Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
إرادةُ الرّغبة و حكمُ العقل بقلم/ فؤاد زاديكى
إرادةُ الرّغبة و حكمُ العقل بقلم/ فؤاد زاديكى يلعبُ العقلُ دورًا كبيرًا و خطيرًا في تأسيس حياة النّاس كأفراد و الشعوب كمجتمعات و أمم, لذلك لا يجوزُ البتّة أن نغفلَ هذا الدّور الهامّ في حياتنا, و إلّا فإنّ الزللَ و الشّططَ و الانحرافَ و الزّوغانَ عن جادة الصّواب و التّوهان و الفشل, هذه كلُّها و غيرُها سوف تقعُ و تَحلّ بالإنسان فيصبحُ عندئذٍ ضحيّة إهماله و عدم استخدام عقله كميزانِ قياسٍ, و بوصلةٍ سليمةٍ يهتدي بها لتوصلَهُ إلى برّ الأمان و ميناء السّلامة. قد لا يكونُ العقلُ وحدَه كافيًا لتحقيقِ النّجاح و الوصولِ إلى الهدف المطلوب, إذْ أنّ التّجاربَ هي الأخرى مصدرٌ مُعينٌ للعقل في حربه الضّروس مع الواقع و ما يتطلّبُه من حيطةٍ و حذرٍ و مِن مصدر معلوماتٍ يكون اكتسبها كقيمٍ حياتيّةٍ مِنْ خلال مسيرتهِ الإنسانيّة. إنّ البشرَ ليسوا ملائكةً, فهُم أُناسٌ من لحمٍ و دمّ و من مشاعر و أحاسيس و مِن نفسٍ تُغالبُها شهوات الحياةِ و إغراءاتُها و قد تجرفُها - إنْ هيَ لم تعتمد معايير السّلامة العقليّة, التي تُعينها في تحقيقِ المرغوب و المنشود – إلى ما لا يُحمَدُ عُقباه, و مِنْ هذا البابِ فقد يقعُ أحدُنا ضحيّةَ طَيشٍ أو نزَقٍ ليس بمعيار الطفولة بل الشّباب حين لا يكونُ تصرّفُهُ سليمًا و مرتَكِزًا على قاعدةِ الفَهم السّليم و الإدراك المنطقيّ, و هنا تلعبُ الإرادة الشّخصيّة - الذّاتيّة لهذا الشخص أو ذاك دورًا مؤثّرًا و فاعلًا قد يكون القشّة التي تقصمُ ظهرَ البعير, أو تلك التي تُنقِذُ الغريقَ منَ الغرَق. قد يقولُ قائلٌ: و هل نحنُ أحرارٌ في إرادتنا؟ و هل هي ملكٌ لنا أم أنّها مُجرّد وهم, كُتِبَ علينا أن نفعلَ ما يأمرُنا به مَنْ لهُ التأثير في مجمل هذه العمليّة؟ و للإجابة على ذلك - برأيي - علينا أن نفهم جيّدًا بأنّ إرادة الإنسان هي حرّة و حين نقولُ حرّة فلا نعني بذلك الحريّة المطلقة, في أنْ تفعل ما تريد و تشتهي, بل حرّيّة الاختيار لأنّ حريّة الإرادة سوف تصطدم بجملة معوّقات و مفاهيم و موانع و هنا يلعبُ الاختيار الدّور الفصل, فعندما ترى الإرادة أنّ من حقّها أنْ تُعْلن عن ذاتها بالقيام بما تبتغي دون رادع فهذا يكون فيه فشلٌ حتميّ و إخفاق مُؤكّد, إذًا على الإرادة الحرّة أن تخضعَ لمنطق العقل و هي عمليّة مترابطة مع بعضها البعض, إذ لا يصحّ أن يقومَ العقلُ لوحدِه بفعل ما يراهُ دون العودة إلى الإرادة التي ستُوكَلُ إليها مَهَمّةُ التنفيذ. إنّ العقل يقوم بدور المحلّل و المُدَقّق و الفاحص في كلّ الأمور و المواقف و القضايا و الحالات, و هو كذلك الحكم, لكنْ عليه أن يكوّن حكمَه قبل الشّروع بإصدار أمرِه إلى الإرادة كي تقومَ بإتمام العمل و إنجازه, عليه أن يدرس و يحلّل بدقّة و موضوعيّة كي يضمنَ النتيجة السليمة. هناك صراعٌ أبديٌّ و دائمٌ بين العقل و الإرادة, فالأوّلُ (العقل) ينطلق من واقع أنّه المسؤولُ الأوّل, بينما الثاني (الإرادة) ينطلق من فكرة أنّ عبءَ التنفيذ و القيام بالمهمّة موكَلٌ إليه, و من هذا المنطلق و المفهوم فقد يحصل الطلاق بينهما في بعض الأحيان. تختبرُنا تجاربُ الحياة و صراعاتُها لتزيدَ من معارفنا و تشحذَ مداركَنا, و من هذا المنطلق يتحتّم على الشخص الواعي و العاقل و الفهيم أنّ يستفيدَ من جميع التجارب و الخبرات, التي مرّ بها و كذلك التي مرّ بها غيرُه, فأمور الحياة مترابطة فيما بينها و متواصلة من خلال استمرارية الأجيال و تعاقبها. سبقَ و أنْ قلتُ في أكثر من مناسبةٍ و موضع إنّ الشخص الذكيّ و العاقل و النّبيه, هو ذلك الذي يكتسب خبرةً من تجارب الآخرين و يتعلّم من أخطائهم و فشلهم, فتكونُ له دروسًا مفيدةً تُعينه باتّخاذ قراراته في المستقبل, أمّا الجاهل فهو ذلك الذي يكتسب الخبرة من أخطائه الذاتيّة, حتّى يقومَ بتحسين أنماط سلوكه و تغيير عاداته. إنّ مصاعبَ الحياة و متطلّباتِها و كلَّ مُفرَزاتِها هي الطريق الصحيح و السبيل الناجح و النّاجع لاستخلاص العِبَر و استدراك الأخطاء من أجل تصحيح المسار و عدم تكرار الخطأ مرّة أو أكثر. مختصرُ القول, يجبُ أنْ يكونَ هناكَ تناغمٌ فاعلٌ بين العقل البشري, الذي هو المصدر و بين الإرادة الإنسانيّة, التي هي الأداة المَنوط بها القيام بتنفيذ المَهَمّة, و متى لم يحصلْ هذا التناغمُ, فإنّ الفشلَ هو النتيجةُ الأكيدةُ لأيّ تصرّف أو سلوك أو عمل. فالعقلُ يَعي وجودَه سواءً المادي أو المعنوي بينما الإرادة الحرّة فَحرّيتها تكمنُ في الاختيار, و بالاثنين معًا يتحقّقُ النّجاح.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|