التّاريخُ المُزَيّفُ
الشاعر السوري فؤاد زاديكى
خُذْ مِنَ التّاريخِ دَومًا عَيِّنَاتِ ... قد تَرى بالبَعضِ مِنها بَيِّنَاتِ
لا تَقُلْ هذا حَرَامٌ أو مُعِيبٌ ... أُنْظُرِ الأحكامَ عندَ المُعْطَيَاتِ
أَطْلِقِ التَّفكيرَ في مَجرَى صِرَاعٍ ... بينَ أحداثٍ, تَعِي ما بِالحَيَاةِ
تَكشِفُ الأعطالَ و الأضرارَ حتّى ... يَنْجَلِي غيمٌ لِجَهْلِ الكائِنَاتِ
إنّ عقلَ المَرءِ مِيزانُ اعتِدَالٍ ... دَعْهُ في مَسْعَى نِضَالٍ في ثَبَاتِ
دُونَ تَرهيبٍ, و ذا أمرٌ حَميدٌ ... رَهبةُ التَّرهيبِ تأتي بالوَفَاةِ
قاوِمِ المَوروثَ, لو أعيَا نِضالًا ... إنّهُ المَطلوبُ دُونَ الالْتِفاتِ
للذي يأتي بِيَومٍ مِنْ جَهُولٍ ... راغِبًا إحيَاءَهُ رَغْمَ الممَاتِ
ما بِهِ حَيٌّ لِيَبْقَى في حَيَاةٍ ... مَيِّتٌ مِنْ يَومِهِ, مَهْوَى أذاةِ
خُذْ مِنَ التّاريخِ ما يَبنِي عُقُولًا ... ثمَّ أجيَالًا, و ما نَفْعُ الصَّلاةِ
في بُلُوغِ الشّأنِ, إنْ عِشتَ انتِكاسًا ... لَيسَ مِنْ هَمٍّ و لا وَعيُ الثّقَاةِ
سَطَّرَ التّاريخَ أشخاصٌ بِقَصْدٍ ... أو لِغاياتٍ لِتَمجيدِ الطُّغاةِ
ليسَ بالمَعقُولِ أنْ يَحظى بِشأنٍ ... ذلكَ التّزويرُ مِنْ سَرْدِ الرُّوَاةِ
أكثَرُ التّاريخِ مَكذُوبٌ عَلَيْنَا ... طَعَّمُوا أحداثَهُ بالشّائِبَاتِ
أظْهَرُوا أمجادَهُمْ أو ما يُسَمَّى ... غَلطةً بِالمَجْدِ عندَ البَيِّنَاتِ
أفلَسَتْ لا صِدقَ فيها بلْ خِدَاعٌ ... أو رُؤَى وَهْمٍ بِظِلِّ الشّائِعَاتِ
(غُوغِلُ) المَشكُورُ قد أبدى جِهادًا ... أظهرَ الأشياءَ في عُمقِ الصِّفَاتِ
إذْ أنارَ الفكرَ كي يَحظَى بِفَوزٍ ... فَانتَهَى أمرُ التِبَاسٍ و انْفِلاتِ
بارَكَ المَولَى بِهِ, يُعطِي جَوابًا ... شافِيًا في كلِّ ما وَلَّى و آتِ.