Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > شعر - قصة- نثر- مقالة الخ للأعضاء والمنقول

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-03-2015, 03:38 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,010
افتراضي حفريات لغوية – الألفاظ التركية والإفرنجية في اللهجة السودانية عبد المنعم عجب الفيا a

حفريات لغوية – الألفاظ التركية والإفرنجية في اللهجة السودانية

عبد المنعم عجب الفيا
abdfaya@yahoo.com

الاستلاف المتبادل بين اللغات قديم قدم البشرية وقد تنبه علماء العربية باكرا إلى استلاف لغتهم من اللغات الأخرى خاصة تلك التي تربطها وشائج قربى مع العربية مثل الحبشية والسريانية والنبطية والآرامية والعبرية. وفي عهد الفتوحات الإسلامية استعارت العربية كثيرا من المفردات من الفارسية حتى أن كثيرا من الألفاظ التي يظن الآن أنها عربية هي في الواقع معربة عن الفارسية. وكانت لغة القرآن الكريم قد تضمنت مفردات من جميع هذه اللغات المذكورة (انظر فقه اللغة للثعالبي والمُعرّب من الكلام الأعجمي للجواليقي والغريب المصنف لأبي عبيدة والمزهر للسيوطي).
ولكن ليس هذا هو موضوع بحثنا الآن، وإنما الغرض هنا أن نعطي أمثلة لبعض الألفاظ التي استقرت في كلامنا من لغات الترك والإفرنج الأوربيين: الانجليز والفرنسيس والطليان. والإفرنج أو الفرنجة ذات أصل أوربي قديم لكن لا أدري تحديدا من أي لغة أوربية انحدرت. ونحن نقول أفرنجي وعفرنجي، ونطق الهمزة عينا في بعض الكلمات معروف في كلامنا كقولنا سعال في سؤال وقول بعضنا عضان في أضان وعناف في أنف. وقد اشتهرت قديما قبيلة بني تميم العربية بنطق الهمزة في بعض الكلمات عينا حتى قيل: عنعنة تميم. كانوا يقولون مثلا : أشهد عنك رسول الله أي أنك.
نبدأ بالوقوف عند بعض الألفاظ التي دخلت من التركية إلى اللغة العربية السودانية. فقد حكم الترك السودان لنحو ستين سنة ونيف ( 1821- 1885). وخلال هذه الفترة تسربت إلى لهجتنا عدد من المفردات التركية خاصة الإدارية والعسكرية منها وبعض أنواع الأطعمة والأدوات. وجدير بالذكر أن بعض هذه المفردات التركية ذات أصل فارسي. ويبدو أن تاريخ الكلمات الفارسية في اللهجة السودانية أقدم من تاريخ حكم الترك للسودان. وأبرز كلمة تدل على ذلك كلمة \" دو بيت\" فالمقطع الأول من الكلمة\" دو\" فارسي الأصل ويعني اثنين.
كل لفظ يبدأ أو ينتهي بالمقطع \"باش\" فهو تركي مثل: باشكاتب ويوزباشي وامباشي وبكباشي وحكيمباشي و باشمهندس (هندسة فارسية الأصل) وغيرها. وباش أو باشا معناها: كبير أو رئيس. فالباشكاتب هو كبير أو رئيس الكتبة. والحكيمباشا، مدير الشفخانة أو المستشفى وهكذا. وكل لفظ ينتهي بالمقطع \"خانة\" ذو أصل تركي أو فارسي مثل: شفخانة واجزخانة وادبخانة. وخانة تعني محل أو مكان.
وكذلك الألفاظ التي تنتهي بالمقطع \" دار\" مثل: حكمدار وبيرقدار ودفتردار وسردار وغيرها. ويذهب جورجي زيدان وعون الشريف إلى أن المقطع \"جي\" الذي تنتهي به بعض الكلمات مثل: تمرجي وأونطجي تركي الأصل. وقد وظفت اللهجة السودانية المقطع \"جي\" حتى في الكلمات التي لم تنحدر من أصل تركي مثل: مكوجي ومخزنجي وعربجي وخدرجي ولعبنجي وسكرجي وغيرها.
هذا إلى جانب بعض المفردات الأخرى مثل: عفارم ودغري وأوضة وأفندي وبرضو ودشمان وكهرباء والتي يقول جورجي زيدان إنها فارسية مكونة من \"كاه\" التبن و\"ربا\" جاذب. وكذلك سراي أو سرايا بمعنى قصر. كان يقال سرايا الحاكم العام. وكذلك أورطة وتعنى جيش و اورنيك وطابور. وكذلك كلمة سنجك وبُلك وآلاي التي تعني حسب جورجي زيدان على التوالي: راية وسرب وفرقة. كان يقال مثلا الاميرلاي فلان أي قائد الفرقة ولا أدرى ماذا تقابل الآن في المصطلحات العسكرية العربية المستحدثة.
وظلت كل هذه المفردات والمصطلحات ذات الأصل الفارسي التركي مستخدمة في السودان حتى بعد هزيمة الترك وطردهم من السودان على يد الثورة المهدية في 1885 وظلت في الاستعمال طيلة الحكم الانجليزي واستمر استخدامها إلى ما بعد جلاء الانجليز عن السودان في 1956. إلا أن بعض هذه الكلمات قد بدأت في الاختفاء بتأثير من المد القومي العروبي وتغليب الاتجاه الداعي إلى توحيد المصطلحات العسكرية والمدنية في البلدان العربية في أول عهد حكم النميري للسودان وترسخ هذا الاتجاه أكثر بعد صعود الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم فيما عُرف بالتأصيل.
ولكن ظلت الألفاظ ذات الطبيعة العامة مثل دوغري وبرضو وأوضة وتلك التي تنتهي بـ\"جي\" وطابور واورنيك واجزخانة وادبخانة في الاستعمال إلى أن اختفت اجزخانة وحلت محلها صيدلية واختفت أو كادت ادبخانة وحل محلها \"حمام\". وأذكر كان الناس إلى أيام طفولتنا في منطقتنا ( شمال شرق كردفان) يقولون كنيف ومُستراح وهي كلمات عربية قديمة وأقوى في الدلالة على معنى \"حمام\" بمصطلح اليوم الملتبس مع دلالته الأصلية.
وكان سيكون ملائما لو استمرت بعض هذه الألفاظ التركية في الاستعمال مثل حكيمباشا وشفخانة واجزخانة. وذلك لان الكلمات مهما كان مصدرها ليست مجرد كلمات وإنما هي ذاكرة أمة ومستودع تاريخها و ينبغي أن يخضع بقاؤها أو انقراضها للانتخاب الطبيعي لا للإقصاء الايديلوجي.
فالحكيم في اللهجة السودانية هو الطبيب وهي كلمة عربية قديمة في هذا المعنى. وكان الناس عندنا إلى عهد قريب يقولون حكيم وذلك قبل أن تسود كلمة دكتور التي سادت بديلا عنها الآن كلمة طبيب بفعل دعاوى (التأصيل). وللدلالة على تغلغل كلمة حكيم في وجدان الناس آنذاك، كانت أول قصة قصيرة تنشرها في الخمسينات من القرن الماضي، إمراة سودانية، وهي ملكة الدار محـمد، تحمل اسـم (حكيم القرية) أي طبيب. ولا يزال الناس في صعيد مصر وبلاد الشام يقولون حكيم للطبيب.
أما أجزخانة فلا أرى مبررالاستبدالها بصيدلية لولا الإذعان لتوجهات توحيد المصطلحات في البلدان العربية والتي لا أرى لها مسوغا سوى التضييق على الناس والحد من سعة اللغة والتنوع والتعدد اللغوي والثقافي. فالخصوصية الثقافية واللغوية ،عامل ثراء للغة والثقافة مثلما كان اختلاف وتعدد لغات/ لهجات العرب في الماضي عامل ثراء لهذه اللغة. وذلك على غير ما يتوهم أصحاب هذه الدعاوى والتوجهات. فضلا على أن كلمة صيدلية أعجمية ولا يميزها عن أجزخانة سوى سبقها التاريخي في الاستعمال.
وإذا انتقلنا إلى الألفاظ الإفرنجية المعربة سوف نقصر حديثنا فقط على الألفاظ العامة التي يستعملها سائر الناس في كلامهم وتمس حياتهم اليومية بمختلف مناحي أنشطتهم ونترك جانبا المصطلحات العلمية و الألفاظ التي تخص حقول مهنية أو معرفية بعينها لأنها أكثر من أن تحصى أو أن يُمثل لها. ومن ذلك :
بوستة، استبالية أو اسبتالية، برندة ، ميز، بودرة، موضة، بنـك، شيـك، كـمبيالة (إيطالية) فاتورة (إيطالية)، سكرتير، تلغراف، تيلفون، ميكرفون، تيلفزيون، رادي، برنامج، سينما، بابور، مكنة، ورشة workshop وقراش، بطارية، صلصة، باسطة، ساندوش، جرسون (فرنسية)، ديموقراطية، برلمان، دبلوماسي، قنصل (فرنسية)، بوليس، كمندان (فرنسية)، قومسيون، كبون، أزمة (مرض ضيق التنفس) كمبيوتر، موبايل. ويمكن أن يسوق القاريء عشرات الأمثلة الأخرى.
وقد اختفت بعض هذه الكلمات المعربة عن اللغات الأوربية مثل بوليس وبوستة و\"أزمة\" وحلت محلها كلمات أخرى بسبب الاستجابة لدعوات التأصيل وتوحيد المصطلحات في البلدان العربية. وما كان يضير هذه الدعوات والتوجهات الايديلوجية لو أبقت على كلمة بوليس مثلا إلى جانب كلمة شرطة التي يزعمون أنها عربية. فهي كلمة خفيفة وسهلة النطق إلى جانب أنها أصبحت جزء لا يتجزأ من ثقافة الناس وتاريخهم. وبذات القدر ننظر إلى كلمة بوستة posta بالايطالية، فليتهم تركوها إلى جانب كلمة \"بريد\" ولتختار كل دولة ما يناسبها، فالترادف من مميزات اللغة العربية.
أما كلمة مستشفى التي وضعتها مجمعات اللغة العربية لتقابل كلمة \"اسبتالية\" hospital فلا يخفى ثقلها على اللسان حيث أنها تتألف من ثلاثة مقاطع تقطع النفس. ولو ترك الناس على سجيتهم لما اختاروا هذه الكلمة. لذلك اختار المجمع اللغوي في سوريا \"مشفى\"، اشتقوه من الأصل الثلاثي للفعل \" شفى\" بعد أن جردوا الكلمة من أحرف الزيادة: السين والتاء.
وعلى ذكر المستشفى، لفت نظرنا من خلال متابعة برامج (صحة وعافية) بتلفزيون السودان، إصرار القائمين عليه والضيوف المختصيين استعمال كلمة \"ربو\" مرض ضيق التنفس - محل كلمة \"أزمة\" التي جرت على ألسنة الناس بتأثير من الكلمة الانجليزية asthma فعامة الناس عندنا يعرفون \" الأزمة\" ولا يعرفون \"الربو\" فلماذا الإصرار على إقصاء كلمة \"أزمة\" وإقحام كلمة ربو؟ فليستعمل الآخرون ربو إذا أرادوا ونستعمل نحن \"أزمة\". أليس الترادف من أبرز مميزات العربية؟
خاصة – وهذه من غرائب الصدف - أن هنالك مطابقة تامة بين الأزمة كمفهوم لغوي وطبيعة المرض، فهو أزمة حقا وماذا يكون ضيق النفس إذا لم يكن أزمة في التنفس! ولذلك يراودني إحساس قوي بان الكلمة الانجليزية هي الكلمة العربية نفسها! وإن لم تكن كذلك فيكفيها بلاغة أنها تطابقت لفظا ومعنىً مع وصف المرض. وباستعمالنا لكلمة \"أزمة\" نكون قد رفدنا العربية بكلمة أكثر إبانة من كلمة \"ربو\".
وبالرجوع إلى دور مجامع اللغة العربية نقول إنها كانت قد أخذت على عاتقها اصطناع واختراع مفردات عربية لمقابلة ما يستجد من أسماء علمية وتقنية غربية. فقد وضعت مثلا كلمة \" الخيالة\" للسينما، \"المرئي\" للتلفزيون و\" شاطر ومشطور وبينهما طازج\" للساندوتش و\"الحاسوب\" للكومبيوتر. ولا أظن أن أحدا قد جرأ على استخدام كلمتي خيالة ومرئي، ولا حتى أعضاء هذه المجامع أنفسهم. أما كومبيوتر فقد سادت الآن على كلمة حاسوب. الأمر الذي جعل هذه المجامع تكف الآن عن القيام بالمهمة التي أنشئت من أجلها.
لذلك حينما ظهر \" الموبايل\" mobileلم تسارع المجامع اللغوية في التباري على أن تخترع له اسما مشتقا من العربية كما كانت تفعل في الماضي وتركت الأمر لقوانين الحياة. فتعددت الأسماء وظهر في كل إقليم أو دولة تقريبا اسما: جوال، متحرك، خلوي، نقال، بينما اكتفى البعض باستعارة الاسم الأفرنجي \"موبايل\" كما هو.
وهذه التعددية اللفظية من أميز خصائص اللغة العربية التي عُرفت بالترادف وهو أداء المعنى الواحد بأكثر من لفظ. وخاصية الترادف هذه التي ميزت العربية وشكلت لها عامل ثراء، تكفى وحدها للرد على الداعيين إلى توحيد الألفاظ والمصطلحات في البلاد الناطقة بالعربية.
قيل إن إعرابيا زار مدينة الأبيض ولما أحس بالجوع توجه إلى أقرب كشك لبيع الأكل حيث وجد بعض السندوتشات. ولما كان لا يعرف كلمة ساندوتش قال لصاحب المحل : اديني من المحاشي ديل! وهكذا بسليقته استطاع أن يجترح للساندوتش اسما يطابق وصفه، وهو الأمر الذي عجز عنه أعضاء مجامع اللغة العربية. فأين \"المحشي\" من الشاطر والمشطور وما بينهما طازج!! فاللغة تصنعها الحياة وأفواه الناس، ولا تُفرخ في المعامل والمختبرات العلمية.

مصادر:
1- أبو منصور الثعالبي( ت 429 هـ) ، فقه اللغة، دار الكتب العلمية، بيروت.
2- الجواليقي، المُعرّب من الكلام الأعجمي، دار الكتب القاهرة، الطبعة الرابعة 2002
3- السيوطي، المزهر في علوم اللغة وآدابها، الجزء الأول، دار الفكر للطباعة والنشر.
4- جورجي زيدان، تاريخ اللغة العربية (صدر 1886) دار الحداثة، بيروت ط 1987.
5- عون الشريف قاسم، دراسات في العامية السودانية، الدار السودانية، طبعة أولى 1974.
6-
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:43 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke