Arabic keyboard |
#1
|
|||
|
|||
عين ورد
عين ورد بقلم حبيب أفرام كنت أظن وأنا استمع الى جدي يروي حكاياتها، أنها ليست جزءاً من تاريخ ولا واقعاً في جغرافيا، بل أنها خيال وذكريات. هو الذي تركها مع اخته الوحيدة في حرب أو مجزرة أو تهجير لا يذكر منها إلا أصواتاً وصراخاً ودماء وتغييراً جذرياً في حياته. كان جدي حبيب في السادسة من عمره واخته سارة في الخامسة، حين مََنَّ القدر عليهما بمَنْ قاد مسيرتهما الى لبنان. وأنا ابن الجيل الثالث لحبيب الأوَّل، ولدت وترعرعت في بيروت. لا جدي ولا والدي ادمون عادا الى عين ورد. ذهبت الى عين ورد مرتين أول مرة بعد ثمانين عاماً، ولم أصدق ان العمر لحظة، وان الحنين الى التراب هو أصدق ما في حياة الانسان، عدتُ كما الى الرحم نعود، كما الى بداية كل شيء. عين ورد قلعة، حجارة، بقايا، شاهدة على مأساة مسيحيي الشرق وعلى هول مستقبل شعبنا. لا يفيدنا كثيراً حكايات صمودها الشرس في " السيفو" ولا بطولات ابنائها ولا محاولات يائسة للملمة شمل ابنائها في حنايا الارض. عين ورد، ضيعة بقي فيها ست عائلات سريانية، فقط لتقول للتاريخ أنَّا هنا. عين ورد، تطرح سؤالاً في بال كل منا، نحن الى أين؟ شعبنا الى أين؟ هل تبتلعه الهجرة في الغرب؟ وماذا يبقى في ضمير أجيال؟ عين ورد، تلح عليّ بالاجابة. انا اللبناني حتى العظم، المسيحي حتى الرجاء، المشرقي الهوى، المدرك بعمق لمعنى الهوية والانتماء والتراث، وبنفس الوقت القادر على قراءة الواقع السياسي والديموغرافي بين خرافات بعض الطروحات وتنكر البعض الآخر لدمهم. عين ورد، التي احفظ منها حجارة وتراباً في منزلي، وحنيناً حزيناً في زاوية قلب تحثني على النضال. لأن الهوية يمكن ان تستمر في القلب والعقل، ولوْ ظلمها التاريخ ولو قست عليها الجغرافيا. اننا قادرون على ان تحيا فينا، حيث نحن، وان نحمل معنا لغتنا وقرانا وأرضنا وقديسينا وكتبنا وطنا بالقوة، وانْ نوقف نزيفنا، وان نستمر نشهد في كل الشرق من سهول نينوى، الى طورعبدين، الى القامشلي، الى جبل لبنان، دون عقدة أقليات أو أعداد أننا ملح الشرق. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|