أخي الياس إنّ أصدق مكان يمكن أن يذهب إليه الإنسان ويجلس فيه لبعض الوقت و يتأمّل الراقدين بسلام هو هنا بين تلك القبور التي زرتها اليوم يا أخي الياس و غيرها فهذه هي نهاية مطاف رحلتنا و هنا سنرقد ذات يوم و سيزورنا الآخرون ليقولوا بحقنا كلمة خير أو غيرها. هنا يدرك المرء أن هذا الكون بكل ما فيه من مغريات و من هناء و أسباب الراحة الأرضية هي زائلة و سيغادرها دون أن يأخذ معه منها شيئاً. سنغادرها يا أخي الياس و نحن نحمل على كاهلنا وزر أعمالنا لنواجه ربّنا الديّان و هو العادل الرحيم ليسألنا: كان لديكم الوقت الكافي فماذا صنعتم من أجل هذا اليوم؟ هل أنتم على استعداد لأن تقدموا لنا حساب بيدركم؟ آه يا أخي إنها ستكون لحظات عصيبة و صعبة للغاية يتمنى الخاطيء لو يسمح له بالعودة ليوم واحد ليقضيه كله في أعمال البرّ و الخير و الصلاح. نعم ونحن لا نزال هنا و لا يزال لدينا الوقت كافياً لنحاول إصلاح ما أعطبناه في حياتنا و ما عملناه مما يغضب الرب بشكل أو بآخر. زيارة مناسبة وعلى كلّ منّا أن يخطّط لمثل هذه الزيارة مرّة واحدة في الأسبوع على الأقل ليشعر بضعفه كإنسان و ليدرك أنّ من يرقدون الآن تحت الأرض كانوا أعظم منه شأناّ و غنى و صحة و سلطاناً لكنهم لم يصمدوا أمام جبروت الموت و قهره فغلبهم و صاروا إلى هنا! كل الشكر لك يا أخي الياس فقد فتحت في أعماقنا جروحاً يجب أن يستمرّ نزفها لكي نظلّ على حكمة و تعقّل و تبصّر فالحياة إلى زوال و لن يدوم شيء فيها.