سوريا- موقع سوريون
رن هاتفي الخاص،في نهار صيفي حار لهاب من نهاريات مدينة (القامشلي) العطشى الى الماء ، كما هي عطشى الى.. الحرية. ترددت بالرد، خوفاً من أن تكون المكالمة، قد تحمل خبراً غير سار، حيث نعيش في زمن شحت وانقطعت فيه الأخبار السارة،في بلدنا وفي عموم المنطقة... كنت قلقاً من أن أسمع خبر وفاة أحد المعارف.. أو ...نبأ اعتقال جديد لأحد ناشطي المعارضة أو من ناشطي إحدى لجان الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات و المجتمع المدني في بلدي سوريا.. ترددت بالرد، لأنني خفت من أن أطلب لاستدعاء جديد، كما جرت العادة بعد كل نشاط سياسي أو ثقافي نقوم به (المنظمة الآشورية الديمقراطية)، لأحد الفروع الأمنية، التي تنشطت في الآونة الأخيرة بعد فترة تراخي وتأمل،كنا نتمناها أن تطول لكنها لم تدم.. ترددت بفتح التليفون، الذي بدأ يرن بعصبية سياسية، خشية من تحمل المكالمة بياناً من بعض (الأحزاب الكردية)، الآخذة في التكاثر والنمو في موسم قمع الحريات السياسية في سوريا، تدعو فيه الأخوة الأكراد في (القامشلي)للتظاهر من جديد احتجاجاً على (البيانات الصاخبة) التي صدرت عن الاجتماعات الأخيرة لـبعض (عشائر العرب) في الجزيرة السورية، التي بدأت تتطاول على دور الدولة وتتجاوز وظيفتها في حفظ الأمن وحماية الوطن....، ...
تستمر رنة التلفون وتتواصل الهواجس والمخاوف من غير أن أرد... خشية من أن يقول لي أحداً: بأن آشورياً من اقرباء المجني عليهم في (مدينة الحسكة) تلقى مجدداً، تهديداً من أحد أقرباء الجناة (القتلة)، من عائلة الراضي، لإسقاط حقهم في المقاضاة.... أو أن يزعجني بخبر مفاده: وقوع مصادمات بين (مجموعات سورية) في إحدى المدن والبلدات السورية كتلك التي حصلت في السويداء والقدموس ومصياف و عفرين والحسكة.... أو أن يقول
عملية ارهابية)،جهادية جديدة، قام بها زارعي قنابل الموت بدل أزهار الحب والحياة، في منطقة ما من العالم أودت بحياة أبرياء جدد، خلفت مئات الأيتام وعشرات الثكلى من النساء وتركت الكثير من الشبان والشابات، من العاشقون والعاشقات، بانتظار الحبيب القادم وفي يده وردة حب... أو أن يقول لي المتحدث : بان جريمة اغتيال سياسية جديدة (بسيارة مفخخة) حصلت في لبنان وأودت بحياة أحد القادة والشخصيات الوطنية اللبنانية .... لا أتحدث عن العراق المنكوب، لأن (الموت والدمار) باتا جزءاً من الحياة اليومية للعراقيين ومن المشهد العراقي المخيف والمأساوي....
طال انتظار التلفون وهو يستنجد المارة لإسكاته وأنا ما زلت خائفاً من أن يكون أحداً من السريان على الخط ليقول: بأن بطريرك السريان الأرثوذكس (زكا عواص الأول) قرر، من مقره الصيفي في (معرة صيدنايا) تغير اسم كنيسته (امارته) من (الكنيسة السريانية الأنطاكية الأرثوذكسية لسائر السريان في المشرق والعالم) لتصبح(الكنيسة العربية لسائر العرب والإمبراطورية العربية، من المحيط الهادري الى الخليج الثائري) أملاً بأن يصبح قداسته ( بطريرك العرب) وقائدهم القومي ويحقق (النهضة العربية)و (الوحدة العربية)، على أرضية (وحدة الكنيسة العربية)، بعد أن فشلت كل الأحزاب والحركات القومية العربية، الحاكمة والمعارضة، على امتداد الخريطة العربية، من البعثيين الى الناصريين، في تحقيق هذا (المشروع الإمبراطوري)،هذا الحلم(الوهم) القومي العربي...أقول هذا: رداً على ما ورد في مقال لـ (قداسته) نشرتها(جريدة النهار اللبنانية) بتاريخ 12 حزيران 2005 تحدث فيها كقومي عربي و بلغة و خطابات القادة العرب المهزومين، ودعا في مقاله المذكور: (( الى رفع راية (العروبة) عالياً وتوحيد (الدول العربية) أو ما يسمى بـ الوطن العربي الكبير))....أليس من الأولى بقداسته أن يلتفت لوحدة كنيسته وشعبه ورعيته ، المنقسمة على نفسها، والتي تعيش اليوم في ظل حكم ورعاية (قداسته) أسوا مراحلها و في أدنى درجات الانحطاط، حيث بات في كل مدينة، في الوطن والمهجر، أبرشيتان سريانيتان متخاصمتان....أليس من الأفضل له أن يعمل لأجل الحفاظ على الوجود السرياني والمسيحي السوري المهدد بنزيف الهجرة ، قبل أن تصبح (سوريا السريان) ومهد المسيح من غير سريان ومن غير مسيحيين. ...
ترددت كثيراً برفع سماعة التلفون، لكن دوماً فضول الإنسان يدفعه ليعرف الحقيقة ويسمع كل جديد حتى لو كان هذا الجديد مؤلماً وغير سار. أخيراً قررت الرد على من يود التحدث لي... آلو... نعم.... أنا الكاتب: (محمد غانم) أتحدث اليك من مدينة الرقة. ... أهلاً وسهلاً بك، وبكل أهل الرقة الطيبين....طاب نهارك .... إنها فرصة سعيدة للحديث معك..... . -طبعاً لم يسبق أن التقينا،كلاً منا يعرف الآخر من خلال كتاباته عبر الصحافة، وقد حصل على رقم هاتفي من أحد الأصدقاء- أخبرني الاستاذ: محمد غانم، بأنه أسس (موقع الكتروني) هو قيد الإنجاز يحمل أسم ( سوريون)، وهو موقع مستقل وحر ومنبر ديمقراطي مفتوح لكل السوريين وبكل أطيافهم وارائهم شريطة أن تكون تحت سقف الوطن ولأجل خير الوطن والمواطن، وأضاف: انه يتحمل هو شخصياً أعباءه المادية من دخله المحدود لذلك فهو معرض للتوقف إذا عجز عن تمويله...
وتابع المتحدث(محمد غانم): انه يرغب ويتشرف بان اساهم ككاتب (سوري آشوري) بمد الموقع بكتاباتي، كما أنه يرغب بان يضاف اسمي لأسرة تحرير الموقع . هكذا، جاءت المكالمة، هذه المرة، بخلاف كل هذه التوقعات، لتبدد جميع مخاوفي وتتلاش جميع توجساتي... فقد كان الخبر سار ومفرح بالنسبة لي، لأنها المرة الأولى التي أسمع شخصاً عربياً، وخاصة من مدينة الرقة، مدينة العرب الأقحاح، يتحدث عن (الهوية السورية)ويعدد لي كل ألوان الطيف السوري التي تتكون منها هذه الهوية وهو يبدي استعاداه للدفاع عن كل هذا الطيف دون تفضيل أو تمييز بين هذا وذاك، أو بين أقلية وأكثرية، فمن أجل سوريا أولاً، ولأجل سوريا أخيراً، أنشأ هذا الموقع. طبعاً شكرت الأخ (محمد غانم) على مشاعره الوطنية وصدق توجهاته وعلى اهتمامه بكتاباتي وعلى حرصه بأن انضم لأسرة التحرير، وافقت بدون تردد على الكتابة للموقع،لكن تحفظت قليلاً وتساءلت عما يترتب من واجبات على المحررين، إذ وقتي لا يساعدني على المشاركة في التحرير, لكنه أكد بأن ذلك لا يكلفني بشيء فقط الهدف منها تحقيق الغاية التي وجد الموقع من اجلها وهي أبراز (هويته السورية) بكل ألوان طيفها القومي والثقافي والديني التي نحترمها ونعشقها جميعاً، فقلت له هذا جيد ومهم فلا مانع لدي إذا كانت الغاية كما تفضلت ، هنأته على الموقع وتمنيت له التوفيق في هذه المهمة الشاقة في بلد، مثل سوريا، لا فسحة لحرية الراي ولحرية الكلمة ، في بلد لا يعرف ولم يجرب يوماً دور الإعلام الحر والمستقل... شكراً طاب يومك.... الى أن نلتقي...!.
انتظرت أيام.. فتح الموقع ...تنقلت بين صفحاته وابوابه لأتعرف عليه عن قرب وبشكل مباشر.أول شيء قرأته هي كلمة الإهداء والتي جاء فيها: (( موقع (سوريون) هو موقع وصوت كل سوري بغض النظر عن معتقداته وتموضعاته الدينية والسياسية والايديولوجية... هو صوت سوريا العائلة الواحدة، حيث تعدد الألوان والمعتقدات والأعراق. ... هو بيت لكل سوري لا يحمل فكر الكراهية والتفكير والتخويف والتخوين والغاء الآخر والافتراء عليه)). هيئة تحرير موقع سوريون بتواضع محمد غانم... نعم.. ما أجمل أن تسال، العربي والآشوري (السرياني/الكلداني) والكردي والأرمني والشركسي والتركماني، المسيحي والمسلم واليزيدي واليهودي،العلوي والدرزي والاسماعيلي، السني والشيعي، الشامي والحلبي والحمصي والديري، الجبلي والساحلي والجزراوي والجولاني ( المحتل)...و ....و. تسألهم جميعاً: من أنت؟ ويأتيك جواباً واحداً من الجميع: أنا سوري... هويتي سوريا... وطني سوريا... انتمائي لسوريا، سوريا الوطن والتاريخ والحضارة والثقافة.فعندما يقول الجميع ويقررون بانهم جميعاً (سوريون) يكونون قد اختصروا كل المسافات الجغرافية والتاريخية بينهم و حطموا كل الحواجز والمتاريس التي أقامتها وتقيمها الايديولوجيات القومية والدينية والسياسية والحزبية بين أبناء الوطن الواحد والهوية الواحدة، أنهم قرروا أن يسمو بالانتماء والولاء الى الوطن السوري فوق كل الانتماءات والولاءات الأخرى.
نعم، يا صديقي ( محمد غانم):نريد سوريا، بدون زيادة أو نقصان، نريدها بعيدة عن كل المشاريع الإمبراطورية الخلابة والخرائط القومية الكبيرة، مثلما نريدها وطناً موحداً آمناً مستقراً لجميع أبنائها، وطناً بعيداً عن كل المشاريع الطائفية والإثنية والمذهبية، التي يروج لها في هذه الأيام في منطقتنا الموبوءة، بكل آفات التخلف والاستبداد والإرهاب الفكري والجسدي، الذي يمارس باسم الدين والقومية والسياسية. أن جريمة من يتجاوز سوريا الوطن والدولة، ويربط مصيرها بالخرائط والأحلام القومية أو الدينية الكبيرة، عربية كانت أم كردية أم آشورية أو غير ذلك، إسلامية كانت أم مسيحية ، لا تقل عن جريمة من يسعى لتصغير خريطة (الوطن السوري) وتجزئته، فذاك يبدد الوطن السوري ويلغيه لصالح مشروعه الإمبراطوري الكبير، وهذا يلغي الوطن السوري ويقوضه لصالح مشاريعه الفئوية والطائفية الضيقة.
موقع سوريون، بما يحمله من مشروع ثقافي وفكري وطني، ومن رؤية مستقبلية جديدة لسوريا، ندعو اليها منذ سنوات، أجده نقطة ضوء في ليلة سورية حالكة، والخطوة الأولى على طريق الألف ميل... التي تفصلنا عن (( الدولة الوطنية)). إن ما يبعث على التفاؤل هو كون هذا المشروع الوطني انطلق من مدينة (الرقة) المعروف عن أهلها بانهم من العرب الأقحاح الغير مستعربين، كعرب الشمال والغرب والدخل السوري.فهل استفاقت مدينة (الرقة) من غفوتها التاريخية وعادت لأصالتها السورية...؟ ... !... نتمنى لموقع (سوريون)، لهذا المشروع الوطني، الاستمرار والنمو والتقدم.
سليمان يوسف يوسف
Article written by Webmaster 24/07/2005 (lu 70