
24-01-2007, 07:34 PM
|
Titanium Member
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 995
|
|
متى يتوقف دعاة الفتنة ؟ مالك نصراوين
متى يتوقف دعاة الفتنة ؟
طالعتنا الصحف في الأسبوع الماضي بنبأ اعتذار وزارة الأوقاف المصرية ، عما ورد في كتاب " فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية " ومؤلفه احد كبار الإسلاميين المعروفين في مصر وهو الدكتور محمد عمارة ، عضو في مجلس البحوث الاسلامية ، ولم اقرأ في النبأ تفاصيل كثيرة ، أقرّ فيه قولا واقتباسا بتكفير المسيحيين واباحة دمهم وأموالهم، والاعتذار جاء على لسان وزير الاوقاف المصري محمد زقزوق ، وفيه ايضا يشيد بالعلاقات التي تربطه مع الاقباط ومع البابا شنودة ، وكأن ذلك فقط هو مبرر الاعتذار ، كما اعلن الوزير سحب الكتاب من الاسواق كي يعاد طباعته بعد ازالة العبارات المسيئة للاقباط فيه .
اعتقد ان مثل هذا الاعتذار لا يكفي ، فقد وصلت الرسالة ، رسالة بث الكراهية والتحريض ضد جزء هام من النسيج الوطني المصري ، وان كان هناك سحب للكتاب من الاسواق لحذف العبارات التحريضية واعادة طباعته، فان نسخا منه قد بيعت بالتاكيد ، اضافة الى نسخ اخرى وزعت بغير طريق البيع ، كما لن يعدم الكاتب واتباعه من مروجي الكراهية الطائفية وسيلة لبث هذه السموم من دون كتاب ، واذكر هنا انني قد حضرت عدة لقاءات مع الكاتب المذكور في تلفزيون اي ار تي ، من خلالها فقط لاحظت الكم الهائل من مخزون الكراهية لديه ضد الاقباط المصريين ، رغم انه يدّعي انه كان من اشد المناصرين للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ، ولا ادري ان كان ما زال على ولائه له ، وان كان كذلك ، فكيف يستطيع التوفيق بين فكر قومي وحدوي مستنير يؤمن بالقومية العربية ، ويعتبر العروبة رابطا مشتركا لكل ابنائه بغض النظر عن الدين ، وبين افكاره الحالية التي ترفض التعدديّة وتدعو إلى التمييز بين المواطنين على اساس الدين والانتقاص من حقوق مواطنتهم تبعا لذلك .
ان من يسيء الى الوحدة الوطنية ويحاول تمزيق نسيجها ، ويدعو إلى الإساءة الى اثني عشر مليون قبطي مصري ، يشكلون حوالي 15% من سكان مصر ، وهم مواطنون مصريون منذ الاف السنين ، لا احد يستطيع التشكيك بانتمائهم الوطني لمصر والعروبة ، ساهموا وما زالوا رغم التمييز الذي يمارس ضدهم ببناء مصر ، وتبني القضايا العربية والتضحية في سبيلها ، ان من يقوم بهذه الإساءة لا يكفي الاعتذار عنه ، بل يلزم اجراءات رادعة ضده ، بتهمة الاساءة الى الوحدة الوطنية، والى مواطنين مصريين يفخرون بانتمائهم الوطني والقومي ، والذي لم يكن على مر التاريخ موضعا للتشكيك ، فلن يستطيع اي من دعاة الفتنة التشكيك مثلا بوطنية البابا شنودة ، الذي حرم على الاقباط زيارة القدس ما دامت تحت الاحتلال الاسرائيلي، رغم اتفاقية السلام التي وقعها السادات مع إسرائيل منذ ثلاثين عاما ، ورغم ان التطبيع كان شعارا سائدا في مصر طيلة تلك السنوات ، ورغم ان البابا شنودة لو اراد التخلي عن مبادئه ، والهرولة باتجاه مصالح رعيته ، لكان قد اختار عكس ذلك ، وحينها يكون اكتسب دعما دوليا من جهات دولية مؤثرة وداعمة للتطبيع .
لقد ابتليت مصر في العقود الثلاث الماضية بالفتنة الطائفية ، والتي كان الاقباط ضحيتها الأولى، مترافقة مع نشاطات الجماعات الأصولية المسلحة ، ومن المستغرب فعلا ان تبقى رؤوس الفتنة والمحرضين عليها ، في منأى عن إجراءات رادعة لهم إلى جانب الاجراءت الأمنية ضد الجماعات المسلحة ، لا بل ان بعضهم قد تهيأت لهم منابر إعلامية في الإعلام الرسمي ، يمارسون من خلاله بث الكراهية والتحريض غير المباشر ضد الأقباط ، يتجاهلون كل التحديات المصيرية التي تواجه مصر والوطن العربي ويركزون على الفتنة ، وحتى عندما يتناولون بتعليقاتهم هذه التحديات ، فان التحريض الطائفي لديهم هو كالتوابل التي تضاف للحفاظ على نكهة الطائفية .
لم نسمع مرة ان أقباط مصر يطالبون بدولة مستقلة لهم او بحكم ذاتي ، ولم نسمع ان احدهم تخلى عن وطنيته المصرية او حتى انتمائه القومي العربي، فكل ما يطالبون به هو حقوق المواطنة المهدورة ، والمساواة مع اخوتهم المسلمين في الحقوق والواجبات ، وهذا من ابسط حقوق المواطنة وتنص عليه معظم الدساتير العربية ان لم يكن كلها ، فالمواطنون متساوون بالحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين وغيره ، كما ان مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت على اتفاقاتها كل دول العالم تقريبا تنص على ذلك ، فكيف يسمح لهؤلاء المحرضين بمخالفة الدستور ومباديء حقوق الإنسان ، والتحريض ضد شريحة واسعة من أبناء الوطن ؟ ولمصلحة من يتم ذلك ؟ وما الفائدة التي يجنيها الوطن من نتائج مثل هذا التحريض ؟
كيف يبرّر هؤلاء المحرضون دوافع تحريضهم ، وممارستهم غسل ادمغة الناس الغيورون على دينهم ، واستغلال هذه الغيرة لتدمير نسيج الوحدة الوطنية ، هل يعتقدون ان اسلمة المجتمع المصري بكامله ، واسلمة الاقباط بالترغيب او بالترهيب هي الطريق الوحيد للنهوض بمصر والامة العربية ومواجهة الاعداء ؟ ومنذ متى كان الوجود المسيحي العربي عقبة كأداء في وجه النهوض الوطني والقومي ؟ الم يكن العكس صحيحا اذا نظروا الى دور المسيحيين العرب على مر التاريخ العربي في التطور الشامل للامة العربية ؟ هل سجل للعرب المسيحيين تقاعسهم عن القيام بدورهم في الدفاع عن ارض العروبة ضد اعدائها والتضحية بارواحهم في سبيل ذلك ؟ الا يتذكر هولاء الحاقدون الشهيد البطل جول جمال ، المواطن العربي السوري المسيحي ، الذي كان ابرز الاستشهاديين العرب في العصر الحديث ، والذي فجر نفسه مع طوربيده المحمل بالمتفجرات ، كي يفجر البارجة الفرنسية " جان دارك "ومنعها من تدمير مدينة بورسعيد المصرية ؟ هل نسي هولاء ان هذا الشهيد هو سوري ومسيحي ، دافع عن مصر بدافع انتمائه القومي ، هذا الانتماء الذي يحاربونه ويشككون بجدواه ، ودافع عن سكان بورسعيد وهو مسيحي وهم مسلمون ، والفرنسيين الذين قتلهم بالبارجة يشاركونه العقيدة ، ولم يمنعه ذلك من التضحية بنفسه في سبيل الدفاع عن ابناء امته ، دون النظر الى عقيدتهم ، اليس في ذلك المثال وغيره الكثير عبرة لهم ؟
ثم الا ينظر هولاء الى العالم من حولهم ، كي يروا دول " الكفر " المتقدمة التي صنعت لهم كل مستلزمات الحياة الهانئة ، من ابرة الخياطة حتى الطائرة مرورا بكل وسائل التكنولوجيا التي يستعينون بها في تحريضهم ، كيف يعيشون تعددية اغنت حياتهم ، وكيف يحمون حقوق الانسان ؟ ولينظروا كيف يعيش المسلمون المهاجرون الى دول " الكفر " بحرية كاملة ، رغم احداث الحادي عشر من ايلول ، ورغم العنف والارهاب الذي ما زال يمارسه خريجو مدارسهم التحريضية ، كيف تعامل هذه الدول انسانها مهما كان منبته وتمنحه حقوق المواطنة الكاملة ، بل لينظروا كيف يتراكض الكثير من اتباعهم ممن يمارسون السب والشتم صبحا ومساءا ضد هذا الغرب " الكافر " ، كيف يتراكضون للعيش فيها والحصول على جنسيتها وتدريس ابنائهم في جامعاتها .
آن الاوان ان يتوقف هؤلاء عن الهدم الذي يمارسونه ، وآن لهم الاوان كي يسيروا في طريق البناء من خلال دعم اللحمة الوطنية ، آن الاوان كي يؤمنوا بحقوق المواطنة وحقوق الانسان التي لا تتناقض ابدا مع الايمان الصحيح ، والتي يؤمن بها عالم اليوم المتمدن ، حتى نستطيع ان نلحق بركب المدنية .
مالك نصراوين
21/1/2007
|