مشاركتي على برنامج فرسان الشعر الحديث و فقرة الأسى من إعداد و تقديم الأستاذة نادية التومي في مجلة اللؤلؤ أقلام حرة للشعر و الأدب و القصة القصيرة
رحلةُ الأسَى بَيْنَ الدَّمْعِ وَ ضِيقِ النَّفَسِ
بقلم: فؤاد زاديكى
إِنَّ الأسَى شُعُورٌ عَمِيقٌ يَتَغَلْغَلُ فِي النَّفْسِ، لَا يَجِدُ الْمَرْءُ مِنْهُ مَهْرَبًا. هُوَ رِحْلَةٌ طَوِيلَةٌ مَعَ الْمُعَانَاةِ وَ خَيْطٌ لَا يَنْتَهِي مِنَ الْقَلَقِ وَ الْخَوْفِ وَ الِاضْطِرَابِ. تَتَجَلَّى أَوَّلُ مَحَطَّاتِ هَذَا الْحُزْنِ فِي الْعَيْنَيْنِ، فَتَنْهَمِرُ الدُّمُوعُ سَيْلًا حَارِقًا يُطْفِئُ شَيْئًا مِنْ لَهِيبِ الْفُؤَادِ الْمُكْتَوِي. تِلْكَ الْقَطَرَاتُ لَيْسَتْ مَاءً فَحَسْبُ، بَلْ هِيَ لُغَةُ الرُّوحِ الْعَاجِزَةِ عَنِ الْبَوْحِ بِمَا يَكْمُنُ فِيهَا مِنْ أَلَمٍ وَ حَسْرَةٍ.
وَ لَا يَقْتَصِرُ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَمْتَدُّ الْأسَى لِيَخْنُقَ صَوْتَ الْحَيَاةِ دَاخِلَ الصَّدْرِ. فَيَشْعُرُ الْمَرْءُ بِضِيقٍ فِي النَّفَسِ كَأَنَّهُ يَسِيرُ فِي نَفَقٍ مُظْلِمٍ لَا يَرَى لَهُ نِهَايَةً. هَذَا الضِّيقُ هُوَ التَّرْجَمَةُ الْجَسَدِيَّةُ لِثِقَلِ الْهَمِّ، الَّذِي يَجْثُمُ عَلَى الرُّوحِ. الْقَلَقُ يُصْبِحُ رَفِيقًا دَائِمًا، يُنَغِّصُ الْعَيْشَ وَ يَسْرِقُ الطُّمَأْنِينَةَ مِنْ أَعْمَقِ مَنَابِعِهَا.
وَ الْخَوْفُ يَغْزُو الْقَلْبَ فَيَجْعَلُهُ يَرْتَجِفُ مِنْ كُلِّ صَوْتٍ وَ كُلِّ طَارِئٍ. يَتَلَاشَى الْأَمَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَ يَتَمَلَّكُ الِاضْطِرَابُ جَمِيعَ الْأَفْكَارِ وَ الْمَشَاعِرِ، فَيَصْعُبُ عَلَى الْمُتَأَسِّي أَنْ يَجِدَ سَبِيلَهُ إِلَى الرَّاحَةِ وَ السَّلَامِ. إِنَّهُ صِرَاعٌ دَاخِلِيٌّ يَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ جَمِيلٍ وَ إِيمَانٍ رَاسِخٍ لِتَجَاوُزِ مَرَارَةِ هَذِهِ الْمِحْنَةِ الصَّعْبَةِ.