عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-10-2007, 09:59 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,928
افتراضي

نعم عزيزي موسى لحدو عبدة كان أجدادنا يرددون على الدوام مقولة أن" تراب آزخ حارّ" و كانوا يعنون بذلك أنه دليل البأس و القوة و الشجاعة, و قد أثبت الشعب الأزخيني على مرّ العصور أنه كان شعباً مقاوما للظلم و التعدي و لم يكن يرضخ له و لم يكن يقبل بأية إهانة أو مذلة سواء على مستوى الأفراد أو البلدة ككل. لا ننكر أن ظروفا قاهرة مرّت على البلدة في فترات مختلفة أرهقتها و دمّرت فيها طموح الإنسان الآزخي كما دمّرت بيوته و خرّبت مصادر رزقه و أتلفتها, إلاّ أن حقائق الحياة تثبت بأنّ هذا الشعب البطل استطاع أن يقهر الغزاة الذين طمعوا بشعبه و أرضه و سعوا إلى تدمير و نسف أديرته و كنائسه و أماكن عبادته.
الشعب الآزخي كان شعبا نشيطا مؤمنا و غيوراً على مصلحة بلدته و كان يضحي بالغالي و النفيس في سبيل بلدته لتبقى دائما عزيزة الجانب مهابة و كريمة و هو كان بالمقابل شعبا مسالما لم يكن يحب التعدي و لا يسعى إليه و إن لجأ في مراحل من التاريخ إلى هجوم على بعض القرى الكردية فيما يسمى الهجوم المعاكس فإنه كان ردّاً على ما خلّفه غزو العشائر لآزخ من سرقة و نهب مواشيها و محاصيلها و تخريب كرومها و مزروعاتها لكي يعم الجوع و يستسلم الشعب’ فيمكن القول أنها كانت محاولة لاسترجاع البعض مما أخذ منهم أو للحصول على لقمة العيش لئلا يحل بهم الهلاك جوعاً و كانت قيادة المفازر تحت إمرة البطل ايشوع حنا كبره القلثي الذي ضرب مثلا رائعا في البطولة و في التخطيط و كان من أهم معاونيه أبطال مثل أندراوس ايليا الكمكي و غيره... بكل تأكيد يغلّف جهل كامل حقيقة واقع هذا الشعب و الظروف التي مرّت بالبلدة من جميع النواحي, فقد غطس تاريخها في مجهول لانعلم عنه أي شيء و حتى المحاولات البسيطة التي كانت تتم كتابتها و تدوينها عن تاريخ البلدة في مراحل معينة إما أن تكون حرقت و دمّرت و أتلفت أو ضاعت مع مرور الزمن الذي لم يرحم شعب آزخ المسكين و لم يساعده كثيراً لكي يقف على رجليه و يبني أسس حياته و يساهم في تطوير واقعه و مجتمعه و بالتالي بلده.
أذكر أن صديقي العزيز كبرو ابن سليمان وردة كان تحدث لي ذات مرة عن قصة المرحوم أبلحد ايليا الذي كانت له اهتمامات كتابية كما كانت له أنشطة سياسية عرف بها, و كانت أحاديث كثيرة تدور بيني و بين السيد كبرو سليمان وردة لعلمه بأني أقوم بمحاولات من أجل تدوين تاريخ البلدة و الوقوف على أكبر كمية ممكنة من المعلومات بحيث تكون واقعية و غير مبالغ فيها. و كان ممّا رواه لي و الكلام على لسانه (طبعا قمت بصياغة النص بأسلوبي الخاص فهو روى لي الحدث و قمت أنا بتدوينه كما شاء لي خيالي و قلمي):
التقيت في يوم من الأيام المرحوم أبلحد ايليا (أبو فؤاد) و سألته يا عمي أبو فؤاد من المعروف أنتم آل ايليا كنتم من الناس الأذكياء و المثقفين بين شعبنا الأزخيني و كانت لكم ميول سياسية و اهتمام بكتابة تاريخ بلدة آزخ لكن لم نر شيئاً منكم و إني أستغرب من هذا الأمر فهل يعقل ألا تكونوا أنتم أو أحد غيركم من شعبنا الأزخيني قام بتدوين مكتوب عن أحداث و تواريخ لبلدتنا آزخ و هي بلدة قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل المسيح؟
تنهّد العم أبلحد ايليا و أطلق حسرة طويلة قرأت في عينيه حزناً عميقاً و تأثراً كبيراً. فسألته خير إن شاء الله يا عمي ابو فؤاد أحس أنك تضايقت من سؤالي؟ نظر إليّ بتمعّن و حزن و كأنّه يريد أن يختصر زمنا لعشراتٍ من السنين في كلمات قليلة مختصرة تكون زبدة ما يريد قوله.
مَنْ قال لك أننا لم نكتب عن تاريخ آزخ؟ لقد كتب الكثيرون عن تاريخها لكن و بكل أسف فإن الظروف القاسية و الصعبة التي مرّت بآزخ لم تترك من تاريخها شيئاً و هي لم تترك حجرا على حجر كذلك! فأنا شخصيا (و القول للعم أبلحد ايليا) قمت بتدوين الكثير من التاريخ عن آزخ في مراحل مختلفة من حياة شعبها مما تم نقله عن كبار السن و بالتناقل على غرار ما كان يصير في تلك الأيام, و حين قدمنا إلى ديريك جلبت كل ما كتبته معي و احتفظت به و كنت أرغب في نشره في يوم ما لكنّ الأمور تجري بما لا تشتهي السفن و هكذا كان, فحين وقوع الحرب العالمية الثانية, كانت لدينا نحن الشباب الصاعد و الحماسي محبة كبيرة لشخصية الزعيم الألماني (أدولف هتلر) و إعجابا كبيرا بروح المقاومة لديه و كنا نرى فيه رجلا بطلا بكل معنى الكلمة فعلم الفرنسيون بذلك و هم كانوا في حرب (الحلفاء) ضد (دول المحور) ألمانيا و إيطاليا و اليابان كما هو معروف, فقاموا بإلقاء القبض على مجموعة من الشباب كنت من بينهم بحجة تشكيل حزب نازي في سورية و غير ذلك من التهم التي كانت كفيلة بأن يعدم الشخص عليها أو يقضي كلّ عمره في غياهب السجون.
كانت عملية إلقاء القبض علينا فجائية و سريعة بحيث لم أتمكن من ترتيب أموري و من إخفاء بعض الكتيبات و المناشير و المطبوعات بنفسي فأرسلت من السجن بخبر إلى زوجتي قلت لها فيه: "احرقي الأمانة" و قصدت بذلك كل ما له علاقة بالسياسة كي لا يبقى دليل ضدي و إثبات تحصل من خلاله الإدانة لأن عملية تفتيش البيت ستأتي بدون اي شك.
لم يكد الخبر يصل إلى زوجتي حتى قامت بحرق جميع الكتب و المخطوطات و المطبوعات و لم تبق على واحدة منها’ فهي فهمت أنه يجب عليها حرق كل الكتب و كان من جملة ما حرقته ذلك المخطوط الذي قمت بتدوينه بخط يدي عن بعض الأحداث القديمة و الحاضرة و كانت خسارة كبيرة لنا, و حين خرجت من السجن و عدت للبيت توجّهت فورا إلى الموضع الذي كنت أضع فيه كتبي فحاولت البحث عن المخطوط دون فائدة لأنه كان من جملة ما قامت زوجتي بحرقه. و كثيرون غيري كتبوا لكن كتاباتهم ضاعت أو أخفيت أو أتلفت لا أحد يعلم عن مصيرها شيء. و من المعروف أن المرحوم اعتنق فيما بعد الفكر الشيوعي.
أردت من هذه النبذة القصيرة و من هذه الرواية التي حصلت فعلا في ديريك بين الصديق العزيز كبرو سليمان وردة (أبو جوزيف) أطال الرب في عمره و بين المرحوم أبلحد أيليا و الذي كان ثاني رئيس بلدية في تاريخ ديريك بعد المرحوم رزقو الدي يوجد قبره في حوش بيعة العذراء في ديريك العتيقة.
أشكرك عزيزي موسى على هذه النفحة الطيبة من أزهار بيرمة آزخ و ورودها الجميلة التي زيّنت بها هذه الليلة موقعنا بكل جمالية. و أرجو من جميع الإخوة و الأحبة ابناء آزخ الغيورين أن يتكرموا ليسطروا لنا بعضا مما يعرفونه عن تاريخ آزخ الحبيبة و بلم شتات من هنا و من هناك قد نستطيع غربلة المفيد منه ليكون لبلدتنا الكريمة و الغالية تاريخا مجيدا كما كان شعبها المجيد و البطل في حياته.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس