Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-09-2005, 03:24 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي عطش مفتوح إلى التلالِ البعيدة ـ ج 3 ـ 6 ـ

عطشٌ مفتوح إلى التِّلالِ البعيدة*

أنشودة الحياة

[نصّ مفتوح]





إهداء:


إلى أختي الغالية كريمة يوسف

إلى روح أمِّي المبرعمة في روحي

وإلى سهول القمح

المفروشة على مساحات الذَّاكرة





...... ...... ..... ...
حنَّتِ النَّواطيرُ إلى كرومِهَا



غربةٌ معتّقة

تغلغلَتْ

جوانحَ المساءِ



ترتعشُ شوقاً

إلى دِنَانِ الخمرِ



تهفو أن تغفو

بينَ هضابِ العمرِ



شوقٌ يستعرُ

كلّما يهبطُ اللَّيلُ



أوجاعُ الحنانِ تنمو

تزهرُ الرُّوحُ

بين بتلاتِ الغربةِ برعماً



يتلألأ في أعماقِ الذَّاكرة

نداوةُ الليالي القمراء



ننامُ فوقَ سطوحِ المنازلِ

نغازلُ النُّجومَ

نضحكُ من أعماقِ الانبهارِ

سحرتني نجمةُ الصَّباحِ

ساطعةٌ مثلَ وجنةِ عاشقة

من وهجِ الضِّياءِ



ذكرياتي باقاتُ فرحٍ

غافيةٌ بين شقوقِ اللَّيلِ

محفورةٌ

فوقَ حدائقِ القلبِ

مثلَ الوشمِ



مزهوّةٌ أنتِ يا روح

فوقَ أزاهيرِ البدنِ



بحيراتُ العمرِ مغروسةٌ

بأعشابِ البراري

بكلّ أنواعِ النَّفلِ



أتوقُ إلى أراجيحٍ متدلدلة

بين رحابِ الذَّاكرة



زنابقُ الرُّوحِ غافيةٌ

فوقَ صحوةِ القلمِ



رحلةُ اليباسِ لم تَعُدْ يباساً

تسقي جفافَ الحلقِ

من غزارةِ تدفُّقاتِ الجراحِ



يعبرُ القلبُ تعاريجَ الحلمِ

مُضيئاً قناديلَ الحنينِ

في أزقّةِ المدائنِ



غيمةٌ تتدلّى

في وجنةِ الخيالِ

تتناثرُ رذاذاتُهَا

فوقَ روابي سوسني



يتبعثرُ حزني كلّما يندلقُ

على وجنةِ القصائدِ حبراً

له نكهةً أبهى من الحلمِ

فيمسحُ بلهفةٍ عارمةٍ

رعونةَ الشَّجنِ



تهتُ في بقاعِ الدُّنيا

ألملمُ زنابقَ العمرِ



الرُّوحُ تحلّقُ

فوقَ قلاعِ الحنينِ



يرتعشُ القلبُ انتعاشاً

كلّما أشتمُّ عبقَ العذارى

كلّما يهبُّ النَّسيمُ

من أعماقِ الوهادِ



قطراتُ البكاءِ تتناهى

فوقَ أناشيدِ اليمامِ



ضلَّتِ القنافذُ طريقَهَا



فحيحُ الأفاعي

تصحِّرُ نسغَ السَّلامِ



تاهَ الغمامُ

تاركاً خلفه

بحيرات المحبّة

تعصفُ فوقَها رعونة الرِّيحِ



أيّ جرادٍ تتحدّثون عنه

أيُّها الغافي بين طراوةِ الطِّينِ!



لحظةُ إنذهالٍ تماوجَتْ

فوقَ نسيمِ الصَّباحِ



كنتُ أظنُّ أنَّ الجرادَ

أفلَ ..

انقرضَ منذُ زمنٍ بعيدٍ



تضاءَلَتْ خصوبةُ الرُّوحِ

واندلقَت نجمةٌ

من خشونةِ الحزنِ

وتخثّرَ فوقَ وسادتي

وهجُ الانبهارِ



آهٍ .. أينَ سأخبِّئُ

جموحَ الطُّموحِ؟!



حقولُكم عطشى

وحلوقُنا أيضاً عطشى ..



قحطٌ متفاقمٌ

رغمَ كثافةِ الينابيع



عجباً أرى

كلّ تلكَ الزَّوابع المطريّة

وعطشٌ يزدادُ تفشِّياً ..



حنينٌ متدفّقٌ

نحو المساءاتِ البعيدة



قمرٌ يفرشُ ضياءَه

فوقَ أوجاعِ المسافاتِ

المتطايرة من وهجِ الرُّوحِ ..



عطشٌ مفتوحٌ

إلى تلكَ التِّلالِ

إلى تلكَ الصُّخورِ المسترخية

فوقَ منحدراتِ الحنينِ



زهورٌ متصالبة

معَ خمائلِ الذَّاكرة



لا تقُلْ مناجلُنا حزينة

لا تقُلْ مناجلُنا قديمة

كم مرّة سنَنْتُ نصولَهَا!



مناجِلُنا حادّة

أكثرَ من السَّواطيرِ

تهطلُ خصوبةً

مثل النَّوافيرِ!



قبلَ أنْ أعبرَ المسافات

خبّأتُ منجلي الصَّغير

بينَ حميميّاتِ الرَّحيلِ

راغباً أنْ أحْمِلَهُ إلى سماءِ الغربةِ

إلى شواطئِ اسكندنافيا



منجلٌ صغيرٌ مسنونٌ

بأحجارِ الصُّوّانِ



منجلٌ يحصدُ

خصوبةَ الشَّوقِ

معلّقٌ

بين جنباتِ بهجةِ الحلمِ



.. بقيَ منجلي هناك!

لكنّه يزورُنِي بينَ حينٍ وآخر



يعبرُ واحاتِ الحلمِ

يداعبُ شموخَ السَّنابلِ

يمنحُنِي رغبةَ الرَّقصِ

على إيقاعاتِ

حفيفِ اللَّيلِ!



تتلوَّنُ وجوهُنا بالأوجاعِ

كلّما نرقصُ

رقصةَ الرَّحيلِ..



آهٍ .. عَبَرْنَا الضَّبابَ ..

ضَبَابَ المسافاتِ



إيّاكم أنْ تُضيّعوا منجلي

إيّاكم

أنْ تعفِّروا وجْهَهُ الزَّاهي



اِتركوه مسنوناً

مسنوناً للغايةِ ..



إنْ جئتُ يوماً

ولم أرَهُ مسنوناً

سأرفعُ عليكم فردةَ الرُّحى ..



كم مرّةٍ عَبَرْتُ تلكَ الرَّوابي

أسوقُ دابّتي

قاصداً فرداتِ الرُّحى



كم مرّة جَفَلَتْ دَابّتي مِنَ الطِّيورِ

وهي تعبُرُ أخاديدَ الزَّمنِ



أسمعُ هديرَ الرُّحى

تدورُ كما يدورُ الزَّمن

في لجّةِ الانتظارِ

انتظارُ حبّات القمحِ

بعدَ أنْ تصبحَ طحيناً



يغفو الطَّحّانُ

على إيقاعاتِ حجرِ الرُّحى

أتْرُكُهُ ينامُ ..

يأخذُ غفوةً

يستيقظُ حالما تتوقّفُ الرُّحى

عنِ الدَّورانِ



يتواصلُ معَ هدوءِ المكانِ

ويغفو على إيقاعِ الهديرِ



البارحة زارني قمرٌ

فيما كنتُ أرتمي

بينَ ضيائهِ



تلمَّستُ عبقَ السَّنابلِ



منجلي آهٍ يا منجلي

يعانقُ دائماً جبهةَ القمرِ

له شكلُ الهلالِ



وردةُ اللَّيلِ نامَتْ ..



نقيقُ الضَّفادعِ

تصدحُ بإيقاعٍ رخيمٍ ..



من هنا

أسمعُ نقيقَهَا الموزون

فكّرْتُ أكثرَ من مرّةٍ

أن أصيغَ لحناً

على إيقاعاتِ رتمها ..

لكنّي نحّيتُ فكرتي جانباً

إيقَاعاتُها جاهِزة

في كلِّ حين



حالما يهبطُ الظَّلامُ

ينبعثُ بهدوءٍ

صداحُ اللَّيلِ الطَّويلِ



لم أسمعْ عبر شواطئِ غربتي

ضفادعاً تصدحُ أو تغنّي



هل كانت ضفادعُنا

تناجينا ولا ندري؟!



سهولُ القمحِ لحافي

كم مرةٍ جُبْتُ تلكَ الرَّوابى

عابراً أعماقَ الفيافي



كم مرّةٍ افترشْتُكِ

أيّتها السُّهول الممتدّة

فوقَ وجهِ القصائدِ؟!



نثرتُكِ بين رحابِ المراكبِ

كم مرّةٍ زرتُكِ والنُّجوم نيام



تتلألئينَ ..

تعبرينَ المسافات

على أجنحةِ الهداهدِ!



زغردي يا روحي زغردي

ها قد جاءَتْ أسرابُ الحمائم

حاملةً وهَجَ الشُّوقِ

إلى أحواشِ الحدائقِ!



إيّاكم أن تقولوا السَّاقية تئنُّ

إنّها تحنُّ إلى بهجةِ الاشتعالِ

اشتعالُ الشُّوقِ

إلى خدودِ اللَّيلِ

ليلُ المالكيّة الحميمِ!



رفرفي يا روحي رفرفي

وحلّقي عالياً

ثمَِّ اهبطي هناكَ

حيثُ شموخ الدَّالياتِ

على تخومِ الأوابدِ!



بياراتنا غير مشرّدة

لا ..

يستحيلُ أن تتشرّدَ زهورُنَا

إنّي أشمُّ عبقَهَا من هنا

تبدِّدُ صقيعَ غربتي

تُبَلْسِمُ ليلي الطَّويل



بحرقةٍ عميقة

نتسابقُ على العودةِ

نحنُ هناكَ ..

نعيشُ

على شواطئِ دجلة

تحتَ أشجارِ (برّكِة*ْ)



نرقصُ في أعيادِ (بَرَهْ بَيْت*)

نتزّهُ حولَ ينابيعِ الفرحِ ..

حولَ ينبوعِ (سويديكي*)

و(كهني مطرْبة*)!



نغفو على أنغامِ

سواقي (تل داره*) ..



دالياتي ..

حزينةٌ أنتِ يا دالياتي



لماذا تتركونَ العجولَ الشَّاردة

ترعى ..

تكسرُ غصونَ الدَّالياتِ؟



أيّها النَّواطير

عودوا إلى كرومِكم!



أنكيدو

لماذا لا تحمي دالياتنا

أيّها التَّائه في البراري ..



ضاعَتْ عشبةُ الخلاصِ



كيفَ تتجرّؤونَ أن تعبثوا

بتضاريسِ عشتار؟



عشتار

آهٍ .. يا عشتار

يا إلهة الحبِّ والإنتشاءِ

يا غربةَ الغرباتِ!



أيّها الإنسان

كم من السّنينِ تحتاجُ

أن تفهمَ معارجَ عشتار؟

يا مَنْ تحملينَ بينَ وجنتيكِ

خصوبةَ الحياةِ!



كلّ أنثى منبعثة

في ليلةٍ قمراء

من ينابيعِ عشتار

من عبقِ عشتار ..



أحبّائي

وجعٌ ينمو

في رحيقِ الصَّباحِ


أشتاقُ إليكم شوقاً عميقاً

مسربلاً بالانصهارِ!



لا أنسى أبداً أكداسَ الحنطة

يتراقصُ أمامي

كديساً كبيراً

بدأتْ أختي (تُسَرْكِتُه*) ..



أشواكٌ نابتة

بين وداعةِ السَّنابلِ



تملكُ أختي إرادةً تقهرُ

سماكاتِ الصُّخورِ

تدرسُ باقاتِ الحنطةِ

بخواطيرِ* الصُّوفِ

تقومُ بدورِ النَّورجِ

تستخلصُ حبّاتِ الحنطةِ

من قلبِ السَّنابلِ

تضربُ (بالخاطورةِ)

فوقَ السَّنابلِ



ترتعشُ الحبيباتُ فرحاً

تخرجُ الحنطةُ بابتهاجٍ إلى النُّورِ



تداعبُها خيوطُ الشَّمسِ

ويغمرُها دفءُ النَّسيمِ



عجباً أرى

كيف (ستُسَرْكِتي)

هذا الكديس الكبير لوحدِكِ؟



ابتسمَتْ ..

تناهى إلى سمعي

صوتها المكّحل بنقاوةِ الحقولِ

إني عطشانة ..



جلبْتُ لها طاسةَ ماءٍ

من الجرّةِ المخبّأةِ

في حضنِ (كديسِ) الحنطةِ



شربَتْ بمتعةٍٍ

كأنّها ترتشفُ نبيذَ الحياةِ

كوباً آخر!



أهرعُ مثلَ الحجلِ

تفضّلي!



تشربُ بتمهّلٍ وهي تنظرُ نحوي



أسمعُ صوتَ ارتشافها

تبتسمُ ولم تُجِبْ عن سؤالي



عفواً أختي

هل لِوَحْدِكِ (سَتُسَرْكِتي)

كلّ هذهِ الأكوامِ؟!

ستساعدني أميّ!



أمّي في السَّبعينِ مِنَ العمرِ

لكنّها ستساعدني على الخفيفِ



على الخفيفِ أو الثَّقيلِ

لا أقبلُ أن تساعدَكِ أمّي



مَنْ سيساعدني؟!

أنا سأساعدُكِ

نظرَتْ إلى عينيّ

دمعتان ساخنتان خرّتا

مِنْ عينيها الواسعتين

ثمَّ اقتربَتْ نَحْوِي



باسَتْنِي على خدّي

رغوةٌ خفيفةٌ من الفرحِ

ارتسمَتْ على حافَّاتِ الخدِّ



قالت لي ادرسْ دروسَكَ

كي لا تصبحَ مثلي



ليسَ لديَّ دروسٌ في الصَّيفِ

اذهبْ والعبْ معَ رفاقِكَ



سألعبُ في كَسْرِ السَّنابلِ

لاستخلاصِ حبّاتِ القمحِ



لا تتعلّم هكذا مهنٍ!

لكنّي أتألّمُ عندما أراكِ

ساعاتٍ طوال

تعملينَ وحدكِ

تحتَ الشَّمسِ

تضحكُ

تعوّدتُ يا عيني



شمسٌ حارقة

تسلخُ جِلدَ الثَّورِ ..



أشردُ ..

أتوهُ في أعماقِ البراري



يلمعُ في ذهني

يوماً من أيامِ الرَّبيعِ

حافلاً بالدَّهشةِ



تصرخُ أختي

تستنجدُ بأخي الكبيرِ

تمسكُ كتلةً ليّنة تحتِ فستانها

من جهةِ الظَّهرِ

تولولُ خلّصني

حيّةٌ تتحرّكُ في ظهري



هرعَ أخي مثلَ الباشقِ

حاملاً منجله

تلمّسَ ظهرَهَا

لم يتلمّسْ طراوةَ حيّةٍ



تراخَتْ يَدُهَا

خُيِّلَ إليها أنَّ ما تلمّسَتْهُ

ربّمَا كَان مِنْ وحيِ الخيالِ



ابتعد أخي متابعاً لملمةِ (القرّامِ)

نوعٌ من النَّباتِ الطَّويلِ

يصنَعُ منهُ (ريسيّاتٍ*) ملفوفة

ليسخدمُها لصيدِ الأسماكِ

يسدُّ عرضَ النَّهرِ بأكوامِ (القرّامِ)

تنحشرُ الأسماكُ بينَ (الريسيّاتِ)

يسمعُ حركاتها

يمسكُ كثيراً

من سمكِ الشَّبّوطِ



جفلَت أختي وأمسكَتْ مرّةً أخرى

كتلةً طرية في أعلى الظَّهرِ

استنجدَتْ بأخي

لكنّهُ توارى بعيداً

عندَ مشارفِ النَّهرِ



اقتربتُ من أختي

شعرْتُ بالرُّجولةِ

مَعَ أنّي مَاكُنْتُ

قَدْ شَبَبْتُ

عَنِ الطَّوْقِ



أمْسَكْتُ حَجَرَ الصُّوانِ

ومنجلي الصَّغيرِ



قالَتْ أختي

إيّاكَ أنْ تكسرَ ظهري!



بكيتُ دونَ أنْ أذْرفَ دَمْعِي

كي لا تنهارَ أختي



اقتربْتُ منها

تلمّسْتُ ظهرَهَا

لم أجدْ ما يوحي بكائنٍ حيِّ



أأنتِ متأكّدةٌ

مِنْ وجودِ الحيّةِ؟



قالَتْ إنَّهَا في قبضتي

لكنّي لا أجدُ حولَ يَدِكِ أيُّ أثرٍ

لما تبقّى من الحيّةِ



ربّما هي حيّة (كِرِيْكُوْر)!



ماذا تعني كِرِيْكُوْر يا أختي؟



حيّة بدونِ ذنبٍ

قصيرةٌ للغايةِ

تلدغُ فيهرُّ شعرُ الرَّأسِ



نظرْتُ إلى شعرِ أختي

لم تلدغْكِ بَعْدُ

فقالَتْ كَيْفَ عرفْتَ هذا

لأنَّ شعرَكِ لم يهُرْ بعدُ



ضحكَتْ أختي

ثمَّ أرْخَتْ يَدَهَا

سقطَتْ كتلة ليّنة على الأرضِ

فهجمْتُ عليها بمنجلي

أرديتُهَا قتيلاً

من الضَّربةِ الأولى



نظرَتْ أختي على الأرضِ

يا حرام إنها عروس الحيّة

لا تلْدَغُ ..



لماذا ضربتها ضربةً مميتة؟



لأنها قطعَتْ قلبي

أليسَت حيّة (كِرِيْكُوْر)؟ ..

لا ..

لكنّها قصيرة للغايةِ

ضحكَتْ اختي

ألا ترى ذيلها الرفيع

وسيقانها الصَّغيرة؟



جاء أخي حاملاً سلّةً

مليئةً بسمكِ الشَّبّوطِ



قتلتُ حيّةً (كرِيْكُوْر)

أنْتَ، قالها باستخفافٍ

فعلاً قتلها، قالت أختي



سَحَبْتُهُ نحوها

تفضّل ها هي



نظرَ إليها قائلاً:

هذه كانت في عبِّكِ؟!

لا في ظهري

وأنتَ قتلها

أيوه قتلتُها بضربةٍ من منجلي



طالما قتلتها بضربةٍ واحدة

فهي حيّةٌ (كرِيْكُوْر)



صفّقَ لي

ضحكنا ثمّ عبرنا المروجِ!



شممْتُ عبقَ النَّرجسِ البرّي

طلبتُ من أختي

باقةً من النَّرجسِ



الشَّمسُ على حافّاتِ المغيبِ

توجّهْنَا نحو (كفري حارّو*)

حيث خصوبة الحياةِ ..

لملمنا باقاتِ النَّرجسِ البرّي



بعد ثلث قرن من الزَّمان

ما زال عبقُ الشَّذى ينبعثُ

من تلكَ البراري

عابراً أمواجَ البحارِ



عطشانة

أجلبُ لها

كوباً بارداً

من الماءِ



(أُسَرْكِتُ) معها قليلاً

بضعةَ سنابلٍ

تضحكُ قائلةً

هذا يطلعُ رغيف خبزٍ

أفرحُ..

متابعاً استخراج حبيباتِ القمحِ



شهورٌ وهي ترفعُ خاطورتها

كم من المرّاتِ رفعتِ

هذه الخواطيرِ؟

ملايينُ المرّات!ِ



أربعةُ أكياسٍ

من الحنطةِ الإيطالي

تكفينا لمؤونةِ الشِّتاءِ



حلمٌ يتناثرُ

حولَ قبابِ الرُّوحِ



تنقّي أمّي حبّات الحنطة

من البَرْبُوْرِ والزيؤانِ



نكهةُ البرغل ما تزالُ في فمي

تطحنُ أمّي في الجاروشةِ

قليلاً من الحنطة

تعجنُ الطَّحينَ

ثم قليلاً من الخميرة

خميرةُ البهجةِ

خميرةُ الحنانِ

أقبّلُ أمّي



أراني متناثرٌ

فوقَ براري القصائدِ

أتوقُ إلى خبزِ التنّورِ



تلوحُ لي في الأفقِ

صورةٌ موشومةٌ

فوقَ وجنةِ الرُّوحِ

كيفَ كانت تعجنُ أمّي ..



تأتي نسوةُ الحارةِ

يقطعونَ الشّعيريّة

حبّاتٍ صغيرة مثل الإبرة



مهارةٌ فائقة لدى أمّي

سريعةٌ أكثرَ من كلِّ النِّساءِ

أندهشُ لمهاراتِهَا



تعملُ فتائلَ العجينِ طويلةً

بإبهاميها وسبابتيها

تقطّعُ حبيباتِ الشّعيريّة



استهواني

أن أتعلّمَ قَطْعَ الشّعيريَة



فتيلةً صغيرة أعطتني أمّي

بدأتُ أقطّعُ بطيئاً للغايةِ

ثخينةٌ حبّاتي ..



بعدَ أيامٍ

سيطرْتُ على حركةِ القطْعِ

انْضَمِمْتُ إلى الورشةِ



منذ أنْ كنتُ طفلاً

خرجْتُ عن السِّربِ



فيما كانت أمّي منهمكة

في ترتيب فوضى البيت

كنتُ أنا أجْلِي



أستمتعُ بتنظيفِ الصُّحونِ

تندهشُ أمّي

إنكَ تنظّفُ الصُّحونَ

أكثر من نظيرة

لأنّها أصغر منّي



تضحكُ أمّي قائلة

لكنكَ صبيٌ يا ابني

ولو يا أمّي



مشاكسٌ منذُ الطُّفولةِ

أخالفُ كثيراً من التَّقاليدِ



هل توارثْتُ من أمّي

مهارةَ الإمساكِ بتلابيبِ الحرفِ؟



الشّعيريّة تشكّل حرفَ الألفِ والرَّاءِ

أحياناً الدَّالِ واللامِ



إنها تتعانقُ مع حروفِ الهجاءِ

أصابعي تشبه تماماً أصابع أمّي



كنتُ حزيناً في بادئ الأمرِ

كم كنتُ أتمنّى

لو كانت خشنةً وغليظة

مثل أصابعِ أبي أو عمّي

لكنّي توازنتُ مع أصابعي الرَّفيعة

معَ مرورِ الزَّمنِ



وجدتُهَا أكثرَ انسيابيّةً

لعوالمِ القلمِ

ستبقى روحُكِ الشَّفيفة

معانقة جوانحي

حتّى الأزلِ

شكراً لكِ يا أمّي!

..... ..... يُتْبَعْ!



ستوكهولم: حزيزان 2003

صبري يوسف:

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم

sabriyousef1@hotmail.com




أنشودة الحياة: قصيدة ملحمية طويلة جدّاً، تتألّف من عدّة أجزاء، كل جزء بمثابة ديوان مستقل مرتبط مع الجزء الذي يليه. وهذه القصيدة مقاطع من الجزء الثالث من الأنشودة، حملت عنواناً فرعياً:

عطش مفتوح إلى التِّلال البعيدة

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 20-09-2005 الساعة 03:28 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-09-2005, 07:12 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
Thumbs up

الأخ الغالي صبري:
لقد استمتعت كثيرا بقراءة نصك/عطش مفتوح إلى التلال البعيدة/ وأحسست بأنك تجسد مابداخلنا فماضينا جزء منا، معان جميلة، موسيقا عذبة تنعش الروح من جهة، ويكتئب القلب لحنوه واشتياقه لأيام زمان من جهة أخرى لقد كتبت في المنتديات عن/السليقة/ هل قرأتها ياأخ صبري لاأراك في المنتد ى للتعليق على بعض المواضيع نحن بحاجة إلى أفكارك النيرة هل يرجع هذا إلى ضيق وقتك؟
لك كل الشكر على أشعارك الملتهبة بالعاطفة والحنان ودمت لنا أخا وصديقا والله يوفقك!!!!
أختك أم نبيل سميرة.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-09-2005, 09:03 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

العزيزة سميرة زاديكه أم نبيل المحترمة


تحيّة من القلب

أحييكِ يا عزيزتي على المتابعة والإهتمام الطيّب لنصوصي ونشاطكِ في الموقع، بالنسبة لموضوع متابعاتي لما تكتبونه وتكتبينه في المنتديات والرد عليها، وعدم مساهمتي في الردود والتعقيبات، فيعود إلى ضيق الوقت، أتابع الكثير مما ينشر في الموقع، نصوص الصديق فؤاد، كتاباتكِ وكتابات أخرى عديدة، لكن لا أجد الوقت الكافي للرد، وأنا من طبعي أرد باستفاضة واسترسال، وهناك الكثير من نصوصي القصصية والنثرية والشعرية كانت مجرد تعقيب على قارئ ما لنصّ ما من نصوصي أو قصصي، لهذا ترينني أتجنّب التعقيبات والردود، ليس لأنني لا أريد الردّ بل لأنّني أسخّر الوقت في إعادة صياغات نصوصي التي تنتظرني بفارغ الصبر وأفكار نصوص وقصص، لدي آرشيف ومشاريع كتابة تأخذ وقتاً مفتوحاً للكتابة لهذا نادراً ما أعقب إلا على الذين يعقبون على نصوصي فأرد عليهم بإختصار شديد، ناهيك على انني اساهم في الكتابة بعدة مواقع ومنتديات، فلا أريد ان أتوقف عند التعقيبات حتى في مواقع أخرى أيضاً!

نصوصكم جميلة وطريفة وطيبة، كلمة سليقة تحرِّضني على كتابة قصص وأشعار! نحن ترعرعنا على السليقة، لو تفحصي تاريخنا ستجدينه مكثّفاً بالسليقة، نعم بالسليقة! هاهاهاهاها

مودّة عميقة متجدِّدة أقدمها لكم جميعاً
صبري يوسف ـ ستوكهولم
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke