![]() |
Arabic keyboard |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
هلِ ٱلْوُجُودُ خَطَأٌ قَدَرِيّ؟
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِى "هٰذَا مَا جَنَاهُ عَلَيَّ أَبِي، وَ مَا جَنَيْتُ عَلَىٰ أَحَدٍ" بِهٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلْمُوجِزِ، لَخَّصَ ٱلْمَعَرِّي رُؤْيَتَهُ ٱلْفَلْسَفِيَّةَ ٱلْعَمِيقَةَ: وُجُودُنَا فِي هٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ لَمْ نَخْتَرْهُ، بَلْ فُرِضَ عَلَيْنَا، وَ إِذَا كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ كُلُّهَا أَلَمًا، فَمَا ذَنْبُ ٱلْمَوْلُودِ؟! البيت: "هذا ما جناه عليّ أبي، وما جنيتُ على أحد" أولًا: من الناحية الأدبية: الصياغة: البيت جاء في غاية الإيجاز و الكثافة، من شطرين متقابلين: الأول يُحمّل المسؤولية، و الثّاني يُعلن البراءة. هذا التّوازن اللفظي يعكس التُوتّر الداخلي في نفس الشاعر. اللغة: استخدم المعري فعل "جنى" الذي يدل على الإثم أو الذنب، ليعبّر عن الحمل الثّقيل، الذي أورثه له أبوه، و هو الحياة نفسها. الأسلوب: يُعدُّ من أساليب التراجيديا الشعرية، إذ يتحدّث الشّاعر عن نفسه بأسلوب فنّيٍّ تأمّليٍّ فيه لوعةٌ و حكمةٌ. ثانيًا: من الناحية الفلسفية: الفكرة الأساسية: المعري يرى أنّ الإنسان يُولد دون إرادته، و بالتّالي فإنّ مسؤولية وجوده تقع على والديه، خصوصًا الأب في إطار الثقافة التي تعزو الفعل له (كمجتمعٍ ذكورِيٍّ). النّظرة للحياة: هذا البيت يكشف عن فلسفة تشاؤمية عميقة. المعري يرى أنّ الوجود نفسه عبءٌ، و أنّه لم يكنْ يرغب في هذه الحياةِ، التي لم يَخْتَرْها. تبرئة الذّات: يقول "و ما جنيت على أحد"، فيتبرأ من أن يكون قد تسبّب بالأذى لأيّ مخلوقٍ، كأنّه يردُّ على فكرة أنّ الحياة سلسلة من الجنايات المتبادلة. في سياقه العامّ: المعري كان متأثّرًا بمأساة فقد بصره و مجتمعه، و كان مفكّرًا متقدّمًا زمنَه، تأمّلً في وجود الإنسان و سَخِرَ من العاداتِ و التّقاليد، و قد تُعدّ هذه العبارة واحدة من أقدم الإشارات في الأدب العربي إلى فكرة اللاجدوى الوجوديّة. هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ ٱلَّتِي طَرَحَهَا ٱلْمَعَرِّي، تَتَكَرَّرُ فِي أَدَبِ ٱلْعَالَمِ وَ فَلْسَفَتِهِ، وَ إِلَيْكُمْ بَعْضَ ٱلْأَصْدَاءِ ٱلْعَالَمِيَّةِ لِهٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا: ١. إِيمِيل سِيُورَان – "مَثَالِبُ ٱلْوِلَادَةِ": "ٱلْوِلَادَةُ هِيَ سُقُوطٌ فِي ٱلْعَالَمِ… خَطَأٌ لَمْ نَرْتَكِبْهُ، وَ لٰكِنَّهُ يُحَدِّدُ كُلَّ شَيْءٍ." ٢. آرْثُر شُوبَنْهَاوِر – "ٱلْعَالَمُ إِرَادَةٌ وَ تَمَثُّلٌ": "ٱلْحَيَاةُ عَمَلٌ بِلَا هَدَفٍ، وَ عَذَابٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ… لَوْ كَانَ ٱلْوُجُودُ هِبَةً، لَوَجَبَ شُكْرُ أَحَدٍ، وَ لٰكِنَّهُ لَعْنَةٌ، وَ لَا نَعْرِفُ مَنْ نَلْعَنُ." ٣. فْرَانْتْس كَافْكَا – مِنْ مَذَاكِرَاتِهِ: "إِنَّ ٱلْفِعْلَ ٱلْأَكْثَرَ خَطَأً، هُوَ أَنْ يُولَدَ ٱلْإِنْسَانُ." ٤. فِيلِيبْ لَارْكِن – قَصِيدَةٌ "هٰذَا مَا يَفْعَلُهُ ٱلْآبَاءُ": They fuck you up, your mum and dad. They may not mean to, but they do. تَرْجَمَةٌ مُخَفَّفَةٌ: "يُفْسِدُكَ وَالِدَاكَ… لَا يَقْصِدَانِ ذٰلِكَ، وَ لٰكِنَّهُمَا يَفْعَلَانِ." ٥. أَدُونِيس – مِنْ قَصِيدَةٍ فِي "هٰذَا هُوَ ٱسْمِي": "مَا ٱسْمِي؟ مَنْ أَنَا؟ طِفْلٌ رَمَتْهُ ٱلْأَيَّامُ فِي لَيْلِ ٱلْوُجُودِ… بِلَا سَبَبٍ، بِلَا مَعْنًى." فِي نِهَايَةِ ٱلْأَمْرِ، يَبْقَىٰ بَيْتُ ٱلْمَعَرِّي نَصًّا مُوجَعًا وَ مُوجِزًا، صَالِحًا لِكُلِّ عَصْرٍ، يَصِيحُ بِٱلْحَقِيقَةِ، ٱلَّتِي نَخْشَىٰ ٱلِٱعْتِرَافَ بِهَا: أَنَّ وُجُودَنَا، رُبَّمَا، كَانَ زَلَّةَ قَدَرٍ. |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|