عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 21-03-2013, 03:00 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,949
افتراضي

مائة سؤال و جواب للتمييز بين الخطأ و الصواب
بقلم: فؤاد زاديكه

تابع.....
6_ هل يصح إطلاق تسمية الجاهلية على عصر ما قبل الإسلام؟

يطلق تعبير العصر الجاهلي كمفهوم شاع لدى المسلمين بهذه التسمية _ و هي ليست دقيقة التعبير و لا مصيبة بالتعريف على هذا النحو _ على الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، و يحاول المسلمون جاهدين إضفاء كل الصفات السيئة على هذا العصر، لكي يعطوا قيمة للإسلام و مبرّر لوجوده. من المعروف أن هذه التسمية اختلف عليها كثير من المؤرخين و المهتمين بأحداث و حوادث هذه الفترة، و على العموم سنوضّح هنا ما يقوله المسلمون عن هذا العصر و عن سبب هذه التسمية، التي أطلقوها عليها

" سمي بالعصر الجاهلي لما شاع فيه من الجهل بسبب جهل الناس بعقيدة إبراهيم عليه السلام ، فسموا جاهلين وليس المقصود بالجهل الذي هو ضد العلم بل الجهل الذي ضد الحلم .

• العصر الجاهلي عبد العرب فيه الأوثان و الأصنام
ومن أشهر أصنامهم في العصر الجاهلي: هبل- اللات- العزى- مناة ،كما أن من العرب من عبد الشمس والقمر والنجوم
وكان هناك فئة لم تعجبهم سخافات الوثنية وهدتهم فطرتهم
فعدلوا عن عبادة الأصنام وعبدوا الله على ملة إبراهيم عليه السلام وكانوا يسمون الحنفاء. العصر الجاهلي كان في شبه جزيرة العرب ومعظمها صحراويّة يسودها الجفاف ، فَطَبَعَتْ الصّحراء طابعها على أهلها ، فأصبحوا يتحلّون بالشّهامة والكرم والوفاء وحبّ الحريّة "

هنا يحاول المسلمون بكل مواربة، و بما يخالف الواقع الذي كان سائداً، أن يصوّروا الناس في ذلك العصر على أنهم كانوا عبدة أوثان، و أنّ قلّةً منهم كانت على الحنفية _ هذا أيضاً اختراع إسلامي_ و هم بهذا يتنكّرون أو يحاولون طمس حقيقة واضحة و كبيرة و هامّة، ظاهرة للعيان، و هي أن الدينين النصراني و اليهودي كانا موجودين في هذا العصر، و كانت هناك كنائس و أديرة و معابد لأصحاب كلتا الديانتين، و هم لم يكونوا قلّة قليلة في ذلك العصر_ كما يروّج المسلمون بأنهم كانوا لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة _ كان اليهود و النصارى يعبدون الله الواحد الأحد، و كانت لهم شعائر دينية و طقوس و عبادات يمارسونها، أي لم يكن الإسلام هو الذي أدخل مفهوم عبادة الإله الواحد إلى شبه جزيرة العرب، سبقه في ذلك اليهود و النصارى. و يقال إن نبي الإسلام عندما تزوّج من خديجة بنت خويلد النصرانية، ابنة عم القس ورقة ابن نوفل، تمّ ذلك في كنيسة مكة.
و يصنّف المسلمون الديانات في العصر الجاهلي على النحو الذي سنبيّنه هنا _ و هذا التصنيف غير دقيق و هو مناف للواقع الذي كان _:

1. الملحدين ( لا يؤمنون بأي إله) ويسمون الدهريين: " وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ(24) ". الجاثية.
فالزمان هو الذي يهلكهم لا الله تعالى ولا الأصنام..
وسماهم ابن كثير: الدهريين من الكفار.

2. عَبَدَة الأوثان: " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ(71) ". الحج.
" فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " [الأحقاف: 28].

3. عَبَدَة الله وحده واتخاذ الأصنام شفعاء " أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار " [الزمر: 3].
لكن لهم حكم عباد الأصنام: " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ". [يونس: 18].

4. عبدة النجوم والكواكب: " وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى(49) " النجم. راجع أقوال المفسرين.

5. الموحدين (الأحناف) : مثل ورقة وزيد بن عمرو بن نفيل والقس بن ساعدة... وهم أقلية لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ولا يوجد نصوص صحيحة كافية حول عباداتهم.

6. أهل الكتاب: كعبد الله بن سلام وصهيب الرومي وسلمان الفارسي قبل إسلامهم .

كل هذا بحسب التصنيف الخاطئ و غير الدقيق بل و المشوّه من قبل المسلمين.
الدكتور جمال أبو زيد له تصنيف آخر و هو أقرب إلى الواقع من التصنيف السابق:

أ ـ عبدة الأصنام والأوثان:

كان العرب في الجاهلية يعبدون الأصنام والأوثان والأنصاب التي تحوّلت كما يبدو إلى أصنام، وكانت الأصنام على أشكال متنوعة، منها ما هو على صورة إنسان أو حيوان أو طير، ومن أشهرها (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا، واللات والعزى، ومنآة، وهبل..).

ب ـ عبدة الكواكب والنار:

لم تقتصر الحياة الدينية في شبه الجزيرة العربية على عبادة الأصنام والأوثان، بل وجدت بعض الفئات الأخرى التي انصرفت إلى عبادة الكواكب والنجوم بأشكالها المتعددة كالشمس والقمر والزهرة وعطارد والثريا وغيرها..

وقد عرفت هذه الجماعة بالصابئة التي استمدّت أصولها الاعتقادية كما تدعي بالأخذ من محاسن ديانات العالم وإخراج القبيح منها قولاً وفعلاً، ولهذا سموا بـ"الصابئة"، وقد وجد إلى جانب هؤلاء عبدة النار "المجوسية"، وكانت قد عرفت هذه الديانة عن طريق الفرس في الحيرة واليمن، كما انتشرت الزندقة بين صفوف سكان شبه الجزيرة في الحيرة.

والزنادقة قوم أنكروا الخالق والبعث، ومنهم من أنكر الرسالة وأنكر بعث الأنبياء، وإلى جانب هذه النظرات الاعتقادية وعبادة الأوثان، نجد أنه كان للعرب آراء ومعتقدات خرافية، فمثلاً كانت لهم في الجاهلية مذاهب في النفوس، فمنهم من زعم أنّ النفس هي الدم وأن الروح هي الهواء، وزعمت طائفة أن النفس طائر ينبسط في جسم الإنسان فإذا مات لم يزل مطيفاً به في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشاً ويسمونه "إلهام" و"الواحدة"، كما أنهم كانوا يعتقدون بالوهميات كالغول وغير ذلك…

ج ـ الديانات السماوية

وجد إلى جانب الديانات السالفة الذكر أديان أخرى كالمسيحية واليهودية، حيث كانت الجزيرة العربية منذ أقدم الأزمنة معبراً للقوافل وعلى اتصال وثيق بجيرانها، فانتقلت إليها الأديان، الأمر الذي كان له أثر كبير في التلونات الاعتقادية في شبه الجزيرة، وقد تجلى هذا التأثير في اعتناق بعض أبناء الجزيرة للمسيحية واليهودية إلى جانب الحنيفية.

اليهودية

انتشرت اليهودية على وجه الخصوص في اليمن عن طريق اتصال ملوك حمير بيهود يثرب، وتذكر المصادر أن جماعات منهم هاجرت إلى بلاد العرب الشمالية والحجاز بعد أن دمر الرومان أورشليم "القدس"عام 70 للهجرة، واستقرت في يثرب ووادي القرى وخيبر وفدك وتيماء.

وبالرغم من اختلاط هؤلاء اليهود بالعرب وتعايشهم معهم واحتكارهم لبعض الصناعات والحرف كالتجارة والصناعة والحدادة وصناعة الأسلحة القديمة والصيرفة وتعربهم بحكم احتكاكهم بالعرب وتجاورهم، إلا أنهم لم ينجحوا في نشر اليهودية بين العرب لأسباب منها عدم اهتمامهم بالتبشير، لاعتقادهم بأنهم "شعب الله المختار" الذي يتميز عن باقي الشعوب، ومنها احتقار العرب لهم باعتبارهم عملاء للفرس في اليمن، ولما عرفوا به من صفات ذميمة منها نقض العهود، واتّباع أساليب الغدر، والتهافت على جمع المال وخاصة عن طريق الربا وما إلى ذلك.

المسيحيـة

تطلق المسيحية على الدين المنـزل من الله U على عيسى u، وكتابها الإنجيل، وأتباعها يقال لهم النصارى نسبةً إلى بلدة الناصرة في فلسطين، أو إشارة إلى صفة، وهي نصرهم لعيسى u، وتناصرهم فيما بينهم، وكانت هذه الصفة تخصّ المؤمنين منهم في أول الأمر، ولم يلبث أن أطلقت عليهم كلهم على وجه التغليب.

الحنيفيـة

هي دين النبي إبراهيم u القائم على التوحيد، والأشخاص الذين كانوا على الحنيفية، كما تشير إليهم المصادر، كانوا خليطاً عجيباً من أمم مختلفة، بعضهم عرب وبعضهم شعوب أخرى، وكان أصحاب الحنيفية جماعة من عقلاء العرب سمت نفوسهم عن عبادة الأوثان ولم يجنحوا إلى اليهودية والنصرانية، وإنما قالوا بوحدانية الله وكانوا يسمون "الأحناف" (أو الحنفاء أو المتحنفين)، وهي جمع حنيف صفة النبي إبراهيم u.

بينما نرى هنا الدكتور عارف علوان و في مقال له نشر في الحوار المتمدن في سنة 2010 و هو بعنوان: "العرب أخفوا حقيقة الديانة السائدة قبل الإسلام" نورد منه بعض المقتطفات و هي تبيّن صحة ما عرضناه في مقدمة مقالنا هذا:

"لم يسبق لأمة أن زورت تاريخها المكتوب عن قصد، وعبثت بمجرياته كما فعل العرب! ورغم ظهور كتابات قديمة وحديثة ناقشت الحقائق، وصححت مكامن التزوير، الذي جاء لصالح إمبراطوريات أو حكومات اعتبرت مستقرة لكنها ذات طابع دكتاتوري، إلا أن العرب وضعوا هذا التصحيح العلمي في خانة المؤامرة، وتجاهلوه، لأنهم اعتبروه يستهدف الإسلام الذي أرادت تلك الحكومات أن تظهر إخلاصها له، أولاً لأنه يعمل على الاستقرار، وثانياً ظل يشجع المستفيدون، ممن بنوا عليه كم هائل من الأكاذيب، لاهوتية وقومية!"

"إذا اعتمدنا ما أرخ له تباعاً هيرودت، المؤرخ الروماني فلينيوس الأكبر، ويوسفوس قبل الإسلام، ثم الطبري وعلي جواد والمؤرخون الغربيون الحديثون بعدهما، وجميعهم امتازوا بالحياد، فإن التركيب السكاني للجزيرة العربية وما حولها في العهود القديمة كانوا قبائلَ يختلف تحضرها بالنسبة لقربها أو بعدها عن الإمبراطوريات المحيطة بها، ففي حين ظل بدو الصحراء في الوسط يعيشون حالة من البداوة والوحشية أبعدتهم عن تأثير سكان المدن الذين اختلطوا بالإمبراطوريات المحيطة بهم، يشير المؤرخون المذكورون أعلاه إلى تحضر القبائل العربية الأخرى، الذين أبدوا استعداداً للتأثر بما جلبه السومريون والبابليون واليونانيون والرومان والفرس والبطالمة من عادات وأديان جديدة!"

"فالحميريون في اليمن تحولوا إلى المسيحية بعد وصول المبشر ثيوفيلوس إليها، الذي أرسله الحاكم قسطنطيوس إلى المنطقة، وكان أمروء القيس بن عمر، الذي لقب بملك العرب، وحكم قبائل الازد ونزار في الشمال نصرانياً، بعد أن كان الحاكم بالنيابة عن الفرس على الأراضي الحدودية لعرب ربيعة ومضر (حسب الطبري)"

"والقبائل العربية التي أسست تدمر جنوب سوريا والبتراء في الأردن، قد تنصرت لدواعي أمنية بالنسبة للأولى، وعن رضا بالنسبة للثانية. أما بدو سيناء العرب فقد تأثروا بالبطالمة وشاهدوا الدين الجديد المسيحية فأولعوا بها، بينما ظلت غزة تابعة لحكومة يهودا والسامرة التي يغلب على سكانها التهود، إلى أن غزاها المسلمون في عهد أبي بكر ثم عمر بن الخطاب، فتبع الغزاة عدد كبير من سكان الاحساء شمال السعودية، واستولوا على الأراضي التي أخذ قادة المسلمون يوزعونها عليهم لكي يصبحوا أغلبية.

يوجد كتاب حديث جداً، يرسم بدقة انتشار المسيحية بين القبائل العربية، وهو "تاريخ العرب في جزيرة العرب" لمؤلفه روبرت هُيلند، ترجمه إلى العربية عدنان حسن، يذكر، بالاستناد إلى مؤرخين سابقين وعرب، أن نسبة المسيحيين بين القبائل العربية قد انتشر قبل الإسلام، بحيث يمكن للقارئ أن يقدر عددهم بحوالي 80%، بينما بقيت العشرين بالمائة مصرة على وثنيتها، خاصة القبائل داخل شبه الجزيرة، وهم البدو الذين يصفهم المؤرخ فلينيوس بأنهم "قطاع طرق ورعاة، ممن ينتقلون فوراً من مكان إلى آخر عندما تنقصهم المراعي والغنائم، وهم همجيون ومحبين للحرب يعيشون في الخيام، اشتهروا بخطف الرهائن وطلب فدية مقابل ذلك، يسمون ذئاب الجزيرة قبل تنصرهم، وانضمامهم إلى المسيحية لاتصالهم بالكهنة والرهبان، الذين سكنوا بينهم، ومارسوا حياة الزهد والتقشف في الصحارى المجاورة"

و يختم مقاله هذا بالقول "كما ذكرنا في مقال سابق في الحوار المتمدن، فإن محمداً كان نصرانياً، أراد إصلاح النصرانية ليكون زعيماً على عرب مكة، لكنه واجه صعوبات كثيرة من قبيلته قريش، وكانت قريش تريد أن يظهر زعيم منها يسود على العرب، فوجدت من غير المنطقي محاربة النصرانية باسم دينها، لذلك نصحه كبار السن من قريش بالتخلي عن النصرانية والتبشير بديانة جديدة، فيمكنهم والحالة هذه الوقوف إلى جانبه، ويقاتلوا القبائل الأخرى من مسيحية ويهودية باسم الدين الجديد (الإسلام) حتى يستطيعوا فرض زعامتهم على العرب!
وهكذا نرى التاريخ يعيد نفسه في شبه الجزيرة العربية، ولو بصورة مجتزئة، ففي حين امتشق محمد السيف لحمل العرب من المسيحيين والديانات الاخرى على الرضوخ وإعلان إسلامهم، تحاول الوهابية اليوم إشاعة ثم فرض نفسها على المسلمين باسم المذهب الوهابي، رغم محاولات الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز اجتثاث العنف المصاحب لدعوة الوهابيين!!"

إذا لم يكن هذا العصر وثنيا بغالبيته، كما يصور المسلمون، كما لم يكن جاهلا، و الدليل على ذلكانتشارالكتابة و الحساب و القراءة و خاصة بين أصحاب الديانتين اليهودية و النصرانية و بين التجار، فكانت هناك معارف كثيرة دينية و اقتصادية و أدبية و فكرية، و هذا الذي روّجوا له منذ أن أطلقوا هذه التسمية على ذلك العصر، فاعتبروه جاهلية من الجهل و هو عدم المعرفة و ضد العلم، لكن الباحثين و المتخصصين و المؤرخين حين جاؤوا بالأدلة من حياة العرب في ذلك العصر و دحضوا فكرة التسمية و قالوا أنها ليست صحيحة، حاول المسلمون كعادتهم البحث عن أعذار جديدة لتلك التسمية ليسوّقوا مقولة الجاهلية بأي ثمن، فقالوا إنهم قصدوا بها ليس الجهل بالعلم بل الجهل بالحلم، و هنا أيضا يقعون في خلط جديد لم يسعفهم تبريرهم هذا، فما هو الحلم؟ و معارف كثيرة دينية و اقتصادية و أدبية و فكرية، أما للرد على ما يزعمه المسلمون بقولهم أن الجاهلية جاءت من الجهل الذي هو ضد الحلم "الحِلْمُ - حِلْمُ:

الحِلْمُ : الأَناةُ وضبطُ النَّفْس .
و الحِلْمُ العقْل . المعجم: مصطلحات فقهية -
الحِلم :
بكسر الحاء وسكون اللام ، من حلم ، الأناة وضبط النفس
المعجم: مصطلحات فقهية. لغ الحلم ‏:
‏ بلغ سن الرشد وهو سن خروج المني ‏
المعجم: مصطلحات فقهية - "

إذا فالحِلم هو الرشد و هو العقل، و هنا نطرح أسئلة تحتاج إلى إجابة و تبيين من المسلمين كيف يكون الشخص الجاهلي غير حليم و غير رشيد و غير عاقل و هو الذي قدّم المعلّقات و عيون الأدب و الشعر و الفصاحة و البيان؟ هل يستطيع قليل العقل إنجاز مثل هذه الروائع؟ و عن الصفات التي تحلّى بها ساكن الصحراء، بحكم طبيعتها القاسية فكان عندهم الكرم و الوفاء فبمجرد قول الكلمة وعدا و عهداً كانت أقوى من أي عقد كتابي و بشهود، كان الحفاظ على الوعد يكلف حياة الشخص أحيانا. و من الصفات أيضا حب الحرية و إباء الضيم و الأمانة و الشهامة و الرجولة و قريحة الحفظ و الذكاء و الفراسة و الفطنة و المروءة و النجدة و الكرم و السخاء و الصبر على المكاره و قوة الاحتمال و الرضا باليسر و ما تركوه لنا من أمثال و أقوال لا يفوه بها سوى الحكماء و العقلاء و لا يمكن أن تكون صادرة عن أشخاص عديمي الحِلم، أو أغبياء سفهاء، فهم اشتهروا بقوة أجسادهم و بالتالي قوة الصحة النفسية لأن قوة النفس و الروح تؤثر عليها قوة الجسد.

كل ما ذكرناه يدحض مزاعم المسلمين بأن هذا العصر كان جاهليا لجهل علم أو لجهل حلم. يكرّر المسلمون أقوالهم دون الرجوع إلى إمكانية أن تكون صحيحة أو معقولة، إنهم يخافون المعرفة لهذا و عندما يسأل مسلم عن أمر ما يجهله و هو يريد علما و معرفة و إلماما فإن ردّ الشيوخ و الأئمة و أصحاب الشأن و من بيدهم القرار يقولون لهم ما قاله القرآن: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). كي يسدوا في وجههم باب المعرفة و كشف بواطن الأمور لفهم الأشياء على حقيقتها دون مواربة و لا خداع و كذلك دون تنميق و تلميع و تلوين خارجي ظاهر، لا يمسّ الجوهري الباطني.

أما و أن الوثنية هي سيئة إلى هذا الحدّ الذي صوّره الإسلام و السلمون و أضفوا عليه من خرافاتهم و خزعبلاتهم شيئا كثيراً صار كالأساطير لا يقبله العقل الرشيد، فإننا نسأل المسلمين هل يعلمون أنهم على بعض الوثنية فيما يمارسونه من طقوس دينية و من عبادة؟ و لكي نلقي بالضوء على ما أخذه الإسلام عن الوثنية فنقول:

"(1) قالت (دائرة المعارف البريطانية ج 1 ص 1047):
“يرى الباحثون أن الديانة العربية الوثنية هي أصل الديانة الإسلامية.
(2) ويقول الشيخ خليل عبد الكريم في (كتاب: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية ص8ـ12): “إن العرب ـ في الجاهلية ـ هم مصدر الكثير من الأحكام والقواعد والأنظمة والأعراف والتقاليد التي جاء بها الإسلام أو شرعها حتى يمكننا أن نؤكد، ونحن على ثقة شديدة بأن الإسلام ورث من العرب ـ الجاهليين ـ الشيئ الوفير بل البالغ الوفرة في كافة المناحي: التعبدية والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والحقوقية”
(3) ويضيف الشيخ خليل عبد الكريم في (كتاب: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية ص 8): قوله: ” “بل إن هناك مجالا يحرص دعاة الإسلام على إغفاله أو التعتيم عليه، وهو المجال الديني أو التعبدي، فالكثير من القراء قد يدهش عندما يعرف أن الإسلام قد أخذ من الجاهلية كثيرا من الشئون الدينية أو التعبدية)
(4) وقد ضمَّن الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه (كتاب: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية) الكثير من هذه الشعائر التعبدية مثل:

1ـ تعظيم الكعبة: (ص 15)

2ـ فريضة الحج والعمرة والمناسك: (ص 16)

3ـ شهر رمضان: (ص 18)

4ـ تحريم الأشهر الحرم: (18)

5ـ تعظيم ابراهيم واسماعيل (19)

6ـ الإجتماع العام يوم الجمعة: (21)"
"(1) يقول الدكتور سيد محمود القمني (في كتاب الأسطورة في التراث ص 162): إن كلمة [حج] مأخوذة أصلا من فعل الاحتكاك، فهي في أصلها من [ح ك] (انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على ج 5 ص 223).
(2) ويوضح (كتاب الملل والنحل لأبي القاسم الشهرستاني ص 247) العلاقة بين الاحتكاك والحج بقوله: “أنه كان يمارس في الحج طقس عجيب وهو الاحتكاك بالحجر الأسود“.
(3) وتوضيحا لمعنى الاحتكاك بالحجر الأسود نورد تعليق الدكتور سيد القمني في (كتاب الأسطورة في التراث ص 163) القائل: “أنه كان هناك طقس لدى الجاهليين تؤديه النساء في الحَجَر، وهو مس الحجر الأسود بدماء الحيض، [نتيجة احتكاك أعضائهن به وهن عاريات]… وقد كان دم الحيض عند المرأة في اعتقاد الأقدمين هو سر الميلاد، فمن المرأة الدم، ومن الرجل المَنِيُّ، ومن الإله الروح. وكان في الكعبة إله القمر”. [ويبدو أنه كان في اعتقاد الجاهليين أن هذا الحجر الأسود كان يمثل عضو إله القمر الذكري، وكن يقمن بهذا الاحتكاك بغية الإخصاب والإنجاب].
(4) والتساءل هو: إذا كان معنى الحج في الجاهلية الوثنية هو هذا الكلام فما هو معنى الحج في الإسلام؟ ولماذا يقبلون الحجر الأسود"
"
(1) يقول (الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية ص 16): كان العرب في الجاهلية يقومون بذات المناسك التي يقوم بها المسلمون حتى يومنا هذا وهي:

1ـ التلبية [لَبيك اللهم لبيك]
2ـ الإحرام وارتداء ملابس الإحرام.
3ـ وسَوْقُ الهَدْى.
4ـ والوقوف بعرفات.
5ـ والدفع إلى مزدلِفة.
6ـ والتوجه إلى مِنًى: لرمي الجمرات، ونحر الهدْى.
7ـ والطواف حول الكعبة [أيضا] سبعة أشواط [لم تزد أو تنقص في الإسلام ]
8ـ وتقبيل الحجر الأسود [تعظيما له]
9ـ والسعي بين الصفا والمروة.
10ـ وكانوا أيضا يسمون اليوم الثامن من ذي الحجة [يوم الترويَة]

12ـ وتبدأ من العاشر أيام مِنًى ورمي الجمار، وكانوا أيضا يسمونها [أيام التشريق]، (التشريق هو التجفيف أي تجفيف اللحم بنشره في الشمس بعد يوم النحر)

هذه تساؤلات تفرض نفسها على كل عقل متفتح، وتنتظر إجابة شافية من المتخصصين والعلماء"

أرجو أن أكون سلّطتُ الضوء على بعض الأفكار المتداولة لدى الكثير من المسلمين حول مفهوم الجاهلية المفترض، و ما هي الفروق بينها و بين ما هو عليه الإسلام اليوم. لا نهدف من هذا سوى الإفادة، فإن كانت علة ما في هذا الفكر أو ذاك، فأسلوب الرفض و التنكّر أو النكران له، لن يغيّر من حقيقة الأمر شيئاً، و على المسلمين أن ينظروا بعين الواعي و الباحث و المدقّق في أمور و مفاهيم و ممارسات كثيرة سائدة في حياتهم و في أسرهم و في مجتمعاته و في بلدانهم، تجعلهم باقين على ما هم عليه من تخلّف إجتماعي و من خوف من الحصول على المعرفة أو الهروب من مواجهة الحقيقة و الحقائق التاريخية الثابتة، التي لا يمكن نكرانها أو تجاهلها، بالحيلة و المراوغة و البحث عن تبريرات واهية لا تستطيع مواجهة الحقيقة.

يتبع......



__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس