ٱلْعَقْلُ ٱلْمَخْتُومُ بَيْنَ رُكَامِ ٱلْعَادَةِ وَ مَوْتِ ٱلْفِكْرَة بِقَلَمِ: فُؤَ
ٱلْعَقْلُ ٱلْمَخْتُومُ بَيْنَ رُكَامِ ٱلْعَادَةِ وَ مَوْتِ ٱلْفِكْرَة
بِقَلَمِ: فُؤَادٍ زَادِيكِي
فِي مُجْتَمَعَاتِ ٱلشَّرْقِ، حَيْثُ تَخْتَلِطُ ٱلْأَصَالَةُ بِٱلتَّحَجُّرِ، وَ ٱلتَّقْلِيدُ بِٱلْحَقِيقَةِ، يَظَلُّ ٱلْعَقْلُ رَهِينَ أَخْتَامِ ٱلْمَاضِي، مُقَيَّدًا بِعَادَاتٍ وَاهِيَةٍ، وَ تَقَالِيدَ مَا عَادَتْ تَصْلُحُ إِلَّا لِتَغْذِيَةِ ٱلْوَهْمِ، وَ تَوْرِيثِ ٱلْقُيُودِ. فَٱلْإِنْسَانُ هُنَاكَ لَا يُولَدُ حُرًّا، بَلْ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْحَيَاةِ مَلْفُوفًا بِأَغْطِيَةِ ٱلْخُضُوعِ، مُحَاطًا بِجُدْرَانِ ٱلطَّاعَةِ ٱلْعَمْيَاءِ، تَسْنِدُهُ أَوْهَامُ ٱلشَّرَفِ ٱلْكَاذِبِ وَ تَجُرُّهُ إِلَى مُسْتَنْقَعَاتِ ٱلْفِكْرِ ٱلْمُتَكَرِّرِ.
كَيْفَ لِعَقْلٍ أَنْ يُبْدِعَ وَ قَدْ جَرَى تَرْوِيضُهُ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ عَلَى أَلَّا يَسْأَلَ، وَ أَلَّا يَشُكَّ، وَ أَلَّا يَتَجَاوَزَ مَا قَالَهُ ٱلْآبَاءُ؟ وَ كَيْفَ لِأُمَّةٍ أَنْ تَنْهَضَ وَ أَجْنِحَةُ أَبْنَائِهَا تُقَصُّ بِٱسْمِ ٱلدِّينِ حِينًا، وَ بِٱسْمِ ٱلْعُرْفِ حِينًا آخَرَ، وَ بِٱسْمِ "مَا هَكَذَا يُفْعَلُ" فِي كُلِّ حِينٍ؟ فِي هَذَا ٱلشَّرْقِ ٱلْمُثْقَلِ بِٱلْمَوْرُوثِ، يُصْبِحُ ٱلِٱنْتِمَاءُ لِلْجَمَاعَةِ أَهَمَّ مِنْ حَقِّ ٱلْإِنْسَانِ فِي ذَاتِهِ، وَ تَغْدُو ٱلْمَبَادِئُ مُجَرَّدَ أَقْنِعَةٍ تُخْفِي خُضُوعًا مُطْلَقًا لِمُنْظُومَاتٍ بَائِدَةٍ.
إِنَّنَا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ تَخْتَلِطُ فِيهِ ٱلْهُوِيَّةُ بِٱلْخَوْفِ، وَ ٱلْفَضِيلَةُ بِٱلتَّحْرِيمِ، وَ ٱلنَّقْدُ بِٱلْخِيَانَةِ. مُجْتَمَعَاتٌ تُـمَارِسُ ٱلطُّقُوسَ كَأَنَّهَا مُقَدَّسَاتٌ مُنَزَّلَةٌ، وَ تُهَلِّلُ لِخِطَابِ ٱلْوِصَايَةِ وَ كَأَنَّهُ عَطَاءٌ. مُجْتَمَعٌ تِلْوَ ٱلآخَرِ، يَتَآكَلُ مِنَ ٱلدَّاخِلِ، فِيمَا يَرْفَعُ رَايَاتِ ٱلشَّرَفِ ٱلْمُزَيَّفِ وَ يَخُوضُ مَعَارِكَ وَهْمِيَّةً ضِدَّ ٱلتَّغْيِيرِ.
لَيْسَ هُنَاكَ مُؤَامَرَةٌ أَكْبَرُ مِنْ تِلْكَ ٱلَّتِي خُطِّطَتْ لِتَقْدِيسِ ٱلْجَهْلِ، وَ لَيْسَ مِنِ ٱسْتِعْمَارٍ أَعْتَى مِنْ ذَاكَ، ٱلَّذِي تَمَكَّنَ مِنَ ٱلْعُقُولِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ ٱلْأَرْضَ. مِنْ هُنَا، لَمْ يَكُنِ ٱلِٱسْتِعْبَادُ قَهْرًا بِٱلسَّيْفِ وَحْدَهُ، بَلْ بِخَنْقِ ٱلسُّؤَالِ فِي ٱلْمَهْدِ، وَ تَفْرِيغِ ٱلْعَقْلِ مِنْ أَيِّ طُمُوحٍ لِلتَّجَاوُزِ. كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ مَعْلُومٌ، مُخَطَّطٌ لَهُ، مَرْسُومٌ؛ بَلْ وَ مَفْرُوضٌ كَقَدَرٍ لَا فِكَاكَ مِنْهُ.
إِنَّ هَذِهِ ٱلْمُجْتَمَعَاتِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى ثَوْرَةٍ فِي ٱلشَّوَارِعِ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ إِلَى تَمَرُّدٍ فِي ٱلْعُقُولِ، إِلَى مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى كَسْرِ ٱلْقَوَالِبِ، وَ نَزْعِ ٱلْأَخْتَامِ، وَ فَتْحِ ٱلنَّوَافِذِ ٱلْمُغْلَقَةِ مُنْذُ قُرُونٍ. فَلَنْ يَتَحَرَّرَ ٱلشَّرْقُ حَتَّى يُعِيدَ ٱلنَّظَرَ فِي مُسَلَّمَاتِهِ، وَ حَتَّى يَخْتَارَ أَنْ يُوَاجِهَ ذَاتَهُ بَدَلَ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهَا كُلَّ مَرَّةٍ إِلَى قَوْقَعَةِ ٱلْأَمَانِ ٱلزَّائِفِ.
ٱلْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ فِي أَنْ تَقُولَ مَا يُقَالُ، بَلْ أَنْ تَمْلِكَ ٱلْجُرْأَةَ لِتَقُولَ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; يوم أمس الساعة 02:01 AM
|