموضعت هذه الحميميات الآن فإنها ما تزال متلألئة في خميلة الذاكرة، فأنا يا صديقي لا أنظر إلى ما هو كائن الآن وما سيكون أنظر إلى بهجة الحرف والنصّ وتدفُّقات الخيال المنبعث من الذاكرة الدافئة، والذاكرة هي الفاعل الحي الذي يحرّك حبق الحرف، وصلني خبراً من أكثر من صديق حميم أن كروم المالكية اندثرت عبر الجرافات وتحوّل مكانها فيلات وشقق وبيوت طينية، لكني مع هذا لا أتخيل ديريك إلا وكرومها تعانق معارج غربتي، ويؤلمني عندما أذهب إلى ديريك ولا أرى إخضرار الكروم ولا آكل من عنب البحدو والمسبّق والبلبزيكي والداركفنار والمظرونة! لكنها الحياة يا صديقي، يموت البلبل رغم جمال تغريده وتموت الوردة رغم عبقها وتموت الكروم رغم بهائها ويموت الإنسان رغم ذاكرته المبرعمة مع خيوط الشمس، وحده الحرف يبقى شامخاً على جبهة الحياة!

إن عزائي الوحيد في الحياة هو الكتابة، هو الحرف الذي يقاوم حتى جبروت الموت لأنه حي لا يزول! مع أنّي صديق الموت في أيّ حين فأنا لا أخشى الموت لأنّ كل البشر هم موتى، لكن موتهم مؤجل إلى حين وربما هذا الحين يطول أو يقصر، وهكذا فإن معادلات الحياة أراها سقيمة وطائشة ولا جدوى منها في الكثير من الأحيان خاصة عندما أرى إنسان هذا الزمان يركض خلق الحروب والمال وأهداف غالباً ما تكون قشورية وملولبة مثل حركة الأفاعي ومسمومة أكثر من سمومِ الأفاعي، سيأتي زمن ربما ليس بعيداً يضحك فيه الإنسان ملء شدقيه على ما يقرأه عن جنون بعض البشر وابتعادهم عن جادة الخير والمحبة والسلام!

إنساننا الحالي لا يعجبني، أرى أغلب البشر غائصين في متاهات جوفاء أقل ما أقول عنها أنها غير جوهرية ولا تليق بهم كبشر وتبدو لي إنسانية الإنسان تزداد تقلّصاً وجموداً وكأنه من سلالات الصقيع لا من سلالات الوجهِ البديع!

ديريك يا شهقة الروح، نصّ عشقي مكتنز بالحنين لهذا أطلق عليه محرِّر موقع تيريز عنواناً فرعياً، في معراج الحنين!

لابدّ أن أخرج يا صديقي الآن إلى الهواء الطلق كي أتمتّع بالطيور التي تحلّق بين أحضان النسيم، لأن نسغ الكتابة منبعث من موشور الحياة وصفاء زرقة السماء.

وحدها العصافير تعانق زرقة السماء!

مع خالص المودّة
صبري يوسف ـ ستوكهولم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-08-2005, 09:23 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,949
افتراضي ديريك يا شهقة الروح


صديقي الأستاذ صبري
جميل كل هذا والأجمل منه أننا الذين سنعيد صنع كلّ هذا من جديد ونخلقه على الشاكلة التي أردنا لها أن تكون يوماً ما! إن الحنين ليس بمقدور المرء خنقه وإلاّ فهو سيختنقنا معه لأنه جزء غير مجزأ من وحدانية تماسك فكري معطاء يبوح بأزلية الحرف ويسرق من شهقة العشق الأخضر ميلوديا خصبه ليورق دفئاً وهمساً بها يحاكي أجمل الأساطير وينافس أعتق الخمور إنها الذكرى المتعرّجة بين تداعيات شوقنا ورفق نفسنا غير المشبع، الحنين يأخذ منّا ما لا نستطيع أن نستردّه منه، لك كل المحبة والاحترام يا صديقي العزيز ثق إني لست ببعيد عنك لكن شغلتني عنك بعض أمور تخص الحرف والقلم، سنسترسل مع دفق الحنين ونجمع منها باقات نرجسنا متباهين فليس هناك ما هو أجمل منها! فؤاد
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-08-2005, 10:46 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

الصَّديق العزيز فؤاد


تحيّة من القلب


الحنين هو الزَّاد الثمين لبهجة وإنتعاش الحرف، هو النَّدى الذي يبلسم خصوبة السنابل، هو رحيق زهرة تتمايل من خيوط الصَّباح، هو ينبوع متدفِّق لعوالم الكتابة، هو تواشيح الحلم المتناثر فوق خمائل الروح، هو الذي يمنح الحياة بسمة التجدد والأمل، يتعانق مع شوق الأطفال وهم ينتظرون هداياهم في صباح العيد.

الحنين هو صديقي قبل أن أحمل القلم، هو صديق الإنسان منذ هبطَ على وجه المعمورة.


الحنين هو عناق دافئ فوق عوالم غربة الصَّديق العزيز فؤاد زاديكه!


صبري يوسف ـ ستوكهولم
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:02 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke