Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف > نص أدبي

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-03-2010, 09:59 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي تنظيف دنيا فوضاي


تنظيف دنيا فوضاي



نهضتُ من نومي باكراً في صباحِ العيدِ على أثرِ أحلامٍ مزعجة، فأحببتُ أن أصدَّ هذه الانزعاجات بمزيدٍ من الانزعاج، كي أبدِّدَ الانزعاج بانزعاجٍ مضادّ، حيث كانت شقَّتي في حالة يرثى لها من حيث الفوضى، ويدهشني كيف بعض فاقدي العقول أطلق على الفوضى العارمة في العراق، أو أيَّةِ بقعة فوضوية في العالم، اصطلاح الفوضى الخلاقة!

غباءٌ حقيقي أن يعتبر الإنسان ما جرى في العراق فوضى خلاقة، لأن الفوضى وجه سلبي في أغلب سلوك البشر، إلا في بعض حالات كتَّاب وشعراء وفنَّاني هذا الزَّمان أو الأزمنة الغابرة، فهم فوضويون لأنَّ فوضويتهم تقودهم إلى عطاءات خلاقة، حيث أنَّهم على حساب الفوضى يلتفتون إلى نصوصهم وفضاءاتهم ويبدعون تجلياتٍ تسمو عالياً كتلألؤاتِ النُّجوم، تاركين الفوضى تعشِّشُ في أركانِ صومعاتهم، ولكن إلى متى ستبقى فوضاهم تحاصرهم من كلِّ الجِّهات، وما فائدة كلّ إبداعهم الخلاق طالما هناك فوضى متراكمة بعد ولاداتِ القصائد في أركان حياتهم؟! لماذا لا يقضوا على الفوضى من خلال الإبداع، إبداع الجمال فيما حولهم بدلاً من تراكماتِ الفوضى؟!

لهذا أحببتُ أن أقضي على هذه المعادلة، معادلة فوضى الكتَّاب، أن أبدِّدَ الازعاجات التي لاحقتني في خفايا الحلم صبيحة عيد الميلاد، من خلالِ العبور في أعماقِ ما يحيق بي من فوضى مزعجة، نعم فوضى مزعجة إلى أقصى درجات الانزعاج، وضعتُ في الاعتبار أن ألملمَ كل المسبِّباتِ المزعجة وأزجّها بكل حزم وإرادة في وجه المنغِّصات الحلميَّة التي لاحقتني مراراً إلى أن يئستُ منها، فما وجدَتْ بدَّاً من التغلغلِ إلى قاعِ الأحلام، بعد أن أفلسَتْ من مجابهتي وجهاً لوجه!

نهضتُ بشهيّة مفتوحة للعبور في دنيا فوضاي، لعلِّي أخفِّفُ من تراكمات ترَّهات الأيام والشهور والسنين، لملمتُ الاقلام المتناثرة في أركان غرفة الاستقبال، غريب! أراني استقبل الاقلام أكثر ممَّا يستقبل المرء الضيوف.
لم أجدُ ضيفاً يبرِّدُ القلب، يخفِّفُ من وطأةِ غربتي، يزيل هذه الترسُّبات الكالحة، ولا أظنَّني سأجده في مستقبل الأيام، وحده قلمي صديق غربتي وضيفٌ ينضحُ بهجةً في كلِّ ركنٍ من أركانِ فرحي، وفي كلِّ آهةٍ من آهاتي، تعال يا قلمي، تعال يا صديقي، كي أضعَكَ فوقَ ثغرِ وردةٍ، كي أنقشَ نداءَ الرُّوح فوقَ أجنحةِ اليمام، كي أنثر رحيقكَ فوقَ أوجاعي، لعلِّي أزيح أوجاعاً مرصرصة فوق رقبتي منذ سنين، لعلِّي أزرعُ نسائمَ أملٍ فوقَ تلالِ فوضاي، تعالَ يا قلمي، يا أجمل فوضى عبرت في مرامي كياني، أنتَ الفوضى ما بعد الخلاقة، لأنني من خلالكَ تمكّنتُ أن أقضي على ضجري، على فوضاي، على قرفي، على حلكةِ اللَّيل الزَّاحفِ على أنهارِ الذّاكرة.

وضعتُ قلمي جانباً، تأمَّلْتُ ذاتي، ذاتٌ تائهة بين وهادِ العمرِ، هائمة بآلافِ الأفكارِ، متأرجحة فوقَ حبَّاتِ المطر، تبحثُ عن الماءِ الزُّلالِ، متعانقة مع تجلِّياتِ الخيالِ، ذاتٌ محلِّقة فوقَ هدوءِ اللَّيلِ، مزدانة في وهجِ السُّؤال، للموتِ حضورٌ طاغٍ في بوحِ السُّؤالِ، غدرُ الإنسانِ فاقَ خشونةَ الأدغالِ، ذاتٌ تبحثُ عن كيفية اسئصال الشرِّ المعشِّشِ في كينونةِ الإنسان، كينونة متقطِّعة الأوصال، على شاكلةِ دبيبِ الأرضِ الزَّاحفِ في عتمِ اللَّيلِ على غيرِ هدى!

وضعتُ الأقلام المتناثرة في آنية، فبدَتْ كأنَّها زهور متعطِّشة للفرح، انّي أبحث عن فضاءات الفرح، عن موسيقى منبعثة من زقزقاتِ عصافير محلَّقة هناك فوق أشجارِ التُّوت عند بيتي العتيق، لملمتُ آلاف الأوراق المبعثرة حولَ أسرارِ السَّرير، صحف ومجلات، كتبٌ موزّعة في كلِّ مكان، لوحاتي مسترخية بهدوء لذيذ فوق جدران غربتي، شقّتْ بعض اللَّوحات طريقها إلى أن استقرَّتْ فوقَ خشبِ الستائر، كأنها جزء من ديكور الستائر، واسترخى بعضها على صدر المكتبة، فعانقت كتبي عناقاً حميماً، وما تبقَّى تنتظر مكاناً آمناً، بعيداً عن الفوضى المحدقة في عذوبة اللَّون المنبعث من شغفِ العشقِ والاشتعال.

استقبلَ الكونُ عيد الميلاد، وأنا غائص في تنظيف دنيا فوضاي، لم يهلّ عليّ منذ زمنٍ بعيد في صباحاتِ العيد ولا في مساءاته سوى أقلامي، سررتُ لهذا التَّواري عن عالمي، أصدقاء ومعارف من لونِ البكاءِ الأزلي، من لونِ الضَّباب الغائص في غمامِ المتاهات، الكلمة هي عيدي، هي صديقي، هي صديقتي، هي بؤرة فرحي وانتعاشي، هي معراجُ تجلِّياتي إلى نضارةِ السَّماء.

نظَّفتُ فوضاي تنظيفاً مكثَّفاً إلى أن أصبح عالمي العاج بالفوضى، عالماً طريّاً، مريحاً، حميماً، دافئاً، خلخلتُ أجنحة الفوضى، طردتها شرّ طردة، شهيّتي كانت مفتوحة على زعزعةِ الفوضى من جذورِها، لم أعُدْ أطيقُ الفوضى ولا أؤمن باصطلاح الفوضى الخلاقة حتى ولو كانت الفوضى أسَّاً بديعاً للإبداع، حتى ولو كانت رحيق الإبداع، تبقى الفوضى فوضى، تغدو أمامي كحالة سقيمة تعكِّر مزاجي الصَّباحي، خاصةً في صباح العيد، في صباح الفرح، في صباحِ الشِّعر والارتقاء، في صباحِ التجلِّي في سماءِ الإبداع، نزوعٌ عميق جرفني إلى أن تصبح صباحاتي كلّها عيد، عيد من حيث البحث عن مكامن الجمال في أركان يومي على مساحات كهفي، فأنا ملتحمٌ في عوالمي مثل رهبان الجبال، مع فارق بسيط هو أن رهبان الجبال كانوا ينزعون نحو عوالم روحانية أيام زمان، بينما رهبانيتي تنزع نحو فضاءاتِ الحرفِ واللَّونِ والعشقِ المفتوحِ على تجلِّياتِ الكلمة، ربَّما هي رهبانيّة حداثوية تصبُّ في عالمِ الإبداعِ، لهذا لا أؤمنُ بالنزوع الرهباني بالمفهوم الرُّوحاني المحض والتعفُّفي الخالص، فهو ضدّ الطَّبيعة البشرية، ولا يناسب هذا الزَّمان، ويحدُّ من آفاقِ تجلِّياتِ الرُّوح حتى في عالم الرُّوحانيات، هكذا يخيّل إليَّ، أو هكذا يبدو لي الإنسان، لأنَّ الإنسان ليس روحاً خالصاً، هو روح وجسد، فلا بدَّ من التوازن بين ما هو روحي وما هو جسدي، وإلا تخلخل كيان الإنسان كإنسان يحمل بين جناحيه جموحات روحية وجسدية خلاقة!

يهفو قلمي إلى حفاوةِ السَّماء، إلى سموِّ الرَّوحِ وهي تصعدُ نحوَ واحات المحبَّة، نحوَ حبقِ السَّلامِ، في عيدِ المحبّة والسَّلام، كيف لم يعِ الإنسان كلّ هذه السنين أنه رسالة فرحٍ من الأعالي، يزرعُ هديلَ اليمامِ في هضابِ الدُّنيا، يسقي خميلةَ الرُّوحِ، يشعلُ شموعَ الفرحِ مع اشراقةِ السَّماءِ، لعلّه يتعانق معَ توهجاتِ الشَّمسِ في صباحِ العيدِ!


ستوكهولم: 25 . 12 . 2009
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com


نقلاً عن موقع كيكا





رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-03-2010, 10:10 PM
نبيل يوسف دلالكي نبيل يوسف دلالكي غير متواجد حالياً
Master
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 2,370
افتراضي


الشاعر صبري الموقر

تحية طيبة

موضوع أدبي جميل بنصه ومعناه وقد أجدت الموضوع بكل رتابة تشكر .

نبيل
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-03-2010, 06:56 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,884
افتراضي

يهفو قلمي إلى حفاوةِ السَّماء، إلى سموِّ الرَّوحِ وهي تصعدُ نحوَ واحات المحبَّة، نحوَ حبقِ السَّلامِ، في عيدِ المحبّة والسَّلام، كيف لم يعِ الإنسان كلّ هذه السنين أنه رسالة فرحٍ من الأعالي، يزرعُ هديلَ اليمامِ في هضابِ الدُّنيا، يسقي خميلةَ الرُّوحِ، يشعلُ شموعَ الفرحِ مع اشراقةِ السَّماءِ، لعلّه يتعانق معَ توهجاتِ الشَّمسِ في صباحِ العيدِ!

جميلٌ ما يخطه قلمك الرائع يا صديقي. الرب يقويك من عنده آمين.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke