![]() |
Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
![]() ازدواج المعايير في سيرة البشير النذير بقلم: حكيم الليبي كنت أود تسمية هذا المقال "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت" ولكني من ناحية لم أستطع مقاومة تأثير السجع، ومن ناحية أخرى فإن العنوان الحالي يعبر أكثر عما أريد قوله في هذا المقال.. وإنما كان ترددي لشيوع هذا الحديث – حديث لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها – بحيث يعرفه الخاص والعام، والكبير والصغير، وقد قرروه علينا في المدارس منذ الصغر للدلالة على عدة أمور: منها أن الرسول لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنه لا ينحاز لقرابة في حق الله أو في حد من حدوده، وفيه أيضاً تأسيس لمبدأ الولاء والبراء وكذلك مبدأ سيادة القانون في الدولة الحديثة، كما إنه مناسبة رائعة للتذكير بأن الاسلام قد سبق العالم في كل شيء بأربعة عشر قرناً (كالمعتاد).. وأنا إذ أكتب هذا المقال لا أختلف مع الرسالة التي يحملها هذا الحديث، بل بالعكس: أتفق معها تماماً فلا يتصور قيام دولة بدون هذا المبدأ - أي مبدأ مساواة الجميع أمام القانون وليس مبدأ قطع الأيدي - ولكني كنت أود أن يكون هذا الكلام صحيحاً تؤيده سيرة الرسول وأفعاله وليس مجرد شعارات جميلة براقة كشعار "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" والذي تعرضت له في مقال سابق.. ولكن استقراء السيرة ينفي هذا الأمر أو لا يشير إليه على الأقل وهذا ما سأتعرض له في ثنايا المقال. وسأعرض أمثلة كثيرة من سيرة الرسول وسأناقشها نقاشاً متجرداً من أوهام التقديس وعقلية الاعتذار والتبرير، فسنسمي الأشياء بأسمائها وألفت نظر القارىء الكريم أن ما ذكرته ثابت من سيرة الرسول فلا يحتج علينا أحد بالطعن في المعتقدات أو الاستهزاء بها فما جئت بشيء من عندي. وكنت قد عزمت على أن آتي بأمثلة من عمل الصحابة أيضاً ولكني رجعت عن ذلك اتقاء مراوغة المراوغين، فعلى الرغم من أنهم يرفعون الصحابة الى مرتبة الملائكة فما إن تواجههم بأفعالهم الموثقة حتى يحتجوا بأنهم بشر وأنهم ليسوا بحجة على الدين، فرأينا أن نأتي بأمثلتنا من سيرة الرسول شخصياً، ولن أطيل في المقدمة وهاكم التفصيل: المثال الأول: بنو هاشم في غزوة بدر خرج الرسول من مكة إلى المدينة وترصد هو وأصحابه قافلة لقريش لسلب أموالهم فأرسلت قريش جيشاً لإغاثة القافلة فكره المسلمون قتال قريش لأنهم ما خرجوا الا للغنيمة فعاتبهم الله/الرسول بقوله (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة –أي القافلة- تكون لكم) .. وأمرهم بقتال المشركين وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم بل وحرض بعضاً منهم على قتل آبائهم وإخوانهم وفعل بعضهم ذلك فعلاً.. وحتى يومنا هذا يضرب المسلمون المثل بهؤلاء الذين بلغ ولائهم للرسالة وصاحبها أن يقتلوا آبائهم وإخوانهم في سبيلها.. ولكن ما أجمل أن يكون الآمر بالمعروف فاعلاً له وسباقاً إليه، فهل هذا ما حدث في غزوة بدر؟ يحدثنا ابن سعد في الطبقات الكبرى (عن بن عباس أن النبي عليه السلام قال لأصحابه يوم بدر إني عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم من بني هاشم فلا يقتله. من لقي العباس بن عبد المطلب -عم النبي– فلا يقتله فإنما أخرج مستكرها قال فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لألحمنه السيف قال فبلغت مقالته رسول الله –ص- فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص قال عمر والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله –ص- بأبي حفص أيضرب عم رسول الله –ص- بالسيف فقال عمر دعني ولأضرب عنق أبي حذيفة بالسيف فوالله لقد نافق قال وندم أبو حذيفة على مقالته فكان يقول والله ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا الا أن يكفرها الله عز وجل عني بالشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا) ويثير هذا النص أكثر من علامة استفهام: - كيف يجوز لنبي أن يحرض أصحابه على قتال آبائهم وإخوانهم ويعطيهم في نفس الوقت قائمة بأسماء عائلته وقبيلته ليتجنبوا قتلهم؟ أين ذهبت آيات الولاء والبراء؟ وحتى لو لم تكن آيات الولاء والبراء قد نزلت في ذلك الوقت ألا يملك الرسول بداهة تجعله يدرك أن البراء ممن خرج بنفسه وماله لإجهاض الدعوة واجب؟ - لماذا استثنى الرسول قومه من بني هاشم فقط وعمه العباس تحديداً بحسبانهم مكرهين؟ ألا يوجد آخرون ربما قد يكونوا أكرهوا على الخروج لقتال أبنائهم وإخوانهم؟ ولو كان هؤلاء مكرهين كما زعم الرسول لكان بإمكانهم أن يهربوا الى جانب الرسول ويشهروا إسلامهم أو يعتزلوا الفريقين إن أرادوا. - لم يوضح الرسول كيف علم أن بني هاشم قد خرجوا مكرهين لقتاله.. هل هو وحي من الله أم فراسة من عنده؟ فإذا كان وحياً من الله فكان لا بد أن يخبره على الأقل باسم شخص واحد من خارج بني هاشم قد يكون خرج مستكرهاً فلا يعقل أن جيشاً قوامه ألف رجل كانوا كلهم عازمين على قتال محمد إلا بني هاشم!! أما إذا كان الأمر فراسة منه فكان عليه أن يفسح المجال لفراسة آخرين من أصحابه، فما أدراه أن بعضهم قد تكون له فراسة تنبئه بمن هو كاره للقتال ومن هو غير كاره؟ - لاحظ أيضاً ثنائية العصا والجزرة أو القرآن والسلطان التي يستعملها الرسول، فمن لم يرض بوعود الجنة والحور العين استعدى عليه عمر بن الخطاب المعروف باندفاعه وشدته ليتحسس رأسه، وإلا فلماذا لم يشكه إلى أبي بكر الصديق مثلاً والذي هو أكثر حكمة وأميل الى الرفق؟ - من الملفت أيضاً أن الرسول نادى عمر بن الخطاب "لأول مرة" بكنيته أبي حفص في سياق استعدائه على أبي حذيفة، وهذا أمر غريب أن يرافقه عمر لسنوات ولا يكنيه إلا عندما أراد منه أن يهدد أبا حذيفة.. ويدلك هذا على الدهاء إذ فعل فعله في شخصية عمر العنيفة ليدرك أبا حذيفة أنه قاب قوسين أو أدنى من أن يفقد رأسه فيقمع تساؤلاته في صدره ولا يتداولها مع الآخرين. - قادت الفطرة السليمة لدى أبي حذيفة بن عتبة الى التساؤل عن السر في هذا التناقض والمحاباة، وهو محق في ذلك تماماً، ولكن بعد سنوات لاحقة من غسيل المخ وطمس الشخصية وضغط الأقران خيل له أن ما قاله خطيئة لا يكفرها الا موته شهيداً وهكذا كان، ولا عجب أن المجتمعات البشرية التي تقدمت هي مجتمعات تقدر الاختلاف وتحتفل بالتنوع على عكس مجتمعاتنا التي يعتبر فيها التساؤل خطيئة قد تذهب بحسناتك إن لم تطح برأسك. - كيف سنشرع هذه المحاباة في الدولة الإسلامية بحسبان أن أفعال الرسول سنن يجب اتباعها؟ هل سنفتح الباب أمام كل قائد أو مسئول لكي يعفي أهله وأقاربه من تبعات أفعالهم بحجة أنهم مكرهين أو جاهلين أو غير ذلك؟ المثال الثاني: أبو العاص بن الربيع في الأسر قتل المسلمون في غزوة بدر سبعين رجلاً وأسروا سبعين.. ومن هؤلاء الأسرى رجل ذو أهمية خاصة هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب ابنة الرسول.. لقد حالف الرسول الحظ أن لم يقتل صهره [1] ولكن بقي عليه أن ينقذه من الأسر! وهذا ما فعله الرسول إذ أرسلت ابنته زينب قلادة أمها خديجة لفداء زوجها من الأسر [2] فرق الرسول لمرأى القلادة فقال لأصحابه "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا".. ففعلوا ذلك وأطلقوا الأسير وردوا عليها مالها وقلادتها وأسيرها (زوجها المشرك).. وتبقى مجموعة من الأسئلة الحائرة: - كيف جاز لابنة الرسول المؤمنة أن تفتدي زوجها المشرك؟ أم أنها لم تكن آمنت برسالة أبيها حتى ذلك الوقت بعد خمس عشرة سنة من البعثة؟ - إذا كانت زينب قد هاجرت بعد غزوة بدر كما يحدثنا ابن الأثير في أسد الغابة فمعنى ذلك أنها لم تكن مكرهة على البقاء بمكة كما يزعم العلماء فالزوجة المكرهة لا تفتدي زوجاً مشركاً بأعز ما تملك وهي قلادة أمها خديجة.. على ضوء هذا نستنتج أنها ما كانت مكرهة إلا في هجرتها وليس في بقائها وذلك لاشتداد مناخ العداء لأبيها في مكة بعد غزوة بدر فوجدت أن الهجرة أسلم لها. - إذا لم يكن الرسول قادراً على تفريق زينب عن زوجها وهو مستضعف بمكة لا يحل ولا يحرم، أفلم تكن هذه فرصته السانحة لقتل الرجل أو إجباره على طلاقها؟ كيف يرضى الرسول لابنته أن تعيش مع مشرك يعاشرها معاشرة الزوج والقرآن يقول (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)؟ ألا يفتي علماء المسلمين اليوم بأن المرأة إذا أسلمت فلا يحل لها معاشرة زوجها غير المسلم؟ - لماذا لم يطلق الرسول كل الأسرى بدون فداء؟ ألم يكن بينهم فقراء لا يستطيع أهلهم فدائهم؟ لماذا لم يطلق إلا زوج ابنته بدون فداء؟ صحيح أن بعض هؤلاء قد جعل فدائهم تعليم القراءة لصبية المسلمين ولكن ما مصير من كان فقيراً ولا يتقن القراءة والكتابة؟ - إذا كان الرسول يحض أصحابه على قتل آبائهم وإخوانهم في سبيل الله، فلماذا لم يؤنب زينب ويلقنها درساً عملياً في الولاء والبراء؟ ولماذا لم يضرب المثل بنفسه بأن لا تأخذه لومة لائم في من حارب الله والرسول من أهله ولو كان عمه وصهره؟ المثال الثالث: أسرى غزوة بدر بين الفداء والقتل استشار الرسول أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب في أمر الأسرى ماذا يفعل بهم: هل يأخذ منهم الفداء أم يقتلهم جزاء محاربتهم لله ورسوله، فأشار أبو بكر بالمن عليهم لأنهم أبناء العمومة وأشار عمر بن الخطاب بأن يمكن كل رجل من المسلمين من عنق أبيه أو أخيه الأسير فيضربه.. ويبدو من المنطقي أن الرسول سيختار أن يقتل هؤلاء المحاربين لله ولرسوله وللدعوة الناشئة، فرماحهم لا تزال تقطر من دماء المسلمين الذين لم ينسوا بعد تحريض الرسول لهم بالقتل والقتال الذي نزل في سورة الأنفال (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) . فهل اختار الرسول ذلك؟ لا يحتاج المرء إلى كثير من الذكاء ليدرك أن الرسول لن يجنح لقول عمر مع وجود عمه العباس وصهره أبي العاص بن الربيع في عداد الأسرى، فاختار قول أبي بكر وأطلق سراح عمه وصهره.. ولكن الرسول قد وجد نفسه في موقف حرج إذ أن المصلحة تكمن في إظهار القوة والشدة لأن الدولة لم تستقر بعد، ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يظهر الشدة فتذهب بروح عمه وصهره ولذلك اختار رأي أبي بكر مؤقتاً حتى تحقق له ما أراد ثم أوعز لجبريل أن يعترض بعد فوات الأوان فنزل بآية (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .. وصاحب نزول هذه الآية مشهدُ بارع إذ جاء عمر بن الخطاب فوجد الرسول وأبا بكر يبكيان فلما سأل عن الخطب أخبره أن الله قد عاتبه على القبول بالفداء (متأخراً لسوء الحظ).. وخلاصة القصة أن الرسول تظاهر بالأخذ بكلام أبي بكر حتى تسنى له إطلاق سراح عمه العباس وابن عمه عقيل وزوج ابنته أبي العاص بن الربيع، كما حقق هدفاً آخر وهو أخذ المال من الأسرى، ثم لم يرد أن تضيع هيبة الدولة فالتفت إلى إظهار جانب الشدة الذي يدرك بذكائه أنه يحتاجه فجاء بآية (ماكان لنبي أن يكون له أسرى ...) لتحقيق ذلك.. ولا ندري لماذا تأخر جبريل في أمر يتوقف عليه مصير الدعوة الاسلامية الناشئة كل هذا الوقت حتى نجا العباس وأبي العاص بجلودهم وهو الذي كان يأتي الرسول وهو في لحاف عائشة ؟ لماذا لم يظهر جبريل إلا بعد أن نجا من أراد الرسول لهم النجاة؟ .. قارن هذا بقصة ذهابه الى بني النضير وزعمه أن جبريل أخبره بأن بني النضير أرادوا أن يلقوا عليه حجراً من فوق الحصن!! فشن عليهم حرباً انتهت بإجلائهم من أرضهم التي عاشوا فيها قرون عديدة ونهب أموالهم إلا ما حملت الإبل.. فهذه مرة من المرات التي جاء فيها جبريل في الوقت المناسب أو قبله بقليل.. ولا أدري في أي شريعة يعاقب الناس على جريمة لم يرتكبوها ولكنهم "هموا" بارتكابها وبدون أي دليل إلا وشاية كائن خرافي ذو أجنحة يلبس طاقية الإخفاء وينزل سراً على الرسول في أوقات غريبة.. المثال الرابع: العباس عم الرسول في الأسر وما دمنا في سياق قصة أسرى بدر فلا ننسى أن نذكر القصة المشهورة عن امتناع النوم عن النبي بعد المعركة ولما سأله الصحابة عن ذلك قال إنه سمع عمه العباس يتألم من أثر القيد في يديه فقام الصحابة ففكوا عنه قيده فنام رسول الله!! ومن العجب أن يتلقى شخص خرج بنفسه وبماله لقتال المسلمين هذه المعاملة الاستثنائية فلا يقتل ولا يوضع القيد في يديه، أما باقي الأسرى السبعين فلم يسمع الرسول أنينهم أو لم يبال به. ولكي نقف على الحقيقة في كون العباس خرج مكرهاً نورد ما ذكره الواحدي في أسباب النزول من أن العباس أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر، فقال: فكلمت رسول الله –ص- أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي، فأبى علي وقال: أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا . انتهي كلام الواحدي.. فهاهو الرسول يقر بأن العباس بذل ماله لاطعام المقاتلين فهل هذا فعل شخص مكره على القتال أو حتى كارهٍ له؟ أليس بذل المال أكبر من بذل النفس كما قال القرآن (بأموالهم وأنفسهم) فجعل المال مقدماً على النفس؟ وإذا كان العباس وعقيل وبنو هاشم خرجوا مكرهين ولا يجوز قتلهم فكيف جاز أن يأخذ منهم أموالاً للفداء؟ وكعادة علماء المسلمين في تلفيق وتبرير النصوص المحرجة أخذوا يستخدمون هذا النص للدلالة على رحمة النبي ورفقه بأهله.. ولم يتحدثوا عن الرحمة والرفق حينما كان يحرض الناس على آبائهم وإخوانهم، كما لم يلفت نظرهم أن الرحيم كان يجب أن يعطف على جميع الأسرى وليس على عمه فقط، وغاب عنهم أن يعلقوا على تجاهل الرسول لأبجديات الولاء والبراء التي يكاد يجعلها البعض ركناً من العقيدة. المثال الخامس: بنات الرسول وتعدد الزوجات عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله –ص- وهو على المنبر يقول: "إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها". وهذا حديث صحيح كما قال ابن عساكر وخلاصته أن بني هاشم بن المغيرة أرادوا أن يزوجوا ابنتهم لعلي بن أبي طالب فرفض الرسول رفضاً قاطعاً لأن ذلك يؤذي ابنته!! وطالما قالت النساء أن هذا مما يؤذيهن، ويدرك العقلاء ذلك بدون كثير عناء، أما الإسلاميون فيدافعون عنه دفاعاً مستميتاً على الرغم من إقرار الرسول به، ولكن الغريب في الأمر أن الرسول رضيه لنساء المسلمين ولكنه لم يرضه لابنته، فلماذا؟ يزعم المشايخ أن هذه الفتاة هي بنت أبي جهل وأن الرسول لا يريد أن يحرم حلالاً ولكنه لم يرد أن تجتمع بنته وابنة أبي جهل في بيت واحد!! وهذه حجة واهية إذ ليس في الحديث ما يدل على أنها ابنة أبي جهل وحتى لو كانت كذلك ألم يقل القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى)؟ .. ثم إذا كان الرسول رضي أن تعيش ابنته مع مشرك خمسة عشر عاماً أو يزيد فلماذا لا يرضى أن تكون ضرة ابنته الأخرى مسلمة أبوها مشرك؟ وهل يختار المرء أباه؟ أولا يجب الإسلام ما قبله؟ أليس أخاها عكرمة بن أبي جهل من كبار قادة المسلمين الذي فتحت على يديه البلدان؟ ألم يتزوج الرسول أم حبيبة بنت أبي سفيان بنت عدو الله في ذلك الوقت؟ فلم لم يقل أنه لا يجتمع رسول الله مع ابنة عدو الله في بيت؟ ألم يتزوج صفية بنت حيي بن أخطب زعيم اليهود وعدو الله؟ وقل ذات الشيء في جويرية بنت الحارث بنت زعيم بني المصطلق؟ ولو كان الرفض لكونها بنت أبي جهل لكان علياً تزوج امرأة أخرى غيرها، ولكن علياً فهم رفض الرسول أنه رفض لفكرة الزواج على فاطمة من حيث المبدأ فلم يتزوج عليها حتى ماتت على الرغم من أن تعدد الزوجات كان شائعاً حتى أن الرسول نفسه تزوج خمس عشرة امرأة وجمع بين إحدى عشر ومات عن تسع، أما الحسن بن علي فقد روي عنه أنه كان يتزوج أربعاً ويطلق أربعاً حتى كان أبوه علي بن أبي طالب يخاطب الناس من على المنبر قائلاً "لا تزوجوا الحسن فإنه مطلاق"، فكيف خالف علي عادات عصره واكتفى بزوجة واحدة هي فاطمة طوال حياتها ثم تزوج الكثيرات بعد موتها؟ كما لا يجوز الاحتجاج بأن بنت أبي جهل كانت مشركة فإن تحريم الزواج من المشركات كان معلوماً ولا يخفى على شخص في فقه علي بن أبي طالب وقرابته، كما أنها لو كانت مشركة لاحتج الرسول بذلك ولم يحتج بالأذى الواقع على ابنته. وقد قال الرسول إن علياً لو أراد زواج ابنتهم فعليه أن يطلق فاطمة فلو كانت ابنتهم مشركة لما جاز له زواجها حتى لو طلق فاطمة مما يدل على أنها كانت مسلمة. ما خلاصة هذه القصة؟ خلاصتها أن الشريعة نزلت لصالح الرجال لأنهم هم من يحارب وينفق أما النساء فلا يرجى منهن نصر ولا منعة ولذلك لم يهتم الله بهن حتى أنه لم ينزل آية تخاطبهن حتى ذكرته بذلك زينب بنت جحش فأنزل آية (إن المؤمنين والمؤمنات .. الخ) وهو الذي لا تدركه سنة ولا نوم .. أما عندما تصادمت هذه الشريعة مع مشاعر فاطمة ابنة الرسول المفضلة فقد تراجعت ادعاءات أن الله هو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير وحل محلها الجدال والنقاش الذَاْن ينهانا عنهما الرسول، فتارة قال إن هذا الزواج يؤذي ابنته وتارة قال إن ابنته لا تجتمع مع بنت عدو الله في بيت، وصدق من قال (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً). المثال السادس: واستشهدوا شهيدين من رجالكم يعلم الجميع أن الشهادة في الشريعة الاسلامية لا تقبل إلا من رجلين عدلين أو رجل وامرأتين [3]، وقد يضيع حق الإنسان إذا لم يتوفر له شاهدان عدلان، وهذا مما يسري على جميع المسلمين فهل يسري على الرسول؟ دعونا نتأمل هذا الحديث الذي يرويه أبو داوود والنسائي: ابتاع الرسول فرساً من أعرابي واستتبعه ليقبض ثمن فرسه فأسرع النبي –ص- وأبطأ الأعرابي وطفق الرجال يتعرضون للأعرابي فيسومونه بالفرس وهم لا يشعرون أن النبي –ص- ابتاعه حتى زاد بعضهم في السوم على ما ابتاعه به منه فنادى الأعرابي النبي –ص- فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته فقام النبي –ص- حين سمع نداءه فقال أليس قد ابتعته منك قال لا والله ما بعتكه فقال النبي –ص- قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي –ص- وبالأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا يشهد أني قد بعتكه قال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك قد بعته قال فأقبل النبي – ص- على خزيمة فقال بم تشهد؟ قال بتصديقك يا رسول الله قال فجعل رسول الله –ص- شهادة خزيمة بشهادة رجلين!! ونحن هنا لا نتعرض لمسألة هل اشترى الرسول الفرس من الأعرابي أم لا فليس هذا مهماً في سياقنا، ولكن المهم هو أن الشريعة تنص على الإتيان بشاهدين عدلين، ولكن الرسول هنا لم يكتف بخرق الشريعة بقبول شاهد واحد، بل وللأسف قبل بشاهد واحد ليس بعدل، بل هو باعترافه "شاهد ما شفش حاجة".. وكان المتوقع من الرسول أن يشكر هذا الشاهد على حسن نيته ويبين له أنه لا يجوز أن يتبرع بشهادة الزور لأي سبب كان لأن هذا يفتح باباً خطيراً جداً وهو جواز شهادة الزور لصالح من عُرف عنه الصدق حتى ولو لم ير الشاهد شيئاً، ولكن الرسول هنا أعرض عن شريعته وسن استثناءً خطيراً ليس فقط بقبول شهادة هذا الرجل المزورة بل بجعل شهادة هذا الرجل تعادل شهادة رجلين.. هذه الشهادة التي أدت فيما بعد إلى تدوين آية في القرآن لم يجدوا عليها شاهداً غيره فاعتمدها زيد بن ثابت بهذه الحجة!! ولقائل أن يقول أن الرسول قبل شهاد الرجل لأنه يعلم من نفسه الصدق ولكن هذا حال الكثيرين من الناس ولكن لا يجوز لك أن تستشهد شاهد زور بل الحق أن يضرب القائد المثل بنفسه حتى ولو ألحقه ذلك ضرراً – وأذكر في هذا السياق بموقف الإمام أحمد إذ طُلب منه أن يقر للمعتزلة بخلق القرآن من باب المداراة حتى يخرج من السجن فأبى خشية الفتنة على العامة ممن يقتدي به.. هذه هي صفات القائد. وبالعودة الى موضوع التشريع في الدولة الإسلامية المنتظرة: هل نسمح لمولانا أمير المؤمنين خليفة رسول الله أن يتلاعب بالشهادات كيفما شاء باعتبار هذه سنة من سنن الرسول؟ المثال السابع: قصة مارية مرة أخرى والقصة واردة في صحيح مسلم ومفادها أن رجلاً اتهم بالزنا بمارية القبطية جارية الرسول وزوجته وأم ولده ابراهيم، فأمر الرسول علي بن أبي طالب بأن يذهب ويضرب عنق هذا الرجل بدون دليل على هذه التهمة على الرغم من أن الشريعة تقول بأن من قذف شخصاً بالزنا فإن عليه الإتيان بأربعة شهود عدول رأوا الواقعة بالتفصيل والا فإنه يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدا.. كما تقول الشريعة أن الرجل إذا دخل بيته ووجد رجلاً يزني بامرأته فإنه يشهد عليها أربع شهادات بالزنا.. ولكن الرسول لم يطبق أياً من هذه التشريعات النازلة في سورة النور والتي لا ينفك المشايخ يذكروننا بأن الله قال في أولها (سورة أنزلناها وفرضناها).. كما لم يأمر الرسول بسؤال زوجته الجارية مارية على الرغم من أنها شريكة في الفعل الذي كاد يقتل الرجل بسببه. في هذه الحادثة التي تحتاج إلى أربعة شهود لم يطلب الرسول حتى شاهد واحد ولو كان "شاهد ما شفش حاجة"، بل سن الرسول استثناءً عجيباً إذ جعل حياة الناس رهناً بلحظة غضب أعرض فيها عما سنه بنفسه من تشريعات، وحكم على الرجل بالقتل ولولا أن ظهر أن هذا الرجل مجبوب –أي لا ذكر له- لمات غير مأسوف عليه. المثال الثامن: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً لا يختلف اثنان على أن الغيبة من المحرمات التي نهى عنها الله والرسول، ودرسنا في المدارس آية (ولا يغتب بعضكم بعضاً.. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).. ولا ينسى مشايخنا الأفاضل أن يذكرونا بأحاديث الرسول في النهي عن الغيبة والتشديد على فاعلها، ولكن حديث البخاري عن عائشة يرسم صورة أخرى لا يذكرها لنا المشايخ: عن عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته: استأذن رجل على النبي –ص- فقال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة"، فلما دخل ألان له الكلام ، فقلت : يا رسول الله ، قلت الذي قلت ثم ألنت الكلام؟ قال: "أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس ـ أو ودعه الناس ـ اتقاء فحشه". البخاري وكغيره من الأحاديث، ترك هذا الحديث العلماء في حيرة من أمرهم ففيه غيبة صريحة إذ نعت الرجل بأنه بئس أخو العشيرة، وليس ذلك فحسب بل إنه ألان له القول عندما دخل، وعندما سألته عائشة تهرب بأن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه.. وهذا تفسير عجيب فهو لم يترك الرجل اتقاء فحشه بل اغتابه، ولم يقل أحد أن الغيبة حلال في من كان فاحشاً فالغيبة هي الغيبة إلا ما كان للتحذير أو النصح أو التظلم أو الاستفتاء أو لمن جاهر بفسق أو لمن طلب الإعانة لإزالة منكر، وهذه كلها لا تنطبق في حق هذا الرجل فكيف جاز للرسول أن يغتابه؟ والناس في غالب الأمر إنما يغتابون من يبغضون منه خلقاً أو آخر، وهنا محل التعفف والترفع عن الغيبة، فأي فخر في أن لا تغتاب أحد الصالحين أو الطيبين؟ ولو افترضنا أن هذا الرجل مستحق للغيبة لأي سبب من الأسباب فلماذا تلطف به الرسول وألان له القول عندما دخل؟ ألا يعد ذلك من النفاق المذموم؟ ألم يقل الرسول أن أبغض الناس عند الله ذي الوجهين؟ ثم لماذا عاد واغتابه مرة أخرى بعدما خرج بقوله إنه إنما يتقيه لفحشه وإنه شر الناس؟ ثم إذا كان هذا الرجل فاحشاً أفلم يكن أولى بالرسول أن ينهاه عن هذا المنكر الذي يرتكبه؟ ألم يقل أن من رأى منكراً فعليه أن يغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان؟ فلماذا لم يغير هذا المنكر بيده أو بلسانه وهو أقوى الناس إيماناً؟ بل وارتكب منكراً أشد باغتياب الرجل؟ وتبقى ملاحظة أخيرة وهي أن المرأة السارقة في حديث (لو أن فاطمة سرقت..) والتي جاء أسامة بن زيد ليشفع فيها فقال الرسول ما قال هي امرأة من بني مخزوم.. وبنو مخزوم هم قوم أبي جهل من ناحية، ومن ناحية أخرى فهم قلة في قريش ولذلك كانوا يسمون بريحانة قريش ولذلك لم تأخذ الرسول لومة لائم في قطع يد المرأة المخزومية فمن ناحية فإنه يبغض بني مخزوم (ولذلك رفض جعل ابنتهم ضرة لابنته)، ومن ناحية أخرى فهو لا يخشى منهم ثورة ولا اعتراضاً.. ولعلنا نقارن هذا بموقفه من عبد الله بن أبي بن سلول الذي طعن في عرض الرسول وتولى كبر حديث الإفك ومع ذلك فلم يُجلد مع من جُلد، وقال ليخرجن الأعز منها الأذل ولم يصبه شيء، كما جامله القرآن في قصة الأمة التي أجبرها على البغاء (ارجع الى مقالي: متى استعبدتم الناس..) ، ومع كل ذلك صلى عليه الرسول بعد أن مات اتقاءً لغضبة قومه ثم أفاق جبريل متأخراً كعادته في المواقف المحرجة فنزل بآية (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) لحفظ ماء الوجه. نكتفي بهذا التفصيل ونشير سريعاً الى العديد من "الخصائص" الأخرى التي يتميز بها الرسول عن الناس والتي أغلبها في أمور النكاح ومنها أنه لا يتقيد بأربع زوجات كباقي المسلمين، ويجوز للنساء أن يهبن أنفسهن له (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين – سورة الأحزاب)، كمايجوز له أن يتزوج بدون ولي ولا شهود ولا صداق ولا عقد، وأنه كان يُدركه الفجر وهو جُنبٌ من أهله فيغتسِلُ بعد الفجر ويصوم، وكان يُقبِّلُ بعض أزواجه وهو صائم في رمضان، كما لا يتنقض وضؤه بالنوم الخ.. ومن المناسب هنا التذكير بقول عائشة للرسول (أرى ربك يسارع لك في هواك - البخاري). أحسب هذا القدر كافياً للدلالة على ما أردت قوله وأترك للقارىء أن يتأمل حديث (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) في ضوء الروايات السابقة ويسأل نفسه: هل كان الرسول ليقطع يد فاطمة لو أنها سرقت؟ نعلم أن هذا السؤال بعيد الاحتمال ولكن لو حدث ذلك فهل كان الرسول سيقطع يدها؟ لا يوجد في الأمثلة التي ذكرناها ما يشير أدنى إشارة إلى ذلك ويبقى هذا شعاراً يضاف إلى قائمة الشعارات التي يلوكها الاسلاميون ويبنون دولتهم الوهمية على أساسها الواهي.. ولو كانت هذه الشعارات تغني شيئاً لعمل بها من أطلقها .. أما نحن فقد تناولنا من المخدرات الدينية ما يكفي سكان الأرض للنوم لعشرات القرون وآن آوان اليقظة فقد ضحكت من جهلنا الأمم.. --------------------------------------- [1] لاحظ أن أبا العاص بن الربيع وهو مشرك قد بقي زوجاً لزينب ابنة الرسول قبل البعثة وحتى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة أي ما يقارب عشرين سنة، فابنة الرسول إما أنها كانت كافرة طوال هذه المدة أو أنها كانت مسلمة متزوجة من مشرك حتى هجرتها.. ومن الطريف أنها بعد أن هاجرت بسنوات استولى المسلمون على أموال كان يحملها زوجها السابق فجاء الى بيتها بالمدينة خفية واستجار بها فأجارته ورد الرسول عليه ماله (لاحظ أن المسلمين كانوا يسلبون قوافل قريش فلماذا رد أموال هذا الرجل بالذات). بعد أن رجع اليه ماله قرر أن يسلم فرده الرسول الى زينب بنفس زواجه السابق وجعل هذا فقهاء المسلمين في حيرة من أمرهم لم يخرجوا منها حتى اليوم فكيف يجوز لرجل تزوج في الجاهلية أن يستمر في زواجه في الاسلام خاصة بعد فراقه لزوجته لخمس سنوات أو يزيد؟ وكعادتهم فإن بلادتهم لم تسمح لهم برؤية التناقض فراحوا يتجادلون في جواز هذا الأمر لأن الرسول أقره أو تأويله أو جعله من خصائص الرسول الى آخر ألاعيب الحواة. [2] تأمل هشاشة قول القائلين بأن زينب بنت الرسول كانت راغبة في الهجرة ولكن زوجها منعها، ولو صح ذلك لكانت هذه فرصتها في اللحاق بأبيها الرسول في المدينة بدلاً من أن تبذل قلادة أمها خديجة لفداء زوجها المشرك، ولا شك أن اختيارها للقلادة لم يكن اعتباطاً فهي تعرف أن الرسول سيرق لها لما تحمله من ذكريات. [3] لاحظ أنه على الرغم من أن شهادة المرأة تعادل نصف شهادة الرجل، فإنها لا تكون في الحدود بمعنى ان المرأة يمكن أن تشهد –نصف شهادة- في النزاعات المالية والزوجية وغيرها إلا إذا كان محل النزاع مؤدياً إلى إقامة حد فعند ذلك لا تقبل شهادتها حتى ولو كانت معها عشر نساء!!. http://www.7akeem.net/articles/19_ezdewaj.html التعديل الأخير تم بواسطة georgette ; 19-01-2010 الساعة 10:24 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|