نحن سريان آراميون
بادئ ذي بدء لا بد لي من الوقوف منحنياً لأستاذي الغالي فؤاد على هذا الرد ولدي تعقيب على الموضوع أرجو أن يتسع قلبكم للرد على الإدعاءات الزائفة بخصوص السريان ليس لديّ المصادر الكافية بخصوص المحلمية ولكن لدي ما يخص السريان
إن كلمة "سريان أو القومية السريانية" والتي يحاول البعض أن يزيفوا تاريخ هذه الحضارة القديمة والعريقة ولا غرابة في الأمر فهم يحذون حذو بعض المؤرخين العرب في تزوير التاريخ .
ألسريان قومٌ ولغةٌ وتاريخ وحضارة ووطن ...نعم هناك فرق بين القومية والدين
والحديث عن السريانية كقومية وتاريخ وحضارةلا تتسع له مجلدات، وإن ذكرت الكندي ويحيى بن عدي وبختيشوع وبرديصان وحنين ومارأفرام وجبران خليل جبران وإبن الموصل نجيب الريحاني ، نكون قد ظلمنا مئات منالفلاسفة والمفكرين والأطباء والشعراء والكتّاب والمترجمين والفنانين وغيرهم.
ولكننا بصدد سرد تاريخ السريان وتبيان هذه الحضارة العريقة حيث طرح علماء و باحثين آراءً كثيرة حول تأصيل معنى السريان و السريانية
و يقول مؤرخو السريان و علمائهم و منهم مار ديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي و المؤرخ الكبير مار ميخائيل بأنها متأتية من سورس الملك كنسبة إليه الذي ظهر قبل النبي موسى و هو من الجنس الآرامي و قد استولى على بلاد سوريا و ما بين النهرين و بأسمه سميت هذه البلاد سوريا و أهلها سورسيين ثم حذفت السين الثانية من الاسم فصارت سوريين و كذلك سميت قيليقية نسبة إلى قيليقوس أخي سورس .
كان السريان قديماً قبل المسيح يسمون آراميين نسبةً إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية وكلمة آرام سريانية تعني الأرض المرتفعة. و قد دخل أسم سورية و سوريين و سريان الآرامية قبل المسيح بشكل واضح في عهد السلوقيين الأغريق و على وجه التدقيق بعد ظهور الترجمة السبعينية للعهد القديم التي أستخرجت من العبرانية إلى اليونانية عام 280 ق. م حيث أن المترجمين ترجموا لفظة آرام بسورية كبديل لها أو مرادف و أخذ يغلب الأسم السوري على الآرامي شيأً فشيأً . كما أن الترجمتين اليونانية و اللاتينية جعلتا بدلاً منه أسم يوناني . و إن الكتاب المقدس أثبت لفظ سوريا بالألف و نقله العرب عن السريان لا عن اليونان فقالوا سوريا و لم يكتبوا سيريا أو آثوريا أو آشوريا أو صوريا – سورايا - كأنه منسوب إلى سيري أو آثور كان هذا كله من حيث تأصيل اللفظة و إشتقاقها وحيث أن أجدادنا السريان هم اللذين اخترعوا أول أبجدية حية وعلمية في التاريخ وهي اليوم أمُ لغات العالم المتحضر ولنا فخرٌ أنه يتكلم بها ويفكر ويكتب بها مستشرقين كثيرين وجامعات عالمية تدرس هذه اللغة العريقة كجامعة السوربون بفرنسا وجامعات بأميركا وهذه اللغة لم تأتي من فراغ لولا وجود حضارة سبقتها وغذتها فكلمة الحضارة والمدنية نفسها هي كلمة سريانية تعني قبوليّة
( civilization)
الفرق بين القومية والدين أنك معتنق الديانة المسيحية اليوم بالعقيدة الكاثوليكية أو الأرثوذكسية وغداً تعتنق المذهب البروتستانتي وهذا ممكن ولكن قوميتك سرياني أو كلداني تصبح بعد فترة عربي أو أرمني هذا محال وعندما تقول :
والى يومنا هذا نرى الكلدانيين والأثوريين لا يتخذون لفظة سرياني للدلالة على الجنسية بل على الديانة فان هذاالاسم عندهم مرادف لاسم مسيحي من أي أمة وجنس كان
لقد تمسك الكلدان والأشوريين بقوميتهم ويتفاخرون بها وعندما تسأل عن لغتهم يقولون لك أن لغتهم سريانية من أين جاءت السريانية ؟
وعدم معرفتنا اليوم بكامل الحقائق عن أصول السريانية لاينفي هذا وجود تاريخ ، أي أن عدم معرفتنا بأن قمة إفرست مثلاً أعلى قمة لا ينفي أنها الأعلى. وهذا سببه النقص بالدراسات والتمحص في هذا المجال.
كان هذا كله من حيث تأصيل اللفظة و إشتقاقها أما من حيث الشمولية فلقد حاول البعض طمس الحقائق وأود أن أعود لك قليلاً في التاريخ لعلك تبحث وتجد الحقيقة بنفسك كل السريان الذين تقبلوا دعوة الإنجيل في ولاية الكرسي الأنطاكي و كانت الكنيسة السريانية هذه تشمل على قسمين شرقية و غربية و هي تقسيمات جغرافية فالشرقية كانت تحت حكم الفرس و كانت مشتملة على بلاد الجزيرة أو بلاد ما بين النهرين و العراق و يسمى أهلها بالسريان المشارقة و كان مركزها الديني أولاً المدائن حتى أواخر القرن الخامس و في هذا القرن لما أعلن نسطور بطريرك القسطنطينية 428 م تعليمه المخالف لعقيدة الكنيسة الجامعة أنفصل عنها و أتباعه و أستقلوا بذاتهم و أستحدثوا لهم مركز رئاسة خاصة في المدائن ثم نقل إلى بغداد عام 762 م و منهم تفرع الكلدان سنة 1553 و سميت بطريركيتهم ببطركية بابل عام 1713 م .
أما الغربية : فكانت تحت حكم الروم و مشتملة على البلاد الواقعة غربي الفرات و هي سوريا و فلسطين وآسيا الصغرى و بلاد الشام و أهلها يعرفون بالسريان المغاربة و يرأسها بطريرك أنطاكية مباشرة و هذه أيضاً بحكم الزمان و الأحداث السياسية و المكانية و المذهبية تفرعت عن 415 م و على أثر إنعقاد المجمع الخلقيدوني إلى القائلين بالطبيعتين إلى السريان الأرثوذكس الباقين على عقيدتهم بالطبيعة الواحدة وإلى المنضمين إلى الروم الخلقدونيين فأطلق عليهم في النصف الثاني من القرن الخامس أخوانهم السريان الأرثوذكس بلغتهم السريانية أسم الملكيون أو الملكانيون أو الملكانيون جمع ملكي و ذلك لأنهم تركوا إيمانهم و إيمان الآباء الأجداد السريان و قالوا بمقالة مرقيان ملك الروم كما سموهم أيضاً روماً نسبةً إلى الدولة الرومانية التي كانت تأخذ بالعقيدة الخلقيدونية و سموهم أيضاً يونان نسبة إلى سكان القسطنطينية عاصمة الدولة التي كان أهلها يتكلمون باليونانية و هكذا أيضاً تفرع عن السريان الروم الأرثوذكس و عنهم تفرع الموارنة في القرن السابع و الروم الكاثوليك عام 1724 م .
و تفرع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن السابع عشر السريان الكاثوليك
و بهذه تصبح الكنيسة السريانية اليوم تشمل على سبع كنائس و حسب الترتيب هي:
1- السريانية الأرثوذكسية الأم .
2- النسطورية .
3- الكلدانية .
4- الروم الأرثوذكس .
5- الموارنة .
6- الروم الكاثوليك .
7- السريان الكاثوليك .
شهود على الحضارة السريانية :
((أمسك المسيحيون السوريون بشعلة الحضارة اليونانية وأسلموها للعرب , وأخترق بها هؤلاء أفريقيا إلى اسبانية )) ديورانت .
(( للسريان الفضل في يقظة العرب عامة ونهضتهم الفكرية في بغداد زمن العباسيين ما لم يكن مثله لأمة واحدة سواهم تلك النهضة التي تحدت ولا تزال مفخرة العصر الأسلامي القديم)) فيليب حتي .
(( حمل الكتاب السريان بأيديهم مصابيح الفكر الأغريقي إلى العرب فنقل بعد ذلك الى أوربا في القرون الوسطى )) وليم رايت .
(( إن تاريخ الفلسفة ليذكر هؤلاء المترجمين بالتجلة والتبجيل لما كان منهم من دقة في الترجمة وأمانة في النقل وما استفادته اللغة العربية من هذه الكتب المترجمة فقد وثبت بفضل هذه الحركة الوثبية الثانية بعض النهضة الأولى التي نهضها نزول القرآن )) وأيضا ( كان لتلك الحركة اجر عظيم في إعداد العرب لأن يمثلوا دورا هاما جداً في تاريخ العالم ) محمد عطية الأبرشي .
وقد اخبر ابن خلدون من شأن هذه النهضة وعزا إليها اليقظة الإسلامية الكبرى .
واعتبرها ديورانت بمثابة النهضة الأوربية التي اعفيت القرون الوسطى .( لم يدع السريان كتابا في الحكمة إلا عربوه ولا سيما مؤلفات من اللغة اليونانية لأنهم كانوا قد تعلموها وأتقنوها غاية الإتقان من القرن الرابع للميلاد و ادخلوا تدريسها في مدارسهم فلخصوا وهذبوا وزادوا وبوبوا وأصلحوا والقوا ) كتاب ظهر الإسلام . ص88_89 .
يقول الكندي ( فقد كان السريان لنا سبلا مؤدية إلى علم كثير فأنهم لو لم يكونوا لم يجتمع لنا هذه الأوائل الحقية - رسائل الكندي الفلسفية .ص 102.
ويقول الفارابي (بهذا يمكننا أن نقول أن السريان هم الذين علموا المسلمين الفلسفة أولا .
وهم الذين ترجموها لهم ثانيا لهذا تأثر المسلمون بالفلسفة التي كان يعرفها هؤلاء السريان ) تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علوم الكلام عند المسلمين ص 139 .
اثر السريانية في العربية أكتمل بجوانب أهمها :
1_تعلمها : حيث يردي السيرة النبوية كيف كان يطلب الرسول من الصحابة تعلم السريانية - فجر الإسلام ص 142 .
2_ الألفاظ : استعارت العربية من الألفاظ السريانية التعبير عن بعض الأفكار و المواد .(لغة العرب كيف تنهض بها حول
3_ الأرقام : أقتبسها العرب الأرقام الهندية والسريانية . ( مجلة المشرق البيروتية .ص14. نقلاً عن المستشرقون.
4_ الكتابة والخط : اقتبس العرب في القرن الأول قبل الإسلام من الخط السرياني الأسطر نجيلي ابجدية وخطها الذي عرف بالكوفي فاستعمل في كتابة القرآن . عن الأداب السامية ص 197
وقال المطران بولس بهنام ( لا شك أن العرب أخذوا خطهم الذي نراه اليوم من الخط النبطي الآرامي وأن الخط العربي الكوفي ليس إلا نمطا" من أنماط فن كتابة الخط السرياني ).
5_ النحو : تأثر نحو اللغة العربية بالنحو السرياني وذلك أن أبا الأسود الدؤلي الذي يعتبر منشئ النحو العربي كان قد ذهب إلى الكوفة وتعلم الفصاحة السريانية . كما يخبرنا المؤرخ التركي أحمد (استعان بالسريان في أول نحو نظمه في اللغة العربية . كتاب التاريخ العام .ج5 ص 164
فنسج في تبويبه على المنوال السرياني . تاريخ أدب اللغة العربية ج1 ص241
وضع قواعده على نمط القواعد السريانية . فجر الإسلام ص183
ويقول أحمد أمين /كان طبيعيا أن ينشأ علم النحو في العراق .... لأن الآداب السريانية كانت في العراق قبل الإسلام /.
في مجال الترجمة : تم نقل الإنجيل للسريانية لنسخ عديدة ، ففي أواخر القرن الأول أنجز جماعة من اليهود المتنصرين ترجمة إلى السريانية عرفت بالبسيطة ثم ترجمة أخرى عرفتبالسيطة ثم ترجمة أخرة عرفت بالسبعينية.
وقد أحظى الأب بولات مرتان خمسا وخمسين نسخة سريانية من الكتاب المقدس مكتوبة في القرن الخامس والسادس و السابع يقابلها 22 نسخة لاتينية و10 نسخ يونانية
وقد قام الملفان دانيال السرياني والأستاذ سيروب الأرمني على إبداع الكتابة الأرمنية وقاموا بنقل الإنجيل للغة الأرمنية عام 404 م.
فضل السريان في الآداب
الأدب السرياني من أغنى آداب اللغات السامية وأشهرها . نشأ في ما بين النهرين مهد الحضارة قبل المسيح بأحقاب متطاولة وعاش الى أوائل القرن الرابع عشر الميلادي . إلا أن حياته بعد الفتح الأسلامي كانت ضعيفة وهو يقسم الى عصرين مهمين : 1- العصر الوثني 2- العصر المسيحي . فالعصر الوثني لم يخلق لنا آثاراً تذكر لأن السريان الأقدمين أبادوا مؤلفات أجدادهم لما أعتنقوا المسيحية ولهذا لايعرف عن أدب هذا العصر إلا القليل وكل ما اتصل بنا من الأدب السرياني هو من المدرسة المسيحية لا الوثنية , أما العصر المسيحي فقد خلف آثاراً قيمة في سائر أنواع العلوم ويمتاز أدب هذا العصر بكونه أدباً مسيحياً نشأ وارتقى متأثراً بالمسيحية مديناً لها بالصبغة الدينية . لأن مجموعة الكتابات التي بقيت لنا منه يكاد مؤلفوها يكونون بلا استثناء من الكهنة أو الرهبان . أو من علماء اللاهوت الذين تخرجوا من مدارس الأديرة . ومع تنميالأدب السرياني وشهرته لم يجتهد السريان على دراسة هذا الأدب ومفاتنه ولم يصنعوا كتباً في هذا المجال إلا النذير منه . هذا بينما نرى الغربيين قد قدروا ما لهذه الأدبيات من الأهمية فاقبلوا على دراسة اللغة السريانية وعمدوا إلى نشر كنوزها الأدبية بعد نقلها إلى لغاتهم المختلفة وتفرغ جماعة من كبراء علمائهم المستشرقين الأعلام لتمحيص هذا الأدب ودرسه درساً وافياً وأشهرهم :المرحوم وليم رين المستشرق الانكليزي و روباتس دوفال المستشرق الفرنسي و الدكتور أنطون باومشترك المستشرق الألماني . وقد وضع كل من هؤلاء مؤلفاً ثميناً بلغته في تاريخ الأدب السرياني على نسق عصري حديث مبوب أحسن تبويب . وهناك عدد كبير من المستشرقين عدا من ذكرنا ممن كتبوا حولهذا الأدب أو نشروا شيئاً من آثاره أو نقلوا إلى لغاتهم بعض مؤلفاته كما تقدم معنا القول في أعلاه . ويضيف بنا المقام إن حاولنا سرد اسمائهم فقد ذكر البطريرك مار افرام برصوم في كتاب اللؤلؤ المنثور اسماء أكثر من مئة مستشرق عُنيَّ بالسريان (يقول مؤسس الحركة البروتستانتية الإصلاحية جان وسلي : لكي نفهم روحانية المسيحية الأولى علينا أن ندرس مؤلفات غوغورث النيسي _ أوغوسطينوس _ وطبعا" مار أفرام السرياني) .
إن للسريانية وأدبها فضلاً كبيراً ليس في إيصال الفكر اليوناني ونقل تراث الإغريق إلى الشرق والعرب وحسب فهذه حقيقة قائمة لا يختلف فيها اثنان إنما الفضل كل الفضل في صيرورة السريان حلقة وصل بين الحضارات النهرينية القديمة والتراث اليوناني .
فضل السريان في العلوم
أن السريان قاموا بنقل حضارتهم القديمة إلى الإغريق ليطوروها ثم يتعرف السريان الحضاريين على هذه الحضارة المتطورة وينقلوها للعرب في العهدين الأموي والعباسي .
وعند احتلال اليونان لهذه الأراضي حتى في أيام حكم السلوقيين والبيزنطيين فرضت اليونانية
نفسها كلغة رسمية لا غير على الرقعة التي كانت واقعة تحت حكمها .
لكن بقيت اللغة السريانية هي المسيطرة ولاسيما في القرى والأرياف والجبال .
واستمر الشعب ينطق بلهجاته المشرقية القديمة ومنها السورث.
حتى أن أنشقاق الكنيسة المشرقية لفئتين فئة تقول بالطبيعة الواحدة وفئة بالطبيعتيين هي التأثرالشديد بالفلسفة اليونانية .
فالنساطرة تأثروا بفلسفة أرسطو.والأرثوذكس تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وذلك بسبب التأثر المباشر لمصنفات ديودور الطرسوسي وتيودورس الأسقف
وفي مجال الطب أذكر بعض الأمور :
وصف المظاهر المرضية التشخيصية عند الأطباء السريان في مخطوطات :
السل في الرئة _ اليرقان _ الآلام المرارة _ السل المعوي_ القرحة _ الباسور _ التهاب الجنسي _ انسداد الأمعاء _ السكتة القلبية _التهاب الرئة والقصبات _ التهاب الأذن الوسطى _ السيلان البني _ألام الكلى والمثانة
الحية رمز للشفاء :
راجع ملحمة جلجامش .
دفع الأطباء السريان لجعل الحية رمزاً للشفاء حتى يومنا هذا حيث أصبحت الحية رمزاً للطب .
لقد عانى السريان الكثير الكثير وعانوا الأمرين تارةً من الفرس وتارةً من الرومان ومن المغول ومن الفتوحات الاسلامية ومن الحملات التبشيرية ومروراً بالعصر الحديث المذابح في تركيا ولكن
يد الله أعلى من يد البشر