مشاركتي على برنامج بوح الصورة في أكاديمية الأدباء و الشعراء العرب إعداد و تقديم جهاد
مشاركتي على برنامج بوح الصورة في أكاديمية الأدباء و الشعراء العرب إعداد و تقديم جهاد سالم و بإشراف لجنة النقد و المراجعة
لواعجُ القلب بين الحنين و الحرية
بقلم: فؤاد زاديكى
حين تهبُّ نسائمُ الذكرى على الروح، ترتجف المشاعر كما أوراق الشجر في مهبّ الريح، و تُبعث الحياة في تفاصيل ماتت ذات غياب. فالحنين ليس مجرّد شعور، بل هو وجعٌ مقيم، يسكن القلب كلّما تاقت الروح إلى زمنٍ مضى أو مكانٍ عشناه ذات دفء و طمأنينة. الحنين هو تلك الغصة الخفية التي لا تراها العيون، بل يشعر بها القلب حين يتردّد صدى الضحكات القديمة، أو تمرّ رائحة الأمكنة، التي أحببناها.
و إذا كان الحنين نارًا، فإنّ الاشتياق هو لهبُها. الاشتياق لا يُروى برسالةٍ، و لا يُخمده صوتٌ عابرٌ في الهاتف. هو عطشٌ لا يُروى، و قلق لا يهدأ، و شوقٌ يتفجّر مع كلّ لحظة صمت. الاشتياق لا يعترف بالزمان و لا بالمكان، بل ينسج خيوطه حول القلب، يعتصره حتّى تسيل منه الذكرى دمعًا و صلاة.
لكن ما قيمة الحنين و الاشتياق إن لم يكونا مشدودين بخيوط الحرية؟ الحرية هي الروح التي تُنعش كلّ إحساس. من دونها، يتحوّل الحنين إلى قيد، و الاشتياق إلى وجعٍ لا يُحتمل. إنّ حبّ الحرية ليس تمرّدًا، بل هو احتياجٌ وجوديّ، فكلّ كائن حيٍّ ينشد الانعتاق، و يتوق إلى الأفق المفتوح، حيث لا قيد يُكسر الحلم، و لا ظلم يُصادر الصوت.
نشأنا على حبّ الأرض و الناس، لكنّنا وُلدنا أيضًا بحلم الانطلاق و التحليق. إنّ حبّ الحرية يجعل من الحنين جمالًا لا مرارة فيه، و يجعل من الاشتياق وعدًا باللقاء لا ألمًا مقيمًا. وحدها الحرية تُعطي المعنى لكلّ شعور، و تُعيد ترتيب الفوضى التي تُخلّفها الذكريات فينا.
حين نشتاق، نُدرك كم كنّا أحرارًا ذات زمنٍ لم نُدرك فيه قيمة ما نملك. و حين نحِنّ، نكتشف أنّ المكان لا يفارقنا، بل نحن الذين نحمل ملامحه في قلوبنا. الحرية وحدها تجعل منّا أوفياء لذاكرتنا، أمناء لأرواحنا، صادقين مع وجعنا و حنيننا.
الحنين ليس ضعفًا، و الاشتياق ليس هروبًا، بل هما صدى إنسانيٌّ عميقٌ لحبٍّ ما زال حيًّا فينا، و حريةٍ لم نتخلَّ عنها رغم المسافات. هكذا نبقى، قلوبًا معلّقة بين ما كان، و ما نرجو أن يكون.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; اليوم الساعة 07:44 AM
|