Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف > حوارات

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-08-2009, 08:11 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي الكاتب الصحافي عدنان حسين يحاور صبري يوسف عبر صحيفة الأوان الكويتيّة

الكاتب الصحافي عدنان حسين يحاور صبري يوسف*


عبر صحيفة الأوان الكويتية


حوار: عدنان حسين/ هولندة ـ امستردام


بعد إطلاعي على تجربة الكاتب والشاعر السُّوري صبري يوسف، وبعد أن قدّم الشَّاعر الفنّان معرضه الفردي الأخير في غاليري كاتّو في ستوكهولم، وقد تضمّن المعرض 40 لوحة تشكيلية، كما شارك في معرض مشترك أيضاً مع مجموعة من الفنانين السوريين المقيمين في السويد في نفس الغاليري، بعشرة لوحات تشكيلية، حيث يبدو لمن يشاهد لوحات الشاعر الفنان صبري يوسف، تعدُّد الأساليب التي يرسم عبرها لوحاته وكأنها قصائد شعرية، وهذا ما دفعني أن أجري الحوار التالي معه لجريدة الأوان الكويتية، مسلّطاً الضوء على تجربته الفنّية والشعرية معاً! فولدَ هذا الحوار من خلال تواصلي معه من هولندة عبر الشبكة العنكبوتية:


تحدّث عن تجربتك ومعارضك في استوكهولم؟
بدأت أرسم تخطيطات بالحبر الصيني منذ سنوات، أغلب هذه التخطيطات كانت تصاميم لأغلفة دواويني الشعرية ورسوم داخلية بين متون القصائد، وإذا بي في مستهل ربيع 2004 أجدني مندفعاً لعبور عوالم اللوحة بمتعة غريبة ولذيذة، رسمتُ بالأكريل، وتدفَّقت هذه الرغبة كزخَّات المطر فوق أرضٍ عطشى، وتبيَّن لي أن هناك طاقات لونيّة مخبوءة في كينونتي تتلهَّف أن تخرج إلى هلالاتِ النور، وهكذا بدأتُ أناغي بياض اللوحة، فارشاً ألواني فوقها كطفل متعطش إلى صدر أمه، أرسم بعفوية، وروح شاعرية، كنتُ أشعر وكأنني أكتب نصاً شعرياً، عندما كنتُ أغوص في متاهات اللَّوحة، وأنجزتُ بعد فترة وجيزة أكثر من مائة وخمسين لوحة، وقد تعدَّدت المواضيع والأساليب. قدمت معرضاً فردياً العام الفائت في ستوكهولم ومعرضاً مشتركاً، ثم تلا ذلك معارض فرديّة عديدة!

كيف تمازج بين اللَّون والقصيدة؟
أرسمُ بعد غوصٍ عميق في فضاءات القصيدة، ثم أعبرُ معالم اللون، وكأنَّ الرَّسم جزء متمَّم للقصيدة، وأرى أنَّ هناك تداخلاً عميقاً بين اللَّون/اللوحة والقصيدة، حيث القصيدة تتراقص بين حفيفِ الكلمات، بينما اللَّوحة تغفو بين أجفان اللَّون، تاركةً الكلمات تهمسُ لعبيرها المتناثر فوق شهقةِ وردة ملوَّنة بألوانِ الحنينِ لأزقّةِ الطفولة!
أرسم شعراً وأكتب لوناً، فالقصيدة واللَّوحة معراجا فرحي في صقيع غربتي المترجرجة فوق قطب الشمال.

أينَ دمشق والطُّفولة في اللَّوحة والقصيدة؟
للطفولةدور كبير جداً في لوحتي وفي قصيدتي وفي قصصي وفي كل إنجازي الأدبي والتشكيلي، لكن دمشق، لا تُرى حتَّى بالمجهر في لوحتي، وليس لها حضور قويّ في قصيدتي، لكنها تتمايل خجلى في بعض قصصي، وغيابها من لوحتي وشعري ليس مقصوداً، بل لأنني ابن الشِّمال السُّوري، ابن المالكيّة، ديريك العتيقة، مسقط رأسي، لهذا تنضح بيئتي بشموخ في معالم لوحتي وقصيدتي وقصصي وغربتي!

بمن تاثَّرتَ شعراً ورسماً؟
لم أتأثَّر بأحد، لا شعراً ولا رسماً، يستهويني الكثير من الشعراء والمبدعين والكثير من الفنانين، لكني عندما أكتب نصِّي وأرسم لوحتي، أستوحيهما من وحي تجربتي، ومن وحي خيالي، مرتكزاً على ترجمة تحليقات مشاعري، وأشعر بمتعةٍ كبيرة لحظة ولادة النصّ وولادة اللَّوحة، شغفٌ لذيذ ومتعة منعشة ترافق لحظات ولادة حرفي ولوني، أكتب لمتعة خالصة وأرسم لمتعة خالصة، ولا يوجد مدرسة ما أتبعها لا في الكتابة ولا في الرسم، حيث الحالة المشاعرية الحلمية التخيُّلية هي التي تحدِّد كيفية ولادة اللوحة والقصيدة، بهذا المنحى أو ذاك!

ماذا منحتكَ الغربة في استوكهولم وما هي انجازاتك هناك؟
منحتني الغربة في ستوكهولم الكثير، وأمَّا انجازاتي هناك! فلا تستحق الذكر، باستثناء بعض القصص القصيرة، وأمَّا فنياً فما كنتُ أرسم هناك، لكن كان لدي إهتمام في الخط العربي، وشغف كبير في مشاهدة اللوحة وقراءتها والتركيز على تداخلات الألوان، كان يبهرني الظل والنور، وتدهشني تفاصيل اللوحة، وربما كنتُ أخزِّن مشاهداتي للوحة في ثنايا الذَّاكرة لهذا ظهرت لاحقاً هنا، وكأنّّي كنت أرسم عبر ذاكرة محفوفة بالألوان والشعر!

كيف كان تجاوب وانطباع الجمهور عن لوحاتك؟
كان انطباع الجمهور السويدي جيداً، وتوقف عند تداخل الألوان، وأفرحه لوني، لأن لوحتي تصبُّ في الأمل، الفرح، السَّلام، العشق، المرأة، الطفولة، الطبيعة، الطيور، الفراشات، الكائنات الجميلة، التناغم، التواصل بين البشر والطبيعة، بينما الجمهور الشرقي، وخاصة الذين يعرفونني، اندهشوا عندما عرفوا أنني أرسم، لأنهم تفاجأوا!! .. يعرفونني كاتباً وشاعراً، وإذ بهم أمام لوحة لصبري يوسف، بعضهم استهوته لوحتي وبعضهم الآخر لا، لكن مع تقديم معارض عديدة، تقبَّلني ووقف عند تجربتي، وجلّ ما أتوخَّاه هو تقديم الفائدة والمتعة للمتلقي.

اللَّون في لوحاتك غزيز، كيف تمازج بين اللَّون و الخطوط؟
بدأت أرسم لأنني أعشق اللون، أفرش الألوان على بياض اللوحة ثم أداعبها بالسكين، وعندما أضيف زهرة أو حمامة أو فراشة، أو قلباً عاشقاً أو غيمة تائهة، أرسمها بالفرشاة، تولد اللَّوحة بدون أي تخطيط لها، تولد الأفكار والألوان عبر مرحلة الإنصهار مع اللَّوحة، ثم تمرُّ بمراحل عديدة، إلى أن أوقِّع عليها، هناك الكثير من الخطوط ولَدَتْ دون أن أقصدها، جاءت من خلال تراقصات السكين، فأتركها على حالها، وأحياناً أضيف للألوان والخطوط ما يحلو لي، وأسمع موسيقى وأنا أرسم، وأحياناً وأنا في قمّة انغماسي في عوالم اللون، أنهض متوجِّهاً إلى حاسوبي لأتمم قصيدة معلَّقة عند معبرٍ ما، وكأنني خلال لحظات الرسم أهيِّء نفسي لكتابة قصيدة، وأحياناً أكون غائصاً في كتابة قصيدة وإذ بي أترك القصيدة وأفرش ألواني وأرسم، وهكذا يتماوج اللَّون الشعري والتشكيلي في سماء روحي، وتبقى ولادات الألوان والقصائد بحسب جموحي وشغفي نحو بياضِ اللَّوحة أو وهجِ الكلمات!

كيفيحاور الفنان العربي الجمهور الغربي، هل نجحتَ في ذلك؟
أنا لا أفكر بمحاورة الجمهور الغربي، ولا بالجمهور الشرقي، ولا يخطر على بالي موضوع نجاحي أو فشلي لهذا الجمهور أو ذاك بقدر ما يهمُّني ترجمة مشاعري وأحاسيسي بما يحقِّق متعتي وطموحي سواء عبر اللَّوحة أو القصيدة، ثم يأتي الجمهور ويقول كلمته! فإنْ أعجبه نصِّي ولوحتي أهلاً به، وإنْ لم يعجبه أهلاً به أيضاً!

رسامو سوريا لم ينطلقوا نحو العالمية؟
مَن قال لكَ أنَّ رسَّامي سوريا ليسوا بمستوى العالمية، فالفنان الراحل فاتح المدرِّس فنان عالمي، وهناك غيره من الفنانين السورين على مستوى عالمي، ولست هنا في وارد الوقوف عند اسماء بعينها، لكن هناك فنانين سوريين وصلوا إلى مراحل متقدمة في الفن التشكيلي ووصلوا إلى العالمية، ولكن الجهات المعنية بالفن والثقافة، جهات غير نشيطة لتقديم هذا الفنان أو ذاك عالمياً، وغالباً ما يكون الوصول إلى العالمية قائماً على جهود فردية، يقوم بها الفنان نفسه، وهنا لدي عتب كبير على وزارات الثقافة العربية، لأنها مقصَّرة بحق الفنانين والمبدعين، حيث تركِّز الفضائيات والكثير من الجهات على مغنيات لهنَّ مهارات في الرقص والدلع أكثر من الخامة الصوتية، فلماذا لا تركِّز على فنانينا ومبدعينا وتقدمهم إلى المحافل الدولية عبر تبادل الفعاليات بين الشرق والغرب؟!


الشعر والتمثيل في سورية يغطِّيان على اللَّوحة السُّورية!
جائز، ولكن هذا لا يقلِّل من شأن الكثير من الفنانين التشكيليين البارعين! والَّذي ساهم على هذا الانطباع، هو سهولة انتشار الممثل عبر الفضائيات، وسهولة انتشار الشعر عبر المهرجانات والدواوين والصحافة، ممَّا أعطى رواجاً أكثر للممثل والشاعر، لهذا يوحي للكثير أنَّ الشِّعر والتمثيل يطغيان على اللوحة التشكيلية السُّورية، ولكن هناك فنانين تشكيليين مهمِّين ولهم دور كبير في الإبداع لا يقل عن الشِّعر والتمثيل وبقية صنوف الإبداع.

هل تؤدلج اللَّوحة؟
لا، لا أؤدلج اللَّوحة نهائياً، اللوحة عندي مفتوحة على بوَّابات الخير والسَّلام والمحبة والتواصل بين البشر، تختفي الايديولوجية من معالم اللوحة، يظل النزوع الإنسانيّ هو الطاغي، أنا أنتمي إلى إيديولوجية اللاايديولوجية، إيديولوجية الحفاظ على كينونة وحقوق الإنسان، بعيداً عن المناحي الإيديولوجية السياسية السقيمة، التي لم تقدم للإنسان سوى الحروب والدمار والهلاك والفقر والتخلف والتحجُّر والانغلاق خاصةً في دنيانا، دنيا الشرق، وجاء الغرب ليلطم الشرق ويتركه يتأرجح على كفوف العفاريت ويعيده إلى عصر ما قبل الظلمات، لكن على الشرق أن يعي هذه المعادلة ويخطِّط للنهوض بمواطنه أولاً كي يقوم بعدئذٍ هذا المواطن الناهض بنهضة بلاده!


بمن تأثَّرتَ عربياً وعالمياً؟
أحببتُ أعمال وكتابات الكثير من الفنانين المبدعيين الشرقيين والغربيين، لكني عندما أرسم لوحتي، أرسمها من وحي تجربتي وعوالمي، وتنبع أغلب تجلّيات لوحتي من أعماق الطفولة وعوالم بيئتي التي ترعرعتُ فيها.

هل أقمتَ معارض في الوطن العربي واذا لم تُقِمْ، لماذا؟
لا، لم أقُِمْ معارض في الوطن العربي، لأنني بدأتُ أرسمُ مؤخراً، منذ ربيع 2004، ولم أتلقَّ دعوة من أية دولة عربية، ربَّما لأنني غير معروف، وربما لأن العالم العربي أصلا لا يدعو فنانين، حيث أن أغلب المهرجانات الأدبية والفنية تقوم على أسس علاقاتية، ولا يستهويني نهائياً أن أشترك في مهرجان شعري أو فني بناء على علاقات، إن لم يكن نصِّي ولوحتي جديرة بهذا الاشتراك! وفي هذا الإطار أودُّ التأكيد على ضرورة الاحتفاء بالمبدعين بحسب ما يليق بالمبدع لا بحسب العلاقات التي غالباً ما يشوبها غبن كبير للكثير من المبدعين!

هل أضاف المنفى/الاغتراب شيئاً الى لوحتك؟
طبعاً أضاف الاغتراب إلى لوحتي الكثير وعمَّق تجربتي على أكثر من صعيد، حيث أن الغربة فتحت لي آفاقاً كثيرة للتعبير عن شوقي وحنيني إلى بلدي ومسقط رأسي وإلى أحبائي وأصدقائي وأهلي، فلم أجد أجدى من الألوان، أحتفي بها بودٍّ كبير، وأدلقها على بياض اللوحة كي تناغي طفولتي وأزقتي وبراري الروح التي ظلت محفورة في ذاكرتي، فلا يسعفني سوى لوني وقلمي، يخفِّفان من وطأة الشوق ومن صقيع قطب الشِّمال.

كم لوحة ضم معرضك الأخير ومن حضره من السويديين وكيف كانت الأصداء وما هي مواضيع اللَّوحات؟
أكثر من مئة لوحة، ... أحبَّ السويديون الذين حضروا معارضي، لوحاتي، لأن مواضيعي كانت تلامس شغفهم، حيث أغلب لوحاتي هي عن الحبِّ والفرح والأزاهير والطيور والسَّلام والطبيعة والتجريد المتعانق مع بهجة الألوان، وكان صداها طيب لدى المشاهدين خاصة المهتمِّين بالفنِّ التشكيلي.

لوحاتك تمازج بين الألوان والخطوط، لكن الملاحظ هو غياب الانسان كشخص في اللوحة، بينما تتبعثر الاشكال وكتل الأخضر مثل نباتات الحقول والأزهار في لوحتك، كيف تفسِّر غياب الكائن الحي في لوحاتك ؟
الكائن الحيّ موجود في لوحاتي، لكن بعض اللَّوحات يطغى عليهاتشكيلاتلونية تجريديّة، وأمَّا اللوحة التي تطغى عليها الأزاهير والفراشات والطيور وحمائم السَّلام، فهي ترمز إليه، لأنني أقدِّم له فرحاً، زهوراً، حمامةَ حبٍّ وسلام، واللَّوحة لها خصوصيتها وفضاءاتها، فليس من الضروري أن نرسم شخصاً كي نكون قد عبَّرنا عن حضوره، لأن الفنان ممكن أن يرسم تشكيلاً لونياً وهو يقصد به إنسان، أو كائن حي من خلال التوزيع والتناغم اللوني، فلدي لوحات كلها ألوان، تتداخل الألوان مع بعضها بطريقة وكأنها تتعانق مع تلافيف الخطوط، فتظهر كائنات صغيرة تحتضن بعضها بعضاً، كأنها ترقص على أجنحة الفرح، مليئة بالبشر والحيوية والبهجة، فمثلاً لدي عدة لوحات عن السنابل، سنبلة، سنبلتان، سنابل، مَن ينظر إلى لوحات السنابل يشعر وكأنه ينظر إلى بشر أو حالة تتعلق بالبشر، صفاء وسموّ البشر، رسمتها باللون الأبيض. أركز على اللون كتشكيل وتجريد، وعلى الطَّبيعة والكائن الحيّوالفراشات والطيور والحمائم وعلى الإنسان حيث هناك حضور واضح للمرأة والحبّ في لوحاتي.

يبدو وكأنك تكتب قصائدك في اللَّوحة عبر الفرشاة وكتل اللَّون؟
انطباعك هذا أبهجني، لأنِّي فعلاً أرسم كمن يكتب شعراً عبر اللَّوحة، لأني أرى أن القصيدة واللوحة وجهان لعشقٍ واحد، وكم من مرة، وأنا غائص في كتابة قصيدة، أهرع إلى ألواني وأفرشها على اللوحة، وأغوص في متاهات اللوحة وكأنني أتمم ما تبقَّى من القصيدة، أو فيما أكونُ غائصاًً في رسم لوحة، أتركها فجأة وأكتب ما تبقَّى من قصيدة تنتظرني، وهكذا تبدو لي كتابة القصيدة وكأنها لوحة متمِّمة للقصيدة، فيتعانق اللَّون مع ظلالِ الكلمات فتولد اللوحة/القصيدة من حفاوة الاشتعال، اشتعال الروح مع سموِّ الكلمة ونضارة اللَّون!

أنت رسام لكنكَ تقول، وحده الشِّعر قادر على السِّباحة عبر السَّديم!
نعم، قلت هذا في حالة توهجية، محلِّقاً مع بهجة الشِّعر، وممكن أن أقول ذات الكلام وأنا أحلق مع ربوع اللَّون، فما الغرابة في هذا؟ وما نقوله عبر تجلياتنا عبر أي جنس إبداعي، ليس كلاماً مُنزلاً، لا نحيد عنه، هو عبارة عن شطحة من شطحات تجلياتنا، والإبداع يتميز بخلخلة القوانين فلا قانون يضبط الحالة الإبداعية، إذ أن الإبداع حالة غير متوقعة، وغير مخطَّط لها، ولا تسير وفق قوانين ضابطة، وهذا لا يعني أن المبدع متناقض مع ذاته بل يدل على مدى التعبير على مكنوناته الخفية وترجمة مشاعره المتدفِّقة، ولا أخفي عليك ولا على القارئ العزيز، أنَّ لدي مشروعاً أشتغلُ عليه وهو استلهام نصوص شعرية من وحي لوحاتي ومن وحي اللون والتمازج اللوني، وأيضاً من وحي سماعي لقطعة موسيقية، وهكذا أجد أن الشعر يتماهى مع حبق اللون وتناغم الموسيقى.

تقول: "بعد قرنٍ أو قرون سيأتي شعراء يقودون هذا العالملكن أين هم الرسَّامون، أين صبري يوسف الرسَّام؟
سؤالك مشروع، ولكن لا تقلق، فأنا أعطي أهمية للشعراء لسموّ روحهم ووجدانهم، وأنا أرى أنَّ الرسام والمبدع أي مبدع هو شاعر، لأنه يملك مشاعر خلاقة، وكل إنسان ذو مشاعر خلاقة هو شاعر، حتى وإن لم يكتب شعراً، وكم من الشعراء لا يكتبون شعراً، ولو كتبوا شعراً ربما تفوقت تدفقات تجلياتهم على نصوصِ الكثير من الشُّعراء!

قلت يوما، بعد قرنٍ أو قرون سيأتي شعراء يقودون هذا العالم، فشلت سياسات العالم، وفشلَت قيادات العالم بقيادة الكون، هل تعوِّل على الشعراء، لا القصيدة في ذلك، أم أنَّ هناك تأويل آخر لما قلته؟
أقصد بالشاعر كما أسلفت في ردِّي السابق، كلّ مبدع ذو حساسية شعرية راقية، لا أعوِّل على القصيدة فحسب، بل على المبدع كمفهوم عام، كونه يمتلك رؤى خلاقة وإنسانية، أشبه ما يكون حكيم زمانه!

اللَّون يحضر بقوة في لوحاتك وقصائدك وقصصك ترى لماذا تركِّز في كل ذلك على اللَّون فحسب؟
أحبُّ اللَّون، أراه يشبه أنثى غارقة في التجلِّي والعشق والحياة، أنظرْ إلى الرَّبيع، أليسَتِ الطَّبيعة أرقى فنَّان على وجه الدُّنيا لما فيها من ألوان في غايةِ الرَّوعة والبهاء؟!
.. اللوحة تسمو بحفاوة ألوانها، والكتابة بتجلِّيات صورها المتدفِّقة كأغصان الزَّيتون فوقَ تواشيح غبشِ الصّباح.

الأنثى حاضرة في أعمالكم بأشكال مبطّنة، كيف هي أشكالها؟
أرسمها امرأة حالمة، فراشة مبهجة للعين والقلب، عاشقة مرفرفة الجناحين فوقَ دفءِ العناق، قمرٌ يسطع حبّاً، شمسٌ تضيء نوراً، قلوبٌ متهاطلة فوق شموخِ الجبال، سنابل متماهية مع عذوبة البحر، أزاهير مسترخية فوق وجنة الليل، ألوان مفرحة، غافية فوق قبة الأحلام، الأنثى هدية السَّماء على الأرض، هي الطبيعة بعينها في أوج اخضرارها، هي صديقتي، المتغلغلة في بهجة القصيدة ونضارة الألوان!

قلتَ يوماً، أن قلمك وفراشتك هما الخلاص، هل تحقَّق ذلك؟
وقلتَ أيضاً: "من يستطيعُ أن ينتشلني من اِندِلاقِ هذه البراكين سوى قلمي؟ أهلاً بكَ يا قلمي، تعالَ كي أزرعَ رحيقكَ بين عشبةِ القلبِ وشهقةِ الرُّوحِ كيأرسمَ فوقَ بيادرِ غربتي ترتيلةً من لونِ المحبّة، من لونِ فراشةٍ موشومة فوق بسمةِ أمٍّ متعانقة مع هلالاتِ الرُّوحِ، مع صعودِ بخورِ القلمِ!".
هل أنقذكَ الإبداع من ألم الغربة؟
نعم، انتشلني قلمي من مغبة الغربة، وحرَّرني من دياجير غربة مفتوحة فوق جفونِ اللَّيل.
نعم، انقذني الإبداع من ضجرِ الحياة، وحرَّرني من آلام لا تخطر على بال، الكتابة هي صديقة سرمديّة ناصعة النَّقاوة، من لونِ الماءِ الزَّلال.

أيهما الأقرب إليك .. ومضة الشِّعر أم دفقة اللَّوحة؟
ومضة الشعر أقرب إلى قلبي من دفقةِ اللَّوحة، لكني أعشق اللَّون عشقاً عميقاً، فأستريح بمتعةٍ فوق أطيافه.

ماذا تعني لكَ اللوحة؟
اللَّوحة مفتاح فرحي ومعراج قلبي إلى دفء القصيدة، شمعةُ أملٍ قبلَ الولادة وضياءُقلبٍ بعد انبلاجها إلى النُّور!


نصوصك الأولى ولوحاتك الأولى أيهما الآن في الذَّاكرة ومَنْ غلبت مَنْ؟
ماهي تقنيات اللوحة لديك وهل أضاف لك وجودك الأوربي أساليب جديدة في الرسم؟
كلاهما تسطعان في منعرجاتِ الذاكرة بحميمية دافئة، تسترخيان بعناق عميق في ظلالِ الذَّاكرة الوارفة بالوئام!
نعم،وجودي في أوربا أضاف إليّالكثير، حيث أنَّني أتابع الحركة التشكيلية وأحضر الكثير من المعارض، ممَّاعمَّقَلديَّ تقنيات جديدة، والأهم هو حبِّي العميق للون، والتجريب اللوني، أرسم بعفوية مفتوحة، وكأنَّ هناك طفل في داخلي يلعب بالألوان ويطير بها في زرقة السَّماء!

ماهي نظرة الأوربي أو السويدي بشكل خاص الى الإبداع الشرقي لاسيما اللوحة وكيف يمكن ايصال الفكرة العربية الى العقل الاوربي؟
المشاهد السويدي يتفاجأ من غنى ألوان الفنَّان الشَّرقي، وغنى مواضيعه وتدفُّقات خياله وألوانه الدافئة، وممكن أن نوصل رؤانا وأفكارنا إلى العقل الأوربي من خلال تقديم إبداعٍ راقٍ، يليق بحضارتنا الشرقية الزاخرة بالعطاء!

الفن التشكيلي السويدي هل ثمة تاثيرات شرقية عربية فيه؟
نعم، هناك تأثيرات شرقية على أعمال بعض الفنَّانين السويديين، خاصة الذين يتواصلون مع معالم الشرق وفنونه!

ما الذي أضافه الفن التشكيلي السُّوري للفن العربي؟
الفن التشكيلي السوري أضاف بصمة رائدة للفن العربي، وهذا سؤال مهم ممكن أن توجِّهه إلى النقَّاد التشكيليين!

هل تميل إلى مدرسة معينة؟
لا، لا أميل إلى مدرسة معينة، أرسم بعفوية خالصة كطفلٍ يهفو إلى إبداع تشكيلات لونية جديدة.

كيف رسمَ الفنَّان التشكيلي صبري يوسف في بداياته؟
فجأة شعرتُ أنَّه آن الأوان أن أكتب قصيدة عبر اللون، عبر لوحة منبعثة من حنين الغابات، فبدأتُ أرسم.

بمن تأثرت من الفنانين العالميين ، ماذا أخذت منهم ، وهل استفدتَ من تجاربهم؟
نعم استفدت من تجاربهم، لكنِّي لم أتأثر بأي فنان عالمي، تأثَّرت بمشاعري ورؤاي فرسمتها بدون أيةِ رتوش.

ما الأسس الجمالية التي تعتمد عليها في تجربتك الفنية؟
أعتمد على المتعة التي تمنحني اللَّوحة خلال الرَّسم وبعد الرَّسم، فكلَّما جذبتني اللوحة، كانت ذات قيمة جمالية، أركِّز على الألوان المفرحة، وعلى تناغمات وتداخلات الألوان كأنِّي في غابة لونية، أقطف أزاهير منعشة للقلب وأنثرها فوق لوحتي، وأقدِّمها للمشاهد لعلّه يتمتَّع بها هو الآخر.

أنت شاعر أكثر من تشكيلي،أم العكس هل هناك مديات تفرق أو تجمع بين هذين الصنفين في الإبداع؟
نعم أنا شاعر أكثر من تشكيلي، لكنِّي أرى أن هناك تناغماً وعناقاً عميقاً بين القصيدة واللوحة كأنهما توأمان منشطران من وهج الروح، يحنّان إلى التلاحم، لهذا أجدني هائماً بين أغصان القصيدة وخمائلِ اللَّون.

ماهي مشاريعك القادمة؟
هناك ترتيبات لكتابة أعمال روائية، نَفَسي طويل، يناسب عوالم الرواية! حتى نصوصي الشعرية، تصب في معالم الرواية، أخطِّط للتفرغ للكتابة والرسم، أشتغل منذ فترة على كتابة نصوص شعرية من وحي اللوحة، ومن وحي سماعي قطعة موسيقية، أبحث عن مكان آمن وهادئ للتفرّغ للإبداع بعيداً عن ضجيج هذا العالم!



صبري يوسف


كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم




نقلاً عن جريدة الأوان الكويتية

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 27-08-2009 الساعة 02:12 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-08-2009, 09:44 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,949
افتراضي

شكرا للكاتب الصحافي عدنان حسين’ الذي أخذنا إلى عالم الفنان صبري يوسف الواسع. لقد تأملنا جماليات النص و التعبير من خلال مشاهد روائية و مقطوعات شعرية تعج بلهفة الحنين و تغوص إلى أعماق الذاكرة العتيقة تستجليها لتخلق منها لوحة جديدة.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:13 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke