الصديق العزيز فؤاد زاديكة أبو نبيل
تحية
أشكرك على هذه المشاعر الفياضة، هذه القفشات التي التقطتها بين الحين والآخر، تعيدني إلى طفولتي، ليس عبر الكتابة فحسب بل عبر التواصل الرُّوحي لما لهذه العوالم من نكهة طافحة بالعذوبة والبراءة والفرح والحزن والأسى والحياة!
عندما أكتب نصاً ما، أكثر ما يهمّني هو تفاعلي مع الحدث، الحالة،الواقعة، القصة، الموقف، الطرفة، العادة، المشهد، هذا أولاً، ثم يأتي دوري في استشفاف عبرة ما، ومضة ما، فكرة ما مما أراه، وأشعر بلذة عميقة عندما ألتقط هذه الومضات المسترخية في جعبة الذاكرة البعيدة، وهكذا تخرج إلى النور بمتعة غامرة، ولا أتوقّف عند البطولات والنجاحات والفتوحات التي حققتها أو حققها فلان، بل أتوقف عند عبوري عوالم أكوم الطين، حيث أنَّ هكذا عبور هو بمنظوري نوع من الفتوحات الرائعة، لأنه ترك أثراً طيباً في حيثيات قصصي وأشعاري ونصوصي وكان بمثابة البلسم الذي خفَّف ويخفف جراحي وأنا في أعماق غربتي الفسيحة!
قرأتْ كما أشرتُ سابقاً في مكان آخر، قاصة تونسية قصة من قصصي التي حملت عنوان الكرافيتة والقنّب، وهذه القصة هي من القصص الحميمة والقريبة إلى قلبي لأنها تلامس علاقتي الحميمة مع عوالم والدي، وقد أشارت لي القاصة القارئة فيما بعد، انها كانت ستنزعج جدّا منّي لو ازعج الوالد العجوز عبر القصة، من جراء سطوه على إحدى كريفاتاتي وتحويلها إلى حبلٍ لغنمته، لكنها عندما وجدت كيفية اقفال القصة واعطاء نكهة طرية لعوالم القصة فيها من الدعابة والمرح الشيء الكثير، عندها فرحت وقالت الآن تبدَّد انزعاجي وبرَّد الكاتب قلبي لأنه لم يزعج الوالد العجوز!
أتذكر أنني تلقيت منها إيميلاً تشرح فيه مشاعرها وكيفية انحباس انفاسها لما سيحل بمصير الوالد ومصير الكرافيتة، فضحكت يومها ضحكا عميقاً، لأنني ما تخيلت أن يكون للقصة هذه الروح الشفيفة العابرة إلى أقاصي البلاد، وما كنتُ أتوقّع أن بعض القارئات أو القراء، سيتفاعلون بالحدث القصصي إلى درجة تصورهم انه حدث يحدث أمامهم وسيأخذون هذا الموقف أو ذاك! والطريف بالأمر أنني ردّيت على القاصة بكل مرح قائلاً لها:
يا صديقتي، يا شيخة كيف تصورتِ أن أخدش مشاعر الوالد العزيز حتى عبر القصة، ألا تعلمي أن بطل القصة هو والدي في كيفية سطوه على الكرافيتة، وألا تعلمي أن الحبل نفسه حدث هام وأساسي في القصة، وهل تعلمي أن كل كريفاتاتي لا تساوي هذا الحدث الذي تم، فوالدي قدَّم لي خدمة جليلة بسطوه ولولاه لما كتبت هذه القصة، لهذا اهديت القصة إلى والدي،وهكذا يا صديقي ويا صديقتي ويا أحبائي، فكرة ما بسيطة ممكن ان تصبح نصاً مقالاً قصة شعراً ...، لكن يتوقف الأمر عند كيفية بنائه ونسجه وخلق حالة إبداعية بحيث تكون جديرة بالولوج عوالم الأدب!
أحياناً فكرة ما تراودني، لكني لا أعلم كيف سأدرجها في سياق أدبي ما، فاتركها معلقة في ذاكرتي لكني أدرج فقط الفكرة باختصار في جدول أعمالي للمراحل القادمة، واتركها تختمر وتخرج إلى النور بطريقة انسيابية، وكم من القصص وُلدوا بعد طول انتظار، أحيانا عشرة سنوات ثماني سنوات أكثر أو أقل، وهذا هو مخزوننا، هو الطاقة التي نستدرُّ منها ابداعنا، ولا يقلقني الموضوع، فدائماً هناك عشرات المواضيع التي ممكن أن نصيغ منها قصة لوحة قصيدة نصاً، لكن ما يقلقني كثيراً وكثيراً جدّاً هو الوقت! لهذا لا بدَّ من التفرغ كلياً للكتابة والرسم والأدب والقراءة، وهذا ما سأسعى من أجله كي أستطيع أن أخفف من هذا الغليان الجامح في كياني الصغير!
تحية للعزيزة أم نبيل
تحية لآل زاديكة في كل مكان
تحية للأحبة الأصدقاء والقراء والقارئات الذين يتابعونني أينما كانوا.
بقي أن أقول أنني أكتب لمتعة خالصة، متعة الكتابة، متعة الإبداع لا يضاهيه أية متعة أخرى في العالم، فأهلاً بكم يا أحبائي الرائعين في كل مكان!
صبري يوسف ـ ستوكهولم
|