عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-11-2007, 06:17 PM
الياس زاديكه الياس زاديكه غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 14,102
افتراضي القطَّةُ والعجوز

القطَّةُ والعجوز

كان هناك عجوزٌ ثريةٌ ، ومعَ ثرائها إلاّ أنها بخيلةٌ جداً على نفسها ، طعامُها الخبزُ الجافُ ، وقليلٌ من الزيتِ تستعينُ بهِ على ازدرادِ لقمتها ، وبعضُ الأحيانِ تبلِّلهُ بالماءِ .
ابتعدَ عنها الناسُ لبخلها الشديدِ ، أما قطَّتُها الجميلة ، ذاتِ الفراءِ الناعمِ الأشقرِ ، والعينينِ الخضراوينِ ، فقد حبستها ،
ومنعت عنها الأكلَ والطعامَ ، وأغلقت عليها بابَ سردابٍ مظلمٍ
القطةُ تمضي ليلها وهي تستنجدُ وتموءُ وتموءُ ، ولكنَّ قلبَ العجوزِ القاسي لم يكن يهتمُّ لهذه النداءاتِ المستغيثةِ ،
عاشت القطَّةُ في هذا القبوِ مدَّةً طويلةً ، ومما ساعدها على
العيشِ ابن الجيرانِ الذي كانَ يتألَّمُ كلما مرَّ من الشارعِ وسمعَ
صوتَ موائها ، فيطلُّ عليها من طاقةٍ صغيرةٍ وينادي عليها من
بين القضبانِ ، ثمَّ يلقي لها ببعضِ الطعامِ .
استمرّ الغلامُ في زيارةِ القطةِ ، ومتابعةِ إطعامها ، وفي يومٍ من
الأيامِ سمعَ أنيناً خافتاً ، ألقى بسمعهِ ، نادى على القطَّةِ ، فلم تجبهُ ، حاولَ أنْ يُدخِلَ رأسهُ من بين القضبانِ فلم يستطعْ ،
لكنَّهُ استطاعَ رؤيةَ القطةِ وهي تزحفُ نحوَ الصوتِ ، وتقتربُ منَ النافذةِ الصغيرةِ ، ثمَّ تركزُ عينيها الذابلتين في عيني أشرف
الذي راحَ يستحثُها على النهوضِ ، ومحاولةِ تسلق الجدارِ علَّهُ
يستطيعُ إخراجها من بين القضبان ،كان تصورهُ أنَّ نحولَ جسمها قد يمكنها من الخروج على الرغم من ضيقِ المسافة بينَ كلِّ قضيبٍ وقضيبٍ ، كانت محاولاتُ القطةِ متعثِّرةً حاولت المرة َ تلوَ المرةِ ، ولكنَّ جسدَها النحيلَ ، وارتفاعَ الجدارِ ، وقواها الضعيفةُ لم تمكنها من الصعود .
صوتُ أشرفَ المشجِّعُ ، ومواءُ القطةِ لفتا انتباهَ العجوزِ ، فقامت
تستطلعُ الأمرَ ، شاهدت منظرَ الغلامِ الذي يحاول إخراج القطةِ ،
صرخت بأعلى صوتها عليه : ماذا تصنعُ أيها الولدُ ، ابتعد من هنا
وإلاَّ ضربتكَ بعصايَ هذهِ ، هزّت عصاها في وجههِ حتى يولّي هارباً ، لكنَّ أشرفَ تشبَّثَ بموقفهِ ، وقالَ لها : أما تخافينَ اللهَ في هذه القطةِ ؟ ماذا صنعت لكِ حتى تعاقبَ بالجوعِ والسجنِ ، أما تعلمينَ أنَّ امرأةً دخلت النارَ في هرَّةٍ حبستها ، لا هيَ أطعمتها ،
ولا تركتها تأكلُ من خشاشِ الأرضِ .
ألا تخشينَ أن تعاقبي مثلَ تلك المرأةِ ؟
اشتدَّ غضبُ العجوزِ على الغلامِ ، وارتفعَ صوتُها مهدِّداً : انصرف
من وجهي ، أنتَ تعلمني ماذا أفعلُ بقطتي ، وكيفَ أعاملها ؟
هذهِ القطةُ سيئةٌ مثلكَ تماماً ، ها أنتَ تقتحمُ بيوتَ الناسِ دونَ إذنهم
وكانت هيَ تسرقُ طعامي ، ألا يعاقبُ السارقُ أيها اللصُّ الذي لا يعرفُ للبيوتِ حرمة؟ إنْ لم تغادرْ فوراً فسأستدعي لكَ الشرطةَ .
أحسَّ أشرفُ أنَّ العجوزَ جادةٌ في كلامها ، فأخذَ يرجوها ، ويستعطفها من أجلِ أن تعفوَ عن القطةِ ، وتخرجها من سجنها،
ويتعهَّدُ لها بأن لا تراها بعدَ ذلك .
لكنَّ العجوزَ أصرَّتْ على موقفها من استمرارِ معاقبةِ القطةِ ,لأنها
في رأيها تستحقُّ العقاب .
يأسَ أشرفُ من أن يلينَ قلبُ العجوزِ فغادرَ حزيناً ، لكنّهُ صمَّمَ على معاودةِ المحاولةِ .
استمرَّ في غفلةٍ من العجوزِ بإلقاءِ بعضِ المأكولاتِ للقطةِ ، وفي يومٍ من الأيامِ ، لم يرَ العجوزَ فظنَّ أنها خرجت من البيتِ ، وظنها فرصةً سانحةً لإنقاذ ِ القطةِ المسكينةِ ، أدخلَ انفهُ من بينِ القضبانِِ
جالَ بعينيهِ في زوايا القبوِ ، لم يرَ القطةَ ، نادى عليها ، كررَّ الصوتَ : مو..مو..مو لم يسمعْ صوتاً أو حركةً ، أخذ يفكِّرُ
يبدو أنها ماتت ، أو أنَّ العجوزَ سمعتْ قولي وأخرجتها ،لا بدَّ
أنْ أعرفَ مصيرها ، صعدَ الدرجَ المؤدي إلى بيتِ العجوزِ ،
وقفَ ، تردَّدَ ، ثمَّ نقرَ البابَ بإصبعهِ نقراً خفيفاً ، سمعَ جلبةً وضوضاءَ ، ماذا يحدثُ داخلَ البيتِ ، اسمعُ حركةً تشبهُ المشاجرةَ
والعراكَ ، صوتُ العجوزِ الباكي ، يصلُ إلى أذنيهِ ،لا بدَّ أنَّ في الأمرِ شيئاً .
زادَ طرقهُ على الباب ، ما أن فتحت العجوزُ البابَ حتى انطلقت
القطةُ كالسهمِ ، وأقبلت العجوزُ مهرولةً وهي تبكي ،وتصرخُ ، وتندبُ حظها ، وتقول : ذهبت أموالي ، ضاعت تحويشةُ العمرِ ،
يا ناس ، يا عالمُ الحقوني ، الفئرانُ أكلت نقودي ، لقد احتفظتُ بها في هذا الصندوقِ الخشبي .
كان سجن العجوزِ للقطةِ سبباً في تكاثرِ الفئرانِ التي استطاعت
الدخولَ إلى داخلِ الصندوقِ ، وفرمت كلَّ الأوراقِ النقدية ، حاولت الانتقامَ من الفئرانِ ، فذهبت وأحضرت القطة َ من سجنها ، وطلبت منها أن تنتقم لها ، وأن تشبعَ جوعَ السجنِ بأكلِ الفئران ، إلاّ أنَّ القطةَ الجائعةَ فضلت عندما رأت البابَ مفتوحاً أن تخرج من هذا
السجن ، ولكن أينَ تذهب ؟
عادَ أشرفُ إلى البيتِ حزيناً على هروبِ القطة ، وما أن دخلَ البيت
حتى رأى ما سرَّهُ ، فالقطة تجلس في المكان الذي يحب أن يجلس فيه ، لم يصدِّق عينيه ، تقدَّمَ مسرعاً ، وإذا بها تقفزُ هي الأخرى
وتتعلقُ به ، وتمسحُ فروها الناعمَ بساقيهِ ، وكأنها تعبر عن سعادتها
أخذها بين ذراعيه ، مسح على فروها ، بدأ ينشدُ على مسامعها
أنشودةً ً يقولُ فيها :
قطتنا أليفه سريعةٌ خفيفه
أعضاؤها رشيقه جميلةٌ أنيقه
تحارب الفئرانا وكلَّ ما يؤذينا
تنالُ منهُ القوتا وتحرسُ البيوتا
حركت القطةُ ذيلها ، وأغمضت عينيها .

منقول
__________________
www.kissastyle.de
رد مع اقتباس