ضحايا الحب...
هم كثيرون...ينثرون مشاعرهم هنا وهناك...قد تكون تلك المشاعر زائفة...فهم لم يوجهوا الحب التوجيه الصحيح...
تحدّث عنهم د.عائض القرني فقال:
الحُبُّ في لُغةِ الهَوى حَرفانِ
لكنَّهُ يومَ النّوى لُغتانِ
لُغةُ القلوبِ ولا يفّكُ رموزَها
إلا فؤادٌ دائمُ الخَفقانِ
مُتوهِّدٌ بلهيبِ ذِكرى لو هَوَت
في البحرِ ظلَّ البحرُ في هَيَجانِ
ومُضَرّجٌ بدمِ الشّهادةِ معلِناً
أسماءَ مَن ذُبحوا على القُربانِ
ذابَت حشاشَةُ ورْقِ خِطابِهِ
فتجاوَبَت لحَنينِهِ العينانِ
بعثَتْ لهُ بالدَّمعِ ألفُ رسالةٍ
مَظروفَةٍ بكَمائمِ الأجْفانِ
فإذا قرأْتَ حروفَها في لَيلةٍ
أيقَنْتَ أنَّ الحبَّ شيءٌ ثانِ
الحُبُّ ليسَ قصيدةً عربيّةً
محبوكةَ الأطرافِ والأوزانِ
الحُبُّ ليسَ روايةً منسوجةً
للعَرْضِ والأعلامِ والإعلانِ
الحُبُّ ليسَ تهتُّكاً وتهافُتاً
وتظاهُراً بمرارةِ الحِرمانِ
الحُبُّ ليسَ من الدَّعِيِّ مقالةً
منحوتةً بعجائِبِ البُلدانِ
كلا وليسَت خيمةً بدويّةً
مضروبةَ الأطنانِ في الصّوّانِ
ما كان حُبّاً مسرحيّةُ عابثٍ
أدوارُها تُصْميكَ بالدّوَرانِ
الحُبُّ أن يقفَ الفؤادُ مولهاً
أنفاسهُ من لاهِبِ النّيرانِ
لو سالَ من جِسمِ المُحِبِّ دماؤهُ
كُتِبَت حُروفُ الحُبِّ في الجُدرانِ!
ترمي العيونُ إليهِ وهْي نواعِسٌ
سهمَيْنِ من وَصلٍ ومِن هُجرانِ
فإذا التقى سهمُ الوِصالِ بقَلبِهِ
هزّتهُ ذِكرُ ملاعِبِ الوِلدانِ
وإذا أتى بالهَجرِ سَهمٌ صائبٌ
فَهْوَ الشّهيدُ بساحةِ الميدانِ
وتثيرُ أنفاسُ الصّباحِ بروحِهِ
أشواقَ مَن رَحلوا مِنَ الأوطانِ
فيظلُّ في بحرِ التَّذَكُّرِ باكياً
ما عادَ مِن صبرٍ ومِن سُلوانِ
وإذا الصِّبا هبَّتْ وحَلَّ أريجُها
هجرَ الكرى ومجالسَ الإخوانِ
لو مرَّ طيفُ حبيبِهِ بمنامِهِ
لارتاعَ وهْو يُعدُّ في الشُّجعانِ !
أما الضُّلوع فلو لمَستَ لهيبَها
لظننتَها من لاهبِ النّيرانِ !
هجَرَ الرُّقادَ وقد تصدَّقَ بالكرى
فكأنَّهُ يشكو إلى الدّبرانِ
خلعَت لهُ الجوزاءُ من أسمالِها
ثوبَ السُّهادِ بليلَةِ الأحزانِ
وكساهُ حتّى اللّيلُ بُردَةَ عاشِقٍ
تغنيهِ عن خُلَعٍ وعن قُمصانِ
تلقاهُ مفجوعاً يقلِّبُ كفَّهُ
متلهِّفاً كالوالِهِ الحيرانِ
فإذا غفا فحبيبُهُ في جفنِهِ
متَمثّلاً في صورةِ الخَجْلانِ
وإذا صحا من يهوي غدا
في كُلِّ ناحيةٍ وكُلِّ زَمانِ
إن لاحَ برقٌ قالَ بَسْمَةُ عاشِقٍ
أو ناحَ رعْدٌ قالَ صَوتُ فُلانِ!
والصُّبحُ طَلعَةُ وجهِهِ وجمالِهِ
والغَيثُ يشبِهُ دمع مَن يهواني!
ونشيدُ طيرِ الرَّوضِ يُحيي ميّتاً
مِن شوقِهِ في سالفِ الأزمانِ
فهوَ المُعذَّبُ ما قد راعَهُ يحنو
لهُ حسّادهُ فهو البعيدُ الدّاني
يا لائمي في الحُبِّ ليتَكَ ذُقنَهُ
وسقاكَ من جَفنَيهِ مَن أسقاني!
إن كُنتَ تعذِلُني فجَرِّب ساعةً
هَجْرِ المُحِبِّ وفُرقةَ الخِلانِ
فلسَوفَ تعذرُني وتفقَهُ قِصَّتي
وتَبيتُ أنتَ مجرّح الأركانِ
أنا ما هويتُ مُربرباً ألحاظُهُ
سِحرٌ وفوقَ لماتِهِ خالانِ
ورموشُه كسُيوفِ هِندٍ أُشرِعَت
ضرباتُها تهدي الرَّدى لجِنانِ
وعلى الجَبينِ من الجَمالِ مَهابةٌ
وحَلاوَةٌ مِن مَنطِقٍ فَتّانِ
فالنّورُ من تِلكَ الثّنايا ذائِبٌ
والشَّهْدُ تَرشُفُ شمعُهُ شفتانِ
وكلامُهُ سِحرٌ حَلالٌ مُترَفٌ
يُنسيكَ عَذبَ معازِفِ العيدانِ
وكلامُهُ سِحرٌ حَلالٌ مُترَفٌ
لا يَصْحُ سامِعَهُ من الإدمانِ
سُكْرٌ من النَّغَمِ البريءِ وآخَرٌ
من دفءِ حُبٍّ إنهُ سُكْرانِ
قالوا الثُّريّا عُلِّقَت بجبينِهِ
وتوضَّأَتْ بضيائها كفّانِ
ما روضةٌ فيحاءُ باكِرة النّدى
والغيثُ مسّاها على إبّانِ
والمِسكُ في أعطافِ كُلِّ خمَيلَةٍ
ما شئتَ من شَيْحٍ ومن ريحانِ
والطّلُّ في أردانها مُتمارِجٌ
لله من طَلٍّ ومن أردانِ
يوماً بأذكى مِن تَضوُّعِ عِطرِهِ
كلاً ولا في الحُسنِ يستويانِ
لم يسْبِني هذا ولم أهدي له
حُبّي ولم أرهنْ عليهِ جَناني
كلا وما أحلَلتُهُ من مُهجَتي
روضاً وما أسكَنْتُهُ بُستاني
عهدُ الزّيانِبِ كلّهُ أُنْسيتُهُ
وذكَرتُ كُلّ العُمرِ ما أنساني!
حُبّي لمَن مَنَحَ الجميلَ وزادني
شَرَفاً وبصَّرَني الهدى وحَباني
حُبّي لمالِكِ مُهجَتي ولِخالقي
ولرازقي هُوَ صاحِبُ السُّبحانِ
شرَفي بأنّي عبدهُ يا فرحتى
والفخرُ لي بعبادةِ الرّحمنِ
وعليهِ سارَ الفائزونَ جميعَهُم
متوهّجينَ إلى عظيمِ الشّانِ
ولأجلِهِ بذلوا النُّفوسَ وعُلِّقَت
تِلكَ الجَماجِمُ والتقى الجمعانِ
سالت على حَدِّ السُّيوفِ دِماؤهُم
وسَعَوا إلى دامي الملابسِ قاني
ومُقطَّعُ الأوصالِ يسحَبُ جسمَهُ
فوقَ اللّظى، يُشوى على الصّوّانِ
ومُبعثَرُ الأشلاءِ لو جمّعتَهُ
ألفَيتَهُ بحواصِل الغربانِ !
قُتِلوا لأجلِ مُحِبِّهِم وحَبيبِهِم
وسواهُمو لمحبّةِ النّسوانِ!
فاعرف( ضحايا الحُبِّ) وافعَل فعلَهُم
إن كان ذاكَ الفِعلُ في إمكانِ
فإذا جبُنتَ من القِتالِ وخِفتَ من
وَهجِ السُّيوفِ وزَحمةِ الشُّجعانِ
وخَشيتَ من وَخْزِ الرِّماحِ ولم تُطِقْ
ضَربَ الرَّدى من فارسٍ طعّانِ
وبخِلتَ بالنَّفسِ النَّفيسةِ موقِناً
أنَّ العُلا حُرِمَت على الكَسلانِ
فاهْجُر فِراشَكَ والمنامَ مُهلِّلاً
يومَ الأذانِ يضُجُّ في الآذانِ
واسكُبْ دُموعاً لا تُصانُ لِمَوقِفٍ
عندَ العَظيمِ مُصوِّرِ الأكوانِ
ومُعَفِّراً مِنكَ الجَبينَ ومُعلِناً
نَدَماً بنُطقِ مُقَصِّرٍ خَجْلانِ
فإذا أبَيْتَ ولم تُطِقْ هذا ولم
تَقدِرْ عَليهِ لِسَطوَةِ الشَّيطانِ
فَتَمَنَّ مَوتاً عاجِلاً وارْحَلْ فَما
أقْسى البَقاءَ لِمُفلِسٍ خَسْرانِ!