تتممة للجزء الثاني
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلامه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع الى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملاح وكوكب الصباح قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها لاجل أن تستدعي كليب الى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لانه راكب على فرسه القصب وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان الى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد وهو ان لي نديم اسمه قشمر لايوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الاحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلامها واجابها الى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله الى باب الايوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلام مجهول ويقول ماهذه الحيله التي أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي الا سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله الى تبع في الحال وقالت له بكلام الدلال أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والارتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الارض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بلا سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .
ثم قال للجليله والله ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلام والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجلا مثله بين الانام في الزلاقه وفصاحة الكلام ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الان فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلامها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الامل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :
لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين الامارة شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة بحضرة تبع الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة الا ياحارس البستان صنه وان فرطت الطير طارة
( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الاكبر فقال أعطيني أذن حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الارب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل الى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله الى ذلك المخدع وجد سلاح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الاحمال وأخرج الفرسان والابطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالانتظار وكان قد سل الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب الابطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد كان بحالة سكر وذهاب العقل فقال بالله عليك ياسيد الشجعان وفارس الميدان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع الامور والاحوال التي تحدث الى آخر الاجيال فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :
وغذا مع الملحمة الكبرى للتبع حسان
|