يقع على تلة صغيرة من الجهة الجنوبية الشرقية للبلدة ويحتفل فيه مرة في العام في عيد القديس خريستوفوروس حيث يقام قداس يحضره أهالي صيدنايا فيخرجون من البلدة ليصلوا إلى هذا الدير البسيط سالكين طريقاً غير معبدة. ولقد بقي من هذا الدير بناء صغير تحيط به بعض الأطلال وآبار لجمع المياه.
لقد ذُكر هذا الدير في عدة مخطوطات من القرون الثالث و الرابع عشر، و من المخطوطات السريانية الملكية التي كانت موقوفة عليه " تريودون رقم 74" في خزانة الفاتيكان ورد فيه في الصفحة 328 (هذا الكتاب وقف محبس على دير القديس خريستوفوروس بأرض صيدنايا بتاريخ 1317م) وكذلك يوجد مخطوط آخر بنفس الخزانة سرياني ملكي رقم 82 فيه ميناون من شهر حزيران كتب عليه اسم دير القديس خريستوفورس ، ومخطوط ثالث رقم 78 فيه الجزء الثاني من الميناون جاء فيه بالسريانية مايلي (انتهى سنة 1207م بيد الراهب بالاسم وليس بالفعل القسيس ابن يوسف ،وقد كتب بصيدنايا بدير القديس خريستوفوروس ).
كنيسة آجيا صوفيا أو المجامع:
تقع هذه الكنيسة في وسط البلدة ،ولا يُعرف متى أطلق اسم المجامع على هذه الكنيسة وربما جاءت هذه التسمية من وصف موندرل لها بأنها كنيسة جميع القديسين ، كما ورد ذكر هذا الاسم على الهيكل في مقام القديس الياس الذي يقع داخل هذه الكنيسة، في حين صرح بارسكي وبوكوك بعد موندرل بنحو قرن وربع القرن بأن اسمها هو القديسة صوفيا وهذا هو الغالب اليوم ، كذلك اقتصر عيس الهزاز على اسم "صوفيا" فقط ، في حين يقول البعض أن اسمها هو آجيا صوفيا بمعنى الحكمة المقدسة.
وقد قال في وصفها بوكوك سنة 1737 : "هي كنيسة كبيرة لها بابان، وفيها أساطين حجرية من قطعة واحدة ، وهي متينة حسنة البناء تقام فيها الصلوات" .
وقد تم تجديدها سنة 1896م، وجعل فيها شعريات في الجهتين الغربية و الشمالية كما في كنائس دمشق ، وفي القسم الأيمن منها مقام القديس الياس الذي يُنزل إليه بدرج صغير.
دير سيدة صيدنايا:
يقع دير السيدة على قمة تلة صخرية في وسط البلدة ، إذ يقوم الدير على صخرة سمراء مائلة إلى الاصفرار مرتفعة تشرف على قرية صيدنايا من الشرق ، وتلتف البلدة حول الدير من الجهات الثلاث ، ويشبه الدير قلاع القرون الوسطى في سورية ويعود بناء هذا الدير حسب الوثائق التاريخية إلى ما يلي :
عندما سافر الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس سنة 546 م لتكريم المقدسات المسيحية في فلسطين كان يشيد في طريقه كنائس وأديرة أينما نزل ، فلما بلغ صيدنايا القرية الصخرية نزل فيها، وعندما ذهب إلى الصيد مع بعض جنوده مساءا أنير بنور سماوي غير عادي منبعث من قمة الجبل فاتجه نحوه بدافع الاستطلاع ، وعندما بدأ يصعد رأى أروية (أنثى الأيل) بهية الطلعة فطاردها بحماس بقصد صيدها ولحق بها إلى صخرة عالية وقفت على قمتها ولما اقترب منها وصوب سهمه ليرميها تحولت الظبية فجأة إلى هيئة بشرية وصارت امرأة بيضاء جليلة منارة بنور إلهي ، والتفتت نحوه وقالت :" يا يوستينيانوس من تطارد؟ ومن قصدت أن ترمي بسهمك أم الله المتشفعة بالخاطئين ، فأعلم أنك إنما جئت إلى هذا الجبل بإرادة العناية الإلهية و يجب عليك أن تشيد لي هاهنا ديراً يدوم إلى الأبد لأكون أنا الحامية عنه" ، فلما رجع الإمبراطور يوستينيانوس إلى حاشيته وحشمه أخبرهم بالرؤية و استدعى لساعته مهندسه وأمره بأن يبدأ العمل ببناء الدير، إلا أن البناءين تحيروا طويلا ًكيف يضعون أساس الدير على هذا الجبل الصخري الوعر، حينئذٍ ظهرت والدة الإله الطاهرة ليلاً على قمة الجبل ورسمت على الجبل خريطة الدير التي على مقتضاها بنى البناءون دير السيدة الشهير.
وهنالك مقولة أخرى في بناء هذا الدير وهي أن أذوكسية زوجة الملك ثاودوسيوس الثاني هي التي أشادت هذا الدير في عداد الأديرة والكنائس التي تولت بناءها بعد أن اعتزلت في أورشليم سنة 449م.
ويقول البعض أن الدير ينطبق عليه كل صفات المعبد الكنعاني الوثني القديم ، إذ يشاهد
آثار المذبح المتجهة نحو الشرق والقناة التي تسيل فيها دماء الذبيحة إلى الأرض ، حتى أن الأساطير تقول إن كنيسة الدير قائمة في المكان الذي أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح فيه ابنه اسحق.
وفي خزانة الفاتيكان نسخة مخطوطة من كتاب الحاوي الكبير رقم 76 يقدر أنها من القرن الثالث عشر، كتب على هامش الورقة 210 "وقف مؤبد وحبس مخلد على دير و كنيسة ستنا السيدة بالحصن الشريف بمعمورة صيدنايا" .
ويحتل الدير اليوم المركز الثاني في الشرق بعد القدس و بيت لحم في فلسطين ، ولعل أهم ما في هذا الدير مقام الشاغورة لما يحتويه من أيقونات أهمها أيقونة والدة الإله مريم المرسومة بيد لوقا البشير الذي رسم أربع صور للعذراء إحداها في روما و الثانية في البندقية والثالثة في طور سيناء و الرابعة في صيدنايا.
ومن أسماء هذا الدير فيما سلف"الحصن" إشارة إلى بناءه فوق الصخر في ذروة الجبل كالقلعة المنيعة ، فقد كان أهل صيدنايا دائماً ممتنعين على أعدائهم عندما كانوا يعتصمون بالدير ، ولاشك أن الزلازل والنوازل بدلت قوام الدير وشوهت نظامه وجعلته خليطاً من طبقات متداخلة ، ويحوي الدير ثلاث دوائر: الأولى للبطريرك، والثانية للراهبات ، والثالثة للزوار والمتنزهين وهذه الدائرة هي أوسعها، و يبلغ عدد غرفها حوالي 300 غرفة لكثرة عدد الزائرين ، ولا يزال الدير يحتفظ بمدخله الضيق أي الباب المنخفض ، وممراته في قلب الصخر وبسلالمه، فبعد أن يعبر الزائر الباب يجد نفسه في دهليز صغير يؤدي صعوداً بدرج إلى ساحة صغيرة وعلى يمينه باب كنيسة الدير وهو من خشب الأرز الأصفر مدهوناً باللون الأحمر الداكن فإذا دخل الكنيسة وجد المقاعد المصفوفة على الجانبين و الثريات الجميلة منثورة فوقها وعلى الجدران النقوش البديعة وصور القديسين وقد قال الأسقف بورفير اسبانسكي في جولته سنة 1843 عندما زار الكنيسة : " إن وراء الهيكل الأوسط وأمامه فرش من الفسيفساء الملونة وخلف المذبح مصلى جدرانه وأرضه مزوقة بالقيشاني و الرخام وفيه أيقونة الإنجيلي لوقا البشير، ولكن لا تظهر هذه الأيقونة للعيان بل هي مخبأة في صندوق حديدي موضوع في الحائط وراء مشبك من الفضة و أمامه صلبان صغيرة وصور العذراء القديسة وفوق هذه الكنوز الأثرية توجد عدة مصابيح من الفضة وفي الوسط فوق المائدة إناء يوقد فيه الزيت المقدس ، كما أشار بارسكي وبوكوك إلى أن في الكنيسة في كل صحن منها مذبح ، أكبرها في الوسط وقال بارسكي إنه لم يرى ما يقارب هذا الجمال في كل الأديرة التي زارها , كما ذكر الحاج روكتا أنه شاهد في الكنيسة حين زارها في نهاية القرن السابع عشر عدد من الصور القديمة بديعة الرسم فائقة الحسن ولاشك أنها فقدت من الدير كما فقد منه الكثير من ذخائره و مخطوطاته و كتبه ، وفي سنة 1759 قوّض سقف الكنيسة بسبب الزلزال الذي ضرب صيدنايا ، ولكن تم إعادة بناء ما هدّم ، وللكنيسة اليوم قبة ضخمة مرتفعة ومتينة وبجانبها قبة للناقوس و من الزاوية الجنوبية الغربية قبة ثالثة تحمل ساعة كبيرة الحجم ظاهرة على الجهات الأربع تسمع دقاتها إلى مسافة كبيرة ، وجميع هذه القباب من الحجر الأبيض المنحوت ماعدا سقف القبة الوسطى الكبيرة فغطاؤها من صفائح التوتياء والرصاص لتثبيتها ، ويعلو كل من هذه القباب الثلاث صليب مضاء.
ويحوي الدير على عدد من الكنائس الصغيرة بالإضافة إلى الكنيسة الرئيسية , وإلى جانب هذه الكنائس فإن أهم أقسام الدير هي:
- حارة الراهبات: تقع إلى جوار كنيسة الدير ، إذ لكل راهبة من راهبات الدير غرفة خاصة بها تمضي فيها الساعات الطوال في الصلاة والابتهال والتأمل .