عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-07-2005, 08:27 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي أنشودة الحياة ـ الجزء الأوّل ـ 1 ـ



أنشودة الحياة

[الجزء الأوّل]

( نصّ مفتوح )



1


فقدَ الزمنُ بياضَهُ
فقدَ الجبلُ شموخَهُ

فقدَ الرجلُ ارتفاعَهُ ..

كلامَهُ

فقدَ الزهرُ عبقَهُ..

فقدَ الليلُ ظلامَهُ

فقدَ البلبلُ تغريدَهُ

فقدَ الماءُ زلالَهُ

فقدَ الهواءُ تموُّجات نسيمه

فقدَ الجمالُ بهاءَهُ

فقدَ العلمُ بهجةَ الارتقاء

فقدَ الإنسانُ خصالَهُ!


اعوجاجٌ لا يخطرُ على بال ..

انزلاقٌ في كهوفِ الذئابِ

مراراتٌ مستشرية

فوقَ جسدِ الكونِ

لعبةٌ تناسبُ عصورَ الحجرِ


أحتاجُ فرحاً يبدِّدُ سماكات الضَّجرِ

القابعة فوقَ شفافيةِ الروح؟!


جاءَ حمقى

هاطلينَ شرورهم على النوارسِ

على طيورِ البطِّ

على الأسماكِ الصغيرةِ

محملقينَ في زرقةِ السَّماءِ

يُغيظهم أنْ تكونَ السَّماءُ زرقاءَ

بغمضةِ عينٍ يحوِّلونَ صفاءَ السَّماءِ

إلى ضبابٍ كثيفِ الاحمرارِ


وُلِدوا في زمن ٍ متأخِّرينَ جدّاً

هكذا ولادات

هكذا قباحات

تناسبُ عصورَ العناكبِ

عصورَ الكهوفِ المكتظّةِ بالثَّعالبِ

عصورَ الفقاعاتِ!


الآنَ تأكّدْتُ

لماذا تفورُ البراكين؟

لماذا تثورُ البحارُ

وتجحظُ عيونُ المحيطات؟


آهٍ .. اعوجاجٌ لا يطاقُ

عبورٌ في دهاليزِ الفسادِ!

هلْ غضبَتِ الآلهة؟

متى ستغضبُ الآلهة؟

سباتٌ عميق!


وجعٌ وجعٌ وجع!

اضمحلَّ لونُ الشَّفقِ

وتعفَّرَ لونُ الغسقِ

لم تعُدْ بينَ ثنايا الحلمِ

شهوة الحياةِ!


ضجرٌ من لونِ الموتِ

ضجرٌ أشبهُ مايكون

انسلاخُ الذَّاتِ عن الذَّاتِ

أخلاقُ قرونٍ

في طريقِهِا إلى الزَّوالِ


تراخَتْ زرقةُ السَّماءِ

حتّى البياضُ فقدَ لونَهُ..

ظلالَهُ!


هروبُ الضَّفادعِ إلى قاعِ الأنهارِ

جنونُ البقرِ

ردٌّ على جنونِ البشر ..

إمتعاضٌ حتّى النِّخاعِ!



لماذا تخبِّئُ رأسهَا القيمُ؟

كثيرٌ مِنَ الأخلاقِ

لَمْ يَعُدْ لها قيمُ


قلبٌ يتلظّى

بينَ ضجرِ هذا الزَّمان

انزلاقٌ نحوَ عوالمِ القحطِ

تغلي قصائدي التي لَمْ أكتبْهَا بَعْدُ

هائجةً كالبركانِ!


آهٍ ..

كمْ مِنَ العمرِ أحتاجُ

لأكتبَ قصائدي الهائجة؟!


اجتثَّ الغولُنباتاتٍ برّية

اقتلعَهَا من جذورِهِا

لاحَقَ الجنادبَ

في أوكارِهَا الصَّغيرة

استأصلَهَا مِنْ جحورِها


الفراخُ ما تزالُ يرقات

والرِّيحُ حُبلى بالآهات

لَم يعُدْ لنسيمِ الصَّباحِ نكهةً

اصفرارٌ غير طبيعي يزدادُ اندلاقاً

على وَجْهِ الغابات!


ترتمي الشَّمسُ

بينَ أحضانِ الغسَقِ

هاربةً مِنْ أوجاعِ النَّهارِ ..

تاركةً خلفَهَا المروج ممتدّة

حتّى شواطئِ الذَّاكرة البعيدة


الغيومُ داكنةٌ

تغمرُهَا الكآبة

كأنّها منبثقة

من هضابِ الصَّحارى


تأخَّر المطرُ هذا العام

هل تبخَّرّتْ قطراته

وهطلَتْ فوقَ كوكبٍ آخر؟


تخنقُني هذهِ الصَّباحات ..

نهاراتُ الصَّقيعِ

ليالٍ طويلة حافلة بالرَّمادِ ..

ضجرٌ من لونِ الكبرياءِ!


حاولَ كثيرونَ الانتحار

مرّاتٍ ومرّات ..

فشلوا ..

أنْ تنتحرَ ليسَ سهلاً

عليكَ أنْ تلمَّ بأطرافِ اللُّعبةِ ..

لعبةُ الخلاصِ!


ما نملكُهُ

حياتُنا القصيرة

حياتُنا المنهكة

الباهتة ..

الخالية مِنْ أيّةِ نكهةٍ

ربَّما نكهة العذاب

نكهة الغربة

غربةُ الإنسان

ابتداءً من وقائعِ الصَّباح ..

وقائعُ الحزنِ العميق!


دهاليزُ هذا الزَّمان

ملولبة للغاية


اللَّيلُ يئنُّ مِنْ وقائعِ الانشطارِ ..

انشطارُ قبّةِ السَّماءِ

عن إيقاعِ الفرحِ


تشاطرُنَا السَّماءُ

أحزانَ المسافاتِ

أحزانَ اللَّيلِ والنَّهار

يتغلغلُ وميضُ الشِّعرِ

في تجاويفِ روحي

يطهِّرني من آثامِ قرونٍ مِنَ الزَّمانِ

يبهرني بألقِهِ الدَّائمِ

يبدِّدُ قحطي النَّابت بينَ الهشيمِ

يكسرُ جبهةَ الأحزانِ

زارعاً فوقَ شاطئِ القلبِ وردة!


وحدُهُ الشِّعرُ قادرٌ

على منحي ألقَ البقاءِ

قادرٌ على إغداقِ الفرحِ

فوقَ تضاريسِ الحلمِ


وحدُه الشِّعرُ يجابِهُ جبروتَ الأوباشِ

أريدُ أنْ اخترقَ شراراتَ العيونِ الجاحظة

بكلماتٍ مرتَّقةٍ بالذَّهبِ ..

أريدُ أنْ أكتبَ قصائدي بمنجلي الصَّغير

حِبْرِي مِنَ الحِنْطَة

وأوراقي أشجارُ نخيل ..


أريدُ أنْ أحضنَ النِّساءَ الثّكالى

المبعثرة

في أنحاءِ الدنيا، احتضانَ الإنسان ..

أريدُ أنْ أمسَحَ دموعَ الأطفالِ اليتامى

أنْ أكفكفَ دموعَ فقراء هذا العالم ..


أريدُ أنْ أبكي بطريقةٍ

خارجة عَنِ المألوف

مللتُ مِنَ البكاءِ العاديِّ

أحتاجُ بكاءً يخترقُ الظِّلالَ البعيدة


مَنْ بعثرَ أوراقي

أقلامي؟!..

صحفٌ تحملُ بين ثناياها أرشيفي

أرشيفي! ..

عبارةٌ يتندَّرون عليها

ضحكةٌ صاخبة عبرَت هدوءَ اللَّيلِ

كسرَتْ صَمْتِي ..


أخبارٌ تفتقرُ لغةَ التَّحليلِ

.. ومكرّرةٌ لغة التركيب

حواراتٌ عقيمة تفوحُ مِنْ قمّةٍ

تسمِّمُ مسائي

تقتلُ وردةَ الصَّباحِ

أهدافٌ تصبُّ في قاعِ الأقبية

في قاعِ البراميلِ ..


مؤتمراتٌ ..

طائراتٌ تحملُ سموماً

من لونِ الجنونِ

حواراتٌ مطلسمة ..

لا تستطيعُ أنْ تخفِّفَ

مِنْ زمهريرِ اللَّيالي

من آفاتِ الحروبِ

أَلَمْ يشبعْ عباقرةُ العصرِ

مجانينُ العصرِ



من موبقاتِ الحروبِ؟!
... ... ... ... ... يُتبع!




صبري يوسف

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم


موقعي الفرعي عبر موقع الحوار المتمدّن

مقاطع من الجزء الأوّل من أنشودةِ الحياة


هوامش*:

الجرجر: كلمة عاميّة يستعملها الفلاحون ( الهلآزخ)
بمعنى : النَّورج.

أياطيل: خواصر.




التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 07-07-2005 الساعة 02:46 PM
رد مع اقتباس