Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > شعر - قصة- نثر- مقالة الخ للأعضاء والمنقول

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-03-2015, 03:04 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,010
افتراضي كشف أدبي نادر كتاب مجهول عن أمير الشعراء اثنا عشر عاما في صحبة أمير الشعراء 10/01/2

كشف أدبي نادر كتاب مجهول عن أمير الشعراء
اثنا عشر عاما في صحبة أمير الشعراء
10/01/2015 12:47:08 ص


بقلم: جمال الغيطانى

جمال الغيطانى يعتبر الوصف الذي أورده أحمد أفندي عبدالوهاب أبوالعز سكرتير شوقي أدق ما وصل اإلينا عن حفل تنصيب أحمد شوقي أميرا للشعراء بحضور شعراء عرب ومصريين كبار.. يورد المؤلف تفاصيل دقيقة عن علاقة شوقي بأسرته وأهله وصحبه وخدمه، وفي وصف نادر يذكر تفاصيل حادث بالسيارة كاد يودي بحياة أمير الشعراء في لبنان، كذلك جلساته ومسامراته مع محمد عبدالوهاب وصحبه.


الوصف الكامل لحفل تنصيبه أميرا للشعر



مهرجان أمير الشعراء سنة ١٩٢٧.. كانت القاهرة في اواخر ابريل سنة ١٩٢٧ تموج بوفود الاقطار العربية لحضور حفلات تكريم أمير الشعراء.


وقد ابتدأت الحفلة الرسمية بدار الاوبرا الملكية تحت رعاية «حضرة صاحب الجلالة فؤاد الاول ملك مصر» في يوم الجمعة ٢٩ ابريل سنة ٩٢٧.

وكان برنامجها كما يأتي: «مع حفظ الالقاب»

١ ـ كلمة صاحب الدولة الرئيس الجليل سعد زغلول باشا.

٢ ـ كلمة حضرة صاحب السعادة احمد شفيق باشا.

٣ ـ كلمة حضرة الاستاذ احمد حافظ عوض.

٤ ـ قصيدة الاستاذ الجليل شبلي ملاط.

٥ ـ قطعة موسيقية: تحية الشعر ـ للاستاذ سامي الشوا.

٦ ـ قصيدة الاستاذ الجليل شاعر القطرين خليل مطران.

٧ ـ كلمة لجنة السيدات تتلوها السيدة احسان احمد القوصي.

٨ ـ قصيدة حضرة الاستاذ الكبير شاعر النيل حافظ ابراهيم.

٩ ـ قصيدة أمير الشعراء.

وفي مساء اليوم نفسه اقيمت حفلة بتياترو حديقة الازبكية والقي فيها حضرة الاستاذ الفاضل محمد الشربيني مدير مطبوعات شرقي الاردن قصيدة.

برنامج حفلة يوم السبت ٣٠ ابريل سنة ٩٢٧ بدار الجمعية الجغرافية «مع حفظ الالقاب»

١ ـ قصيدة سعادة الأمير شكيب ارسلان.

٢ ـ مقالة الاستاذ الكبير اسعاف النشاشيبي.

٣ ـ قصيدة الشاعرالطرابلسي الكبير الاستاذ عبدالحميد الرافعي.

٤ ـ مقالة السيد الجليل محمد بن احمد داود من تطوان بالمغرب الاقصي.

٥ ـ قصيدة الامير الجليل صالح سعد سالم من سلطنة لحج

٦ ـ مقالة الاستاذ المحترم فاندنبرج نائبا عن شعراء البلجيك.

٧ ـ قصيدة الاستاذ الكبير بدر الدين النعساني من افاضل حلب.

٨ ـ قصيدة الاستاذ وديع البستاني.

٩ ـ بحث للاستاذ الكبير المقدسي.

١٠ ـ قصيدة الاستاذ الكبير قيصر ابراهيم المعلوف

١١ ـ قصيدة الاستاذ الكبير انيس المقدسي.

١٢ ـ قصيدة البحرين.

وفي مساء اليوم نفسه كانت حفلة سمر وعشاء بكازينو الجزيرة تكلم فيها كل من حضرات الافاضل الاساتذة فكري اباظة وحافظ عوض وخليل مطران.

وفي يوم الاحد اول مايو بعد الظهر ـ كانت نزهة نيلية الي القناطر الخيرية القيت فيها قصيدة حضرة الاستاذ محمد بن هاشم «في الذهاب» وقصيدة الاستاذ حليم دموس «في الاياب»

برنامج حفلة يوم الاثنين ٢ مايو سنة ٩٢٧ بقاعة الاقتصاد السياسي.

١ ـ كلمة سيادة حاخام الطائفة الاسرائيلية.

٢ ـ مقالة الاستاذ محمد امين واصف.

٣ ـ مقالة الاستاذ ابراهيم جلال القاضي

٤ ـ قصيدة الاستاذ محمود محمد غنيم.

٥ ـ كلمة الاستاذ وهيب دوس.

٦ ـ قصيدة الاستاذ الفاضل مراد فرج

٧ ـ كلمة الاستاذ خليل اسعد واغر.

٨ ـ قصيدة الاستاذ مصطفي حسن البهنساوي.

٩ـ قصيدة الاستاذ عبدالله عبدالرحمن.

10 ـ قصيدة الاستاذ عبداللطيف المغربي.

11 ـ قصيدة الاستاذ نجيب هواويني.

وفي مساء اليوم نفسه كانت حفلة سمر بدار الموسيقي الشرقية القيت فيها قصيدة الاستاذ محمود ابوالوفا.

واستمرت الحفلات بعد ذلك الي يوم 6 مايو سنة 927 «وهذا بعض ما قدم من الهدايا للمرحوم احمد شوقي بك امير الشعراء».

1 ـ نخلة من الذهب الخالص.. هدية أمير البحرين.

وجناها لؤلؤ المتدلي

2 ـ كأس ذهب هدية الاتحاد النسائي

3 ـ قلم ذهب هدية النادي العربي بعدن

4 ـ علبة فضة وداخلها اطار من «النادي العربي بمباي الفضة حول قصيدة قم ناج جلق وانشد رسم من بانو وكل هذه الاشياء مازالت محفوظة مع غيرها بكرمة بن هاني الفقيد.. إلي لجنة تكريم امير الشعراء احمد شوقي بك الموقرة»

نحن زعماء الثورة السورية الوطنية نتشرف بان نعلم هيئتكم الموقرة اننا انتدبنا حضرة المجاهد الدكتور خالد الخطيب يمثل ثورتنا المباركة في حفلة تكريم شوقي بك وللاقرار بذلك سطرنا هذا الاعتماد.

كتاب المجاهدين السوريين في المهرجان

كلمة دولة سعد باشا بتوقيعه

شرفني ويسرني ان اترأس هذا الاحتفال الجليل لتكريم شاعرنا العظيم امير الشعراء وكنت اود ان اشارك حضراتكم في حضور هذا الاحتفال ولكن ضعف صحتي حرمني من هذا الشرف الكبير فأنبت عني حضرة صاحب المعالي محمد فتح الله بركات باشا ليبلغ حضراتكم تحيتي ويهديكم وافر احترامي، ويخص بأطيب تحياتي حضرات وفود الاقطار العربية الذين جشموا انفسهم مشقة السفر لمشاركتكم في هذا التكريم الكريم.. فارحب بقدومهم وارجو لهذا الاجتماع النبيل كل نجاح وان يكون وسيلة صالحة لتوثيق عري المودة والاخاء بين اهل اللغة العربية الشريفة في سائر الامصار.


حـــــــدث فــي لبنـــــــان



«المصيف بسوريا ولبنان سنة 930 وحادثة السيارة»


في يوم 24 يونيه سنة 930 : ركبنا السيارة من حيفا قاصدين بيروت فقال لي البك أحن الي سوريا ولبنان حنيني الي وطني وأحن الي أهل هذه البلاد كما أحن لأهلي وبعد أن قطعنا الطريق وقربنا من بيروت قال لي ستري هنا منتهي حسن الخلق وستراه عاما ولا فرق في ذلك بين سوريا ولبنان ثم ابتسم وقال:والكرم هنا ليس مختصرا علي أهل هذه البلاد بل تجده في أرضها وسمائها وستعرف أنك كما رضيت مصاحبتي ضاحكا ستري السماء والأرض والناس كل هنا باسما فتري التحية ردت اليك بأحسن منها أضعافا مضاعفة.. قلت وكيف تبتسم السماءوالأرض قال ولا زال يبتسم السماء ترسل نسيما عليلا يقوي شهوة الطعام وأنت ممن يحب ياقل ياقل «كانت في دار الفقيد دادة تركية بلغت الثمانين من عمرها وكانت كلما مرضت قال طبيبها من زيادة الأكل «وحقيقة كانت مسرفة في أكلها» فكانت تقول لطبيها ألم يكن عندك غير ياقل ياقل» والأرض تنبع الماء الزلال الذي ينظف الأمعاء والاجزاء، قلت وما هي الاجزاء قال الكلي والكبد وغير ذلك فأرضها تجود بفاكهة كثيرة وكل ما يسرك يا فلان لست أري في هذه البلاد من العيوب إلا واحدا فقلت .

وماهو؟ قال زيادة الكرم وكثرة المدح وأنت تعرف أن صحتي ورغبتي لا يساعداني علي تحمل ذلك.

في 26 يونيه سنة 930 : صعدنا الجبل فوجدت في الطريق شبه حجر مستقلة خربة فقلت ما فائدة هذه الحجر ياسيدي قال هذا أيضا من كرم البلاد فقد يمتد كرم الشتاء الي الصيف هذه حجر تخزن فيها الثلوج حتي الصيف.

وفي أواخر الأسبوع الاول من يوليه سنة 930 ذهبنا الي دمشق وفي منتصف الشهر اضطررنا للعودة الي عاليه حيث كان سعادته مدعوا عند فخامة رئيس جمهورية لبنان فقمنا في الساعة العاشرة صباحا وأرسلني لاختيار سيارة كبيرة فغبت بضع دقائق وعدت بسيارة كبيرة ماركة فيات فأقبل كعادته يوصي سائق السيارة بالهدوء وعاد يقول لي لماذا انتقيت هذه السيارة قلت رأيتها جديدة وطبعا محركها متين فابتسم وقال ولكن عقل القائد غير متين «لما اخذ الفقيد يوصي السائق بالهدوء كان السائق يسرع بالجواب قبل أن يسمع ويعقل ما يريده المرحوم ـ فكان جوابه أن ستراني كالبرق ولم يطلب الفقيد ذلك منه» فعرضت عليه ان أبدلها فقال لا تشاؤم اركب توكلنا علي الله وسرنا حتي اذا كنا علي عين في دمر نادي السائق بأن قف وأتيني بكوبة ماء من العين فلبي ولكنه عندما اقترب منه وقبل ان يمد يده كسرت الكوب ولا ندري السبب إلا أننا ظننا أنها كسرت من ضغط يده عليها فقال البك للسائق كفي اركب ليس لنا في الماء قسمة والتفت الي فاذا في بريق عينيه ما يدل علي أنه يخشي أمرا وقال: لقد تشاءمت من جديد فطمأنته ثم بعد برهة ابتسم وقال ها أنت رجل تقي «اتل أورادك» وسرنا حتي اقتربنا من ظهر البيدر «جهة مرتفعة 1600 متر وبجانبها الأيسر هوة عميقة» لاحظنا ان السيارة تقترب من شبه جسر هناك فوق سكة الحديد وشعرنا في هذه اللحظة أيضا انها اندفعت معوجة السير حتي خيل إلينا الانقلاب من أعلا الجسر وخرج نداؤنا معا للسائق «يمينك» فانتفض كالمذعور وأدار يمينا ثم بالغ حتي كاد يكون يمينه خلفا ثم ارتد وعاد فاذا السيارة تصطدم بالجانب الصخري وترتد علي يسارها ثم أعلاها حتي صار بابها الأيمن يسارا منقلبا.

كل ذلك وأنا احيط مولاي بذراعي وصدري وبعد ان استقرت السيارة نظرت اليه فاذا هو مصفر الوجه مهتزة ينظر ذات اليمين وذات اليسار فقلت له كيف حالك قال الحمد لله وهممنا ان نخرج فوجدت نقودا فضية مبعثرة في السيارة فقلت نقودك ياسيدي. فظهرت علي ثغره ابتسامة إعياء وقال أذهلت؟ لسنا في النقود انما نحن فيمن يقود وخرجنا بعد كل جهد من نافذة لم يبق للزجاج فيها أثر وكانت أول كلمة قالها بعد الخروج كيف حال زميلنا الثالث «يريد السائق» وخطونا خطوة فاذا هو منطرح علي الارض منحني الرأس كثير الجراح طويل الأنين فقال له كيف حالك قال الحمد لله قال له قف وأشار الي فاخذنا بيده حتي وقف عاري الرأس واذا دم يسيل من فيه ورأينا بضعة نفر من الشرطة والناس قادمون فأوصاهم البك بالسائق خيرا والتفت الي قائلا مسكين هذا فهو اكثرنا نصيبا ولو انه كان يقظا لاراحنا وأراح نفسه ثم نظر الي جبهتي فوجد دما يسيل اذ أخرج منديلا من جيبه وقال لي أعصب رأسك ولا تمد يدك بترابها عليها خشية «التيتانوس» قلت وما هو التيتانوس ياسيدي قال انت مغرم بالتفاصيل ليس هذا وقته ثم قال أنظر الي فوجدته سالما الا من خدش لا يكاد يبين فحمدنا الله وقال لي افحص نفسك فألفيت بي خمس جراحات بالرأس والذراعين والفخذ مازالت أثار الكل باقية ذكري. فابتسم وقال اشكر الله إن ما عندك ليس بشيء وخاصة علي الشباب ثم تقدمنا خطوة للجانب الأيسر فإذا ما بين السيارة وحرف الهوة العميقة لا يكمل مترا فاجفلنا وشكرنا الله وأقبلت سيارة فأشرت إليها من بعد حتي اذا كان ركابها معنا وعلموا ما نقصد منهم بصعوبة حيث لا يفقهون من العربية الا قليلا اعتذروا بازدحام سيارتهم بالسيدات ومرت ثانية ولم يكن ركابها أكثر كرما ولا سيارتهم أقل حملا ولكن خشيتي علي سيدي جعلتني ألح في الرجاء فقاطعني قائلا لهم تفضلوا ياسادة ورجع الي قائلا لا تكن ملحا. وبعد عشر دقائق أقبلت ثالثة تحمل أسرة طليانية بين سيدات وفتيات يصحبهن رجل في آخر الحلقة الرابعة نظر يمينا ويسارا ولما عرف ان هناك حادثا أوقف السيارة فتقدمت ناحيته فقال لي من هذا فقلت شوقي بك فدفع جبهته بأطراف يمناه مرتين كمن يتذكر شيئا وقال أليس هذا كبير الشعراء قلت نعم قال وأين تقصدون قلت عاليه فنزل من سيارته وتقدم خطوة وأخذ بيد البك وقال تفضل ياسيدي وأجلسه محله ثم أراد أن يزاحم بي أسرته فأبيت شاكرا واثرت ان أقف علي سلم السيارة من الجهة اليسري بجانب مولاي علي أقاوم الهواء عنه حيث كانت السيارة من النوع النصفي المفتوح فعرف البك ما أقصد وما رأيت أشد ذكاء منه وقال لي انت وفي يا أحمد واغر ورقت عيناه وكانت أول مرة يناديني فيها بغير افندي وأول مرة كذلك أري عينيه تدمعان وزاحم الرجل أسرته من الجانب الأيمن وسرنا وكان مولاي واضعا يده علي صدره من ناحيته اليسري طول الطريق وقال لي أكثر من مرة أخشي ان يكون هذا الحادث أثر علي القلب ومازلنا نقطع الطريق حتي اذا وصلنا عاليه ودخلنا قصر فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الاستاذ شارل دباس الفينا فخامته وصحبة في الانتظار ولم رأوا صورة الحادث في وجوهنا وملابسنا هبوا يستفسرون ويأبون الا تفصيلا. ولما تبينوا من الحديث خطأ السائق رأيت عيونهم تدور ووجوههم تزداد تقطيبا حتي خيل إلي أنه لو كان السائق حاضرا لمزق تمزيقا وكل ظواهرهم دلت علي كبير حبهم لسيدي وأخذوا يطوفون به مكررين التهاني بالنجاة ولم ينسوني بأجمعهم من نظرة عطف مازالت احملها بين جوانحي وقدموا إلينا نبيذا أبيض عتيقا يرون فيه حكمة عقب كل فزع وأرسلوا في طلب طبيب وكأنه كان حاضرا فبدأ يفحص البك حتي اذا ما رفع يده قال لا بأس عليك نجوت والحمد لله فقال له متشكر وارجو لو فحصت زميلي وقال الحاضرون نعم نعم فكان أول عمل منه لي ان اعطاني حقنة ضد التيتانوس كأشارة مولاي ولا سيما بعد ان رأي الدم سائلا وظاهرا برباط رأسي ثم بعد ذلك ضمد جراحي ولما كانت الساعة قد وصلت الثالثة بعد الظهر تقدم فخامة الرئيس يدعو سيدي للمائدة وتقدما معا وخلفهما المدعوون يتقدمون معهم حتي اذا كانوا حول المائدة تناول سيدي قليلا واقتديت به كاشارته خشية الخمي وبعد ذلك اخذت صورة فوتوغرافية وقام مولاي مستأذنا شاكرا لفخامة الرئيس وصحبه واتجهنا الي فندق شهير بعاليه باسم «شاهين» وهناك اقرضني صاحب الفندق بنطلونا حيث وجد بنطلوني الابيض صار ونصفه الايمين خيوطا حمراء من السيارة ومن دمي وكما كان صاحب الفندق واسع الكرم كذلك كان واسع الجسم فقد غمرني عطاؤه الفياض وبنطلونه الفضفاض واخذ مولاي يضحك علي منظري في لباسي الجديد وجلسنا علي مقعد في بهو الفندق نتذاكر الحادث فرحين بالنجاة الي ان قال سيدي بماذا تشبه نفسك حالما كنت تتقلب في السيارة قلت كحبة البن في علبتها علي النار وما كانت السيارة الا علبة وما كان رعبي الا النار فابتسم وقال وما كان جسمك الا الحبة ثم اقبل علينا الدكتور وقمنا معه لاحدي الحجر واخذ يفحص للمرة الثانية وانتهي من الفحص يؤكد السلامة ثم اقبل سعادة عرفان باشا وقال سلام عليكم ماذا حدث فسر لي ما سمعت فقال له سيدي كنا رحنا ولكن الله سلم واخذ يشرح لسعادة عرفان باشا ما حدث ويجيبه مهنئا بالسلامة ثم اقبل الاستاذ عبدالوهاب قبل الغروب بقليل وتحدثنا قليلا بالفندق ثم قمنا معه الي دمشق وكنت طول الطريق خائفا مرتجفا من تكرار الحادث ومولاي يبتسم عندما ينظر الي ويعرف من وجهي خيفتي الي ان قال لست مسلما قلت نعم فقال لم تخف؟ المسلم سلم واستسلم ثم ابتسم وقال علي ان يكون عاقلا في التسليم مع كل فالموت آت لا ريب فيه ولو جاءك اليوم كان خيرا لك في الغد فأهل الشام اقارب كل غريب فلو مت هنا اهتموا بأمرك خلدوك في الحياة بكثير من الشعر والنثر وها انت رأيتهم ادباء شعراء ولا اخالهم الا مودعينك حتي لحدك بمصر وهناك وفودهم مواطنوك يموج بهم ميدان المحطة وربما امتدت تموجاته للنواشط فكيف يكون الحال؟ اليس بمستحسن عندك هذا الرأي فابتسمت قال ما عليك الان الا ان تموت وتري فقلت عفوا يا سيدي لا ترضي ان اترك بشاشتك وعطفك وادس في التراب مخلدا فابتسم ابتسم معه الاستاذ عبدالوهاب قائلا ليس حبك للحياة الا للكباب وابتسمنا جميعا وان كانت دقات قلبي ما زالت مسرعة خوف الطريق كنا كلما ذهبنا لمطعم لا اطلب غير الكباب فاخذ ذلك علي الاستاذ عبدالوهاب.

ولاحظت ان الاستاذ عبدالوهاب قطب وجهه فجأة واخذ كأنه يقرأ وردا واخذت انا من ناحيتي كذلك اقرأ المعوذتين وآية الكرسي وآخر سورة التوبة واكرر ذلك مرارا ولما رآنا مولاي علي هذه الحالة قال حفظنا الله ببركتكما وابتسم وبعد قليل كنا في فندق خوام بدمشق اذ كانت الساعة التاسعة مساء ومن ثم دخلنا الي مطعم الفندق وابتدأت جراحي تؤلمني وأخذ سيدي يطمئنني وان علي ايضا بان اكون قنوعا في طعامي تلك الليلة وما كدت انتهي من المائدة حتي شعرت بشبه دوار خفيف لم يخف علي سيدي حين سبقني بجوابه قبل شكواي قائلا لابد ان نشعر في هذه الليلة باعياء فيستحسن والحالة هذه ان نلازم حجراتنا الساعة واذا اردت ان اترنح تسبقني انت فافعل وكأنه كان يري ما يدور بخلدي فقمت كالنشوان اخذ درج السلم متكئا رويدا من الم من فخذي اليمني كان شديدا ولم اكد انتهي الي ملابس نومي حتي دق باب حجرتي واذا بمولاي يسألني ويطمئني فشكرت وتمنيت له الخير والصحة وعلي ذلك اتخذ سبيله لحجرته وقضيت ليلة ما رأيت أحلك منها في عيني حيث كانت آلامي تتقدم بتقدم الساعة وما كانت الرابعة صباحا الا وكستني حمي ضللت طريقها اهي من جراحاتي؟ ام هي من الحقنة ورعب الحادث وما كادت تمر هذه الخواطر بفكري حتي شعرت اطرافي تنكمش وصدري يلتهب وكأن اتونا متقدا يلفظ ما فيه فوق رأسي فقمت اهرول في حجرتي والفزع يطاردني فيزداد خفقان قلبي حتي تملكني الاعياء انطرحت ارضا مستسلما لدوار واغماءه وما هي الا بضع ثوان فاذا بي مهرولا مرة اخري بين الرعب والفزع مندفعا الي باب الحجرة ومنه الي حجرة مولاي اطرق بابها مرتين واذا صوت أقدامه تتقدم نحو الباب ويقول من؟ فقلت يا سيدي خادمك في شأن جديد اظنه الموت فقال اذهب لحجرتك لا تكن ضعيف العقل عدت الي حجرتي حسيرا يزداد رأسي نارا وما كدت اغلق بابي اجلس حتي سمعت طرقا ففتحت واذا بسيدي يأبي الا ان يطمئني يريد ان يذهب ما عساه ان يكون علق بفكري من اجابته الاولي إذ بدأ يصف لي انزعاجه في نومه عندما طرقت بابه ومكث معي غير قليل يحدثني وقمت علي اثر حديثه الي سريري هادئا معافا من كلمات اطفأت نارا واذهبت رعبا وفي الغد اخذت اعود رويدا الي حالتي الطبيعية اللهم الا بعض آلام موضعية خفيفة عرف اثرها مولاي في وجهي فأخذني الي صيدلية هناك بالميدان وكان فيها لحسن حظي طبيب فحصني وعين مراهم اضعفت من حدة الالم كثيرا.

وفي ثالث يوم دعينا في المساء الي مائدة سعادة محمد بك العابد رئيس جمهورية سوريا الآن فكنا هناك محاطين بكثير من اعيان العلم والكرم بسوريا وسط بهو في قصر فخم جميل غني بنقوشه العربية ومرمره واخذنا الحديث في جد مع الابتسام وفي مزاح مع الجالسين وعدنا قبل منتصف الليل بقليل إلي الفندق وعند صعودنا السلم وخلفي الخادم اسرَّ اليَّ سيدي بأن ستسر غدا بشيء وتفخر به دائما قلت ما هو يا سيدي؟ قال ستري وفي الصباح المبكر طلب سيارة وقال لسائقها الي صلاح الدين ثم التفت الي قائلا الم تقرأ أو تسمع شيئا عن صلاح الدين؟ قلت نعم قال اذن تفخر بهذه الزيارة أليس كذلك؟ قلت بلي قال هذا هو الخلود في الحياة فقد مرت قرون علي صلاح الدين وما زالت الأجيال تتوارث ذكره وعندما وصلنا الي هناك وقف أمام ضريحه وهمس لي قائلا هذا همه. هذا امه هذا مجد هذا فخر انظر طوته الأرض وهي ابدا تطوي ولكن ذكره باق حتي تطوي السماء والأرض ثم وقف برهة ينتقل ببصره حول الضريح وينظر الي ما سطر بالحوائط ثم اخذ يتمتم بكلمات لم اسمعها واغرورقت عيناه وخرجنا ولكنه لم يتكلم طول الطريق حتي الفندق وبعد ساعة قمنا الي بيروت فكان اول عمل لنا هناك ان قال لي اذهب لاي ترزي وفصل بدلتين عما فقدت وفعلا تم ذلك في يومين فأقمنا هناك اياما تخللها كثيرة الحفلات والزيارات للادباء وخيرة العلماء بلبنان وكثيرا ما زار الفقيد ادارة جريدة المعرض وادارة جريدة الاحرار ووردت بعد ذلك من مصر بها دعوة لي بخصوص اعمال هناك فقال كان يهمني تبقي معي ولكني اوثر الان ان تذهب لقضاء هذه الاعمال ولتطمئن ولدي ووالديك خشية الاخبار المشوهة عن الحادث.

«ابن عمي»

كنت ومولاي في بيروت سنة ١٩٣٠ وفي صباح يوم من ايام شهر يوليه حبب اليه ان يجلس في قهوة نجار بميدان البرج ولم نكد ناخذ مجلسنا حتي طلع علينا رجل يهب الزهو من اردانه ونكاد نلمس الغرور متورما في اوداجه وابي هذا المخلوق الا ان يأخذ مكانه علي منضدة بقرب التي نجلس اليها ولم يستقر به الجلوس حتي اطلق يديه بالتصفيق الصاخب حتي اذا جاء الجرسون امره في غلظة وخشونة باستحضار ارجيله «شيشة» فاسترعي هذا الرجل وحركاته ونبرات صوته الجافة انتباه مولاي الذي كان يخيل لي ساعتئذ انه يتأهب للنظم فالتفت الي وقال يظهر ان هذا الرجل سارق امرأة قلت وكيف ذلك يا سيدي قال لاني رأيته يشبه الرجل الذي سرق امرأته ثم ابتسم وقال: كنت هنا من عامين وكان معي الاستاذ سليمان فوزي صاحب الكشكول والاستاذ عبدالوهاب فدعانا احدهم لزيارته في قريته الواقعة فوق الجبل ووعدنا اننا اذا زرناه سيشنف اذاننا بسماع صوت امرأة حسنة الصوت وزاد في ترغيبه لنا فقال وهي امرأة سرقها زوجها الحالي من زوجها الاول وفر بها من السودان عائدا الي لبنان وكل هذا من اجل صوتها. فرغبنا طبعا في سماع هذه المرأة المسروقة وفي سماع هذا الصوت الذي يغري علي سرقة امرأة من زوجها وفعلا ذهبنا الي زيارته وسمعنا المرأة وكان صوتها لا بأس به وان كان لا يبعث علي ارتكاب جريمة سرقتها وليس في كل هذا شيء مهم ولكن الامر العجيب هو ان المرأة كانت تغني احدي قصائد الشوقيات فقال احد رفاقنا أنها لطيفة الذوق باختيار القصيدة تحية للشاعر الذي كتبها. وبعد انتهائها من الغناءسألها أحد أصحابنا: من الملحن؟ فقالت ابن عمي، تعني زوجها، وسألها آخر: ومن المؤلف؟ فقالت زوجي!.. فالتفت إليّ صاحبي لفتة المتعجب، فقلت لا تتعجب فليس ببعيد علي الذي يسرق المرأة ويتزوجها أن يسرق قصيدة.


الخالدان معا سعد وشوقي



مع دولة سعد باشا زغلول .. في اول يونيو سنة 1926 كان يوم زفاف نجله الاكبر الاستاذ علي شوقي ودعي سعد باشا زغلول لحضور حفلة الفرح وحرص المغفور له سعد باشا علي تلبية دعوة مولاي ولكنه خوفا من زحام المدعوين الكثيرين وخوفا علي نفسه من برد الليل رأي ان يلبي الدعوة في الساعة الخامسة حتي يتسني له ان ينصرف قبل الزحام وقبل برد المساء وفعلا كان ذلك واقبل سعد باشا واستقبله شوقي بك علي باب قصره بالجيزة وجلسا بجوار بعضهما في غرفة تطل علي النيل واخذا يتحدثان وفيما هما كذلك واذا بالاستاذ عبدالرحمن الجديلي يستأذنهما في ان يسمحا لبدر افندي المصور بأخذ صورة فابتسم سعد باشا ونظر إلي الفقيد فأجابه مبتسما كذلك وقال: ولكني لا علم لي بذلك فضحك سعد باشا ضحكة خفيفة. وبعد أن أخذت الصورة قال سعد باشا وهو يبتسم لاشك ان هذا من عمل الجديلي ثم قال الاستاذ الجديلي هذه صورة الخالدين فاشار دولة سعد باشا قائلا الخلود هنا «مشيرا لأمير الشعراء». وبعدما جلسا يتبادلان كثيرا من عبارات المودة والاعجاب المتبادل والتقدير رغب سعد باشا في القيام فقام معه المرحوم شوقي بك مودعا حتي امتطي سعد باشا سيارته فعاد الفقيد وهو يقول: حقا انه لزعيم حائز لكل صفات الزعامة فقلت وهل للزعامة صفات عديدة قال اجل، فهي كثيرة واولها ان يكون الزعيم علي بسطة من العلم والجسم قوي علي نفسه جريء في الحق خبير بمختلف الشئون السياسية والقانونية قوي وليس بقاس رحيم وليس بضعيف خطيب قوي الحنجرة حسن البيان والالقاء يقدر الكبير في اعوانه ولا يجرح صغيرهم ثم ابتسم وقال وقبل ذلك ان يكون حسن الوجه ولم يرسل الله نبيا قبيح الخلقة قط.. ومن كانت هذه مؤهلاته ودعي إلي الخير فهو زعيم بالرغم من نفسه وعن الناس.



مع أهله وصحبه



بره بوالده .. في 14 فبراير سنة 1932 : قال لي البك انا ممن يؤمنون بأنه اذا نزل القضاء عمي البصر لقد لبث والدي في مرضه الأخير ما يقرب من السنة تعبا وانا متألم لأجله عابس الوجه والفكر ولم اقتصد جهدا ولا مالا بل بذلت كل ما وسعته قدرتي لأجل راحته فلم اترك طبيبا من المشاهير إلا تلمست بابه بنفسي والجميع يفحصونه فحصا جيدا ولكنهم كانوا دائما مختلفين في تعيين الداء.. وفي مرة جمعت سبعة اطباء وعلي رأسهم كومانوس باشا «وهو الذي كان يعالجه دائما» فقرروا جميعا ان مرضه في الامعاء ومنه تأثر الكبد قليلا وانه لابد من نقله الي ضاحية كالزيتون أو مصر الجديدة ولما كان والدي في آخر درجات الضعف والسقم فقد اوصوني بأن اختار عند الانتقال مركبة لينة المقاعد وان يكون سيرها هادئا ولم يكن موجودا في تلك الايام الا مركبات الخيل فنفذت اشارتهم.. وفي اليوم نفسه اوجدت منزلا في الزيتون وهيأت لوالدي حجرة شرقية . حرية يملؤها الشمس والهواء وعدت حالا الي المنزل اخذا من طريقي المركبة ومن ثم حملنا الوالد إليها ولازمته فيها ولما كنت محافظا علي نصيحة الاطباء في السير قطعنا الطريق في ثلاث ساعات من منزلنا بالحنفي الي الزيتون.. وبعد مضي عشرين يوما فحصه كومانوس باشا واستغرق بحثه اكثر من ساعة ثم اخذ مركبته ولكنه عاد الينا بحقيبته بعد ساعة يطلب الفحص مرة اخري ثم اخرج شبه ابرة مستطيلة وادخلها في جانب والدي الايمن فما لبث ان قال لقد كنا جميعا مخطئين وما كان الداء الا خراجا في الكبد وقد وصل فساده الي النهاية وما اظن والدك باقيا اياما فكدت اصعق من هذا القول.. مع اعتقادي للآن بأني ما جئته الا بمشاهير الاطباء في ذلك الوقت.


بره بوالدته

قال لي مرة عقب وفاة والدي: اعتني بوالدتك ولا تهمل لها شأنا وسلها دائما عن طلباتها وكن ملحا اذا قدمت لها ما تحب فرفضت قبوله لانه ليس للانسان في الدنيا اخلص من والديه واكثرهما حنانا الوالدة.. ثم قال: اني شعرت بصدمة عنيفة اثرت في اعصابي للان عند مفارقتي الوطن سنة 915 وبعدي عن والدتي ولقد قضيت في اسبانيا سني الحرب وجل همي والدتي فقد تركتها هنا في مصر كرغبتها ولكني لم انسها يوما واحدا بل لم انسها في كل مناسبة وما كان اكثر المناسبات التي تذكرني بها كل يوم عدة مرات ففي المائدة وفي العافية وفي المرض وفي دخولي المنزل وخروجي منه كنت اذكرها في كل هذه المناسبات وكنت دائما اترقب اخبار الحرب وما عساها تنتهي به ككل انسان في هذا الوقت ولكن كان من اكبر الدوافع لي هو شوقي الي والدتي وفي ذات يوم اخذت الجرائد كعادتي وما كاد نظري يقع علي اخبار الهدنة حتي ذكرتها فرحا بقرب لقائها ولكني لسوء حظي لم تمض ايام حتي نعيت لي بالبرق فاصطدم جسمي الضعيف هذا بالفرح والحزن وهما اكبر ضدين في الحياة فوقعت علي المقعد هامدا محبوس الريق ممسوك الدموع ولم ابك الا بعد ساعات اخذ لساني يتحرك بالرثاء وعيناي تتدفق دمعا ويدي تسطر انات قلبي وبعد ان أتممت طويت ورقتي في جيبي ورأي من في البيت من اهلي حالتي فالحوا في معرفة الاسباب فلم املك نفسي حيث تسابقت عيناي ولساني وكانت الغربة تزيدنا الما وحزنا ولما عدنا الي الوطن بأجمعنا شكرنا الله وفي اول ليلة سئلت عما اذا كنت قلت شيئا لوالدتي فأجبت نعم واخرجت الورقة التي مازالت بجيبي ولكني لم اكد امر بنظري عليها الا وشعرت بحيرة للدمع في عيني فرجوت صاحبي ان يرجئني واثرت الا ينشر شيء فاصطدم بالحزن من جديد ولازال الرثاء باقيا لم ينشر حتي الان.. وهذا مطلع الرثاء:

الي الله اشكو من عوادي النوي سهما

اصاب سويداء الفؤاد وما اصمي

بره بأخته

لم يكن للفقيد الا اخت واحدة تنازل لها عن حقه فيما تركه والده وكثيرا ما كان يذكرها وفي كل مرة يري عطفه عليها في الفاظه وفي بريق عينيه والعاطفة كانت متبادلة بينهما ولم تكن هي اقل رحمة وحنانا منه عليه اذ مرضت بعد سفره الي اسبانيا في سني الحرب وبقيت بمرضها احد عشر عاما حتي وفاتها.. كنت اراه بعد عودته من اسبانيا في اوائل سنة 920 يتردد عليها كثيرا وكنت الازمه في اكثر زياراته لها وما من مرة الا وأراه خارجا يتألم ويدعو الله لها ويقول ما من مرة اتيت هنا الا خرجت مريضا شفقة عليها، واما بره نحوها فقد كان مستديما لم ينقطع وفي اواخر سنة 930 جاءه نعيها وهو جالس علي مقعد في منزله بعد الغداء فرفع نظره الي اعلا وبقي صامتا لم يتكلم عشر دقائق وبعد ذلك قال لي لقد اراحها الله من آلامها ثم قام يمشي الهوينا حتي السيارة وثم ركبنا الي منزلها بشبرا وهناك جلس يبكي ساعة وعاد الي مكتبه لم يتكلم وبدأ مرضه بعد ذلك بشهرين علي الا كثر اذ بدأ في يوم 24 ديسمبر سنة 930.

معاملته في بيته

لم ألاحظ عليه في المدة التي قضيتها معه انه اغضب احدا من اهله بل كان يقابل كبيرهم كما يقابل صغيرهم هاشاً باشاَ وكان في مجلسه كثير المزاح كثير المداعبة معهم واذا رأي احدهم مقطبا اهتم بأمره واخذ يستدرجه بغير ضغط حتي يعلم السبب وعندما يعلم تسهل عليه المعالجة في بضع دقائق.. وكان دائما يحضهم علي البشاشة ومقابلة الناس بالابتسام ولازالت الابتسامة ملازمة لأنجاله واحفاده كغريزة فيهم.. وقابله صديق في كازينو سان استفانو في شهر يوليه سنة 1932.. وقال له ما رأيك يابك في رهان بيني وبين آخرين بخصوص نجلك حسين قال البك وماهو؟ قال لقد تناقشت مع صحبي قائلا أن حسينا لم يقابلني مرة إلا مبتسما وهم قالوا لا تبالغ وأخيرا انتهينا علي المراهنة بأن ننتظره: «وهاهم جالسون وأشار الي جماعة بجوارنا» حتي اذا جاء الليلة كعادته قابلناه وافترقنا وكررنا ذلك مرارا لنري هل يغفل الابتسامة مرة فضحك إلبك وضحكنا وقام الصديق وعلي أثر ذلك قال الحمد لله هذا ما كنت أبغيه لولدي لأن الابتسامة نصف الكرم.. قال لي مرة ضمن حديث لقد سرني من علي أني سمعته مرة من بعد يناقش احد أقاربه قائلا له: كيف تخاطبني بهذه اللهجة وأنا لم أسمع من والدي كلمة في حياتي تجرحني، فعلمت انه يحفظ لي عطفي.

وقال له صديق عزيز مرة، أري من المستحسن ياشوقي بك ان تمنع عليا من التدخين أمامك فقال له لا يرضيني ذلك لاني إن فعلت كان قربه مني قصيرا وأنا أحوج ما أكون لجعل قربه مني طويلا وكثيرا ما كان يقول لي في آخر أيامه ان اكثر ما يخيفني الآن من الموت انزعاج أولادي.. كان كلما قابل أنجاله قبلهم بشغف كما يقبل حفدته وفي أي مجلس كان يفعل ذلك.. وكان في آخر أيامه شغوفا جدا بحفدته وبخاصة حفيده احمد شوقي من نجله الأكبر وحفيدته ليلي من كريمته.. واذا كان في سفر خاطبهم بالتليفون مرتين كل يوم ليطمئن علي صحتهم.. وكان لا يدعو أحدا من أفراد أسرته باسمه بل كانت مداعبته معهم حتي في ندائه لهم فمثلا يدعو نجليه . لو لو . سيس. واحفاده الصغار. «ماده». «لولوت» وهكذا باقي افراد الاسرة كبيرا وصغيرا يدعوهم بأسماء قريبة من اسمائهم.

معاملته للخدم

لم يشعر خادم من خدمه بذل الخدمة مطلقا بل كان يعطف علي الجميع ويساعدهم ويجاملهم وكثيرا ما كان يسألهم عن آبائهم وأمهاتهم وما هم عليه من الصحة وما قام خادم بواجب إلا قال له متشكر وكثيرا ما كان يوزع عليهم نقودا بأسباب يسميها هو. مثلا كان يقول لأحدهم أنت تعبت في عملك خذ هذا واخرج اليوم للفسحة والثاني خذ هذا وقابل اخوانك في القهوة والآخر خد وجيء بطربوش غير هذا الخ.. وكان أبغض شيء لديه اضطراره لاخراج خادم ولم يحصل ذلك الا قليلا حينما يصعب عليه اصلاح ما أعوج من أمره ومع كل ذلك كان يقضي أكثر من شهرين في تردد وينتهي التردد بأن يقول لي اعمل ما شئت مع هذا وخلصني من ذنبه.. وجميع خدم المنزل الآن قضوا مددا كبيرة تتفاوت بين الخمسة عشر عاما الي الثلاثين عاما ولم يكن فيهم من سلخ أقل من ذلك الا واحد قضي خمس سنوات وهو خلف لوالده المتوفي.. وما ترك خادما يشكو مرضا إلا عرضه حالا علي الأطباء وما سافر خادم بأجازة إلا أتحفه بمبلغ من المال.

«النقد»

في شتاء 1932 كثر القدح والنقد في إحدي الجرائد اليومية من بعض الأدباء وكنت أخفي عليه ذلك لما أراه عليه من ضعف الصحة وفي ذات يوم عثر علي جريدة في المنزل وكنت بعيدا عنه ولما عدت قال لي أري في هذه الجريدة ما يدل علي انه قيل في هذا الموضوع قبل الآن «وأشار الي القطعة الخاصة به» فلم لم تقرأ لي فاضطربت قليلا ثم أبديت له الاسباب... فابتسم وقال ألم تسمع مني مرارا ان هذا لا يؤثر علي بل يرضيني لأنه عند العالمين المنصفين منعكس وما كنت أول من ينتقد.

__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:41 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke