عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-05-2007, 01:21 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي أحلامٌ غافية فوقَ شهوةِ الرُّوح: إلى أحلام الّتي أحبَّت شعري

أحلامٌ غافية فوقَ شهوةِ الرُّوح



إهداء: إلى العزيزة أحلام، التي أحبّت شعري ونصّي وقصّي!


هل أنتِ أحلام صديقة قلمي أم أنكِ صديقتي وصديقة قلمي معاً؟!
أحلام كلمة ذات إيقاع جميل في سياق نصوصي وأشعاري، نسبة كبيرة من نصوصي تنبع من شهقةِ الحلمِ، غالباً ما أصنع حتى الحلم في سياق سردي وقصصي، هل قرأتِ نصّ، "ديريك يا شهقة الرُّوح"، في هذا النصّ للحلم دور كبير في بناء حبقِ النصِّ، والحلم المنسوج في ثنايا البوحِ لم يحصل مع وقائع الحياة بل أنا صنعته وفرشته فوق نصاعةِ الحرف فجاء في إيقاع وكأنني كنتُ في حالة حلمية أنينيّة، حتّى أنني عندما أقرأ النصّ الذي كتبته من وحي مجموعة صور لديريك، ومن وحي شوقي العميق لديريك، يدهشني الحلم الذي يتراقص في حيثيات السرد، ثم أستدرك وأنا في حضرة النصّ أن هذا الحلم المتطاير، لم يتراءَ لي لحظات الكتابة ولا قبل الكتابة، بقدر ما تناثر حنين القلم والقلب فاهتاجت ينابيع الخيال فوق ربوع الحلم المنسوج من بهجة انزلاقِ الشوقِ إلى دفءِ العناقِ، عناق ديريك، بكل براريها، وبكل سهولها المكتنزة بالسنابل، لم يلد حلمي الشامخ فوق سطوةِ القلمِ إلا من شدّة الشوق إلى بيادر الألمِ، ألمٌ لا يبارحُ ليلي ولا صباحي، منذ أن عبرتُ تلالَ الغربة، وحده قلمي زلزل غصّتي ومسح المنغِّصات المكلّسة فوق قيافة البدنِ، قلمي يغفو هناك ليل نهار، فوق وجنةِ ديريك، يغفو على مساحات ذاكرة مشتعلة من وهج الضياء!

أكثر ما يلفت انتباهي بعد ولادات نصوصي، تساؤلات شفيفة عن كيفية ولادات هذه النصوص، يخيّل إلي عندما أنتهي من كتابة نصِّ ما وبعد أن أصيغه عشرات المرّات، أن حالة مماثلة مثل هذا النصّ سوف لن تنتابني، وتحليقات متدفقة كهذه الحالة سوف لن تتكرَّر معي وإذ بي بعد حين غارق في تماهيات شوقية وعوالم فسيحة تنفرش فوق كنوز الروح فأهرع إلى قلمي، مستنجداً به، قلمي آه يا قلمي، اسعفني من اندلاعات شهوةِ الحلم، حُلُم اليقظةِ، حُلًمُ تناثُرِ الحرفِ فوق غمائمِ غربتي، حلم الكلمات المتدفقة فوق سماء ليلي، حلم الأحلام الغافية فوق بيارقِ الرُّوحِ، تتداخل أحلام اليقظة مع وهج الخيال، فأعيش لحظات أشبه ما تكون تجلِّيات مختطفة من وهادِ الأرضِ نحو عذوبة السَّماء، يقلقني أحياناً كثيرة أنني غير قادر على لملمة كلّ هذه التدفُّقات فألتقط ما يمكن التقاطه وأترك ما يفلت من شِباكِ بوحي، وكم من مرة كنتُ في صددِ كتابة فكرة ما، فأشطجُ بعيداً عن معمعانات السرد، فتهبط فكرة أخرى، أسبح في غمارها ثم تتداخل الفكرة المنسيّة داخل متون السرد فألتقطها وأصيغها بكل تنافرات العبور تاركاً مساحة مبهجة تلامس ما تبقّى من جموح الخيال، الكتابة عندي حالة فرحية عشقية، ليس لها علاقة بأي منطق من منطق الحياة، انّي أظلُّ أسيرَ انسياب التدفقات المتهاطلة فوق انشراخِ جغرافية هذا الزمان، أحياناً تغدو أمامي ديريك وكأنّها محور الكون، كأنها جزء من خصوبة الحياة، وكم كان فرحي عندما كانت ديريك وتخوم عين ديوار إحدى مراكز الخسوف والكسوف في العالم، ازداد يقيني أن ديريك صديقة براري الروح وصديقة المجرات وأخت الكسوف وما فوق الخسوف وهي نبتة منبعثة من حنين السماء، هل للسماء حنين إلى ربوع الأرضِ، لماذا لا تتواءم الأرض مع زرقة السماء ويزرعان مطراً نقياً في قلوب المحيطات، لماذا ينجرف المرء نحو شفير الهلاكِ، كم من العمر يعيش المرء بين تضاريس هذا الزمان المبقَّع بسيوف الغدر، ولِمَ كل هذا الغدر يا صديقي يا موجةً غافية فوق شهيقِ الرِّيحِ، هل تظن أنكَ خالدٌ فوق هذا الرَّمادِ؟!!!

لا خلودَ في هذا الزّمان سوى نصاعةِ الحرفِ المنبعثِ من هديل الحمائمِ، سوى بهجة الوئام بين البشر، ديريك وردة غافية بين نداوة خيوطِ الصَّباحِ، صديقةُ النَّارنج وأمُّ دوّار الشّمسِ، تنحني للشمس كما تنحني زهور عبّاد الشمس، كم مرة قطفنا أزاهير عبادِ الشمسِ على ضوءِ الهلالِ، وكم مرة ترامينا فوق خصوبة المروجِ، كم مرة تهنا في أعماق البراري مع أختي ولملمنا سلالَ الحرشفِ*، تقدّمُ إليّ أشهى الزيغلاناتِ، آكل زيغلانة* بشهية لذيذة وكأنّها نبتة الخلاص، نبتةُ حفيفِ البوحِ، تنفرشُ أمامي أعماق البراري، أتلمّسها رغم صقيع الشمال، رغم شساعة البحار، رغم لظى الغربة، أهفو إلى سهول الروح، إلى مرابعِ القرى المتناثرة على مدِّ البصرِ، قرى تعانق ديريك من كلِّ الجهاتِ، كروم معلّقة على خاصرة الشوقِ، ترفع أختي حادودها*، تقتلع الحرشف من أعماق التراب، ثم تلملم البونكة* على إيقاع خريرِ الأنهار، تجهّز لنا كشكاً* للشتاء الطويل، تتقدّم أمّي ذات الباع الطويل في اعدادِ الجبنة المتوّمة*، والسيركة*، ثم تضع الكشك في سدٍّ كبيرٍ بعد أن تتركه في بطنِ الأرض حتّى حلولِ الشتاء، يطل علينا الشتاء ونحن متلهفين لوجبات الكشك، نأكل ونأكل، لا نشبع من نكهة الحرشف ولا من لذة الماء، ماءٌ ممزوجٌ بحبيبات الحنطةِ، يطهّر سقف الحلق من غبار الحزنِ، ينتشلني من شراسة الجوعِ، أنظر إلى والدي، أهمس في أذنه، ينهض، يريد أن يحّقق رغبتي، قامة قصيرة مكتنزة بخيرات متناثرة من صدرِ الجراجرِ*، يعبر كوخنا الكبير حيث تلالِ التبن تقوم ركباً، يتوجّه إلى ركنٍ قصيٍ من الكوخِ، يوغل يديه عميقاً في التبن، يعرف مكمن الجبشِ*، ينتقي لي جبشة كورطبان*، يأتي عابراً صحن الدار حاملاً جبشته الكبيرة، قائلاً:
تفضّل هذه الجبشة الكورطبان كنتُ قد خبأتها خصيصاً لكَ.
أنظر إليها بفرحٍ، تجلب أمّي سفرة* كبيرة، يضع الجبشة فوقها، يبدأ والدي بكسرها وتقسيمها إلى حزوزٍ صغيرةٍ، جبشة حمراء مثل ورودِ الشيفون*، جلبت أمّي بعض الجبنِ، ورغيفين من خبز التنّورِ، قطع والدي الجزء الأكبر من اللبِّ وأعطاه إليّ، تناولت اللبِّ وأنا أكبّر لقمتي من خبز التنور بعد أن أغمسها بحبيبات الجبنِ، تتلألأ طفولتي فوق ضفافِ غربتي، فلا أجد سوى قلمي ينتشلي من هديرِ الشوقِ، أبوح ما في جعبتي لمعابر الخيال، يتداخل الحلم والذكرى إلى تجلِّياتِ القلمِ، أكتبُ بلذة عميقة وكأنّي مسترخٍ هناك تحتَ أشجار التوت، في مساءات ديريك، أكتب عن صديقتي المخضوضرة ديريك، تتراقص ذكرياتي مفروشة بعذوبةٍ على أسرار الروحِ، تنمو قصيدتي كلَّما يشدُّني الحنين إلى عناقيدِ العنبِ، صباحاتٌ مسربلة بألوانِ الفراشاتِ، كم مرة عبرتُ أعماق الكروم، أقطف عنب البحدو، آكل بشهيةٍ منعشة وكأني على معابر ثمار الجنّة، ديريك يا جنّة الجناتِ، كيف خطر على بال أبنائكِ أن يجنح بعضهم نحو عراكٍ أكثرَ من وحشيّةِ الثيرانِ، كيف اجتاحت إلى نفوس البعض رؤى من لون القتامةِ، من وهجِ شرارةِ الانزلاقِ في مغبةِ المغبّاتِ، كيف غابَ عن رؤى هؤلاءِ الفتيان أننا على أبواب الربيع، على أبواب العشق، على أبواب التآخي في زمنِ الوئامِ مع خصوبة متماهية مع خدودِ الكونِ، كيف غابَ على بال بعض المشوشرين أن نجمة الصباح لا تطيق أن ترى ديرك من قبّة السماء إلا وأهلها بكلِّ تلاوينهم في أوج المحبّة وأنقى نقاواتِ العناقِ؟

ديريك زمرّدة غافية بين مروجِ الأقاحي، تبتسمُ للنجومِ، لروعةِ الغسقِ، لعذوبة وجنةِ الصَّباحِ! ديريك قصيدة حبٍّ منبعثة من جبالِ الوفاءِ، لونُ البدايات ومهجةُ النهاياتِ، ترقصُ العصافير فوقَ خمائلِ ديريك، أسراب الزرازير تحلّق فوق أغاني المروجِ، حطَّ النحلُ فوق بهاء الزهور، يمتصُّ رحيقَ الحياةِ، ديريك موجةُ فرحٍ فوق أسرارِ اللقاءِ، لقاءُ الأحبّةِ معَ بشائرِ الخيرِ، مع أجراسِ النواقيس، مع بهاءِ المنائرِ، ديريك عاشقة متماهية مع عذوبةِ الابتهالِ، تنشدُ عند الضحى أنشودةً متناغمة مع بتلاتِ الوردِ، ديريك صديقةُ البرِّ والبحرِ، عبير غربتي في تواشيحِ الحلمِ، غيمةٌ ماطرة بأعذبِ الألحانِ، بخورُ معبّقة بحفيفِ اللَّيلِ، طفلة يانعة تنمو فوقَ أغصانِ الخميلِ!

ستوكهولم: 8 . 5 . 2007
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 09-05-2007 الساعة 07:19 PM
رد مع اقتباس