![]() |
Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
![]() اللغة السّريانية وأصل تسمية "سوريا": تفنيد المزاعم و توثيق الحقيقة التّاريخيّة بقلم: فؤاد زاديكى في الآونة الأخيرة، صدرت تصريحات من وزير الثقافة في الحكومة السورية المؤقتة، يدّعي فيها أنّ اللغة السريانية ليست إلّا لهجة عربية، و أنّ اسم "سوريا" اسم عربيّ الجذور. هذه التّصريحات، التي تفتقر لأيِّ أساس لغويّ أو تاريخيّ موثّق، تمثّل شكلاً من أشكال التّزوير الثّقافيّ و التّاريخيّ، و تأتي ضمن سياق أوسع من محاولات طمس الهويّة السريانيّة و الآراميّة, التي تشكّل جزءًا أصيلًا من تاريخ سوريا و المنطقة. في هذا المقال، سنكشف الحقائق بلغة العلم و التّاريخ، بعيدًا عن الأهواء السياسيّة. ________________________________________ أولًا: هل كلمة "سوريا" من أصل عربي؟ قطعًا لا. اسم "سوريا" ليس عربيًّا بأيّ حال من الأحوال. بل هو مشتقّ من الكلمة اليونانيّة "Συρία" (سوريا)، و التي تعود بدورها إلى الاسم الأقدم "آشور" (Assyria)، و هو اسم مملكة آشور التاريخيّة في شمال بلاد الرافدين. • الكتّاب اليونان مثل هيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد) استخدموا اسم "سوريا" للإشارة إلى الأراضي الواقعة غرب نهر الفرات، و التي كانت تسكنها شعوب آرامية. • الاسم تطوّر لاحقًا ليشمل كافّة المناطق الواقعة ضمن الهلال الخصيب الغربيّ. إذن، "سوريا" هو اسم يعود لأكثر من 2500 سنة قبل أيّ وجود عربيّ سياسيّ أو لغويّ في هذه المنطقة. ________________________________________ ثانيًا: ما هي اللغة السريانيّة؟ و هل هي لهجة عربية كما زُعِم؟ اللغة السريانيّة هي إحدى اللغات الآراميّة الشّرقيّة، و ليست لهجة عربية إطلاقًا. • الآرامية لغة ساميّة قديمة، ظهرت حوالي الألف الثّاني قبل الميلاد. • السريانيّة فرع من الآراميّة تطوّر في منطقة الرّها (أورفا اليوم) في القرن الأول قبل الميلاد، و تحوّلت لاحقًا إلى لغة دينيّة و أدبيّة و ثقافيّة واسعة الانتشار في الشّرق الأدنى. • ازدهرت اللغة السريانيّة في العصر المسيحيّ المبكّر، و أصبحت لغة الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة و الكنيسة الشرقيّة، كما استُخدمت في الأدب و الفلسفة و العلوم. ________________________________________ ثالثًا: هل كانت السريانيّة لغة رسمية في بعض فترات الدولة الإسلاميّة؟ نعم، كانت السريانية من اللغات المهمّة في العصر الأمويّ و العباسيّ: • في العصر الأموي، استُخدمت اللغة السريانيّة في الدواوين و المراسلات الطبّيّة و العلميّة، خاصّة في بلاد الشّام. • في العصر العباسيّ، ازدهرت حركة النّقل و التّرجمة، و شارك فيها العلماء السّريان بترجمة الكتب من اليونانيّة إلى السريانيّة، ثمّ إلى العربيّة. • أسماء مثل حنين بن إسحاق، ثابت بن قرّة، يوحنا بن ماسويه، و آل بختيشوع و غيرهم من السّريان لعبوا دورًا مركزيًّا في النّهضة العلميّة الإسلاميّة. ________________________________________ رابعًا: أثر اللغة السريانيّة في الحياة السّوريّة و المشرقيّة • لا تزال اللغة السريانيّة حيّة حتّى اليوم، تُدرّس و تُستخدم في الطّقوس الكنسيّة لدى الطّوائف السّريانيّة (الآشوريّة، الكلدانيّة، السّريانيّة الأرثوذكسيّة، المارونيّة). • العديد من المدن و القرى السّوريّة ما تزال تحتفظ بأسمائها السريانيّة: معلولا، صيدنايا، دير الزور، قارة، نينوى، تل تمر و غيرها. • الكثير من المفردات الشائعة في اللهجة الشّاميّة مثل "شحّاد"، "طمبورة"، "بلبل"، "عطشان" لها جذور آراميّة-سريانيّة. ________________________________________ خامسًا: في مواجهة التّزوير القول بأنّ السّريانيّة لهجة عربية، و أنّ اسم "سوريا" عربيّ الأصل، هو جهل صارخ بالتّاريخ، و محاولة لطمس هويّة ثقافيّة و لغويّة أقدم من الإسلام و العربيّة بألفي سنة. هو إنكار متعمّد للوجود السّريانيّ الممتدّ لآلاف السّنين على أرض سوريا الكبرى، بكلّ ما يحمله من إبداع و فكر و تراث. ________________________________________ 🏛️ المراجع والمصادر التاريخية 1. The Cambridge History of the Syriac Literature – Cambridge University Press, 2022 2. Robert Payne: The Christian Centuries – Macmillan, 1984 3. Sebastian Brock, أبرز الباحثين في اللغة السريانية – University of Oxford 4. Jean Starcky: Les origines du nom de Syrie – Syria, Journal of Archaeology and History, Vol. 41, 1964 5. The Hidden Pearl: The Syrian Orthodox Church and its Ancient Aramaic Heritage – Trans World Film Italia 6. The Aramaic Language: Its Distribution and Subdivisions – Klaus Beyer 7. Patricia Crone: Roman, Provincial and Islamic Law – Cambridge University Press 8. أعمال حنين بن إسحاق المترجمة إلى السّريانيّة و العربيّة 9. "اللغة السّريانيّة" – الأب ألبير أبونا، دار المشرق، بيروت 10. هيرودوت، "التاريخ" – ترجمة عبد الإله الملاح، دار الكتاب العربي ________________________________________ خاتمة إنّ حماية الهويّة السّريانيّة ليست فقط دفاعًا عن الماضي، بل تأكيدٌ على أنّ سوريا كانت عبر التّاريخ أرض تنوّع و حضارات متعدّدة، لا تنصهر في قالب واحد و لا تقبل احتكار الحقيقة. لهذا يتوجّبُ على وزير الثّقافة في الحكومة السّوريّة الانتقاليّة الحاليّة أن يتراجعَ عن هذه التّصريحات غير المسؤولة و غير الصّحيحة, و التي تسعى بشكلٍّ مقصود و مُتَعَمّد إلى تهميش جزء أساسيّ من تاريخ المكّوّن السّوريّ و هم السّريان بمختلف طوائفهم و فروعهم, كما عليه أن يقدّم اعتذارًا و على الفور لجميع السّوريّين, و من الإجحاف أن يكون على رأس المؤسسة الثقافيّة شخص مثل هذا الوزير, الذي يدلّ سلوكه هذا على جهلٍ تامٍّ بحقائق التّاريخ و انعدام المعرفة و المسؤوليّة فكيف لمثله أن يُدير وزارة هامّة كوزارة الثقافة؟ |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|