أختي الغالية أم فرانس :
يقول عندنا المثل الأزخيني ( الفرس الأصيل الكحيل .. بعمره مايصير بركيل ..والعكس صحيح أيضا ً )
كما ذكر الأخوة إن الصداقة الصدوقة المخلصة قلّت في أيامنا هذه ، لكنها لم تنته ِ من الأصلاء والمخلصون - على غرار صاحب قصّتك - الذي لم ينس َ وفاءه وعهده وأصالته .
وأريد ان أحكي لك قصّة ٍ شبه معكوسة قد رواها لي أحد الرجال القدماء ..
تقول القصة : وحسب ما أذكر أهم ما فيها وبإيجاز.. كان يوجد شخص ٌ بصفة مختار ٍ ذو مال ٍ وشهرة كبيرين ، وكان عنده ابنا ً وحيدا ً ، وبمرور الزمن أصبح لهذا الإبن عشرات الأصدقاء ،وأصبح يصرف عليهم من ماله وأصبحوا مثل أخوانه ورجاله الذين يعتمدُ عليهم .. وفي يوم ٍ من الأيام قال له الأب ( المختار الغني ) يا ولدي البارحة حصل معي حادثا ً في الليل .. جاء اللصوص ليسرقوا بيتنا ويقتلوننا فاضطررت ُ للدفاع عن نفسي وعن بيتي وقتلت ُ أحدا ً منهم ، وقد لفيّته بأكياس .
وأنت عندك أصدقاء كُثر .. أريد منك ومنهم أن ينقلوه إلى مكان ٍ ما ويخفوا جريمتي التي دافعت ُ بها عني وعنكم ..
فقال الإبن لعيونك يا أبي : فأرسل لأصدقاءه فأتوا جميعا ً بالعشرات .. وعندما قصّ عليهم القصّة والحادث ، فقام كلّ واحد ٍ منهم بتقديم المبررات وهربوا منه ُ ولم يبقَ إلا لوحده .. فقال له ُ أبوه ها يا ولدي : ما الخطب ..؟ فقال يا أبي تركوني أصدقائي وحيدا ً ولم يأت ِ أحدا ً منهم لمعونتي في هذا الضّيق ..فقال الأب لأبنه : اذهب إلى بائع للقماش اسمه - فلان - وذهب وقال له والدي يريدك .. المهم أتى - الصديق الفلان وعرف القصّة - وأخذ الجثّة ليلا ً وطمرها بجوار ساقية .. وبعدها قال لأبنه: إذهب وقل لبائع القماش ( الفلان ) أن يشتري لي أروع وأغلى أنواع القماش واجلبهم لي فذهب وحصل ما قال فقال لأبنه قم اجلب مِقصّا ً وقصقص القماش كله واذهب إليه واشتمه ُ وقل له ُ على لساني يا كذا .. كيف تشتري لصديقك هكذا قماش غير أصيل .. وذهب الولد ل - الصديق فلان - وشتمه شتائم لاذعة وضرب بوجهه الأقمشة الممزقة ورجع .. وقبل أن يغادره ُ قال له ُ الصديق فلان يا ولدي .. شتمتني أمام كلّ العالم لكن أسامحك واذهب وقل لأبيك - المختار -: لا زالت الساقية جارية وستجري ولن تنقطع .. فعاد الإبن وقصّ لوالده ما حصل بينه وبين - صديقه الفلان - فقال اذهب وقل له أبي يريدك .. فذهب الإبن فأخبره فأتى فورا ً .. وعند المساء طلب منه المختار للذهاب إلى الجثّة ليجلبها .. وقام وجلبها ليلا ً إلى بيت المختار بنفسه وحيدا ً ووضعها أمام الأب والإبن وقال المختار : قم يا ولدي اكشف الجثّة ..فكشفها هو والصديق الفلان ليروا بداخلها خروفا ً مذبوحا ً وليست جثّة إنسان ..؟..!
فقال المختار يا ولدي :
لك مائة صديق ولي صديق ٌ واحد .. أين أصدقاؤك المائة ..؟ فنكّس الإبن رأسه وقال فعلا ً يا أبي - الصديق عند الضيق .فقال الأب لإبنه وماذا تقول ُ لصديقي ..؟ فعجز عن الردّ .. فقال المختار: هذا هو الأخ الذي لم تلده ُ أّمّك ، وهذا هو الصديق والعم الذي لم تلده ُ جدّتك فلا تنساه ياولدي ..؟
فيا أختي الغالية: أصدقاء المائدة قليلو الفائدة .. وحقا ً لا نعرف الصديق الصدوق إلاّ بالأزمات والمصاعب وهم قلّة ٌ قليلة في هذا الزمن الماديّ الأرضي الرديء.
سلمت يداك يا غالية ..على هذه القصة الرائعة كموعظة لمعرفة الصديق الصدوق .