Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الديني > المنتدى السرياني > السريان في العالم > أخبار ونشاطات لطائفتنا من مختلف الأقطار

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2007, 12:17 PM
نوري إيشوع مندو نوري إيشوع مندو غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 96
افتراضي رحلة حج إلى أبرشيات كنيسة المشرق المنسية " الجزء الثاني"

رحلة حج إلى أبرشيات كنيسة المشرق المنسية " الجزء الثاني "


الشماس: نوري إيشوع مندو


اليوم الثاني: الثلاثاء 13 حزيران 2006

صباحاً بعد أن احتفل صاحب السيادة بالذبيحة الإلهية في كنيسة دير مار كبرئيل تناولنا طعام الفطور، ثم انطلقنا لزيارة بعض المواقع في طور عبدين. وكانت محطتنا الأولى في قرية حاح، التي تضم ديراً شهيراً مكرس على اسم العذراء. ويتحدث تقليد الكنيسة السريانية أن المجوس في طريق عودتهم من بيت لحم، مروا من هذا المكان واستراحوا فيه من تعب الطريق، وقد شيد الدير في الجيل الخامس في نفس المكان. استقبلنا الراهب موشي رئيس الدير، وبعد أن رحب بنا شرح لنا عن تاريخ الدير والمراحل التي مر بها، ثم زرنا كنيسته البديعة. وبعد استراحة قصيرة ودعنا الراهب موشي متوجهين نحو قرية صالح ويدعوها العامة صلح.
والقرية اليوم خالية من الحضور المسيحي، لأن مختار القرية حسنو فتك بمسيحيي القرية في مذابح السفر برلك، ونهب أموالهم ومواشيهم، واستولى على أملاكهم وأراضيهم. وتضم هذه القرية دير مار يعقوب الحبيس الذي شيد في الجيل السادس، وبسبب عوداي الزمان قيض قسم من الدير، وقد بدأت عمليات الترميم على قدم وساق لإعادة ما تهدم. استقبلنا رئيس الدير الراهب دانيال مرحباً بنا، ثم زرنا كنيسة الدير واطلعنا على معالمها، وبعد استراحة قصيرة ودعنا الراهب متوجهين نحو مدينة مذيات.
وصلنا إلى مذيات التي تعتبر قصبة طور عبدين، تقع المدينة في سهل فسيح تحيط بها الروابي والتلال المزدانة بالكروم والأشجار. وكان اغلب سكانها من السريان الأرثوذكس، وقليل من الكلدان والبروتستانت والسريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك، وقد أصاب مسيحييها الكثير من الويلات خلال مذابح السفر برلك.
وكان الأب لابورد اليسوعي قد وافى مذيات وشيد كنيسة فيها وذلك سنة 1850، وعندما تأسست نواة طائفة السريان الكاثوليك في المدينة أعطيت الكنيسة لهم. وقد هدمت هذه الكنيسة بعد المذابح من قبل المسلمين الذين استعملوا حجارتها لبناء جامع قريب منها.
زرنا كنيسة مار برصوم القديمة للسريان الأرثوذكس، ثم زرنا مصلى الكلدان المكرس على اسم العذراء، والتقينا بالعائلة الكلدانية الوحيدة المتبقية في المدينة. ومن المعلوم أن عدد الكلدان في مذيات زمن المذابح كان أكثر من ثلاثمائة نسمة. وفي صيف سنة 1910 رسم لهم المطران إسرائيل أودو كاهن لخدمتهم هو الأب كوركيس آل بهلون،[1] وفتح في المدينة مدرسة لأبناء الطائفة. وكان الأب المذكور يخدم الكلدان في قرية كفر جوز أيضاً. وفي حزيران سنة 1915 ألقي القبض على نيف ومائة رجل من الكلدان والبروتستانت، وبعد أن سجنوهم عشرة أيام نالوا خلالها أبشع أنواع التعذيب والتنكيل، تم سوقهم في 28 حزيران مثقلين بالأغلال في أعناقهم وأكتافهم فوصلوا بهم إلى قرية كفر حور وقتلوهم جميعاً ورموا جثثهم في بئر يدعى بئر سيطا.
وفي 16 تموز أمر القائممقام الجنود أن يطلقوا الرصاص على بيوت المسيحيين، لكن المسيحيين قاوموا بشجاعة فائقة. وعندما رأى القائممقام عدم قدرة الجنود على الفتك بالمسيحيين، استحضر العشائر الكردية من نواحي ديار بكر وماردين وسعرت والجزيرة وانضموا إلى الجنود في محاربة المسيحيين، واستمرت المعركة أسبوعاً كاملاً حتى فتكوا بالرجال والنساء وذبحوا الأطفال والرضعان، وقد بلغ عدد الشهداء زهاء عشرة آلاف نسمة، وقام الجنود ورجال العشائر بنقل جثث المسيحيين خارج المدينة، وبعد أن عروهم من ثيابهم حرقوهم جميعاً. ثم عادوا إلى المدينة ونهبوا بيوت المسيحيين ومخازنهم، وجمعوا 500 طفل من سن الخامسة وحتى السابعة وساروا بهم إلى قرية أنحل وسلموهم لمسيحيي القرية حتى يهتموا بهم.
وقد نجا من مسيحيي مذيات حوالي ألف نسمة هربوا ليلاً إلى قريتي عينورد وأنحل، وعندما علم بذلك قائممقام المدينة حرض العشائر الكردية للفتك بسكان القريتين. وبعد أن أعدوا العدة حاصروا القريتين المذكورتين، لكن سكانها الشجعان كانوا قد حصنوا القريتين وقاوموا بشجاعة العشائر الغازية، وعندما نفذت ذخيرتهم أذابوا الأواني النحاسية وحولوها إلى ذخيرة، وبعد حرب استمرت شهرين اندحر الأكراد تاركين ورائهم الكثير من جثث قتلاهم. وعليه طلب متصرف ماردين من سريان القريتين تسليم سلاحهم، لكنهم رفضوا الطلب. وعليه أرسل المتصرف جنود لمساعدة العشائر الكردية الذين حاصروا القريتين من جديد، وبعد معركة استمرت عشرة أيام سقطت القريتين بيد الوحوش المفترسة الذين قتلوا الرجال والنساء ذبحاً تاركين الأطفال لمصير مجهول. وبعد سقوط القريتين انقضت العشائر على أغلب قرى طور عبدين وقتلت سكانها ونهبت ممتلكاتهم.
ثم زرنا قصر جبرائيل ( كلي ) هرمز الذي يعتبر تحفة أثرية فريدة، واليوم تسكنه عائلة كردية. ومن المعلوم أن عائلة كلي هرمز الكلدانية موصلية الأصل، هجرت إلى مذيات منذ قرنين حاملة معها صناعة الحلاوة والطحينة، ونالت مكانة مرموقة في المنطقة، وجمعت ثروة طائلة. وبسبب مضايقات أهل مذيات لهم اعتنقوا البروتستانتية اعتقاداً منهم أن البعثات الأمريكانية سوف تحميهم وتحافظ على أموالهم وأملاكهم من شر أهل مذيات، وقد قتل أغلب رجال العائلة في مذابح السفر برلك بتحريض من وجهاء السريان الأرثوذكس بمذيات. ويقال أنه عندما خرجت القافلة التي تضم رجال عائلة كلي هرمز من مذيات وهي تساق للذبح، خرج حنا سفر كبير وجهاء السريان في المدينة إلى شرفة منزله ليتفرج عليهم. فالتفت كلي هرمز نحوه قائلاً: " أعلم يا حنا إننا بدسائسك ودسائس أصحابك وصلنا إلى هذه الحال. فنحن قد قضي أمرنا وعما قليل نصير إلى لقاء ربنا. أما أنت ويعاقبتك فتمتعوا بالحياة الدنيا. ولكن لا يفتك أنك ستقتل أنت أيضاً شر قتلة ". وفعلاً بعد فترة قصيرة قتل حنا سفر داخل مذيات ولعب بهامته أذل الحيوانات وأخسها. ولم يتوقف وجهاء السريان بمذيات عن إلحاق الأذى بهذه العائلة الكريمة وإهلاك من تبقى من رجالها. ففي 21 تموز 1918 رفع كل من: الخوري عيسى والقس جبرائيل ومحي كوو مختار السريان والوجيه موسى أسمر مضبطة بالتركية إلى متصرف ماردين جاء فيها: " إننا نحن جماعة اليعاقبة ما زلنا منذ ألف وخمسمائة سنة تحت ظل الملة الإسلامية والدولة العلية العثمانية. ونؤيد أن أموالنا وأرواحنا هي فدى لها. كل ذلك يؤيده جميع من عاشرهم وعرفهم. غير أن داود بن جبرائيل هرمز أحد وجهاء البروتستانت بمذيات ما برح متحداً مع اليزيدية، وهو أحد أعضاء الجمعية المنتمية إلى الأرمن والإنكليز والإميركان. وقد أقاموه بمثابة جاسوس يسعى في ما يؤول لانتصار الأرمن والإميركان. بل هو من وجهاء الجمعية الخنجكيانية الأرمنية. وهذا داود انهزم هو وابن أخيه جرجس وأبن أخته بولس وقت سوق القافلات من وجه الحكومة إلى أنحل وعينور وباسبرينا وحباب وسائر قرى اليعاقبة واليزيدية، وأثاروا الأكراد الجهال المغفلين ولقنوهم ليقاوموا الحكومة السنية. وما فتئوا منذ ثلاثة أعوام على هذه الحال. بل أن داود منذ استاقت الحكومة والده وأخوته لا يفتر من أن يثير الفتن والمشاغب على الحكومة، ويحاول أن يسترجع أموال والده وأملاكه الحاصلة اليوم في حوزتها، ويتظاهر بأنه منتمِ إلى اليعاقبة قصد الفوز بغايته هذه. مع أنه يفرغ كل جهده في القدح في أعراضنا ليثير الحكومة علينا. بل نراه يتنقص الحكومة ويصرح للأهالي بأنها جائرة ظالمة غدارة. ولا يخفى أنه إذا استمر في مذيات أزداد الفساد واستفحل الشر. بناء على ما ذكر نسترحم أن تصدروا في حقه أوامر النفي بالخفية، لئلا يطلع أصحابه ولا سيما المنصبون فيبلغوه ذلك، ويستعجلوه على الهرب كما جرى الأمر منذ سنتين. فنسترحم إذاً أن تجروا به مثلما يستحق جرمه ذلك تأميناًُ لحقوق اليعاقبة الأذلاء المساكين، وصيانة لحياتهم وإطلاق الحرية لهم في الأخذ والعطاء. وألا سلبت الأمنية بالمرة وازداد الفساد والاضطراب ".[2] لكن داود فلت من هذه المكيدة بأعجوبة.
بهذه الطريقة تصرف وجهاء مذيات السريان مع هذه العائلة، والسبب يعود إلى الثروة الهائلة التي كانت تمتلكها، وقد حاولوا كثيراً ابتزازهم بطرق ملتوية لكنهم لم ينالوا مأربهم. ومع بدء مجازر السفر برلك طلبوا من كلي هرمز أن يمدهم بالمال حتى يشتروا السلاح. فرفض طلبهم قائلاً أننا لا نستطيع أن نقف بوجه الدولة، وأما إذا قتلونا فهذا فخر لنا لأننا سننال إكليل الشهادة من أجل المسيح.
وعليه وشى وجهاء السريان على كلي هرمز لدى الدولة مدعين أنه عرض عليهم المال للتسلح، لكنهم رفضوا طلبه لأنهم مواطنين صالحين ولا يتمردوا على حكومتهم. وهكذا شجعوا السلطات للنيل من هذه العائلة الكريمة حتى يستولوا على أموالهم وممتلكاتهم.
انتقلنا إلى طرف المدينة لنزور دير مار هابيل ومار أبراهام، فاستقبلنا رئيس الدير الراهب إبراهيم، وبعد أن شرح لنا تاريخ الدير زرنا الكنيسة، ووقفنا أمام قبر القس الكلداني سليمان مقدسي موسى المدفون هناك، وهو أخر كاهن خدم رعية مذيات الكلدانية حتى الستينيات من القرن الماضي.
تركنا مذيات متوجهين إلى قرية أنحل ومنها نحو وادي بونصرا. يقع الوادي على السفح الشمالي لجبل إيزلا، ويتحدث التقليد أن تسمية الوادي جاءت من اسم الملك نبوخذنصر الذي دمر مملكة إسرائيل، وجلب معه آلاف السبايا ووضعهم في هذا الوادي السحيق. وقفنا عند نبع نهر الهرماس الذي يروي نصيبين وقراها، ويعرف هذا النهر عند العامة بنهر الجخجخ. وبعد استراحة ممتعة عند النبع الذي تحيط به الأشجار المثمرة والمناظر الخلابة، عدنا إلى دير مار كبرئيل. وبعد تناولنا طعام العشاء خلدنا إلى الرحلة بعد يوم طويل.

اليوم الثالث: الأربعاء 14 حزيران 2006

صباحاً بعد أن احتفل صاحب السيادة بالذبيحة الإلهية في كنيسة مار كبرئيل تناولنا طعام الفطور، ثم انطلقنا نحو مدينة سعرت. وفي الطريق توقفنا في قرية كفر جوز، ومن المعلوم أن مسيحيي القرية كانوا من الكلدان يعملون في الفلاحة والزراعة، وخلال مذابح السفر برلك جمع يوسف حسن شمدين آغا الرجال، واستاقهم حفاة عراة إلى النهر القريب من القرية، وألقاهم فيه حتى غرقوا جميعاً، وكانوا خلال الطريق ينشدون الترانيم مشجعين بعضهم بعضاً لنيل إكليل الشهادة.
أما الأطفال فقد وضعهم في زريبة للحيوانات وأقفل عليهم، وصادف أن مر بالقرية الشيخ فتح الله العينكافي المعروف بدماثة الأخلاق وحسن السلوك والسيرة، فسمع عويل وصراخ فسأل عما يجري هناك، وما أن عرف حقيقة الأمر حتى استشاط غضباً وفك أسر الأطفال ومضى بهم إلى مدينة مذيات، وهناك سلمهم لمسيحيي المدينة. أما النساء فقد نلن الكثير من ظلم الأغا، حتى تركن بيوتهن وما تحتويه وهربن بالتدريج نحو مدينة مذيات صوناً لشرفهن وحياتهن. توقفنا قليلاً أمام القرية متأملين سهولها التي يشقها النهر، الذي أضحى يوماً مذبحاً قدم عليه قرابين بشرية، عربون محبتهم للذي فدى نفسه من أجل خلاص البشر.
تركنا القرية متوجهين شمالاً نحو مدينة بطمان، ومنها شرقاً لنمر بمنطقة البشيرية، هذه المنطقة التي كانت مزروعة بعشرات القرى المسيحية العامرة، أغلب سكانها من سريان وأرمن أرثوذكس، وكان للسريان ديراً شهيراً في قرية قبينه على اسم مار قرياقس، وكان للسريان الأرثوذكس كرسياً أسقفياً في هزو، لكن الأسقف كان يسكن في دير مار قرياقس. ويبدو من خلال مراجعتنا للتاريخ أن الكلدان كان لهم كرسيان أسقفيان في منطقة البشيرية، واحد في " هزو " والثاني في " غوردلاية "، وبسبب تراجع الحضور الكلداني هناك، نجد المطران إيليا مطران آمد " ديار بكر " يضم المركزين المذكورين إلى أبرشيته وذلك في سنة 1610. واليوم أضحت المنطقة خالية من سكانها المسيحيين.
أكملنا المسير شرقاً لنصل إلى منطقة أرزون أو أرزن الشهيرة في تاريخ كنيسة المشرق، ويتحدث التقليد أن مار ماري رسول المشرق بشر أهلها وأنار فيهم الإيمان، وشيد هناك كنيسة دعيت باسمه. وكانت أرزون منذ بدايات المسيحية مركزاً أسقفياً يتبع كرسي نصيبين المطربوليطي، وفي العصور المتأخرة تبعت أبرشية حصن كيبا، ومنذ زمن الاتحاد تبعت أبرشية سعرت.
ويدعوا العامة منطقة أرزون باسم غرزان، وبعد أن خربت أرزون على أيدي السلجوقيين سنة 1048 دعي موقع المدينة خراب باجْار وتعني المدينة المهدمة، أما اليوم فتعرف باسم كورتلان.
وكانت المنطقة تضم العديد من القرى الكلدانية العامرة حتى مذابح السفر برلك نذكر منها: بيكند. بركي. رضوان. زوق. هللر. عين قصر. تل منار. كوخا. عزو. عين دير ويقال لها أيضاً عين دار، وموقع هذه القرى في جنوب غرب سعرت. وإلى جانب هذه القرى كان هناك قرى سكانها خليط من الكلدان والسريان الأرثوذكس نذكر منها: حسحس. مار مارونه. بيبو. تليبة. قمارو. كندور. زنكا. كوتيبة. وقد دمرت جميعها وفرغت من سكانها المسيحيين.
زرنا قرية بيكند وتعرف في تاريخ كنيسة المشرق بـ بصي نغد " بيث قند " وتعني مكان الوثب أو القفز الواقعة جنوب كورتلان بمسافة 7 كم، هذه القرية الشهيرة بحدائقها الغناء، وعيون المياه المتدفقة التي تروي بساتينها الغنية بالأشجار المثمرة. ووقفنا عند بعض البيوت المهجورة المبنية من الحجارة بشكل بديع، وعلمنا من سكان القرية أنها تعود لمسيحيي القرية، وقد قتل أغلب سكان القرية ورموا جثثهم في وادي يبعد مسيرة ساعتين منها. وشاهدنا شمال قرية بيكند خرائب دير مار يوحنا نحلايا،[3] وحتى اليوم يدعوا الأكراد موقع الدير باسم ديري. ومن المعلوم أن الدير قد ضبطه السريان الأرثوذكس من الكلدان سنة 1825 بقوة فتاح باشا الغرزي، وقد بدلوا اسم شفيع الدير وأطلقوا عليه اسم مار أحو. أما قرية رضوان القريبة وحسب رواية شاهدة عيان، فبعد أن قتلوا رجال القرية، جمعوا النساء والأطفال وصبوا عليهم النفط واحرقوهم جميعاً وهم أحياء. وعلى هذه الطريقة البشعة تم تصفية مسيحيي القرى المجاورة. ومن شدة البطش وقساوة الظلم اعتنق العديد منهم الإسلام. وقد اقترف الآغا جميل جتو من آغوات منطقة غرزان أبشع الجرائم بحق مسيحيي المنطقة.
تركنا القرية متوجهين شرقاً، وبعد أقل من نصف ساعة وصلنا إلى مدينة سعرت، وقد اختلف المؤلفين في تسمية هذه المدينة، فيطلق عليها أيضاً اسعرت أو سعرد أو اسعرد. وقديماً دعيت المتبددة وأيضاً المدينة البيضاء. ويقال أن لفظة سعرد لفظة كردية مركبة من كلمتين هي سي وتعني ثلاثة، و عرد تعني الأرض، لادعاهم أن المدينة خربت مرتين ثم بنيت مرة ثالثة.
تقع المدينة في سهل فسيح غزير العيون كثير الخصب، يكثر فيه أشجار التين والرمان والبندق والبطم والكروم. يروي سهولها الغربية نهر البوتان، وينساب نهر خازر غرب المدينة مسافة 3 كم. وتحيط بها جبال بتليس العالية شمالاً، ومن ناحية الجنوب الشرقي جبال البوتان الشامخة ويقال لها أيضاً جبال البوهتان. تأسس كرسي سعرت المطرابوليطي في زمن انضمام أبناء كنيسة المشرق إلى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1553 وكان يتبعه أسقف أشي في جبل البوتان، وقبل هذا التاريخ كانت منطقة البوتان تتبع أبرشية آثيل، أما منطقة أرزون فكانت تتبع أبرشية حصن كيبا.
ومنذ سنة 1555 وحتى سنة 1600 كانت سعرت مقراً للكرسي البطريركي، حيث سكن ثلاثة بطاركة في دير مار يعقوب الحبيس[4] الواقع على قمة جبل يطل على نهر البوتان جنوب سعرت مسافة 8 كم. وهؤلاء البطاركة هم: عبد يشوع الرابع مارون.[5] يبالاها الرابع.[6] شمعون الثامن دنحا.[7] وبعد الانفصال بقيت الأبرشية خاضعة لبطريركية آمد الكاثوليكية. وفي بداية القرن السابع عشر ( سنة 1620 ) نجد حضور كثيف للمشارقة في سعرت، " يضم 3000 بيت في المدينة وجوارها، يخدمهم أسقف و25 كاهناً و80 شماساً، ولهم في المدينة كنيستان هما: 1_ مار كيوركيس. 2_ مار ميخائيل. ولهم ثلاثة أديرة هم: 1_ مار يعقوب الحبيس. 2_ مار كورئيل. 3_ مار صوريشوع. ".[8] وقد تعاقب على كرسيها منذ زمن الاتحاد وحتى تدميرها سنة 1915 ثلاثة عشر مطراناً.
ما أن دخلنا مدينة سعرت حتى توفقنا بشخص استطعنا من خلاله أن نصل إلى حي عين صليب، ووقفنا عند العين التي لا زالت باقية شاهدة على هذا الحي الذي كان يوماً مكتظاً بسكانه الكلدان.
ومن المعلوم أن سعرت كانت تضم حيين مسيحيين، الأول الحي الكلداني المعروف بـ عين صليب، ويضم الحي كاتدرائية العائلة المقدسة وإلى جانبها المطرانية الكلدانية، بالإضافة إلى أبنية عديدة لرسالة الرهبان الدومنيكان[9] كانت تضم ديراً ومدارس للفتيان والفتيات ومدرسة صناعية وميتمان، وكانت رسالة الدومنيكان في سعرت تضم 66 راهباً وراهبة، غادروا المدينة امتثالاً لأوامر السلطات العثمانية مع بداية المذابح.
وأما الثاني فهو الحي الأرمني، وكان العامة يدعوه تاخا صْور أي الحي الأحمر، وكان للكلدان فيه كنيسة على اسم مار كيوركيس. وفي حي عين صليب يجد المرء بيوت قديمة مبنية من الحجارة لا زالت قائمة، كانت يوماً ملكاً لمسيحيي المدينة، ثم زرنا موقع جامع الخليلي الذي كان يوماً كاتدرائية الكلدان واليوم هدم وحول إلى مقبرة. ومنها ذهبنا إلى جامع النبي الذي كان كنيسة الآباء الدومنيكان.
لم نستطيع التعرف على باقي المواقع مثل المطرانية الكلدانية التي حولت إلى مدرسة حكومية، والحي الأرمني وكنيسة مار كيوركيس الكلدانية التي حولت إلى قاعة لنشاطات مدرسية، ودير الدومنيكان الذي حول بعد المذابح إلى مشفى عسكري، كلها كانت في ذاكرتنا وكنا نتمنى مشاهدتها، لكن الدليل الذي رافقنا بعد أن عرف أننا مسيحيين أخذ يشمئز منا متهرباً من أسئلتنا.
وفي النهاية استطعنا أن نقنعه ليدلنا على موقع دير مار يعقوب الحبيس الواقع جنوب المدينة بمسافة 8 كم، ويعود بناء الدير إلى القرن الرابع.
وصلنا إلى موقع الدير لكننا مع الأسف الشديد لم نجد شيئاً، لقد هدم كلياً ولم يبقى منه أي أثر يذكر، وقد سيج بالأسلاك الشائكة حيث حول إلى موقع عسكري. وقد احتضن هذا الدير في ثراه أضرحة بطاركة عظام، بعد أن جعلوه مقراً لرئاستهم. بالإضافة لمطارنة أبرشية سعرت الذي اتخذوه مقر لكرسيهم حتى زمن المطران بطرس برتتر[10]( 1858 _ 1884 )، حيث شيد بناء المطرانية في سعرت ونقل الكرسي هناك، وكان المطران المذكور قد جلب من روما مطبعة وأحرف كلدانية لطباعة الكتب، وفتح في الدير إكليركية. كل ذلك ذهب في مهب الريح بسبب عبث الحاقدين، حتى مكتبته الغنية والشهيرة أضحت طعمت لنار أحد الآغوات بعد أن نهبها، ويقال أن الآغا حرق كتبها لمدة شهر كامل حتى قضى عليها، ويقال عن المكتبة أنها كانت منظمة ومفهرسة أكثر من المكتبات العالمية اليوم. وكان المطران ميخائيل كتولا[11] ( 1826 _ 1855 ) قد رمم الدير، وأحضر عشرة رهبان أنطونيين من دير الربان هرمزد قرب ألقوش لإعادة الحياة فيه، واستمرت حتى المذبح المشئومة. ومن الدير شاهدنا جبال البوتان الشامخة التي كانت تضم حتى بداية القرن الماضي العشرات من القرى الكلدانية، واليوم لم يبقى منها سوى الذكرى. ومن المعلوم أن المنطقة كانت تضم العشرات من الأديرة الشهيرة دمر أغلبها على مر السنين، ويذكر المؤرخين العديد منها التي لم يبقى منها أي أثر يذكر، منها دير مار شليطا[12] الذي يقع على بعد مسيرة يومين جنوب غرب سعرت على ضفة نهر دجلة.
وكانت القرى التابعة لأبرشية سعرت والواقعة على جبال البوتان جنوب شرق المدينة أكثر من أن تحصى نذكر منها: قطمس. مار كوريا. كيدوانيس. تل ميشار. بينكف. دهوك. راموران. دير ربان. دهمزيان. رضوان. ارجيقانيس. كلوابيه. قوريج. اوريج. بوريم. شويتا. روما. حاخ. بيروز. دينتاس. أرتون العليا. أرتون السفلى. كوبرتانس. تل. كيرأثيل. مارانش. مار شانس. صدغ. مار يعقوب. مارت شموني. أشي. حديد. دير شمش. قب. اجنبت. تل نيفرو. شرنخ. مار شمعون. دير مازن. بنكوف. مار شمعون. ارشكنس. كيب.
وفي تقرير رفعه البطريرك عمانوئيل إلى قنصل فرنسا في بلاد ما بين النهرين السيد م. روو بتاريخ 29 كانون الثاني 1919 يبين فيه أسماء القرى الكلدانية المدمرة وعدد الشهداء وحجم الخسائر المادية، ويذكر أسماء العشائر التي اقترفت هذه الجرائم نذكر منهم: عشائر باتوا ومما وسينك ودومان. وآغوات أرو والحلنزي والجوانكية وكند.
وشرق جبال البوتان تقع جبال هكاري التي كانت مكتظة بالمراكز الكثيرة التابعة لكنيسة المشرق، نذكر منها جولاميرك وتدعى أيضاً كولاميرين، والتي كانت تعرف قديماً بـ الكمار، " وكانت تضم في القرن الخامس عشر 3000 بيت، يخدمهم أسقف وعدد كافي من الكهنة والشمامسة، ولهم فيها كنيستان. "[13]
وقد وضع الخوري توما بجاري[14] الوكيل البطريركي الكلداني في دار السلطنة العثمانية في اسطنبول، قائمة بمراكز الكلدان في أبرشية سعرت، حيث يبلغ عددهم أكثر من عشرين ألف، نذكر منها: سعرت 2000 نسمة. صدغ 2000. تل ميشار 1500. أرتون العليا 1000. قطمس 1000. حديد 1000. مار كوريا 1000. بيروز 1000. أرتون السفلى 500. بيكند 500. بركي 500. مار يعقوب 500 . . . إلخ.
إن المصائب والمصاعب التي حلت بأبرشية سعرت يعجز اللسان عن وصفها، بسبب خشونة الوحوش البشرية التي انقضت بدون رحمة على أناس ودعاء مسالمين. وفي زمان المذابح كانت سعرت تتبع إدارياً ولاية بتليس. وقد بدأت المجازر بأمر من جودت بك والي وان، الذي ترأس فوجاً من العسكر تغلي في دمائهم مثله شهوة الذبح أطلق عليه " طابور القصابين "، هؤلاء الوحوش الذين اندفعوا نحو المسيحيين كالضباع الجائعة ناهبين قراهم متفننين في أساليب الفتك والذبح. لقد شكل قائمقام سعرت أنيس بك كتيبة من جنود قوامها مسلمون، أوكل إليهم مهمة تصفية مسيحيي المدينة.
ففي رسالة البطريرك الكلداني مار يوسف عمانوئيل الثاني إلى وزير الخارجية الفرنسية السيد ستيفان بيشون والمؤرخة في 29 كانون الثاني 1919 يتحدث فيها عن مذابح سعرت قائلاً: " اجتيحت أبرشية سعرت ودمرت تماماً، المطران والكهنة وسكانها المسيحيين والثلاثة والستين قرية التابعة لها، ذبحوا بأبشع أساليب الهمجية. دمرت الكنائس والأديرة والصرح الأسقفي والمؤسسات، كما نهبت الممتلكات واستولوا على الأوقاف وعلى أرزاق المؤمنين، وحل الخراب في كل مكان. اخص بالذكر مكتبة المطرانية الغنية بمخطوطاتها القيمة، هذه المكتبة التي كانت قبلة المؤرخين والباحثين والمستشرقين من جميع أنحاء العالم، هذه المكتبة حولت إلى رماد للأسف الشديد ".[15]
تأمل أيها القارئ اللبيب 63 قرية كلدانية أبيدت عن بكرة أبيها، فكم كان حجم الكارثة الذي حل في هذه الأبرشية، لو نطق وادي زرياب[16] عن عدد الجثث التي ألقيت فيه، سوف تذهل من قسوة عديمي الضمير، وهل تعلم أنه حتى يومنا هذا لو زرت الوادي المذكور ستجد بقايا عظام الشهداء.
ويقول الأب بطرس عابد الكلداني في تقريره المرفوع إلى الكردينال ماريني أمين سر مجمع الكنائس الشرقية والمؤرخ في 18 نيسان 1918، يصف ما جرى في سعرت قائلاً: " بدأت مذبحة مسيحيي سعرت في شهر أيار سنة 1915، وقد سبقت مذابح بيتليس بثلاثة أشهر فقط. بادئ الأمر سجنوا عدداً كبيراً من المسيحيين مع كهنتهم، ثم أخذ الجنود الأتراك يفتكون بمسيحيي المدينة، وانتقلوا منها إلى الأرياف، حيث عشرات القرى الكلدانية. في هذه المذابح لم يسلم أحد من المسيحيين هناك ".[17]
أما مسيحيي القرى فكانت مهمة تصفيتهم منوطاً بالعشائر الكردية، التي عملت على إبادة ما طال أياديهم القذرة، فارتكبوا أبشع جرائم القتل والذبح والاغتيال والسلب والنهب والتدمير. لأن المسيحيين كانوا أصحاب الصناعة والتجارة في المدينة، وملاكي الأراضي الزراعية الخصبة في القرى، يعملون فيها ليل نهار بجد ونشاط، وكانت تدر عليهم الغلال الوفيرة، لقد حولوا قراهم إلى جنات عدن لكثرة ما غرسوا فيها من أشجار مثمرة ومن جميع الأصناف وأجودها. أم المسلمين فكانوا خالين من المؤهلات، وما أن بدأت المذابح وجدوها فرصة سانحة للانقضاض على هؤلاء المسالمين وتصفيتهم وسلب أموالهم وممتلكاتهم.
وحسب رواية أحد الناجين من المذابح ويدعى هرمز، فبعد هربه إلى ماردين وهناك قابل المطران إسرائيل أودو حيث حدثه عما جرى في قرية أرتون[18] قائلاً: " بعد أن ذبح الشيخ عبدالله المطران توما رشو[19] ومعه 180 شخص من أبناء قرية آثيل، تجمع من تبقى من شباب القرية الكلدان ومعهم شباب من القرى المجاورة وهجموا على الشيخ المذكور وقتلوه، وما أن شاهد عبد الرحمن أخو الشيخ عبدالله ما جرى لأخيه أنتابه الخوف والفزع، فهرب إلى مدينة الموصل وبقي هناك ".[20]
وفي رسالة الأب فيليب شوريز السعرتي النائب البطريركي للكلدان في بغداد، إلى الأب الدومنيكي كوفروا حول حوادث سعرت، مؤرخة في 22 أيار 1917، يقول فيها: " لو عدتم يوماً ما إلى دار الرسالة الدومنيكية لما تعرفتم عليها، كل ما فيها قلب رأساً على عقب. في سعرت حولوا دار الرسالة إلى جامع، ومساكن المسيحيين صار يقطنها المسلمون. لقد ألقوا القبض على جميع الكلدان، واقتيدوا في الليلة التالية موثقين ببعضهم إلى وادي زرياب، وبعد أن جردوهم من ثيابهم أطلقوا عليهم نار بنادقهم بغزارة، فأردوهم جميعهم قتلى. وقيل عنهم أنهم صمدوا في وجه الجلادين الذين عرضوا عليهم الإسلام فرفضوه قطعاً، وساروا بثبات نحو الاستشهاد وهم يلفظون اسم يسوع المسيح له المجد، صافحين لجلاديهم القساة الخالية قلوبهم من الرحمة. أما النساء لما أرادوا النيل من فضيلتهن فضلن الموت على العار، لذا ساقوهن إلى خارج المدينة في طرقات مهجورة مجهولة، وكانت أصواتهن تصدح بتراتيل شجية، ويقال أنهن رجمن بالحجارة ومنهن قتلن رمياً بالرصاص. أسرة عبوش[21] وحدها قدمت قرابة الأربعين شهيداً ".[22]
ويتحدث الأب فيليب شوريز السعرتي عن مقتل الأب جبرائيل عبوش قائلاً: " غداة هرب المطران أدي شير ألقت الحكومة القبض على جميع كلدان سعرت، باستثناء النساء والأطفال ما دون الخامسة. وكذلك قبضوا على الأب جبرائيل عبوش الذي لم يغادر دار المطرانية، وذهب ليقيم الذبيحة الإلهية في الكاتدرائية لشعب مذعور منتحب محتمِ بالكنيسة، وبعد القداس صعد إلى سطح المطرانية حيث ألقوا القبض عليه، وساقه رجال الجثا[23] مقيد اليدين وضموه إلى الكلدان الذين كانوا بالسجن. وهناك استمع الأب عبوش إلى اعترافات أبناء رعيته خلال ثلاثة أيام، حاثاً إياهم على الثبات والصمود على إيمانهم المسيحي القويم. وقبل أن يربطوهم إلى بعضهم نزعوا عنهم ثيابهم، ثم اقتادوهم كقطيع أغنام إلى خارج المدينة، وهناك أمطروهم بوابل من الرصاص دون رحمة ولا شفقة. أما الأب جبرائيل عبوش فقد دفعوا به إلى خندق محيط بمنزل أحد الأغوات في سعرت، واخذوا يطعنوه بالخناجر، ثم سكبوا عليه النفط واحرقوه، وقد تحمل أقسى العذابات حتى طارت روحه إلى باريها شهيد إيمانه. وتقول رواية أخرى أنهم غرزوا في جسمه أمشاطاً وسفافيد حديدية حادة، كانت تحمى بالنار حتى تحمر، ثم تغرز في جسمه. وكانت أدعية الشهيد تسمع من بعيد وهو يردد: من أجلك يا يسوع، هلم إلى عوني يا يسوع المسيح ".[24]
أما الأختان ستيرا ووارينا بنتا القس حنا شماس كاهن الكلدان في قرية صدغ، فقد تحدثت ستيرا عن قصتها بالقول: " بعد أن قتلوا جميع كلدان قريتنا صدغ بما فيهم والدنا كاهن القرية وجميع أهلي، أخذنا الأكراد كسبايا إلى قرية كواتي، وعندما مر حاكم سعرت من القرية المذكورة وعرف بوجودنا هناك، أخذنا من الأكراد وكنت أنا ستيرا بعمر 18 سنة وأختي وارينا أصغر مني، وهناك في سعرت سخرنا بخدمة البيت. بعد فترة سافر هو وعائلته إلى حلب فأخذنا معه. وفي أحد الأيام كنت أتجول في حي يقال له الصليبي، ورأيت جموع من الناس تخرج من إحدى الأبنية، فسألت عنهم فقالوا أنهم مسيحيون يخرجون من الكنيسة. تفاجئت لأننا في سعرت كنا نسمع من العثمانيين والأكراد أنه لم يبقى على وجه الأرض لا مسيحيين ولا كنائس. وعندما عدت إلى المنزل فكرت في الهروب، وفي صباح اليوم التالي أخذت أختي وهربت بطريقة لم تشعر بها زوجة الحاكم ولا الحرس المرافق. ذهبت إلى تلك الكنيسة والتقيت بكاهنها الأب ميخائيل شعيا،[25] وبعد أن شرحت له قصتي، أخذنا عند عائلة عبوش الكلدانية السعرتية وبقينا عندهم. وقد بذل الحاكم جهداً كبيراً للعثور علينا، لكنه لم يفلح بذلك حتى غادر حلب إلى القسطنطينية ".[26]
وكان الأب جوزيف نعيّم الكلداني الرهاوي[27] الذي عانى أيضاً من قسوة الاضطهاد، حيث فقد العديد من أفراد أسرته، وذاق مرارة السجن والعذاب مدة 130 يوماً حتى أطلق سراحه في القسطنطينية. وهناك التقى العديد من الكلدان الناجين من مذابح سعرت، منهم المدعوة حلاته حنا التي حدثته عن مقتل المطران أدي شير[28] والعديد من الكهنة: " كنت بين نساء سعرت اللواتي سقن إلى الذبح وعددهن حوالي الألف، وفي الطريق قتل عدد كبير من النساء، وعند عبورنا نهر خازر رمت بعضهن أطفالهن في مياه النهر من جراء إرهاقهن الشديد، وما أن وصلنا إلى قرية بيكند أخذونا إلى المكان الذي قتلوا فيه كلدان القرية لذبحنا هناك. وقد تمكنت من الهروب عن طريق راعي كردي من قرية بيكند كان يتردد إلى بيتنا في سعرت. وبعد أن عدت إلى سعرت عملت طباخة عند حاكم المدينة بيرام فهمي بك. سمعت أن مسلمي المدينة قرروا أن لا يبقى أي مسيحي فيها، كان دار المطرانية في سعرت قبل مقتل المطران قد أصبح ملجأ لكهنة كنائس القرى هرباً من المذابح الجارية في قراهم، وممن أعرفهم هم الآباء: الأب جورج كاهن قرية بركي، والأب حنا كاهن قرية صداغ، والأبوين موسى ويوسف كاهني قرية كيدوانس، والأب ميشيل كاهن دير مار يعقوب، والأب يوسف كاهن قرية بيكند، والأبوين جرجيس وعازار كاهني قرية قوطميس، والأبوين عازر وهرمز كاهني سعرت، وسكرتير المطران الأب كبرئيل أدمو. جميعهم قتلوا بوحشية. كما وضعت السلطة المطران أدي شير تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية، بعد أن دفع رشوة لحاكم المدينة قدرها 500 باوند ذهبي بعد أن وعده بإبعاد القبائل الكردية المسلحة عن المدينة. وقد أرسل عثمان آغا الطنزي الرجل الشهم وهو صديق مقرب من المطران خمسة عشر من رجاله الأشداء، وحضروا إلى دار المطرانية ليلاً وأخرجوا المطران بعد تنكره بلباس كردي، وساروا به إلى قرية طنزي في جبال البوتان التي تبعد مسافة ستة ساعات سيراً على الأقدام، وهناك استقبله أحسن استقبال على أمل أن يسفره إلى الموصل للنجاة من مصير محتوم. وفي الصباح وما أن علمت السلطة بالأمر، حتى سيرت كتيبة من الجيش. وقبل وصولها إلى القرية أرسلت خبر للآغا تدعوه لتسليم المطران وألا قتل مع جميع أهل بيته ورجاله، لكنه رفض طلبهم قطعياً وأخذ عائلته وهرب تاركاً رجاله يحرسون المطران المخابئ في " ديري بسان "، قرب قرية دير شو[29]. وبعد قتال مرير كشفوا المخبأ وألقوا القبض على المطران، فعرضوا عليه الإسلام لقاء بقائه حياً، لكنه رفض طالباً منهم بضعة دقائق ليصلي فسمح له بذلك، وبعد أن انتهى من الصلاة أطلقوا النار عليه فاردوه قتيلاً، وقد رأيت بعيني خاتم المطران في إصبع أحد الضباط خلال تجواله في سعرت. كنت في بعض الأحيان أمر أمام كنيستنا الكبيرة التي حولت إلى إسطبل للحيوانات أشعر بحزن كبير وأجهش بالبكاء، وقد دنسوا مقبرتنا الكلدانية وقلعوا أحجار القبور وعبثوا بجثث الموتى. أينما أدرت وجهي رأيت مشاهد حية لقسوة المتزمتين، وكأن الجحيم فتحت أبوابها على أحيائنا الكلدانية. لقد رأيت بعيني كيف جمعوا الأطفال بين سن السادسة والخامسة عشر، وأخذوهم إلى قمة الجبل المعروف رأس الحجر، وهناك قطعوا رقابهم الواحد تلو الآخر، ورموا جثثهم في الوديان ".[30]
وفي مطرانية حلب الكلدانية وثيقة بخط الأب ( المطران ) صموئيل شوريز[31] تحت عنوان " أضواء جديدة على استشهاد المرحوم المطران أدي شير " مؤرخة في 23/ 3/ 1963 وهي شهادة للمدعو عبدو حنا بزر وهو من تولد ماردين سنة 1891. تحدث فيها عن مقتل المطران أدي شير نقلاً عن عثمان آغا الطنزي. وأنا شخصياً أتذكر العم عبدو وهو من طائفة الأرمن الكاثوليك قصير القامة يعتمر طربوش، وكان في مجالسه يتحدث دوماً عما شاهد أو سمع خلال المذابح، ولا أعلم هل ما كان يملكه من المعلومات قد وثق من قبل طائفته أو أهله. وقد وجدت من الضروري ذكر هذه الشهادة، كون العم عبدو بزر قد سمعها من فم عثمان آغا صديق المطران أدي شير. وهذا نص الشهادة: " في سنة 1916 ذهبت مع الجيش الألماني إلى قرية طنزي لأجل شراء مستلزمات لأجل صناعة الأكلاك. وهذه القرية تقع في جبال البوتان بين مدينتي الجزيرة وسعرت. وهناك التقيت عثمان آغا الذي قص عليّ ما جرى للمطران شير قائلاً: تعود صداقتي الحميمة مع المطران إلى سنة 1913عندما حكمت عليّ الحكومة العثمانية بالإعدام غيابياً، فذهبت إلى سعرت والتقيت المطران شارحاً له قضيتي. فاستقبلني أحسن استقبال ومضى بي إلى دير البواتري " الآباء الدومنيكان " وخبأني عندهم، وطلب منهم التوسط لدى القنصل الفرنسي في استنبول للحصول على عفو من الحكومة لي. وبالفعل نلت العفو بجهودهم. وفي سنة 1915 عندما بدأت المذابح بحق المسيحيين علمت أن المطران يعاني الكثير من المضايقات، فذهبت ليلاً مع ثلاثة من أخوتي إلى سعرت وهربنا المطران وجئنا به إلى قريتنا طنزي التي تبعد مسيرة 6 ساعات سيراً على الأقدام. ما أن وصلنا القرية حتى سألني المطران عن رعيته في القرية. فقلت له أنهم بخير وقد صعدوا إلى الجبال مختبئين داخل المغاير. فطلب مني أن أوصله عندهم، لكنني قلت له يجب أن أوصلك إلى الموصل حتى تنجو من الموت، لأن في منطقتي أعداء كثر لي وأخاف أن يعلموا الحكومة بوجودك عندي. فرفض المطران عرضي قائلاً: طالما أن أبنائي هنا فيجب عليّ أكون معهم في هذه المحنة، ومن المستحيل تركهم لأنجو بنفسي. وقد كررت عليه طلبي مراراً، لكنه رفضه رفضاً قاطعاً. وعليه أوصلته عند جماعته في الجبل. وبعد ثلاثة أيام طلبت مني الحكومة تسليم المطران المختبئ عندي، لكنني نكرت وجوده عندي قائلاً أنه هرب هو وجماعته ولا أدري إلى أين اتجهوا. وقد نلت الكثير من الويلات بسبب موقفي هذا، فهدمت ممتلكاتي وسلبت أموالي. وفي هذا الأثناء أرسل رسول محمد آغا وهو من ألذ أعدائي رجاله إلى الجبل للتأكد من مكان المطران وجماعته. وبعد أن عرف رسول آغا مكان وجود المطران، طلب من الحكومة أن تزوده بالجنود، فذهب إلى المكان المحدد وحاطه بالجنود ورجاله حتى القوا القبض على المطران. فاقتاد رسول آغا المطران إلى قرية تل ميشار التي تبعد مسيرة ساعة عن قرية طنزي، وهناك سلمه لضابط تركي. فطلب المطران من الضابط أن يمنحه بعض الوقت ليؤدي صلاة قصيرة، فسمح له الضابط بذلك. وبعد أن انتهى من صلاته سلمه الضابط لرسول آغا وطلب منه أن يقتله بطلقة نارية دون تعذيب. فاقتاده رسول إلى مغارة صغيرة شمال القرية وقتله هناك. ثم جاء رجال رسول واحرقوا جثة المطران شير. وأضاف عثمان آغا أن رسول آغا قتل كل كلدان قرية تل ميشار وعددهم 200 عائلة واستولى على جميع ممتلكاتهم، كما قتل كل المسيحيين الذين التجئوا إلى حمايتي. هذا ما نقله العم عبدو بزر عن عثمان آغا طنزي. ويختم شهادته قائلاً: لقد استطعت الذهاب إلى تل ميشار بعد سماعي الحدث من عثمان آغا، وصعدت إلى مكان مقتل المطران شير وشاهدت المغارة التي قتل فيها، وهي صغيرة وبالكاد تتسع لثلاثة أشخاص. ولا يزال رسول محمد آغا قاتل المطران حي يرزق، وقد هجر إلى سوريا وهو يعيش في قرية عين ديوار السورية المطلة على نهر دجلة في المثلث الحدودي السوري التركي العراقي ".
ويتحدث الأب بولس بيرو[32] عن استشهاد المطران شير بالقول: " سبق قبل أن تُسفر القافلة الأولى أن أوقف مار أدي شير، وعهد أمر حراسته إلى أحد أفراد شرطة سعرت، المدعو نور الله بن مولود. وبقي سيادته مسجوناً في قبو المركز الحكومي. وهناك لقي أصناف الإهانات، وعانى من الحرمان وجرد من ماله ومن مال الكنيسة، بعد أن هددوه بالقتل، حاول إنقاذه أحد آغوات طنزي المدعو عثمان آغا، رداً منه على المعروف الذي أسداه نحوه سيادته، وعلى الخدمات الجليلة التي قدمها له في مناسبات عدة، بالأخص لقاء ما أبداه سيادته من عطف نحو عائلة بدر خان أمير أكراد بوتان[33]. فما أن بلغ عثمان نبأ توقيف المطران أدي شير، حتى بادر إلى إنقاذه في الحال مخاطراً بحياته، فأرسل إلى سعرت 15 من رجاله الشجعان مدججين بالسلاح. فتوجهوا إلى منزل نور الله وانذروه وهددوه باسم الآغا عثمان، إن لم يسلم إليهم المطران أدي شير سالماً معافى، سينهبون قطعانه ويحرقون مزارعه. فرضخ للأمر الواقع، وفضل أن يسلم لهم المطران من أن يخسر قطعانه وزرعه. لذا أسلمه لهم، فهربوا به متسترين تحت جنح الليل، حتى بلغوا به قرية طنزي[34] مقر إقامة الآغا عثمان، الواقعة على بعد ست ساعات سيراً على الأقدام من سعرت، وهناك رحب به الآغا أحر ترحيب. إلا أن الشرطي نور الدين الموكول على حراسة المطران، تعرض إلى سخط رؤوسائه وعقابهم، رغم محاولته تبرئة ذاته بتبرير موقفه. وفي تزاحم تلك الأحداث اضطر عثمان آغا هو ورجاله إلى مغادرة القرية لرد هجوم قام به أعداؤه على ممتلكاته. ولحرصه الشديد على حياة المطران خبأه بكهف في هضبة " ديري بسان "[35]. إلا أن محمد أفندي أخ النائب عبد الرزاق، ذلك المشهود له بحقده على المسيحيين وتعطشه إلى دمائهم، أبلغ السلطات بهرب المطران واختفائه. فكلف الملازم الأول حمدي أفندي بقيادة كتيبة من الخيالة، ليتعقب أثار المطران الهارب. وفي ديري بسان اشتبك رجال الأمن العثماني مع حراس المطران، في معركة غير متكافئة لم يصمدوا فيها طويلاً أمام عدد وعدة المهاجمين، إذ حين نفذت ذخيرة الحراس لاذوا بالفرار تاركين المطران لقدره، فريسة بين أيدي مجرمين خلت قلوبهم من المشاعر الإنسانية. وحالما وجدوه أطلقوا عليه وابلاً من نيران بنادقهم فأردوه قتيلاً مضرجاً بدمائه. وهكذا فارق الحياة هذا المؤرخ الكبير والحبر الأثيل، الذي أدى خدمات جليلة لأمته والإنسانية. وتحية إجلال للأكراد هؤلاء وإن اشتهروا بالقسوة، إلا أنهم في هذا الموقف أبدوا شهامة ونبلاً. إذ عملوا جهدهم لحماية هذا الرجل العظيم. ولكن ما حيلتهم أمام العثمانيين المتفوقين عليهم عدداً وعدة، والمتفوقين أكثر في بربريتهم وهمجيتهم، إذ لم يتورعوا من قتل رجل من هذا الطراز الفريد. عزاؤنا أنه نال إكليل الشهادة، ويتمتع الآن بالسعادة الأبدية في الأخدار السماوية "[36].
ويتحدث الخور أسقف فيليبس شوريز عن استشهاد المطران شير بالقول: " لقد ألقي القبض على سيادة المطران أدي شير أواخر شهر أيار سنة 1915، وبعد أن دفع دية قدرها 500 ليرة عثمانية إلى المتصرف، لم يودع السجن إنما بقي تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية، تحت رقابة صديق بدر الدين مدير الشرطة. وفي إحدى الليالي أرسل عثمان آغا رجاله إلى دار المطرانية، وأنقذوا المطران بعد أن دلوه من فوق سور البناية متنكراً بزي كردي. وتوجهوا وإياه إلى منطقة البوتان، حيث التحق به وجهاء قرى صدخ وقطمس وحديد ومار كوريال. واحتموا بقرية طنزي اليزيدية الواقعة إلى شمال بلق. إلا أن حكومة سعرت سرعان ما عرفت بهرب المطران فلاحقته واكتشفت موقع اختبائه، فأرسلت في أثره مفارز من الدرك، فحاصروا القرية واحرقوها وقتلوا سكانها اليزيد والمسيحيين على حد سواء. وغافلهم المطران فهرب إلى الجبل محتمياً بعثمان آغا، وتحين فرصة ليتسلل إلى طريق جبلي متعرج، لعله يواصل سيره إلى الموصل برفقة شلة من رجال الآغا المسلحين. إلا أن الدرك هددوا الآغا بالقتل إن لم يدلهم على الطريق الذي سلكها المطران الهارب، فدلهم ولحق به الدرك المدججون بسلاحهم. وعلى سفح الجبل أدرك الحرس والمطران وفتحوا عليهم النار، وجرت مقابلة حامية الوطيس بين الطرفين. وعند نفاد ذخيرة حراس سيادته، ولوا الأدبار وتركوا المطران بيد الدرك، الذين ألقوا القبض عليه وقادوه إلى رئيسهم، الذي أمر برميه بالرصاص. فرجاهم المطران أن يمهلوه قليلاً ريثما يتهيأ للموت، عندئذ خلع لباسه الكردي وارتدى ثوبه الأسقفي ثم جثا على ركبتيه مصلياً. وبعد مضي عشر دقائق هب واقفاً ليقول لأولئك الرجال المصوبين إليه بنادقهم: ها أنا ذا مستعد للموت. وللحال أطلقت عليه خمس رصاصات اخترقت صدره، وهوى على أثرها صريعاً مضرجاً بدمائه الزكية، لتصعد روحه الطاهرة إلى باريها متوجة بإكليل الشهادة. وهذه الرواية قصها أحد الرجال الخمسة الذين أطلقوا النار على المطران أدي شير، بينما كان في حراسة مدير بنك الحكومة العثمانية وهو في طريقه إلى الموصل، ليلتحق هناك بمنصبه الجديد. وقد نقل عن المطران أدي شير قوله: أن الإمبراطورية العثمانية لن يطول حكمها أكثر من خمس سنين، ولعلها نبؤة، وقد تحققت فعلاً "[37].
وهناك شهادة للمدعو حنا جلو، والذي ينحدر من قرية ميدن القابعة في طور عبدين. نزح إلى سوريا وانضم إلى الجيش الفرنسي، وترقى إلى رتبة كرديموبيل لدى المستشار الفرنسي في منطقة عين ديوار، والواقعة في أقصى شمال شرق سوريا، على المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق عند نهر دجلة. وقد روى ما سمعه من الأخوين عكيد ورسول آغا وهذا نص الشهادة: " وصل إلى عين ديوار أخوان كرديان هما: عكيد آغا ورسول آغا أبناء إسماعيل آغا أحد زعيمي بلدة طنزي الكائنة في جبال البوتان جنوب شرقي تركيا، وذلك هرباً من سخط مصطفى كمال أتاتورك الذي أعدم المئات من زعماء الأكراد وآغاواتهم. وقد تعرفت عليهم، ومع الأيام توطدت العلاقة بيننا. فأخذ يرويان لي عن المجازر التي ارتكبوها بحق المسيحيين المسالمين في طنزي، وفي سياق الحديث ذكروا حادثة قتل المطران أدي شير، وكيف كانوا السبب المباشر في قتله. وقالا لي: يبدو أن الجريمة الفضيعة التي ارتكبناها بحق المسيحيين الأبرياء المسالمين، وخاصة بحق المطران أدي شير، هي التي تلاحقنا الآن. ويبدو أن الله ينتقم منا الآن جزاء ما اقترفناه بحق المسيحيين، فها أن ضميرنا يؤنبنا ويعذبنا ليل نهار. وأننا هاربون من ملاحقة مصطفى كمال زعيم تركيا، فقد كنا من زعماء الأكراد الأغنياء في منطقتنا، نملك الكثير، نأمر وننهي كما نشاء. أما اليوم فنحن مهاجرون وهاربون من وجه العدالة، ومطاردون لا نملك شيئاً. أما قصة مقتل المطران أدي شير فقد جرت على الشكل التالي: لما بدأت المجازر بحق المسيحيين وتم القضاء على معظمهم، فر المطران أدي شير من سعرت، وتوجه إلى قرية طنزي لدى صديقه عثمان آغا، ولما حل المطران ضيفاً على عثمان آغا، أراد عثمان الرجل الشهم أن ينقذ المطران من المصير الأسود الذي حل بالمسيحيين. وقد دافع عنه وأنزله في داره، مزمعاً أن ينقله سراً إلى مدينة الموصل. علماً أن تلك المنطقة كانت قد فرغت كلياً من الوجود المسيحي لأنهم ذبحوا جميعاً. وكانت العداوة شديدة بينه وبين إسماعيل آغا والد عكيد ورسول. وما أن علموا بوجود الضيف المسيحي لدى عدوهم عثمان آغا، في وقت كان يجب فيه أن يباد جميع المسيحيين كم نصت الأوامر السلطانية بذلك. ولما لم يكن بمقدور إسماعيل وولديه مجابهة عدوهم عثمان آغا، ويطلبوا منه أن يسلمهم ضيفه المسيحي ليقتلوه. فقد أسرع عكيد آغا في التوجه إلى سعرت، لإعلام السلطات هناك طالباً مساعدتهم. وقد استجابت السلطات له، وعاد ومعه مفرزة من الجيش النظامي بقيادة ضابط. وبوصول الجيش إلى طنزي توجهوا نحو بيت عثمان آغا، وأخذوا يضربون الرجال والنساء، يسألونهم عن مخبأ المطران، وكانت غرفة المطران في أعماق الدار. وما أن سمع المطران أصوات الجنود القادمين لقتله، وأصوات وصراخ الرجال والنساء من جراء الضرب والإهانات الموجه إليهم، حتى قام لفوره وخرج من غرفته ووقف وجهاً لوجه أمام الجنود قائلاً: أنا هو من تبحثون عنه، فلا تضربوا هؤلاء الأبرياء. أنني حاضر أمامكم فتفضلوا وافعلوا بي ما يطيب لكم. فألقى الجنود القبض عليه حالاً، وساقوه إلى دار رسول وعكيد آغا، حيث كان الضابط قائد المفرزة في المضافة منتظراً. وكان الضابط مثقفاً، وبعد محادثة قصيرة بالتركية أخذ يتحدثان بالفرنسية معاً. فقال له الضابط: لدينا أمر صريح بقتلك. فرد عليه المطران: أجل أني أعلم بذلك. فقال له الضابط: اعتنق الإسلام وستنجو، ولن يصيبك مكروه، بل لن يتجرأ أحد على مسك حينها. فرد عليه المطران وهو يضع يده على لحيته قائلاً: يا حضرة الضابط لا يليق بي أبداً أن أفعل ذلك، فإذا كان لديك أمر بقتلي فأنا حاضر للموت، ولا أستطيع أن أتخلى عن ديني وأعتنق الإسلام، فأهين نفسي وأحتقر ديني، وأخون جماعتي التي ائتمنتني. فأن مسؤول في طائفتي وديني، أرجو أن لا تطلب هذا مني. فقال له الضابط: إذاً استعد للموت. فرد عليه المطران: أنا حاضر يا حضرة الضابط. ولما كان الضابط لطيفاً في كلامه مع المطران، فقد أراد أن يقدم له هدية تقديرية، إذ كان يقتني في جيبه ساعة قيمة، فأخرجها وقدمها للضابط طالباً منه قبولها كهدية. فأخذها الضابط شاكراً. ثم قال له المطران: يا حضرة الضابط لدي طلب، أريد أن تقتلوني رمياً بالرصاص، لا أن تعذبوني وتقتلوني بالسيف والخنجر. فرد عليه الضابط بالإيجاب، واعداً بتحقيق طلبه. إلا أن الضابط بادره بالكلام ثانية قائلاً: يا حضرة المطران أنت رجل مسالم ومثقف، حرام قتلك. اسمع نصيحتي وأعلن إسلامك لتخلص. فأجابه المطران وقال: يا حضرة الضابط أني لا أستطيع أن أفعل ذلك أبداً، أرجو أن تنفذوا أمركم بقتلي، ولا تحاولوا أن تطلبوا مني ترك ديني ودخول الإسلام. أنا رجل دين لا يمكن أن أفعل هذا أبداً. فقال الضابط: إذاً لا يوجد حل آخر للموضوع. عندها طلب المطران من الضابط أن يسمح له أن يصلي صلاته الأخيرة، فأذن له بذلك. فأخرج المطران من جيبه كتيباً صغيراً وأخذ يصلي، وبعد أن انتهى وضع كتيب الصلاة تحت طرف البساط الذي كان جالساً عليه، ثم قال للضابط: أنا جاهز تفضلوا. ولما لم تفلح محاولات الضابط في حمل المطران على التخلي عن دينه المسيحي واعتناق الإسلام، أمر أحد جنوده وقال له: خذه بعيداً إلى تلك الشجرة وأعدمه هناك رمياً بالرصاص، دون أن تعذبه أبداً، وإن عذبته فسوف يحل غضبي عليك وأعاقبك. فأخذه العسكري إلى تحت تلك الشجرة، وبدأ في ضربه وتعذيبه وطعنه بخنجره، مخالفاً بذلك أوامر قائده، ومن ثم أطلق عليه الرصاص أخيراً فقتله. لقد أقسم كل من عكيد آغا ورسول آغا بأنهم شاهدوا بأم أعينهم مع سائر الآخرين، نوراً عجيباً نازلاً من السماء وحالاً على جثة المطران، وقد أخذ الأكراد في قرية طنزي يرددون بالقول: ذلك المسيحي الكافر قد نزلت عليه نار من السماء، وها هوذا يحترق في كفره. ويكمل عكيد ورسول بالقول: كأننا لم نصدق ما نرى ونشاهد، فانطلقنا بصحبة الضابط وتوجهنا حيث جثة المطران، ونحن ما زلنا نشاهد مبهورين ذاك النور الغريب نازلاً من السماء بشكل أشعاع متسربلاً جثته. وما أن بلغنا هناك حتى وجدنا أن النور قد اختفى، وليس هنالك أي أثر لنار أو حريق، كما أدعى الناس. ولما عاينا وضع الجثة وجدناها مطعونة بالخناجر، وآثار التعذيب والتنكيل بادية وواضحة عليها. فأدركنا بأن الجندي المكلف بالمهمة قد عذبه كثيراً قبل قتله. فصاح الضابط بذلك الجندي حانقاً: ألم آمرك بقتله رمياً بالرصاص دون أن تعذبه، وأنت عصيت أوامري، لذا لن تمتطي صهوة حصانك في عودتنا إلى سعرت، بل ستسير ماشياً طول مسافة الطريق وراء جوادي عقوبة لك. ويختم عكيد ورسول آغا بالقول: إن الوقت الذي قتل فيه المطران كان صيفاً، صادف فيه صوم المسيحيين. وكنا قد علمنا بذلك من المسيحيين الموجودين في قريتنا، أثناء قضائنا عليهم "[38]. ويختم صاحب الشهادة أن الصوم المذكور هو صوم الرسولين بطرس وبولص، والذي يبدأ في 26 حزيران ولمدة ثلاثة أيام قبل عيدهما الواقع في 29 حزيران، وعليه أنه أستشهد في 27 حزيران. مفنداً بذلك ما قاله العديد من المؤرخين أن المطران شير أستشهد في 17 حزيران.
وأنا شخصياً أعقب عليه بالقول بأنني أرجح تاريخ 17 حزيران كما أكده العديد من المؤرخين، علماً أن الصوم المذكور كان خمسة عشر يوماً في تلك الفترةحسب طقس كنيسة المشرق الكلدانية. وأضيف موضحاً أن عكيد آغا ورسول آغا المذكورين لم يسكنا في عين ديوار، بل مرا فيها خلال هروبهم من تركيا، وسكنا أولاً في قرية تل خنزير. وبعد أن اختلفا مع نايف باشا آغا عشيرة الكوجر رحلا إلى قرية زغاة قرب ديريك " المالكية " واستقروا فيها، بعد أن اشتروا أرض زراعية فيها. وبقي عكيد آغا وزوجته ابنة جميل جتو آغا منطقة غرزان وأبنائه ميجر وكنعان وعكيد في زغاة حتى يومنا هذا. أما زوجته الأخرى وأبنائها فقد عادوا مع أخاه رسول إلى طنزي بعد فترة. وهذه المعلومات مؤكدة لأنني أعرف ميجر ابن عكيد آغا شخصياً، وهذه المعلومات حصلت عليها منه بطريقة غير مباشرة، عندما كنا نتبادل أطراف الحديث خلال لقاءات جمعتنا مع بعض الأصدقاء في عدة مناسبات.
أما شهادة السيدة حلاته حنا وهي سيدة كلدانية من سعرت التقى بها الأب جوزيف نعيم في استنبول بعد المذابح، وقد حدثته عن مقتل المطران أدي شير والعديد من الكهنة: " كنت بين نساء سعرت اللواتي سقن إلى الذبح وعددهن حوالي الألف، وفي الطريق قتل عدد كبير من النساء، وعند عبورنا نهر خازر رمت بعضهن أطفالهن في مياه النهر من جراء إرهاقهن الشديد، وما أن وصلنا إلى قرية بيكند أخذونا إلى المكان الذي قتلوا فيه كلدان القرية لذبحنا هناك. وقد تمكنت من الهروب عن طريق راعي كردي من قرية بيكند كان يتردد إلى بيتنا في سعرت. وبعد أن عدت إلى سعرت عملت طباخة عند حاكم المدينة بيرام فهمي بك. سمعت أن مسلمي المدينة قرروا أن لا يبقى أي مسيحي فيها، كان دار المطرانية في سعرت قبل مقتل المطران قد أصبح ملجأ لكهنة كنائس القرى هرباً من المذابح الجارية في قراهم، وممن أعرفهم هم الآباء: الأب جورج كاهن قرية بركي، والأب حنا كاهن قرية صداغ، والأبوين موسى ويوسف كاهني قرية كيدوانس، والأب ميشيل كاهن دير مار يعقوب، والأب يوسف كاهن قرية بيكند، والأبوين جرجيس وعازار كاهني قرية قوطميس، والأبوين عازر وهرمز كاهني سعرت، وسكرتير المطران الأب كبرئيل أدمو. جميعهم قتلوا بوحشية. كما وضعت السلطة المطران أدي شير تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية، بعد أن دفع رشوة لحاكم المدينة قدرها 500 باوند ذهبي بعد أن وعده بإبعاد القبائل الكردية المسلحة عن المدينة. وقد أرسل عثمان آغا الطنزي الرجل الشهم وهو صديق مقرب من المطران خمسة عشر من رجاله الأشداء، وحضروا إلى دار المطرانية ليلاً وأخرجوا المطران بعد تنكره بلباس كردي، وساروا به إلى قرية طنزي في جبال البوتان التي تبعد مسافة ستة ساعات سيراً على الأقدام، وهناك استقبله أحسن استقبال على أمل أن يسفره إلى الموصل للنجاة من مصير محتوم. وفي الصباح وما أن علمت السلطة بالأمر، حتى سيرت كتيبة من الجيش. وقبل وصولها إلى القرية أرسلت خبر للآغا تدعوه لتسليم المطران وألا قتل مع جميع أهل بيته ورجاله، لكنه رفض طلبهم قطعياً وأخذ عائلته وهرب تاركاً رجاله يحرسون المطران المخابئ في " ديري بسان "، قرب قرية دير شو. وبعد قتال مرير كشفوا المخبأ وألقوا القبض على المطران، فعرضوا عليه الإسلام لقاء بقائه حياً، لكنه رفض طالباً منهم بضعة دقائق ليصلي فسمح له بذلك، وبعد أن انتهى من الصلاة أطلقوا النار عليه فاردوه قتيلاً، وقد رأيت بعيني خاتم المطران في إصبع أحد الضباط خلال تجواله في سعرت. كنت في بعض الأحيان أمر أمام كنيستنا الكبيرة التي حولت إلى إسطبل للحيوانات أشعر بحزن كبير وأجهش بالبكاء، وقد دنسوا مقبرتنا الكلدانية وقلعوا أحجار القبور وعبثوا بجثث الموتى. أينما أدرت وجهي رأيت مشاهد حية لقسوة المتزمتين، وكأن الجحيم فتحت أبوابها على أحيائنا الكلدانية. لقد رأيت بعيني كيف جمعوا الأطفال بين سن السادسة والخامسة عشر، وأخذوهم إلى قمة الجبل المعروف رأس الحجر، وهناك قطعوا رقابهم الواحد تلو الآخر، ورموا جثثهم في الوديان "[39].
وبتحدث الأخ إياسنت سيمون عن قصة استشهاد المطران شير بالقول: " من مواليد شقلاوة التابعة لأبرشية كركوك الكلدانية في الثالث من آذار 1867. ألتحق بالإكليريكية الكلدانية السريانية للآباء الدومينيكيين بالموصل عام 1879، وسيم كاهناً في الخامس عشر من آب 1889. يعتبر من أول الآباء وأول أسقف أنشأته تلك الإكليريكية. رسم مطراناً في الثلاثين من تشرين الثاني 1902 وانتقل إلى سعرت أبرشيته الجديدة، تسبقه إليها شهرته كرسول وعالم. وقد ساعد علم رئيس الأساقفة في الشؤون الشرقية، وتأثيره الشخصي وحظوته لدى السلطات في وضعه في المرتبة الأولى، هذا بالإضافة إلى أن ما أشيع عن ثروته الهائلة، جعله في الصف الأول بين الضحايا التي اختارها الموظف التركي. فاستدعي ظهر السادس من حزيران 1915 إلى قسم الشرطة، وحكي هناك بأمور غامضة، لكنه تمكن من ترك سعرت في الليلة نفسها متخفياً بزي كردي يرافقه صديقه عثمان آغا. لم يبعد كثيراً إذ وضع سعرٌ لرأسه، وكانت جميع معابر الجبل تحت الحراسة العسكرية. امتطى جواده طيلة الليل. وما إن بزغ الفجر حتى بقيت أمامه ثماني ساعات لاجتياز حدود أبرشيته، والاحتماء في ولاية الموصل. لكنه عندما وصل محلة دير شو التابعة لقائممقامية شرنخ[40] صادفته فرقة من العسكر التركي. فخاطبه الضابط قائلاً: مهلاً أيها الكردي. وبعد أن كشف هوية الهارب النبيل قال: أأنت رئيس أساقفة سعرت. فأجابه المطران قائلاً: أنا هو. ثم دار بينهم الحديث التالي:
الضابط: أوقفك هنا باسم الحكومة.
المطران: حسناً سأتوقف هنا.
الضابط: ستموت هنا باسم الحكومة.
المطران: حسناً سأموت هنا. ثم نزل من على صهوة جواده، ثم أردف قائلاً للضابط: أترك لي فقط خمس عشرة دقيقة من الحرية.
تصوروا ما كانت عليه تلك الدقائق من الحوار السامي بين روحٍ وباريها في حضور الجلادين والأبدية. لقد مرت في سرعة، وفي اللحظة الأخيرة أراد المطران أدي أن يموت كأسقف. فخلع عنه الثياب الزائفة، ووضع على جسده جبته الحمراء، وفي إصبعه خاتمه الأسقفي، ثم أمسك الصليب بيده، وانتصب في فخر قائلاً إلى الجنود: أنا جاهز أستطيع أن أموت. وصرعت رصاصات ثلاث الأسقف الشاب الجليل. وقد اعترف الجلادون بأنهم ما رأوا أبداً رجلاً يموت بهذا النبل. وشهادة على إعجابهم قاموا بحفر ضريح، وضعوا فيه جثة ضحيتهم. الشرف للمطران أدي فقد أكمل سلسلة الأساقفة الكاثوليك الثابتين في إيمانهم حتى الموت "[41].



أما الأب أسحق أرملة[42] فيتحدث عن استشهاد المطران شير بالقول: " أما السيد أدي شير النبيل، فأشار عليه عثمان آغا الدير شوي أن يرحل عن سعرت إلى دير شو. وما مر عليه أسبوع حتى شعر به علي نقيب الأشراف والقاضي، فجردا إليه العسكر. ولما أبصروه وثبوا عليه وأرادوه على الإسلام فأبى. فصوبوا نحوه البنادق ليقتلوه، فقال لهم: سألتكم بالله أن تمهلوني هنيهة.
فجثا وصلى، ثم لبس ثوبه وتقلد صليبه وركع وقال: لكم الحرية أن تفعلوا ما يعجبكم. فأوغلوا في تعذيبه، وفتكوا به. وعادوا بأمتعته إلى سعرت، وسلموها للقاضي وعلي نقيب الأشراف.
غير أن الله جلت أحكامه انتقم للحال من علي المزبور، ومن ابنه أيضاً، فقتلا كلاهما شر قتلة. وبعد مقتل المطران تشاغل الأعداء بعد ذلك بتوزيع أموال المسيحيين، واستحلال أرزاقهم ومساكنهم. فجعلوا كنيسة الكلدان الكبرى[43] جامعاً سموه الجامع الخليلي، تيمناً بخليل باشا رأس النحوس عندهم "[44].
وقد وضع العديد ممن عاصروا حدث استشهاد المطران أدي شير مقالات عن هذا المصاب الجلل، لا مجال لذكرها إذ تحتاج إلى بحث خاص.
أما جليلة أدمو والتي كان عمها منصور عضو في المجلس الإداري لمدينة سعرت، أنها من عائلة موسى كوركيس أدمو، هذه العائلة الكبيرة والمعروفة في المدينة، فقد روت ما جرى لعائلتها: " بعد أن علم عمي خواجة منصور أن أحداث كبيرة تنتظرنا، كان في بيتنا الكبير قبو سري له منفذ صغير، تجمع فيها أربعون رجلاً من العائلة واختبئوا فيه، وبقينا نحن النساء في باقي أرجاء البيت. حاصر بيتنا خمسين مسلحاً، وألقوا القبض على والدي وأخذوه بعد أن قتلوا عمي حنا. ثم نهبوا محتويات البيت وأصبحنا نفترش الأرض، ونأكل القليل مما نستطيع الحصول عليه. وكان كلما خرج أحد الرجال من المخبأ يقتلونه حتى قضوا عليهم جميعاً. أما أخي الأب كبرئيل فقد رفض طلب المطران أدي شير للهرب معه. أما النساء فتم سوقنا في قافلة كبيرة، وفي سيرنا تذكرنا أننا نسير بطريق الجلجلة، وقتل الكثير منا خلال الطريق. وقبل وصولنا إلى قرية الصْور القريبة من ماردين ضربوني ضرباً مبرحاً وتركوني، لأنهم حسبوا أنني قد فارقت الحياة. وبعد فترة رأيت رجل من القرية يهم في قتلي، وصرخت طلباً للرحمة فترأف في حالي ونقلني إلى بيته، وهناك اعتنت زوجته بتضميد جراحي. وبعد عشرة أيام أطلق سراحي فذهبت إلى ماردين ".[45]
وقد روى بطرس حنا وهو من كلدان سعرت للمطران إسرائيل أودو عن مقتل الخوري كبرئيل موسى كوركيس أدمو[46] الذي كان يشغل منصب سكرتير المطران أدي شير: " كان بيتي مقابل المطرانية، وعند هروب المطران رفض الأب كبرائيل الهروب معه وفضل البقاء في المطرانية، وقد ألقي القبض عليه وسيق إلى السجن، وهناك استمع إلى اعترافات أبناء رعيته خلال ثلاثة أيام، وكان يحثهم على الثبات والصمود على الإيمان القويم. وعندما عرض عليه الدخول في الإسلام رفض طلبهم، عندها جاءوا بأسياخ حديدية ووضعوها بالنار حتى الاحمرار، وكانوا يغرسونها في جسده حتى فاضت روحه الطاهرة. وكان يستنجد بيسوع ومريم حتى يتحمل هذه العذابات، طالباً الغفران لمعذبيه. أما ما جرى لأطفال المدينة المسيحيين فيعجز اللسان عن وصف الطريقة الوحشية التي استعملت في تصفيتهم، فبعد أن يتم تجميعهم كانوا يكسرون سيقانهم بالفؤوس ويتركوهم صرعا حتى يفارقوا الحياة، وكنا نسمع صراخهم وأنينهم الذي كان يصل إلى السماء ".[47]
ومن المعلوم أن الرهبنة الدومنيكية فقدت ستة من راهباتهن في سعرت هن: رئيسة الدير الأخت سوسن كاكا من الموصل. الأخت حانا يعقوب من سعرت. الأخت سيدي سعدو من سعرت. الأخت راجي كرندي من الموصل. الأخت وردة نصري من سعرت. الأخت راجي رفو من ماردين. الأخت وردة بولس. وقد قتلن بطرق متعددة منهن طعناً بالخناجر أو رجماً بالحجارة أو رمياً بالرصاص. أما الأخت وارينا عيسى من سعرت فسيقت مع قافلة من نساء سعرت، وعند مرورها بماردين استطاع المطران إسرائيل أودو فك أسرها وتحريرها والاعتناء بها. لقد اكتفينا بعرض هذه الشهادات لشهود عيان عاصروا الحدث المشئوم، ولدي الكثير مما سمعته من رجال ونساء من قرى هذه الأبرشية تحدثوا عن ما جرى هناك من فضائع تقشعر لها الأبدان. وخلاصة القول أن ما جرى من إبادة جماعية لمسيحيي سعرت وجوارها، سببه الحسد الدفين الذي يضمره سكان المدينة وعشائر الجوار للمسيحيين وكانوا يعاملونهم بإحتقار وخشونة.
وحتى لا ننسى أسماء المجرمين الذين ارتكبوا أفظع الجرائم بحق مسيحيي سعرت وجوارها، فرأينا أن نذكر أسمائهم حتى تبقى في ذاكرة الأجيال وأهمهم: حلمي بك حاكم سعرت، أنيس بك قائمقام المدينة، حامي بك مدير البلدية، حمدي بك قائد الشرطة، أمين بصري ضابط الجندرمة، علي أفندي ضابط، وهناك الكثير من شخصيات المدينة. ولا ننسى العشائر الكردية في جبال البوتان وفي منطقة غرزان الذين كانوا أشرس من وحوش الغابات المفترسة، لقد سطروا بأفعالهم الشنيعة صفحات سوداء في تاريخهم المشين، وبعكس عشائر الجزيرة العمرية الذين حافظ قسم منهم على المسيحيين في قراهم، أما هؤلاء فقد أفنوا المسيحيين عن بكرة أبيهم ولم يتركوا لهم أثر في تلك البقاع.
ولا ننسى أيضاً دور رجال الدين المسلمين في قرية تللو القريبة من سعرت شمالاً، هؤلاء الذين كانوا يتنقلون ليلاً نهاراً بين المدينة والقرى محرضين العشائر للفتك بالمسيحيين وإزهاق أرواحهم وهتك أعراضهم ونهب أموالهم وأرزاقهم، فهذا واجب ديني يجب أن يؤدوه حتى يستحقوا دخول الجنة، كما كانوا يبررون دعوتهم.
غادرنا سعرت متوجهين إلى مدينة حصن كيبا " حصن الصخرة "، هذه المدينة الأثرية الواقعة على ضفاف نهر دجلة، والمشيدة بيوتها على الجبل، ومنها القديم المنقور في بطون الصخور، وتحيط بالمدينة أراضي زراعية خصبة يرويها نهر دجلة. ومنذ بداية المسيحية كانت حصن كيبا مركز أسقفية تابعة لمطرابوليطية نصيبين المشرقية، وفي العصور المتأخرة فصلت عن نصيبين وأضحت كرسي مطرابوليطي يتبعها أسقفية أرزون، وهذا واضح من خلال وصف البطريرك مار عبد يشوع مارون وضع الأبرشيات المطرانية والأسقفية الخاضعة لرئاسته للبابا بيوس الرابع خلال مقابلته له في 15 أيار 1562 حيث يذكر حصن كيبا بين الأبرشيات المطرانية. ويتحدث المؤرخ الأيوبي عن حصن كيبا حين يمر فيه سنة 1353 مشيراً إلى بناء جامع فيها مكان كنيسة قديمة. ومنذ بداية القرن الثالث عشر وحتى القرن السابع عشر نجد حضوراً كثيفاً لأبناء كنيسة المشرق فيها. ومن خلال المصادر التاريخية نجد في سنة 1606 كنيسة للكلدان فيها مكرسة على اسم مار كيوركيس. وفي سنة 1553 رسم البطريرك سولاقا أسقفاً جديداً لها. وفي بداية القرن السابع عشر كان أسقفها جبرائيل بيث سلوخ[48] المعروف بـ جبرائيل أسقف حصن كيبا. " وفي سنة 1680 نجد فيها 5300 بيت، يخدمهم مطران يعاونه ثلاثة أساقفة وعدد كافي من الكهنة والشمامسة، ولهم كنائس عديدة في المدينة وخارجها، ولهم دير خارج الحصن يعرف بدير الصليب. ".[49]
لكن في زمن المذابح لا نجد حضور لأبناء كنيسة المشرق هناك، قد يكون السبب هجرة العائلات إلى مناطق أخرى، ومنها من تركت مذهبها بسبب الصراعات، وأخرى خرجت عن المسيحية بسبب المضايقات. ولدينا دليل على ذلك أسرة عبد الجليل الكلدانية[50] التي تنحدر من حصن كيبا، ويقال أنهم كان يدعون فيها ملوك، فبعد أن هجرت إلى الموصل اعتنقت الإسلام، وقد حكمت الموصل لعدة عقود، منهم الحاج حسين باشا حاكم الموصل في بداية القرن الثامن عشر، الذي ردع حملة طهماسب[51] الشهيرة على الموصل، وأمر بترميم الكنيستين المهدمتين في المدينة المعروفتين باسم الطاهرة، لأن مسلمي ومسيحيي الموصل نسبوا نصرهم على طهماسب إلى حماية العذراء الطاهرة. وعندما وافى الكبوشيون[52] الموصل سنة 1636 نجد آل عبد الجليل يعضدون هؤلاء الرهبان لثبات رسالتهم في المدينة. وعندما فتح الآباء الدومنيكان رسالتهم في الموصل سنة 1750 استقبلهم الجليلين بالترحاب، وأفسحوا المجال واسعاً أمامهم للعمل. ومن المعلوم أن آل عبد الجليل بعد أن وافوا الموصل جعلوا مقبرتهم في كنيسة مار شمعون الصفا الكلدانية بالموصل، ويجد من يزور هذه الكنسية اليوم تلك القبور.
وخلال مذابح السفر برلك كان في المدينة حوالي مئة عائلة من سريان أرثوذكس وأرمن وبروتستانت، وقد استدعى قائمقام البلدة أحمد منير العشائر الكردية وطلب منهم بالفتك بجميع المسيحيين، فسارع أمين شيخ أشكفتا مع رجاله إلى البلدة، وطلب فتح باب القلعة فأبى مسلمي البلدة ذلك، لكنه في النهاية أقنعهم، فدخل المدعو أمين مع رجاله فقتلوا جميع المسيحيين ونهبوا أموالهم وأمتعتهم، منهم من قتل بالسيوف وطعن الخناجر، ومنهم من ألقوا به من ذلك العلو الشاهق إلى أسفل حتى تكسرت عظامه وتهشمت ففارقوا الحياة، وبقي بعض النساء فألقين بأنفسهن إلى دجلة وغرقن، حتى لا يبقوا سبايا عند هؤلاء الأشرار.
ما أن وصلنا المدينة حتى تجولنا فيها لمشاهدة القسم القديم منها، والذي يعتبر تحفة أثرية نادرة. ويقف المرء متعجباً أمام ما يرى متسألاً كيف كان الناس يعيشون هنا، وما كانوا يعانون من صعوبات في التنقل داخلها. وفي السنين الأخيرة أجبرت الدولة السكان بترك بيوتها، والسكن في السهل المقابل، خوفاً على حياتهم من الإنهيارت الصخرية. وفي مدخل المدينة شاهدنا بقايا الجسر الروماني على نهر دجلة. وبعد أن انتهينا من التجوال في المدينة ذهبنا إلى شواطئ دجلة وجلسنا في إحدى المقاصف لنأخذ قسطاً من الراحة ونتمتع بمشاهد المدينة الرائعة، ثم عدنا إلى دير مار كبرئيل حيث تناولنا طعام العشاء وخلدنا إلى النوم بعد يوم طويل ومتعب.
الهوامش:















1_ الأب كوركيس آل بهلوان: ما نعرفه عنه من خلال مذكرات المطران إسرائيل أودو أنه يدعى كوركيس ابن يوسف عبد الأحد آل بهلوان أصله من استنبول. رسمه كاهناً في أواخر صيف 1910 وأرسله لخدمة كلدان مذيات وكفر جوز وهناك فتح مدرسة بناء على طلب المطران أودو وقد نالت شهرة حتى أن مسيحيي المدينة تهافتوا لتعليم أبنائهم فيها. وخلال المذابح هرب إلى قرية أنحل وبقي هناك سنتين متحملاً صعوبات كثيرة. ثم عاد إلى مذيات حتى ألقي القبض عليه في 22 آذار سنة 1918 ونقل إلى آمد. وبقي في السجن سبعة أشهر وبمساعي المطران سليمان صباغ أطلق سراحه، ثم عاد للخدمة في مذيات. في سنة 1919 نقل للخدمة في ماردين حتى سنة 1922 حيث علم المطران أودو بأن السلطات سوف تعتقله من جديد، فطلب منه مغادرة المدينة فهرب في ليلة 11 تشرين الأول 1922 إلى حلب. وبعد فترة سافر إلى أمريكا الجنوبية.
2_ القصارى في نكبات النصارى الأب إسحق أرملة ص 399 _ 400.

3_مار يوحنا نحلايا: مار يوحنا هو من تلاميذ مار إبراهيم الكشكري. غادر دير إيزلا الكبير بعد وفاة معلمه وانطلق صوب أرزون، واستقر قرب قرية بيكد جنوب غرب سعرت في مكان يدعى نحل، وأقام ديراً على أنقاض معبد للأوثان.

4_ مار يعقوب الحبيس: اقتبل الإسكيم الرهباني في جبل قردو قرب الجزيرة العمرية. انطلق إلى أرزون عند الأب حبيشا وشيد ديره على قمة جبل يطل على نهر البوهتان جنوب سعرت 8 كم. وتدل أطلاله على أنه كان في غابر الزمان أوسع بنياناً وأعظم شأناً. وقد قال عنه ياقوت الحموي: " دير احويشا دير عظيم فيه أربعمائة راهب يسكنون في قلالي، وحوله بساتين وجنائن، عامر بالأبنية الجميلة وكثرة الفواكه والخمور، ويحمل من الخمر الكثير إلى المدن المذكورة، وبقربه عين عظيمة تدير ثلاث أرحاء. وهذا العمر مقصود من كل موضع للتنزه فيه ".

5_ البطريرك عبد يشوع مارون: ولد في الجزيرة العمرية. ترهب في دير مار آحا ويوحنا القريب من المنصورية، وهناك رسم كاهناً. رسمه البطريرك سولاقا مطران على الجزيرة سنة 1554. بعد استشهاد البطريرك سولاقا سنة 1555 انتخب بطريركاً خلفاً له. نقل كرسيه من آمد إلى دير مار يعقوب الحبيس قرب سعرت. توفي سنة 1567 ودفن في الدير المذكور.

6_ البطريرك يبالاها الرابع: كان راهباً في دير مار آحا ويوحنا. رسمه البطريرك عبد يشوع الرابع مارون مطراناً على الجزيرة. دبر البطريركية مدة 11 سنة نائباً بطريركياً بسبب الصعوبات بعقد مجمع لانتخاب خلف للبطريرك عبديشوع مارون. سنة 1578 انتخب بطريركاً خلفاً للبطريرك مارون وكان طاعناً بالسن. توفي سنة 1580 ودفن في دير مار يعقوب الحبيس.

7_ البطريرك شمعون الثامن دنحا: كان مطران سعرت وجيلو وسلاماس حين انضم إلى الكنيسة الكاثوليكية. سنة 1580 انتخب بطريركاً خلفاً للبطريرك يبالاها. نقل كرسيه من دير مار يعقوب الحبيس إلى دير مار يوحنا قرب سلاماس. توفي سنة 1600 ودفن في دير مار يوحنا.

8_ تقويم قديم للكنيسة النسطورية الكلدانية الخوري ( المطران ) بطرس عزيز ص 14.

9_ الرهبنة الدومنيكية: أسسها القديس عبد الأحد " دومنيك " في بداية القرن الثالث عشر. أراد مؤسسها أن تكون أداة رسولية لإعلان الإنجيل في العالم كله. سنة 1217 أصدر البابا براءة رسولية تعترف بتسميتها وقوانينها.

10_ المطران بطرس برتتر: ولد في خسراوه سنة 1809. درس في مجمع انتشار الإيمان في روما. رسم كاهناً سنة 1836. رسمه مطراناً على سعرت البطريرك يوسف السادس أودو سنة 1858. استقال سنة 1884. توفي في قرية بيروز سنة 1885 ودفن في دير مار يعقوب الحبيس.

11_ المطران ميخائيل كتولا: ولد في تلكيف سنة 1792. دخل الرهبنة الهرمزدية الأنطونية. رسمه البطريرك يوسف الخامس مطراناً على سعرت سنة 1826 وتمت الرسامة في سعرت. توفي سنة 1855.

12_ مار شليطا: أصله من بلاد مصر من أبوين وثنيين، وبعد أن درس الفلسفة هجر إلى الإسكندرية وتتلمذ للقديس أثناسيوس، ثم ذهب إلى دير فاخوميوس ولبس الزي الرهباني، ثم خرج من الدير وتوغل في القفر وعاش في مغارة مدة عشر سنوات وكان طعامه حشائش البرية. بعدها جاء إلى المشرق وتتلمذا لمار أوجين، وبعد فترة انطلق إلى بلاد بازبدي إلى جبل شبا قرب فنك وعاش في كهف ممارساً أعمال الفضيلة. مات ودفن في ذلك الكهف، وقد شيد ديراً فوق الكهف دعي باسمه.

13_تقويم قديم للكنيسة الكلدانية النسطورية الخوري ( المطران ) بطرس عزيز ص 14.

14_الخوري توما بجاري: كلداني من أبرشية سعرت. درس في معهد مار يوحنا الحبيب للآباء الدومنيكان بالموصل. رسم كاهناً سنة 1896. في سنة 1909 عين وكيلاً بطريركياً لدى دار السلطنة العثماني في اسطنبول، وعاش فترة مذابح السفر برلك فيها، توفي فيها سنة 1920 حيث سحق بين سيارتين في أحد شوارع المدينة، ولم تعرف أسباب الحادث.

15_ المسيحيون بين أنياب الوحوش مذكرات الأب جاك ريتوري القسم الثاني ملحق وضعه جوزيف اليشوران ص 421.

16_ وادي زرياب: وادي سحيق يقع إلى الشمال من مدينة سعرت مسافة ساعة سيراً على الأقدام، أضحى مقبرة للشهداء المسيحيين.

17_ المسيحيون بين أنياب الوحوش مذكرات الأب جاك ريتوري القسم الثاني ملحق وضعه جوزيف اليشوران ص 412.

18_ أرتون: هي إحدى القرى الكلدانية التابعة لأبرشية سعرت،واسمها مختصر من كلمتي اوقا يربغ " أرعا توْون " وتعني بالكلدانية " أرض ثانية "، وباعتقادي أنها دعيت بهذا الاسم بسبب موقعها الجميل وطبيعتها الخلابة. ويطلق عليها الأكراد " أرثفنا " أو " هرتبنا "، أما اليوم فيطلق عليها الأتراك " أكين دوز "، وهي مسقط رأس آبائي وأجدادي. تقع على جبال البوتان جنوب شرق سعرت. والقرية تقسم إلى قسمين: الأول أرتون السفلى وتقع عند سفح الجبل، يسكنها 500 نسمة ولهم فيها مصلى. والثاني أرتون العليا في قمة الجبل يسكنها 1000 نسمة، ولهم فيها كنيسة على اسم مار هوشع ومدرسة وكاهن يخدم النفوس، وهذه الإحصائية تعود إلى بداية القرن العشرين قبيل مذابح السفر برتك. وتشتهر القرية بأشجارها المثمرة وعيون المياه المالحة. وهذه العيون تستثمرها اليوم الدولة التركية لجودة الملح المستخرج منها. وكانت هذه العيون في أرتون العليا ملكاً لوالد جدتي أم والدتي المدعو بحو شنكو " عبد الأحد "، وكان ابنه المدعو جندي عضواً في المجلس الإداري لقائمقامية سعرت. علماً أن جد والدي المدعو مندو ابن القس همو " هرمز " ينحدر أيضاً من أرتون العليا، وكان هرمز كاهن القرية زمن المذابح، وقد استشهد مع جميع أفراد العائلة والبالغ عددهم أكثر من مئة نسمة، ولم يفلت منهم سوى جدي المدعو نوري الذي كان يبلغ من العمر خمسة سنوات، حيث هرب إلى زاخو ومنها إلى سوريا. وكانت عائلتنا تملك مساحات كبيرة من أراضي القرية منها كرم واسع كانوا يدعونه " شيتيكا " وضمنه عين ماء تدعى " أوزم ". أما جد أمي مقسي حنا فينحدر من أرتون السفلى. وفي حوادث السفر برلك قام آغا المنطقة المدعو عزالدين ورجاله بقتل أغلب مسيحيي القرية في مرتفع يطل على القرية يدعى " هلكوري ". وهرب المتبقين إلى العراق وسكنوا في قرية بندوايا قرب ألقوش، ومنها تفرقوا في مدن العراق، ومنهم من هجر إلى سوريا. تلك هي صورة وجيزة عن كل ما أعرفه عن عائلتي وقريتي، ومنذ نعومة أظفاري كنت متعطشاً لسد فراغات ما لا أعرف عن موطن أجدادي، وأتعلق شغوفاً بكل صورة أو قصاصة ورق أو لقاء مع متقدماً بالسن ليخبرني بالمزيد عن ما يروي عطشي. وأذكر هنا ما سمعته من جدتي أم والدتي عن بعض عادات وتقاليد القرية، منها أكلة عيد القيامة التي تدعى " كودص " بْردي ، فبعد أن يصوموا خمسين يوماً كانوا يذبحون خروف في عصر سبت النور، وبعد سلخه وتفريغه من أحشاءه كانوا يأتون بغصن من شجر الرمان ويدخلوا فيه الخروف كاملاً، ويوقد التنور بأغصان شجر يدعى " جظر " جْلو ، علماً أن أغصان هذه الشجر الغير مثمر كانت تقطع في الصيف وتنقل إلى البيوت، وفي الشتاء كانت أوراقه تعطى كعلف للحيوانات وتبقى الأغصان لتستعمل للحرق في التنور عند الحاجة. وبعد أن يتحول النار إلى جمر يضعوا الخروف الموضوع في الغصن واقفاً في التنور ويغلقوا باب التنور بإحكام. وفي صباح عيد القيامة يذهبون لحضور القداس، وبعد انتهاء الصلاة يعودون إلى بيوتهم ليفتحوا باب التنور ويخرجوا الخروف المشوي ليفطروا بعد صيام خمسين يوم. أما في عيد الصعود فبعد أن يفطروا " رز بحليب " يخرجوا إلى البساتين ويصنعوا مراجيح تحت الأشجار ويتمرجحوا بها، معتقدين أن خطاياهم تخرج منهم في هذا اليوم، لأن باب السماء مفتوحة حيث صعد يسوع إلى السماء.

19_ المطران توما رشو: هو ابن القس رشو، كان مطران آثيل الواقعة في جبال البوتان قرب سعرت. انضم إلى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1906. وقد انضم معه ثلاثة من كهنته هم: يوسف وهاردو واسطبانوس وعدد كبير من أبناء الأبرشية.

20_ عضيبغريا " مكتبنوثا " " تأريخ " مخطوط للمطران إسرائيل أودو ص 105.

21_ عبوش: من أكبر العائلات الكلدانية في سعرت، كانت تعمل في مجال التجارة وتربية الأغنام، كان لها مكانة مرموقة بين سكان المدينة وجوارها، ومن مشاهير رجالها فرج الله أفندي عبوش الذي نال من السلطان عبد الحميد وساماً عثمانياً من الرتبة الثالثة وذلك سنة 1902.

22_ المسيحيون بين أنياب الوحوش مذكرات الأب جاك ريتوري القسم الثاني ملحق وضعه جوزيف اليشوران ص 397_ 398.

23_ الجثا: كلمة تركية تعني قطاع الطرق. وهي نوع من قوات الأمن الغير نظامية بشكل ميليشيات، شكلت من أنصار حزب الإتحاد والترقي. وقد ارتكبت هذه الزمرة أبشع المجازر بحق المسيحيين.

24_المسيحيون بين أنياب الوحوش مذكرات الأب جاك ريتوري القسم الثاني ملحق وضعه جوزيف اليشوران ص 402.

25_ الخوري ميخائيل شعيا: ولد في الموصل سنة 1866. دخل المعهد الكهنوتي البطريركي سنة 1885. رسم كاهناً سنة 1889 وخدم النفوس في الموصل وبغداد حتى سنة 1900 حيث عين مديراً للمعهد الكهنوتي البطريركي. سنة 1902 رسمه البطريرك عمانوئيل خورأسقفاً وعينه وكيلاً بطريركياً في بغداد. سنة 1910 نقل إلى حلب فخدم رعيتها بمحبة وإخلاص حتى وفاته هناك سنة 1956.

26_هل ستفنى هذه الأمة الأب جوزيف نعيم ص 105_ 106.

27_ الأب جوزيف نعيّم: كلداني من مدينة الرها " أورفا " ولد فيها سنة 1888. درس في معهد شمعون الصفا الكهنوتي البطريركي بالموصل. رسم كاهناً سنة 1910. خدم النفوس في الرها، وبعد استشهاد والده خلال المذابح سنة 1915 هرب مع أمه وأخوته إلى حلب. كلفه البطريرك يوسف عمانوئيل خدمة نفوس أسرى الحلفاء في معسكر أفيون بتركيا. وخلال خدمته ألقي القبض عليه وسجن مدة 130 يوماً ذاق خلالها أقسى أنواع العذابات. وقد بذل كل من الوجيهان الكلدانيان داود بك اليوسفاني العضو في مجلس المبعوثان " مجلس النواب " في اسطنبول، ولطيف بك طبيب عضو مجلس محكمة الاستئناف في اسطنبول، والمبعوث الرسولي رئيس الأساقفة دولسي، جهوداً مضنية أدت إلى إطلاق سراحه.

28_ المطران أدي شير: ولد في شقلاوة سنة 1867. درس في معهد مار يوحنا الحبيب للآباء الدومنيكان بالموصل. رسم كاهناً سنة 1889. خدم في كركوك أميناً لسر مطرانها مار جبرائيل أدمو. رسمه البطريرك يوسف عمانوئيل مطراناً على سعرت سنة 1902. خدم أبرشيته المترامية الأطراف بغيرة رسولية، فشيد الكنائس والمدارس في القرى، وعلم وهذب إلى جانب مسؤولياته الجسيمة. أغنى كنيسة المشرق بمؤلفاته الثمينة، حتى ليعجب المرء من غزارة ما أنتجه خلال حياته القصيرة. تكلل شهيداً للإيمان في 15/6/1915.

29_ دير شو: دصوا ىبًقا " دير السبعة " قرية في جبال البوتان جنوب شرق سعرت على مسافة يومين سيراً على الأقدام، كانت من القرى الكلدانية التابعة لأبرشية سعرت، لكنها فرغت منهم قبل المذابح بسبب معاناتهم المستمرة من الأكراد.

30_ هل ستفنى هذه الأمة الأب جوزيف نعيم ص 95_ 102.

31_الأب ( المطران ) صموئيل شوريز: ولد في قرية تللسقف سنة 1917 من عائلة شوريز السعرتية العريقة. دخل الرهبنة الأنطونية الهرمزدية سنة 1931. لبس الإسكيم الرهباني باسم إيشوعياب ونذر النذور المؤبدة سنة 1936. نال علومه الدينية في معهد الآباء الدومنيكان بالموصل. رسم كاهناً سنة 1951. عين وكيلاً عاماً على الرهبنة الهرمزدية سنة 1958. عين لخدمة رعية القامشلي سنة 1960 فخدمها مدة 12 سنة حتى انتخب مطراناً لأبرشية الأهواز سنة 1972 ونال السيامة بوضع يد البطريرك بولس شيخو، وتمت السيامة في كاتدرائية أم الأحزان في بغداد. نقل لرئاسة أبرشية أورمية سنة 1974. فخدم أبرشيته حتى وافته المنية في روما سنة 1981. ونقل جثمانه إلى دير السيدة قرب ألقوش ودفن هناك.

32_ الأب بولس بيرو: كلداني من أبرشية سعرت. درس في إكليريكية سان لويس للآباء الكبوشيين في اسطنبول. رسم كاهناً سنة 1912. عين معلماً في المعهد الكهنوتي البطريركي بالموصل. عين نائباً بطريركياً للكلدان في القاهرة، ثم في الإسكندرية التي توفي فيها سنة 1951

33_ آل بدرخان: هم أمراء أكراد البوتان. يعتبر بدرخان سليل عائلة عزيزان وتعرف أيضاً بالعزيزية نسبة إلى عبد العزيز بن سلمان بن خالد الوليد الصحابي الشهير. أسس بدرخان إمارة بوتان سنة 1812، واستطاع استقطاب أمراء العشائر الكردية في بلاد وان وهكاري وخيزان وموش. أنشأ معملاً للذخيرة والبنادق في مدينة الجزيرة العمرية. سنة 1842 سك نقود باسمه ووسع دائرة حكمه إلى مناطق وان وسايلاخ وروانذوز والموصل. واستولى على ويران شهر وسعرت وسنجار وسيورك وأشنه وأورمية، ووصل سلطانه إلى قلعة ديار بكر. سنة 1848 حشدت الحكومة العثمانية قوة عسكرية كبيرة لكسر شوكة بدرخان، وبعد معركة حامية اضطر بدرخان ورجاله إلى إخلاء مدينة الجزيرة، وألتجئ مع رجاله إلى قلعة أروخ. وبعد أن حوصر هناك ثمانية أشهر نفذت خلالها المؤن والذخيرة انكسر جيشه وقبض عليه وعلى أثنين من أولاده وسيقوا إلى استنبول. سنة 1879 هرب نجليه عثمان وحسين كنعان من استنبول إلى الجزيرة العمرية، وهناك أعلنا استقلال إمارة بوتان، وتوج عثمان أميراً عليها. سنة 1889 تم القضاء على حركة بدرخان بشكل نهائي. وبعد فشل حركة بدرخان بقي لرجالها المكانة المرموقة والكلمة المسموعة بين العشائر الكردية في منطقة البوتان.

34_ طنزي: اعتقد أنها تنحدر من الكلمة الكلدانية شغصزا " طنيزا " وتعني مشدود أو مربوط.

35_ ديري بسان: اعتقد أنها تنحدر من الجملة الكلدانية دصوا بفصا" ديرا بسيا"دير النبذ.

36_ المسيحيون بين أنياب الوحوش: مذكرات الأب جاك ريتوري الدومنيكي ترجمة جوزيف اليشوران ص 367 _ 370.

37_ المسيحيون بين أنياب الوحوش مذكرات الأب جاك ريتوري الدومنيكي ترجمة جوزيف اليشوران ص 400 _ 401.

38_ مجلة آرام: مقال لأسعد صوما العدد 6 سنة 1936 ص 48 _ 50.

39_ هل ستفنى هذه الأمة: تأليف الأب جوزيف نعيم ص 95_ 102.

40_ شرنخ: من الكلمة الكلدانيةىوغن " شرنق " وتعني شرنقة " شرنقة دودة القز "، والتي يبدو من خلال تسميتها أنها كانت غنية بتربية دودة القز. موقعها في جبل بوتان، على بعد 40 كم إلى الشمال الشرقي من الجزيرة العمرية. وهي اليوم مركز ولاية.

41_ ماردين المدينة البطلة: تأليف الأخ إياسنت سيمون مخطوطة موجودة في مكتبة دير الشرفة لبنان ترجمة ناجي نعمان دار نعمان للثقافة جونيه لبنان ص 131_ 133.

42_ الأب أسحق أرملة: ولد في ماردين سنة 1879. دخل دير الشرفة لبنان سنة 1895. رسم كاهناً سنة 1903. عاد إلى ماردين سنة 1912 حيث تولى تعليم الرهبان الأفراميين. سيقى إلى السجن خلال مذابح السفر برلك، وأطلق سراحه بعد ثلاثة أيام. عاد إلى الشرفة حيث اتخذه البطريرك جبرائيل تبوني كاتباً لأسراره، ومكث في خدمته 3 سنوات. رسم خور أسقفاً سنة 1930. توفي في بيروت سنة 1954 ودفن فيها. ألف خمسين كتاباً، طبع منها أربعين. والعشرة الباقية لم يتيسر له طبعها. له العديد من المقالات. وقد خط بيده 35 كتاباً.

43_ كنيسة الكلدان الكبرى: هي كاتدرائية العائلة المقدسة، تقع في الحي الكلداني في سعرت، والمعروف بحي عين صليب. شيدها البطريرك عمانوئيل توما سنة 1895 عندما كان مطراناً لأبرشية سعرت. بعد المذابح حولت إلى جامع أطلق عليه الجامع الخليلي. ويبدو أن البناء قد هدم وحول أرضه إلى مقبرة، تدعى إلى يومنا هذا بمقبرة الخليلي. وقد زرت موقع الكاتدرائية في منتصف حزيران سنة 2006 برفقة المطران أنطوان أودو وكهنة الأبرشية.

44_ القصارى في نكبات النصارى: تأليف الأب أسحق أرملة ص 389.

45_ هل ستفنى هذه الأمة الأب جوزيف نعيم ص 82_ 94.

46_ يراودني الشك في رسالة الأب فيليب شوريز عن مقتل الأب جبرائيل عبوش، لأنه حسب معلوماتي من مصادر ومراجع عديدة أطلعت عليها كان سكرتير المطران أدي شير هو الأب كبرئيل أدمو، ويذكر اسمه في مصادر أخرى جبرائيل أدمو، علماً أن كبرئيل وجبرائيل هما بمعنى واحد. ولدي مرجع فيه صورة شمسية للأب المذكور كتب تحتها الأب جبرائيل أدمو سكرتير المطران أدي شير. وحسب اعتقادي أن الأب شوريز وهو من أبناء سعرت لا يفوته هذا الخطأ، ويمكن أنه ذكر في رسالته المذكورة إلى الأب الدومنيكي كوفروا اسم الأب جبرائيل سكرتير المطران أدي شير، بدون أن يذكر كنيته، بسبب معرفة الأب كوفروا للأب جبرائيل. وقد اجتهد من استشهد برسالته على إضافة نسبة عبوش إلى اسم الأب جبرائيل، لما كان لهذه الأسرة النبيلة من رجال مشهورين في سعرت. وإذا دققنا في رسالة الأب شوريز وشهادة السيد بطرس حنا من أهالي سعرت نجد وصف الحادثين متطابقين بمضمونيهما تماماً، وعليه أرجح شهادة السيد بطرس أن الأب المذكور هو كبرئيل أو جبرائيل أدمو. لأن السيد بطرس يذكر اسم الأب المذكور مفصلاً: " كبرئيل موسى جورج أدمو ". وهو متطابق مع قول السيدة جليلة أدمو عندما تتحدث عن أخيها سكرتير المطران أدي شير " الأب كبرئيل موسى كوركيس أدمو ". علماً أن اسم كوركيس وجورج هما بمعنى واحد. وكان لهذه العائلة العديد من الشخصيات منهم منصور أفندي أدمو الذي كان عضواً في المجلس الإداري لمدينة سعرت، وقد نال من السلطان عبد الحميد وساماً عثمانياً من رتبة مجيدي درجة ثالثة وذلك سنة 1902. أما قريبه منصور موسى كوركيس أدمو فكان هو أيضاً يحمل وساماً عثمانياً من رتبة مجيدي درجة ثالثة.

47_ عضيبغريا " مكتبنوثا " " تأريخ " مخطوط للمطران إسرائيل أودو ص 99 _ 100
48_ المطران جبرائيل بيث سلوخ: ولد في كرخ سلوخ " كركوك " سنة 1570. ترهب في دير مار أوجين. أقيم أسقفاً على حصن كيبا. زار روما وهناك كتب قصيدتين بالكلدانية في مدح البابا بولس الخامس. وضع قصائد وأنشودات خشوعية وصلوات تبريك الشهر موجودة في طقس المشارقة. توفي سنة 1620.

49_ تقويم قديم للكنيسة الكلدانية النسطورية الخوري ( المطران ) بطرس عزيز ص 15.

50_ أسرة عبد الجليل: عميد الأسرة هو عبد الجليل بن عبد الملك، كان يمارس التجارة بين ديار بكر والموصل. استقر نهائياً في الموصل وتوفي فيها سنة 1681. ومن هذه الأسرة حكم الموصل 33 حاكماً عرفوا بآل الجليلي، واستمر حكمهم قرناً ونيف وذلك من سنة 1721 وحتى سنة 1834. وقد اشتهر رجالها بالنجابة والشجاعة والهمة العالية والعدل بين الناس. وشيدوا في الموصل العديد من الكنائس والجوامع والمدارس.

51_ طهماسب: حاكم بلاد العجم ويعرف أيضاً بـ كولي خان أو نادر شاه. شن سنة 1743 حملة عشواء على المنطقة، فبعد أن دمر قرى الموصل حاصر المدينة بجيشه البالغ 300000 جندي. لكن حاكم الموصل الحاج حسين باشا الجليلي جهز الأهالي بالسلاح والمؤن، فقاوموا ببسالة قواته الغازية، حتى تقهقرت ورجعت على أعقابها.

52_ الرهبنة الكبوشية: هي فرع من الرهبنة الفرنسيسكانية التي أسسها القديس فرنسيس الأسيزي سنة 1210. تأسست الرهبنة الكبوشية سنة 1528، وبسبب وضع رهبانها غطاء بشكل قبعة على رؤوسهم تعرف باللغة الإيطالية كبوجيو أطلق عليها هذا الاسم.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-09-2007, 06:33 PM
الياس زاديكه الياس زاديكه غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 14,102
افتراضي

تشكر أستاذ نوري على هذه الرحل الشيقة والرائعه عن حج إلى أبرشيات كنيسة المشرق المنسية ..
لكنني أرى بأنه كان من الأفضل نقلها إلينا على دفعات كمسلسل يومي كي لايمل القارئ من قرائتها لأن فعلا هذه الرحل تستحق القراءة لكنها طويلة وكما تعرف سيادتك بأن من يدخل المنتديات ليقرء يريد أن يقرء عدة مواضيع وليس موضوعا واحدا فقط ولكي يستوعب الرحلة بصورة أوضح وأجمل ..
أرجو تقبل فكرتي بصدر رحب أستاذنا نوري المحترم

تقديري ومحبتي
ألياس
__________________
www.kissastyle.de
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-09-2007, 07:25 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,743
افتراضي

تشكر يا شاموشو نوري فقد أتحفتنا من جديد بهذه الرائعة التاريخية فيما جاد به قلمك من مآسي شعبنا في الماضي و الذي يماثله الحاضر في الكثير من ظروفه و مواقفه و أحواله. عاشت أمتنا السّريانية و ليمت المجرمون و جزّارو التاريخ فيما ارتكبوه من مجازر بحق شعبنا المسيحي الآمن و المسالم. بطاقة شكر و محبة لك على هذا الجهد الكبير.
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 15-09-2007 الساعة 06:55 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-09-2007, 12:30 PM
نوري إيشوع مندو نوري إيشوع مندو غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 96
افتراضي الأخ الياس زاديكه المحترم

الأخ الياس زاديكه المحترم
سلام بالمسيح يسوع وبعد
مما لا شك فيه أن المقال مطول نسبياً، لكنني رأيت من المناسب أن أنشر رحلة كل يوم دفعة واحدة حتى يستمتع المشاهد ويستفيد من الموضوع أفضل من نشره على دفعات وتكون المعلومات والأفكار متقطعة. على كل حال أتمنى من المتتبعين أن يتحملوني قليلاً شاكراً محبتهم.
محبكم الشماس نوري إيشوع مندو
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:15 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke