أفكار وأشجان وأفراح
بعيداً عن الحياه على هذا الكوكب ، الذي لا يمل الدوران ، بعيداً عن مشكلاته و
همومه ، بعيداً عن الناس و الأهل و الأقارب ، إلى عالم خالٍ من الشرور مليء بالحب
و العطاء و الأجواء الهادئه ، إلى نفس الإنسان بشفافيتها في أعماقه ، و غرائبه ،
يبقى شيء ينبض في داخله يحرك الحياه البائسه له ، و يحركه معها ، ينقله بين
أطوارها و أهوالها ، يشعره بالفرح و السرور ، كما يرميه في بحر من الآلام و
الحرمان ، ليبقى هو الفؤاد الحياه الحقيقيه لوجودنا نحن المخلوقات .
و في وجودي أنا شخصياً أبقى أحدث هذه الأوراق ، و من يقرؤها عن نفسي ،
فعلم أن في داخلي حطاماً لم يبق منه سوى الرماد ، و في نفسي أشياء و أشياء
إنهار على يده كل شيء ، و تبعثرت الآمال و الأماني الهادئه ، و لكن هل هذا يدمره
إحساس أشعر به ، ينمو في داخلي و يخيم في قلبي ، إحساس جعلني أعيش من
جديد ، فاخضرت به أرضي و أزدهرت به حياتي و أينعت في وجوده ، هو الحب
الطاهر . نعم الحب . فلولا وجوده لنفي جل الخلق ، و بدونه لنهارت السماء بسقفها
على الأرض .
فإليكي أيتها الحياه الهادئه ، إليكي يا نفسي السويه ، إلى من حفظتها في طيات قلبي
و أحطتها بأحلى الكلمات ، كلمات يصوغها خيال يرسم صورتها في داخله و يزينها
بسياج الحب الوفي و العطاء الكافي . إليكي أثمن ما تملكه الفتاه ، الحياه أو ربما
الروح الموجوده في هذه الحياه .
و أعلمي أن في جوفي كماً هائلاً يعجز قلبي عن وصفه ، و تأبى روحي إكماله ،
لأنها لو فعلت لأصابها الإعياء و التعب . ولو أني كتبته لملأت سطور هذه الأوراق . و
لجف حبر قلبي قبل أن تجف الأقلام . فتذكريني دائماً على مرفأ الأحباب و مسكن
الأطياب ، و إياكي و نسياني يا زهرتي ، التي أرويها من محبتي و أخشى عليها من
نوائب هذا الدهر .
|