عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-01-2006, 08:15 PM
دكتور سهيل دكتور سهيل غير متواجد حالياً
Super-User
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 7
افتراضي الحلقة السادسة - الوصية والسبي الأكبر لآزخ

13
و هكذا صار زحف الراوندوزيون والجزراويون على آزخ فأحرقوا بساتينها وكرومها المحيطة بالبلدة ثم دخلوها بوحشية وهمجية تقشعر لها الأبدان . . فما كان من الآزخيين إلا التصدي لهذا الجيش الجرار بسيوفهم وسكاكينهم وخناجرهم وعصاهم . . وحيث شعر الآزخيون باستحالة النصر على هذا الشكل , لعدم توازن القوة بين الطرفين . . تركوا الساحة وتسللوا إلى نوافذ البيوت والمغارات والأسطح ووراء الأشجار , حيث حاصروا الاعداء من جميع الجهات , وحاصروهم ضمن دائرة ضيقة مفتوحة أمام نيران بنادقهم , وتسللهم الانفرادي السريع لضرب الدائرة بضراوة والعودة سالمين . . وماهي إلا ساعات عديدة دار فيها القتال دورة شرسة أظهر فيها الآزخيون براعة فائقة القتال وشجاعة وبسالة في النزال ,
حتى أسفرت عن وقوع ضحايا كثيرة بين الجانبين وبعد تدخل الوسطاء بين القرى المجاورة . .أوقف الجميع القال وأخذوا في تجميع جثث الأموات الجرحى , وخلال هذه الفوضى تمكن رجال الأمير الأعمى من أسر بعض النساء والعجائز وأقتيادهم معهم إلى جزيرة بن عمر ومن ثم إلى خيام الأمير الأعمى في الراوندوز , هذه المعركة التي نشبت بسبب تصرفات إسحاق بازو الرعناء , تثبت لنا صحة نبوءة الشماس اسطيفو ,
14
بعد رحيل الغزاة , وفي ركابهم الأسرى الآزخيين هدات الضجة في بلدة آزخ المتشبعة بإيمانها الصادق , بعد مصائبها وأوجاعها الأليمة , وخمدت نيران الحرائق في بساتينها وبيوتها فجلس إسحاق بازو القرفصاء تحت شجرة محروقة باكية , تشتكي إلى السماء ظلم الأعداء . . وراح يرمق الفضاء بعيون وجلة متحجرة , ويتحدث إلى نفسه , حديث المجرم الآثم الذي يتلو فعل الندامة , ويلتمس الغفران من أية قدرةإلهية خطرت آنئذ على باله .
أنا المجرم المتسبب لهذه النكبة التي أصابت البلدةوسكانها الذين وثقوا بي , ووضعوا مصائرهم بين يدي . . فلولا كبريائي وغروري وطيشي , لما ذاق الآزخيون طعم القتل والتنكيل والحرق والسلب والأسر . . أنا الذي ساعدت أهل بلدتي في حركة البناء والإصلاح والترميم بعزيمة ونشاط , حملت الحجارة على كتفي . . ونقلت المياه بيدي . . ورفعت الأحمال على السلالم . . ومزجت التبن بالتراب , لأرفع مع الآزخيين مداميك البناء والترميم
كل هذه الفضائل أطيح بها في لحظة طيش وتهور ما كنت أحسب أبعادها إلا بعد هذه الواقعة المريرة , التي أحالتني من مسؤول شهم إلى رجل خائن . . حتى أن الصغير في قومي , بدأ يبادلني نظارت الأشمئزاز والاحتقار , متهماً إياي بالتخريب والتدمير . . إن ضميري يعذبني دون هوادة , ويؤنبني تأنيباً عنيفاً ’ ويصيح بي إنه كان علّي ألا أحمل أثقالاً فوق طاقتي . . وألا أنظر إلى الأعالي في مجال يلزمني بالنظر إلى حولي على سطح الأرض . . لقد حملني أهلي أمانة غالية . . وهي حياتهم وحريتهم وكرامتهم وأرزاقهم , ففرطت بها ’ وجعلتها هباء في غمضة عين .
يا إلهي ’ ماذا أفعل ؟ كيف أواجه المنكوبين بسببي هل أنتحر ؟ هل أقدم نفسي قرباناً لأخطائي الفادحة ؟ لا . . لا . . أن الانتحار يعني الجبن بحد ذاته . . والتهرب من المسؤولية الإنسانية والأخلاقية . . عليّ إذن الصمود لمواجهة الواقع المرير , وإيجاد المخرج السليم الذي يمكنه أن يمزّق خيوط الطوق العنكبوتية التي تضّيق الخناق حول عنقي ز
أيتها السماء الرؤوم أمطري علي نار غضبك .
وأنت أيتها الأرض الحنونة انشقي وابلعيني , فأنا خائف . . أعيش أحللك ساعات عمري في دّوامة اليأس والقلق . . لست أدري ماذا أفعل ’ وقد سُدت في وجهي جميع نوافذ الأمل وأبواب التفاؤل . . وفيما إذا أستمر بي الحال على هذا المنوال , قد أقترف إُماً جديداً بحق نفسي ’ و حق الآخرين . . لطفاً يارب . . عفوك . . يارب . . رجاءً خذ بيدي إلى الدرب الصحيح . . رجاءً لاتتخل عني ’ فأنا خاطئ ’ أتيتك اليوم بقلب مفعم بالإيمان’ عللّك تصفح عني .
وفيما كان إسحاق بازو في حيرة من أمره ’ تلاطمه أمواج الندامة والضياع ’ برقت في وجدانه فكرة خاطفة ’ كما يبرق الشعاع في كبد الظلمة ’ فصاح بحرارة لقد وجدتها . . وجدتها . . . . وجدت القدرة التي يمكنها أن تصنع لي الحلول المناسبة لإخراجي راضياً من هذا المأزق العصيب . . إنه دون شك العم أوسي . . فهو الإنسان الوحيد الذي بوسعه أن يخنقني بقبضة يده . . أو يطلقني من وراء القضبان الحديدية التي سجنت فيها قلبي وضميري وروحي .
فهيا أسرع . . أسرع يا إسحاق إلى العم أوسي قبل فوات الأوان .
فأنا قد حطمت أسرة سريانية آزخية كبيرة ’ متشعبة البطون ومتعددة الأسماء . . . وعليّ الكفير عن ذنوبي مهما بلغت التضحيات ......

يتبع في الحلقة القادمة ...........

التعديل الأخير تم بواسطة دكتور سهيل ; 25-01-2006 الساعة 08:21 PM
رد مع اقتباس