Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-12-2005, 06:20 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,879
افتراضي "حط بالخرج" * يوسف السيَّد أحمد

"بولادنا ولا ببلادنا"

"حط بالخرج" من أين جاءت هذه الأمثال؟

"سلام الراسي" يأتي بالمثل والقصة.

إعداد: يوسف السيَّد أحمد
المثل الأول: "بولادنا ولا ببلادنا"، تعني أن بعض الشعوب تضحي بحياة أولادها ولا تقبل بالمساومة على بلادها، والتفريط بذرة تراب منها بدافع الوطنية والتربية الصحيحة. فما قصة هذا المثل؟ ومن أين جاء؟ ومن قال هذا القول الحكيم؟

يقول شيخ المأثور الشعبي في جنوب بلاد الشام الأديب سلام الراسي أن لهذا المثل قصة تكاد تكون معروفة، ولها جذور تاريخية واضحة. فإنَّ الأمير بشير الشهابي الثاني المعروف بقوته وحزمه، كان قد عقد معاهدة صداقة مع والي مصر محمد علي باشا، وكان يرسل سنوياً، بموجبها عدداً من الطلاب اللبنانيين،ومن بينهم شبان من الطائفة الدرزية، لتلقي العلم في جامعات مصر.

وحين غزا إبراهيم باشا، ابن محمد علي باشا،بلادنا، وقف الدروز في جانب الدولة العثمانية وحاربوا إبراهيم باشا بشدة، وذلك بسبب خلافهم يومها مع الأمير بشير. إلا أنهم شعروا بتخاذل العثمانيين أمام إبراهيم باشا،فأرادوا أن يتداركوا الموقف حفاظاً على كرامتهم، فأرسلوا وفداً من زعمائهم إلى مصر بغية مفاوضة محمد علي باشا.

وبعد التفاهم معه طلبوا منه أن يساعدهم في العثور على عدد من الطلاب اللبنانيين انقطعت أخبارهم وهم في مصر، إثرَ غزوة إبراهيم باشا للبنان، فقال محمد علي باشا: "ما دام أولادكم عندنا فكيف تجاسرتم على محاربة ولدنا إبراهيم؟" فقالوا نحن الدروز من تقاليدنا أن نقول في مثل هذا الموقف: "بولادنا ولا ببلادنا".

فليس من المفروض أن يُنسب هذا الشعار إلى رجل واحد من أعضاء ذلك الوفد الذي تألف من أكابر زعماء الدروز في ذلك الزمان، وهم: نعمان جنبلاط وأحمد جنبلاط وناصيف نكد وخطار العماد ويوسف عبد الملك وحسين تلحوق وفارس العيد وحمود عطالله وغيرهم (كما جاء في كتاب "الحركات" لحسين أبو شقرا). وبما أن ناصيف نكد كان كبير هؤلاء جميعاً بالسن، وكان له أبناً يتعلم في الجامع الأزهر، لذلك يُعتقد أنه هو الذي قالها لمحمد علي باشا.

وهذا ليس غريباً على الدروز (بني معروف) يقول حسين أبو شقرا في كتابه، أنه عندما أغار الجزَّار بجيش من الانكشارية على بعض قرى الشوف، تصدى لهم الشيخ بشير جنبلاط برجاله وفتك بعسكر الجزَّار وطردهم من الشوف، وكان والده الشيخ قاسم جنبلاط أسيراً لدى الجزَّار في عكا، فلامَه بعضهم وحذروه من هلاك والده فأجابهم: "بوالدي ولا ببلادي".

المثل الثاني "حطْ بالخرج" مثل آخر يتداوله الناس وهو يقال لأيِّ شيءٍ يُراد تركه أو عدم الوقوف عنده أو التعليق عليه. وأصل المثل حكاية أو قصة من القصص المتواترة على ألسنة الناس قصة رجل دين اشتهر بالتقوى والفضيلة، وكان صاحب طريقة بعمل البر، فيعتَقدْ أن إشاعة الخير بين الناس هي أول أقانيم التقوى. لذلك كان يجمع الصدقات من الأغنياء ويوزعها على الفقراء بطريقة خالية من الإحراج، فيطوف على فرسه من مكان إلى آخر ويضع تحته خُرْجاً توضع فيه الإعانات، فإذا تقدَّم إليه رجلاً بمبلغ من المال قال له "حط بالخرج"، دون أن يهتم بمعرفة قيمة المبلغ الذي تصدق به كل واحد، وكلما صادف أحداً محتاجاً يقول له: (خوذ من الخرج) فيكون بذلك جميع المتصدِّقين سواسية في نظره، ومن يأخذ يكون غير مُحرج بما أخذه، وهكذا اشتهرت عبارة (حط بالخرج) فصارت مثلاً معروفاً.

وقد نسبت مجلة "أوراق لبنانية" هذه الحكاية (المثل) إمَّا إلى الأمير السيِّد جمال الدين عبد الله التنوخي الذي كان من أكثر أعلام التقوى والفضيلة، أو إلى ابن عمِّه الأمير سيف الدين يحيى التنوخي من قرية "عبية" في لبنان.

هذه الحكايات أو الأمثال اهتمَّ بها وجمعها عن ألسنة أشخاص كبار السن ومعمرين وذوي خبرة بغض النظر عن انتمائهم الطائفي الأديب العلامة سلام "الراسي"، فمن هو هذا الرجل؟ وما هي قصته مع الأمثال والحكايات؟.

سلام الراسي 1911- 2003م:

قد يظل الأدب ناقصاً وفي حنين إلى جزئه الناقص إذا لم يكن في بعضه أدب الشعب، وقد رُدِم هذا النقص على يد الراحل الكبير سلام الراسي، فقد أخذ هذا الرجل على عاتقه أمانة يعيا بها جيل، فوفَّاها هو بعض حقها، لقد تنبَّه متأخراً إلى أنَّه أمام ثقافة بلا ذاكرة، فاختار أن يسهر على الماضي وأن يؤسس ذاكرة للمستقبل. فعل الراسي في ذلك ما فعله علماء العربية الأوائل. جمعَ الكلام كما تُلتقط الثمار، وبوَّبه وصنَّفه وجعله كتباً، وهذا والحق عمل عالمٍ أكثر منه عملاً فولكلورياً. بل إنّه في نهاية الأمر عمل لغوي وبلاغي من الطراز الأول.

مؤلفات الراسي حمل معظمها في عناوينه مأثورات شعبية. فقد بدأ بمشروعه هذا في بداية سنوات السبعين من القرن الماضي عندما وجد أن هذه الحكايات والأمثال والرموز إن بقيت دون تدوين، سوف تنساها الناس، ويمحوها الزمن، فلا تتم الفائدة منها في المستقبل، فقرر أن يدونها، فكان أول كتاب له سنة 1971 بعنوان "لئلا تضيع" وأتبعه بكتاب "في الزوايا خبايا" سنة 1974 و "حكي قرايا وحكي سرايا" 1976 و "شيح بريح" 1978 و "الناس بالناس" 1980 و "حيص بيص" 1983 و "الحبل على الجرَّار" 1988 و "جود من الموجود" 1991 وثمانون أو العمر الدائب في البحث عن المتاعب" 1993 و "أحسن أيام كسماع كلامك" ففي عناوين كتبه كما في بطونها افتتان بالكلام والتعبير، لم يهتم الراسي بالأعياد والأعراف والتقاليد اهتمامه بالاقتدار الريفي على اجتراح الكلام في أوزن عبارة وأكثفها وأنفذها وأغناها إيقاعاً. فهذا اختيار شاعر أكثر منه اختيار مؤرخ ودارس. إنَّه حفظ لغةٍ واستدراك أكثر تجلياتها شعرية وفصاحة.

في عمل الراسي هذا تعبُّد للغة لا نعرف أحداً سبقه عليها، صنع من كلام غيره قلائد لولاه لما بقيت، فهو في المدى المستقبلي ناظمها وصاحبها وكأنَّها بنت خياله، يقوم هنا القارئ والمختار مقام المبدع وقد كان الراسي في اختياره مبدعاً. شاء الراسي أحياناً أن يطابق مأثوراته على هواجس الحاضر، هذا عمل للتبسيط والتعليم أقرب، لذلك أخذ يجمع عيدان الذاكرة وقشَّها وحطبها بانتظار يوم يغدو لنا فيه تاريخ ومستقبل.

وإذا كان رحيله نهاية عصر، فإننا نأمل أن يكون أيضاً بشارة عصر.

شكَّلت طفولة سلام الراسي منبعاً عميقاً لحكاياته وأمثاله، فقد نشأ في مجتمعٍ قرويٍ، فهو من مواليد قرية "إبل السقي" في جنوب لبنان، هذه القرية المختلطة بين الدروز والمسيحيين، المتعايشين على أحسن حال، حيث ل "الحكي" قيمة كبيرة ، فقد كان شيوخ القرية يسردون في بيته الحكايات لأنها كانت حاسمة في تعزيز آرائهم وتثبيت دورها في النقاشات الدائرة. والمهم في ذلك أن تكون مقفاة بمَثَل لأن المثل سيد الموقف بلا منازع.

بدأ الراسي مولعاً بهذه الهواية حتى أصبحت مهنته، وبدأ سيرته الأدبية كما ذكرنا سنة 1971. فقد عمل قبل ذلك في سلك التعليم، ثم توصل إلى نتيجة مفادها أن عامة الناس هم وطنه، فعندما تقاعد تاركاً عمله موظفاً في الحكومة، اعتبر أن حياته يجب أن تبدأ بعرض ما كان بصدد جمعه، فبدأ حياة جديدة ستجعله في ما بعد شيخاً من شيوخ الأدب الشفوي والشعبي اللبناني. وأن كان في لبنان أدب شعبي آخر، طُبع باثنين من الأدباء اللبنانيين الكبار وهما سعيد فريحة ومارون عبُّود بما تميزا به نكهة أدبية رفيعة وخلاَّقة.

ويقر الراسي بأنَّه رغم اهتمامه الملحوظ بهذا النوع من الأدب، إلاَّ أنه يتمكن من الإحاطة بكل مقومات التراث القروي، فقد قال مرة: "آسف لأنِّي لم أعد استطع الانتقال من مكان إلى آخر لجمع الحكايات، ولأنَّ أعوام الحرب ساهمت أيضاً في أن "تروح الحكايات عليَّ" كنت أنوي إجراء مسح عام في لبنان، وأن أجمع من كل مناطقه قصصاً وأمثالاً وخرافات لكنِّي صرت كبيراً بالعمر".

هكذا رأى الراسي نفسه مجبراً بأسباب الحرب والشيخوخة على البقاء في منزله في منطقة "رأس بيروت" في العاصمة اللبنانية، منتظراً من يأتيه بالخبريات محمولة بإضافاتها ونقصاناتها وتشويهاتها، فيستعيد صوراً وملامح من حياة قروية ريفية ابتعد عنها أو خرج من مسرحها وانفصل عن دائرتها، فتبدوا هذه المسافة بين القرية والمدينة والعمل المتأخر في الكتابة، كأنَّها عناصر من الانبهار، أو مشاهد حنينية إلى زمن حياة القرية وصور الطفولة المنقضية. فقد ركَّب مروياته هذه بعد أن جمع عناصرها من شتاتٍ اجتماعي متباين ومتفاوت ومتعدد.

لقد اختار الراسي "أبطاله" من أبناء قريته (إبل السقي) ومن بعض قرى جبل عامل والشوف وصولاً إلى أبناء راس بيروت الأصليين والوافدين: من: (العامل والفلاَّح والمعَّاز والعتقجي والإسكافي والنادبة والناطور والمختار والجن والجنيات ورجال الدين والسياسة والطوائف والأقارب والجيران) من كل هؤلاء وأمثالهم من رموز الريف اللبناني، أسس سلام الراسي خشبة مسرحه وأدبه الشعبي. على أن الرموز والشخصيات والعناصر لا تحضر إلا بعد أن يمسرح الحدث الخارجي كلامها وردود فعلها.

يقول في بعض أحاديثه: إنَّ إبراز القيم والمفاهيم القروية قد يكون جامعاً لأبناء الوطن، لأن شخصية لبنان الحقيقية هي في زعم البعض موروثه الثقافي القروي الشفهي الذي كان، على سبيل المثال، المصدر الأول والأساسي في ثقافة الرحابنة. بل أنَّ الأعمال المسرحية الرحبانية الفيروزية أحيت مشاهدها طقوس الحنين إلى القرية اللبنانية في عاداتها ومواسمها وحياتها اليومية وفي أوقاتها وأشخاصها. ولا شك في أن الرحابنة استنبطوا من التراث القروي أغاني الدبكة والدلعونا والحكايات وأدخلوها في دائرة الحداثة، والمدينية، شأن الفنان زكي ناصيف ورسامين وفنانين وأدباء صاروا فيما بعد من أهل الحداثة، ولم يقطعوا العلاقة مع القرى والتقاليد بل جسَّدوا القرية في قلب الحداثة، والريف في عمق المدينة. وهذا من علامات الثقافة اللبنانية وربما من أزماتها.

لم يذهب الراسي في توظيف الأدب الشفهي في ما هو حداثي بل أبقاه في دائرته الشعبية. إنَّه "أدب الناس للناس" على حدّ قوله، والحق أن هذا الأدب يشكِّل مادة خاماً لأعمال روائية شأن ما فعل ماركيز في تحويل التراث الخرافي في أمريكا اللاتينية أدباً رفيعاً.

كشف الراسي عن آلاف الأمثال التي يتمُّ تداولها في الاجتماع اللبناني، حتى أن بعضها تعدَّى الحدود اللبنانية ليدخل بعض الثقافات العربية المجاورة. يقول انه عندما نشر كتابه "حكي قرايا وحكي سرايا" معتبراً أن هذه الحكايات من تراثنا، ردَّ عليه عبد الرحمن الكيالي من حلب موضحاً: "أن هذا التراث ليس تراثاً محض لبناني، وأن الأمثال كافة تستعمل في حلب، وأن أهل المدينة وغيرها من المدن السورية يرفضون أن يقال أن هذا التراث هو لبناني فقط".

لكنَّ الراسي كان يدرك ما تعنيه تلك الأمثال في حكاياته. فالمثل هو الموقف، وغالباً ما يكون أصل المثل حكاية، ويكون سبب إيراده وقوع حادثة، وإذا صحَّ قول فرنسيس بيكون: "فإن أخلاق الشعوب تُكتشف في أمثالها إذ تُظهر مواقف أهل المجتمع وذوقهم في الأمور كافة.

لقد كرر الراسي القول أن المثل الشعبي يعيش في الذاكرة الشعبية لا في بطون الكتب، لذا فإن ما فعله يستحق التقدير، حين صان هذه الذاكرة من الضياع والتشتت، وجعلها جنساً أدبياً له شروطه، لأنه صنَّفها بحسب أنواعها، بين ما جاء منها في أدب الفصحى مكتوباً بلغة يستقيم إنشاؤها، وما جاء منها على ألسنة العوام الذي حافظ على لهجته ونبرته ولكنته. فعندما سُئل إبراهيم اليازجي رأيه عن أبلغ الأقوال أجاب: "ما وافق مقتضى الحال وبقي في البال".

يمكن القول أن أدب الراسي هو "ثقافة البال" من العادات والتقاليد المسجلة بلغة عفوية، نجد فيها ما يدعو إلى التسلية والترفيه. لكننا نجد فيها ما يدعو إلى التأكيد أن الأدب الشعبي هو "أدب الرجال" بسبب ما تنطوي عليه -أحياناً- من سخرية تصبُّ زيتها على المرأة التي تبدو بسيطة في أفكارها وبداهتها (الغشيمة) في هذا النوع من الأدب.

وقد تكون حكايات الراسي مرجعاً أولياً لعلماء الاجتماع ودارسيه يعكفون عليها لاستكناه أحوال المجتمع الريفي اللبناني وتعقيداته وخرافاته. فكتبه تعتبر مستودعاً لانتروبولوجيا الريف اللبناني. وهي انتروبولوجيا في طريق الزوال.

في حلقة الحوار الثقافي التي أُقيمت لتخليد أعمال سلام الراسي،تحدّث عدد من الأدباء والشعراء. فقال جورج جرداق: "سلام سيبقى علم هذا الأدب الأول والأكبر في لبنان"

أما الدكتور وليد غلمية فقال: "جاء صادقاً وأميناً ومعبراً عن جغرافيا مرجعيون أو مرج عيون، فهي ليست مرجاً لعيون الماء فقط بل مرج للأفكار والآمال والطموح".

عميد كلية الفلسفة الدكتور محمد شيَّا قال عنه: "أهمية سلام الراسي تقع في اختياره لغة الشعب ليضمنها كل القضايا وكل المواقف التي لم تعد مع الأسف تتسع لها اللغة الرسمية، التي باتت صنمية، خشبية".

وأكَّد الشاعر الكبير هنري زغيب مطالب حركة الحوار الثقافي التي نشرت في جريدتي "النهار" و "السفير" غداة وفاة الراسي وهي إطلاق اسمه على مدرسة ابل السقي، وإصدار طابع بريدي للراحل، وبتدريس نصوص من كتاباته، كذلك تسمية شارع من شوارع بيروت التي أحبها باسمه.



لقد كانت زوجته عوناً كبيراً له، فقامت بجهد كبير في جمع الكثير من هذه الأمثال والحكايات لتضمها إلى جعبته، أيضاً جمعت الكثير لها وأصدرت كتاب باسمها. وقد زادت الآن كتبهما عن العشر مؤلفات، طُبعت كمجموعة واحدة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:42 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke