Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الثقافي > موضوعات متنوعة

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-05-2006, 09:26 PM
aido aido غير متواجد حالياً
Super-User
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 246
افتراضي عمانوئيل والحرب الكرواتية السربية (القسم الثامن )

كان علىَ أن أشتري سيارة بسرعة , وذلك لطبيعة العمل .
أخبرت جميع أصدقائي بالموضوع , وكان أحدهم الدكتور بركات الذي كان أسبقهم , حيث اتصل بي قائلاً : أن هناك سيارة باص صغيرة للبيع.
لقد كانت عز الطلب , سيارتي القديمة لم أحصل على تعويضها بعد لأني
كنت أنتظر فقط تقرير الشرطة للحصول على التعويض ...................
أخذت الباص بالتقصيد ( أي على دفعات ) . لأنني كنت بحاجة إلى بضاعة للمحل الجديد , كان علىً أن أكون حذراً جداً بخصوص البضاعة
لأن العيون كانت ُمصلطة علىَ من جميع الجهات . لذا قررت : أن لا يكون المحل فارغاً ولا مليئاً , وأن أتبضع بكميات قليلة .
فإن أولاد الحرام كانوا أكثر من أولاد الحلال .
مرت الأسابيع والأشهر دون أن يحدث أي شيئ يستحق الذكر , وظننت أن الوضع قد تحسن وكل شيئ على ما يرام , ولكن ما حدث كان العكس .
توقفت سيارة الشرطة العسكرية ثانية أمام المحل , وترجل منها ثلاثة أشخاص . قالت العاملة : ماذا أستطيع أن أقدم لكم ؟
قال أحدهم : نريد السيد عمانوئيل
ردت : لحظات فقط سوف أخبره , دخلت الفتاة الى المكتب وقالت أن هناك بعض الرجال يريدون مُقابلتك في الخارج . خرجت وقدمت نفسي , قال أحدهم نريد إستعارة سيارتك لخدمة الجيش , قلت : لا مانع , وكم ساعة تريدونها ؟
فضحك أحدهم قائلاً حتى إشعار آخر !!!
قلت : ماذا تعني ؟
أجاب حتى نهاية الحرب !!!
قلت : هل تعلمون بأنها ليست سيارتي الخاصة , وإنما هي سيارة المحل .
نعلم أن الجيش بحاجة لها وهو أهم من المحل .
قلت : هل تدرون ما معنى ذلك ؟
قال : ندري فقط إننا بحاجة لها .
قلت : هل تدرون بأنكم تقطعون الأرزاق , وأن قطع الأرزاق يعني قطع الأعناق .
قال : إخرس
عندها لم يبقى أمامي سوى أن أخرس ..........................................
أخرجت الكاميرا وصورت السيارة من الداخل والخارج تصويراً دقيقاً .
قال : ماذا تفعل ؟
قلت : مثلما تستلمون السيارة أريد أن أستلمها , وهذا الفيلم مصور بالتاريخ والساعة مع صوركم وأصواتكم . بعد التوقيع على ورقة الإستلام أخذوا السيارة , وكأنه قانون الغاب .. لحظات من الصمت والتفكير , أخرجت علبة الدخان وأولعت السيكارة . أخذت الهاتف واتصلت مع فلاديمير , ردت السكرتيرة .. نعم !! قدمت نفسي , وطلبت منها أن توصلني بالسيد فلاديمير .
قالت : إنه خارج الوطن , في زيارة للنروج , شكرتها بعد أن تركت رقمي واسمي عندها على أمل أن يتصل بي عند عودته .
إنتابتني لحظات يأس قوية , لم يكن بمقدوري التغلب عليها . إنني لم أعد حراً كالسابق ,فالحرية معناها القوة , والضعيف هو العبد الذي يجب أن يخضع لآمره . كنت أقول لنفسي دائماً لن أتنازل عن حريتي , ولكني أصبحت رهينة لحرية القوة , وسأبقى هكذا .. لأنني ضعيف في بلاد الغربة وجبان لا أتحمل الالم , والغربة هي أكبر ألم . لم يبقى لديَ قوةً ولا عزيمة .
بدأت أفكر بالإنتحار . ذهبت الى الدار .. وكالعادة أول عمل أقوم به هو فتح التلفزيون , حيث الأخبار كانت ُكلها عن الحرب . ومن ضمن الأخبار اليوم كان مقتل إمرأة مع طفلها برصاص القناصة . ضربت يدي على الطاولة صارخاً القناصة .. القناصة .. أين الإنسانية ؟ أين الرحمة في قلوب هؤلاء القناصة ؟
إنهم يُطلقون الرصاص على الناس الأبرياء , على الناس الذاهبين لشراء الخبز أو الحليب ... لماذا ..؟
إن المقصود هنا ليس قتل العدو , وإنما إرضاء حقدهم وكراهيتهم ......
ارفع عنا غضبك يا رب .. غضبك هو الذي جعل البشرية تقتل جشعاً وحقداً , وكأنهم يشربون الخمر في وليمة .. غضبك يا رب جعل الإنسان يقتل أخيه الإنسان , دون أن يعرف القاتل لماذا قتل ولا المقتول لماذا قُتل . إلهي اغفر لنا زنوبنا , اعطف علينا , حتى تعرف البشرية أن ُتفرق بين الصالح والطالح , حتى تقف الحروب ويموت الحقد وتعيش البشرية بأمان وسلام .................
من كثرة كآبتي نسيت جيمس , الذي حاول أن يلفت إنتباهي له بعواء خفيف , شبيه بالملامة . أخرجت من الخزانة علبة لحمة وفتحتها ثم قدمتها له , وتمنيت له عشاءً هنيئاً . دخلت الى الغرفة المجاورة ولبست قميصاً ابيضاً مع ربطة عنق خمرية , ومن ثم لبست طقمي وخرجت من الداروفي طريقي أخذت وردة بيضاء من الحديقة ووضعتها على صدري .
سرتُ الى فندق المدينة دون وعي ولا هدف , حتى إنني لم أدري لماذا اخترتُ فندق المدينة , حجزت غرفة في الفندق , قال لي عامل الفندق : ماذا حدث يا سيد عمانوئيل ؟ هل ُطردت من الدار ؟ قالها بلهجة ساخرة .
قلت : لا , وإنما أحب التبديل في نمط الحياة من حين لآخر .
كنت أشعر بأني أخذت قرار نهائي , صعدت الى الغرفة وجلست على الكرسي بجانب الطاولة وبدأت بكتابة رسالتي الأخيرة . كانت الساعة تشير الى العاشرة مساءً , كان صوت الموسيقة ينبعث من صالة الفندق , لقد كانت حفلة عيد ميلاد الخمسين عاماً لأحد زوار الفندق .
توقفت ونظرت الى الخارج من خلال النافذة , أخرجت المسدس وأسندته على رأسي , وفي تلك اللحظة تذكرت أبي وأمي , أم بالأحرى دخلا في ذاكرتي بقوة إلاهية خارقة . تذكرت نظراتهما لي , وفكرت باللوعة التي سيتركها إنتحاري لهما , أهذا كل ما أستطيع تقديمه لهما ؟ . فقط اللوعة والحزن . أنا الذي لم أعطيهما شيئاً طوال حياتي . عندها سألت نفسي , هل يحق لي أن أعطيهما الألم واللوعة ؟ ألا يكفي ما عانيا من فقدان أخي
أحسست بأن بيني وبينهما صلة عميقة ..... لا .....لا ... لن أستطيع فعل ذلك , ما داما على قيد الحياة . إنهما لم يروني منذ زمن يعيد , بعيد جداً . شعرت وكأنهما يشدان يدي , أعدت المسدس الى مكانه , وبدأت إعادة فيلم ذكرياتي ..... ذكريات بلدي , أصحابي , أصدقائي , تذكرت كيف أن الناس في بلدي تعمل ليل نهار , الفرد للجماعة والجماعة للفرد يعملوا في الحوانيت , الحقول , في كروم العنب , تذكرت كيف كنا نصلي قبل النوم دون تعب .. تذكرت أن أبناء بلدي كانوا يعملون دون تعب , يعملون في موكب واحد هو موكب الحياة , ولا أحد منهم يفكر بالموت , لأن الموت بإرادة الله ..........
خرجت من الفندق بعد أن مزقت الرسالة وعدتُ إدراجي إلى الدار , حيث كان جيمس باستقبالي فرحاً وكأنه أحس بوضعي النفسي , وكأنه أراد أن يقول انني صديقك المخلص . بدأت مُداعبته قليلاً ,والتكلم معه قائلاً : إنني سوف أتحدى كل الصعوبات وأقاومها مهما كانت , آخذ بعين الإعتبار أن كل ما يحدث لي سيكون بقدرة و مشيئة الله ................
لم يمضي على مُكالمتي اسبوعاً واحداً , حتى اتصل معي فلاديمير سائلاً عن الصحة والعمل والأحوال , فأخبرته بما حدث باختصار . قال : سوف أتدبر الأمر , لا تقلق ساعات قليلة وستكون السيارة أمام المحل , مغسولة وحتى مليئة بالوقود . وفعلاً خلال ساعات كانت السيارة بحوزتي .. مع كتاب شكر من قائد الفرقة ............
في أحد الأيام جائني ( تساكو ) مدير النادي وهو مُتأثر وحزين , قلت ما بك يا صاحبي ؟
قال : ابني
قلت : ماذا حدث له ؟
قال : لقد تم أسره مع مجموعة من رفاقه . سألته متى وأين ؟
قال : هذا الصباح . حيث كان في دورية على الخطوط الأمامية ......
حاولت التكلم معه بهدوء حتى أرفع من معنوياته قائلاً أن الحرب قاربت على الإنتهاء وإن تبادل الاسرى سيتم قريباً , وما شابه ذلك من الكلام .....
رد عليَ بصوت يكاد يُسمع .. هذا إن لم يُقتل في الأسر ؟ قلت لاتخف لن يقتلوا الأسرى....
كان تساكو يتنفس بصعوبة بسبب مرض في القلب , وأيضاً كان السكري معه عالياً جداً , عدا عن وزنه الثقيل , الذي كان 157 كيلو غرام , فكان ذو رقبة قصيرة متصلة بكتفيه , كان يُشبه المصارعين اليابانيين (سومو).
نظرت إليه فقد كان العرق يتصبب منه وكأنه في حمام باسطو ولونه غير طبيعي . خفت عليه من جلطة مُفاجئة , لأن وضعه الصحي كان سيئاً جداً.
كان علىَ أن أخفف من محنته وفي نفس الوقت محنتي أيضاً . كان تساكو من المدمنين في حبه للعبة الشطرنج , فما كان مني إلا أن أتحداه في لعبة سريعة , فبعد تردد بسيط وافق على التحدي .
كانت الطاولة جاهزة وللحال بدأت اللعبة , ولأول مرة لم يكن هدفي الربح في هذا اللقاء , وإنما كان هدفي التخففيف عنه آلامه . ( أي أن أتركه يربح اللعبة ) , فعندما يربح الإنسان يشعر بإرتياح نفسي كبير .
بعد ساعة من اللعبة كانت المقاييس مُتوازنة تقريباً . و فجأة سمعنا صوت إنفجار قوي . خرجنا بسرعة لنرى ماذا حدث ؟؟
على بُعد 50 متراً تقريباً من المحل كان على الأرض أربع شباب مُلطخين
بالدماء , وأحدهم يصرخ ساعدوني ... ساعدوني ... إتصلت فوراً بالإسعاف والشرطة , طبعاً قمتُ بتصوير الحادث وإرساله الى التلفزيون.
عند التحقيق تبين أن أحد الشباب كان يحمل قنبلة في يده وقد أخرج صمام الأمان منها وهو يشرح لهم عن كيفية إستعمالها , وبدلاً من أن يُعيد صمام الأمان إليها , وضعها في جيبه دون صمام الأمان بعد أن حررها برفع يده عن الضاغط , مما أدى إلى إنفجارها . راح حاملها ضحية هو وأخاه الأصغر والإثنان الآخران حصلا على جروح غير خطيرة ...........
سألت تساكو ما رأيك يا صاحبي في الوضع الحالي الآن ؟ إذا ماقارنته بالوضع السابق . بالتأكيد إنك تتذكر أيام كانت يوغوسلافيا دولة واحدة , حيث كان الأمان والطمأنينة , الوضع الإقتصادي كان أفضل , وخاصة الطبقة الوسطى . أما اليوم تقولون لقد حصلتم على الحرية , وأية حرية ؟ هل تعلم أية حرية هي اليوم ؟ إنها حرية بيع الكحول , التبغ , الحشيشة , الهيرويين و الأسلحة . إنهم معروضين في كل مكان و مُتوفرين أكثر من الماء والخبز ...... حتى أكثر من الشمس والهواء .....
رد قائلاً : كل ما قلته صحيحاً ولكن ليس هناك من خط رجعة , نطلب فقط من الله إنتهاء الحرب قريباً ....... يتبع ......عيدواسحاق عيدو







التعديل الأخير تم بواسطة aido ; 15-05-2006 الساعة 09:39 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-05-2006, 09:38 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,835
افتراضي

عزيزي عيدو
إنها مسحة حزن أخرى تضاف إلى مجمل هذه التراجيديا وهي بحقّ مثيرة للانتباه لأنها تعامل متواصل بين الحياة والموت وبين القدر والمصير. إنها ذكريات مؤلمة بكل تأكيد وهي تترك لدى قارئها انطباعاً حقيقيّاً عن أهوال الحرب ومآسيها وويلاتها. إن الكل يخسرون في الحرب المنتصر والمهزوم, القوي والضعيف. ولا أستطيع التعليق أكثر لأني قرأت النّص كلمة كلمة وشئت ألا ينتهي لأصل إلى النهاية التي آلت إليها تلك المحموعة من الأحداث. وأشكر الرب على أن الضعف لم يبلغ منك مرحلة ليقوم عمانوئيل بتنفيذ قراره وإلا فكنا سنحرم من متعة قراءة هذه المذكرات وكنا لا سمح الله سنخسر عزيزاً. حمدا لله على سلامتك.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-05-2006, 09:52 PM
الياس زاديكه الياس زاديكه غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 14,102
افتراضي

الله إيكون فعون عمانوئيل البطل المسكين ، من مصيبة لأخرى ومن كارثة لمأساة ، ورغم كل هذه المصاعب إستحمل عمانوئيل الجبار ، وأثبت بأنه البطل المغوار ، الذي تخشاه الأسود والفار ، أزحك يازعيمي لأنك كبير الكبار .
تسلم على سردك هذه القصة المأساوية والشيقة بالمفاجئات والمفاجعات .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-05-2006, 02:31 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

قصة رائعة والأجمل ما فيها هو مصداقيتها أتمنى لك التوفيق ودائما إلى الأمام!!!!
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-05-2006, 05:44 PM
Fahmi Wiedmann Fahmi Wiedmann غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 144
افتراضي

عزيزي عيدو
تشكر على هذا السرد الجميل لقصة مأساوية جرت وقائعها في تلك البلدان ورب العالمين وحده يعرف لماذا ومن كسب من جراء هذه الحرب المشؤومة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف وتحطم مستقبل الملايين. طبعا من يأكل العصى غير من يعدها. نرجو من الله ان تكون تلك الأيام قد ذهبت وبدون رجعة.

فهمي زاديكة
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-05-2006, 11:54 PM
aido aido غير متواجد حالياً
Super-User
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 246
افتراضي

إلى جميع الأحباء والقراء الذين اهدوني قليلاً من وقتهم بمرورهم على القصة وقرائتها , أو التعليق عليها . فهذا أجمل شيئ يشعر به الكاتب ويزداد حماس على الكتابة . شكراً الى إسرة الموقع التي أتاحت لي عرض مأسات كانت في أعماق نفسي ككابوس , وخرجت الى العالم أجمع حتى يشاركني بها أهل الحق والسلام ...... عيدو
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:29 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke