الشوقُ حالةُ هياجٍ وجدانيّة, تنبعثُ من أعماقِ النفسِ البشريّةِ, محمّلةً بنسائمِ الودّ و عبَقِ الرّغبة في الالتقاء... و هي مشاعرٌ جيّاشةٌ قد تصعبُ السيطرةُ عليها أو التحكّمُ بها, فتأخذُ الإنسانَ إلى عالمٍ جميلٍ من الترقّبِ و الانتظار و الحذر, تدفعُه ميولٌ متأججةٌ كلّها رغبة جامحة في حصولِ اختراقٍ يمكنُ من خلالِه تحقيقُ تلك الرغبة و إطفاء حرائق تلك المشاعر لكي تكتملَ الصورةُ بتحقيق عناقٍ أو وصالٍ يزيلُ جميعَ تلك المعوّقات و يخرج من الصدر تلك الزفرات الحارقةَ, التي كانت تلجمُ إرادة الإنسان و تقفُ مانعا من الوصول إلى ما يبتغي, فيبقى تفكيره كلّه مصوّباً نحو هذا الهدفِ لا يرغب في أن يحيد عنه, و هو بالتأكيد يشغلُهُ عن مجموعةِ أهداف أو تطلعات أخرى كثيرة تتفاعلُ في حياته اليوميّة المعاشة.
الشوقُ وهجٌ لافحٌ, و صنبورُ حنانٍ و لهفةٌ تتدفّقُ قطراتِ عشقٍ تأخذ بصاحبها إلى حيث يسوقُ هواها, لتصبّ فوق لوعة لا لتبرّده و تزيلَ حرارته بل لكي تكسبه المزيد من العطش و الرغبة في أن يتوهّج ألقُها أكثر, لكي يبقى هذا الاشتعالُ أمداً أطولَ.
الشّوقُ نافذةٌ مفتوحةٌ على كلّ أقطار الكونِ من خلال فتحة القلب المتعطّش للقاء. الشوق أمانةٌ لا يتمّ الوفاءُ لها و الائتمان عليها إلاّ من خلال تحقيق الاندماج و التواصل بزوال محنة الفرقة و هطول زخّات الفرح من إشباع تلك الرغبة في حصول المتمنّي.
الشّوقُ دليلُ فكرةٍ هي في المقام الرفيع, و المنزلةِ الصحيحة لأن الإنسانَ هو بالمحصّلة عبارة عن كتلة جميلة متّقدة من المشاعر التي لا يمكن أن تظلّ حبيسة زمان أو مكان, بل أنّها تسعى إلى الانطلاق و التحليق و تحقيق الطموح, و الوصول إلى الغاية المرتجاة.
الشوقُ همسةٌ جميلة عاشقةٌ يتناغمُ بوحها العذبُ من آهات و تنهدات المحب و العاشق المنتظر و المتلهّف للحظة اللقاء, يتنفّسه العاشق كدليل عمّا يختلجُ في أعماقِ ذاته و كبرهان على صدقه مع هذه الذات و مع مَن يدفعه الشوق إليه. أن نحسّ الشوق فحالُنا النفسية صحّيّة و وضعنا العقلي سليم و ثورتنا الداخليّة ليس لها مخاطر المعاناة من الشوق و الاشتياق رغبة في النيّة الحسنة و وجودها دليل على عمق المعاناة و صدقها فليعمل في أعماقنا الشعور بالتشوّق و مشاعر الشوق فهي جميلة و لتتفاعل في أعماقنا مؤثراته و انفعالاته لتخصب ثراءً و تستفحلَ تأججاً.